يعقد كثيرون أن الحكمة هي الرفق دائماً ، سواء في الدعوة أو التربية أو السياسة
، وربما يستدلون بقول الله تعالى : [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ
وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالمُهْتَدِينَ] {النحل:125} ، والحقّ أنّ الحكمة ليست الرفق دائماً ، بل إن
الحزم قد يكون من الحكمة ، ولذا قال موسى عليه السلام لفرعون بعد أن دعاه
بالرفق [قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ
مَثْبُورًا] {الإسراء:102} ، فلو كان الرفق هو الحكمة دائماً لم يقل له موسى
عليه السلام [وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا] ، بل ورد عن
عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنه قال : ( إن الله ليَزَع بالسلطان ما لا يَزَع
بالقرآن ) ، أي أنّ ذا السطْوة يفصلُ في شأنٍ بسلطانه في حينِ لا يُمكن الفصلُ
بالوعظ والقرآن.
وبالإضافة لهذا الفهم للحكمة عند بعض الناس هناك من يُعرّف الحكمة بجزء من
أوصافها ، أو كما يقول المناطقة والأصوليون تعريفاً رسمياً ، فيقولون : (
الحكمة هي وضع ما ينبغي كما ينبغي ) ويزيد بعضهم : ( على الوجه الذي ينبغي ) ،
والحق أنّ هذا التعريف غير دقيق ، لأن المجنون قد يضع ما ينبغي كما ينبغي وعلى
الوجه الذي ينبغي ، والتعريف الذي أُراه دقيقاً هو : ( التصرّف وفق مقتضى الشرع
والعقل ) ، فكلمة التصرّف تشمل القول والفعل والتصوّر ، وتقييده بوفق مقتضى
الشرع والعقل لأن الشرع والعقل ليس بينهما تعارض ، كما هو معتقد أهل السنة
والجماعة ، لا كما هو معتقد الأشاعرة الذين يُهملون رأي العقل ، ولا كما هو
معتقد المعتزلة الذين يُهملون رأي الشرع ، وبسط مسألة عدم تعارض النقل أي الشرع
والعقل موضعه كتب العقيدة.
وعوْداً على بدء أقول : إن الحكمة ليست الرفق دائماً.
وهذه قاعدة أرجو من كل والٍ استحضارها ؛ صغرت ولايته أو كبرت ، لاسيّما من أدرك
أنّ الرفق لا يُجدي إن أخذ به في سياسته وتعامله ، وتنكّر الرافضة لمن رفق بهم
وأحسن إليهم من أصحاب الولايات على مرّ التاريخ خير شاهد.
وبالله التوفيق.
سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com
|