| 
       | 
      
  
   
  جئته شيخًا كبيرًا قد ألقى الله عليه حلل المهابة ، وزيّنه بالعلم ، وأحاطه الناس 
	بمحبة وإجلال .
	لا أدري كيف ارتميت بين يديه ! زاد قلبي في الخفقان ، بدأت أنفاسي تتسابق ..
	
	لم يتفاجأ .. لم يتردد أن يسألني : 
	ما شأنك ؟ 
	فقلت له : جئتك باحثًا عن السعادة . 
	فقال : وما صنعت لها ؟
	فقلت : تعلمت العلم ، وارتقيت به أعلى المناصب والدرجات ، وخضت غمار التجارة ، 
	ففُتح عليّ بالأموال ، فجمعتها ، وأنفقتها فيما أستلذ وأشتهي ، وتنقلت في 
	البلدان ؛ فرأيت الحضارات العظيمة ، والصور الجميلة ، والمناظر الخلابة ... 
	فقاطعني بقوله : ثم ماذا بعد .. !؟
	فقلت : تزوجت أجمل النساء ، ورزقت بالأولاد ، وسكنت أبهى القصور ، وزينتها 
	بالحدائق ، وأقمت عليها الخدم ، لا أعرف المرض ولا المرض يعرفني ..
	فقال لي : وما حالك اليوم ؟ 
	فقلت له : أستمتع بهذا كله . 
	فقال : وماذا تريد بعد هذا ؟ 
	فقلت : أريد السعادة ؟
	فذرفت عيناه ، ثم قرأ قوله سبحانه : { فَإِمَّا 
	يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا 
	يَشْقَى } .
	فقلت : هذه التي أريد ..!
	ثم استرسل ينشج في بكائه فقرأ قوله تعالى : { وَمَنْ 
	أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ 
	الْقِيَامَةِ أَعْمَى } . 
	فصرخت قائلاً : منها فررت .. منها فررت ...