|
شرع العزاء في الإسلام مواساة لذوي الميت وتسليتهم وحثهم على الصبر والاحتساب ,
وكذلك الدعاء للميت والاستغفار له والترحم عليه.
وفي الحقيقة أن الشريعة الغراء لم تجعل العزاء مقتصراً على الرجال دون النساء ,
بل جعلت المواساة مشتركة؛ لذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما استشهد ابن
عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال لأهله : \"اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ
طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ أَوْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ\" أخرجه
أحمد 1/205(1751) ، وأبو داود (3132) والتِّرْمِذِيّ\" 998 .
وفي الحقيقة أن هناك كثيراً من المخالفات تقع من بعض النساء في مجالس العزاء من
النياحة والبكاء المجاوز للحد , ولطم للخدود وشق للجيوب ودعواي الجاهلية , بل
والغيبة والنميمة والثرثرة والقيل والقال , وهو ما حذر منه النبي صلى الله عليه
وسلم حينما قال فيما رواه عنه عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ ،
وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
- وفي رواية : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ ،
أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.أخرجه أحمد 1/386(3658) و\"البُخَارِي\"
2/102(1294) ، و\"التِّرمِذي\" 999 .
ولقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء من إتباع الجنازة وتشيعها إلى قبرها
لما في ذلك من اختلاط بالرجال وعدم تحمل النساء لموقف دفن الميت وقبره , فعن
عَلِيٍّ ، قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا نِسْوَةٌ
جُلُوسٌ ، فَقَالَ : مَا يُجْلِسُكُنَّ ؟ قُلْنَ : نَنْتَظِرُ الْجَِنَازَةَ ،
قَالَ : هَلْ تَغْسِلْنَ ؟ قُلْنَ : لاَ ، قَالَ : هَلْ تَحْمِلْنَ ؟ قُلْنَ :
لاَ ، قَالَ : هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي ؟ قُلْنَ : لاَ ، قَالَ :
فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ.أخرجه ابن ماجة (1578).
وفي حديث ابْنِ شُِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، فَبَكَى طَوِيلاً ، وَحَوَّلَ
وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يَا أَبَتَاهُ ، أَمَا
بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ:
إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ :
لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله
عليه وسلم مِنِّي ، وَلاَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ
مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ ، فَلَوْ مُِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، لَكُنْتُ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي ، أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ
، فَبَسَطَ يَمِينَهُ ، قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي ، قَالَ : مَا لَكَ يَا
عَمْرُو ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : تَشْتَرِطُ
بِمَاذَا ؟ قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ
الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا
كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ . وَمَا كَانَ
أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ أَجَلَّ
فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ ،
إِجْلاَلاً لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ، لأَنِّي لَمْ
أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ، وَلَوْ مُِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ،
لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ
مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا ، فَإِذَا أَنَا مُِتُّ فَلاَ تَصْحَبْنِي
نَائِحَةٌ ، وَلاَ نَارٌ ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ
التُّرَابَ شَنًّا ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ
جَزُورٌ ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ ، وَأَنْظُرَ
مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي . أخرحه أحمد 4/199(17933) و\"
مسلم\"1/78(236) و\"ابن خزيمة\"2515 .
ولكن لم يمنع الإسلام النساء من العزاء والمواساة , بل ومن زيارة المقابر , وفي
بدء الدعوة الإسلامية كان النهي بعدم زيارة المقابر للرجال والنساء لما كان
يفعله الناس عندها من عادات تخالف الشرع فيما أشارت إليه الآية (أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) ثم رخص في زيارتها بعد أن استقرت
العقيدة في النفوس ,عَنْ مَسْرُوقِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ النبي صلى الله
عليه وسلم أَنْهُ قَالَ:إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ
، فَزُورُوهَا ، وَنَهَيْتُكُمْ أَنْ تَحْبِسُوا لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ
ثَلاَثٍ ، فَاحْبِسُوا ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ ، فَانْبِذُوا فِيهَا
، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ.أخرجه أحمد 1/452 وابن ماجة 1571و 3388 و3406 .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها\" أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَخَصَ فِي
زِيَارَةِ الْقُبُورِ .أخرجه ابن ماجة (570).
والترخيص هنا كان للرجال والنساء على السواء .
وأما العزاء فهو مشروع للرجال والنساء ولكن بضوابطه وآدابه , عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ
بِمُصِيبَةٍ ، إِلاَّ كَسَاهُ اللهُ ، سُبْحَانَهُ ، مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أخرجه ابن ماجة (1601) الألباني :حسن ، الإرواء ( 764 ).
ولقد رأيت بعض الشباب المتحمس يمنع النساء من الذهاب للعزاء ويرفع شعار ( لا
عزاء للسيدات ) ويجعل ذلك من الدين دونما سند أو دليل , وكان الأولى به أن يعلم
النساء ويذكرهم بآداب التعزية والتي منها :
1- عدم النياحة والصراخ ودعاوى الجاهلية .
2- وجوب مراعاة الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية لذوي الميت فلا يشق
عليهم بتكرار المجيء عليهم والجلوس عندهم فيتجملوا تكاليف ضيافته وطعامه وشرابه
.
3- مراعاة حالة الأطفال الصغار : مراعاة نفسياتهم عند مواساتهم وتعزيتهم
واختيار الدعاء المناسب والحديث اللائق مع ملاحظة انه لا يهيج أحزانهم أو
يذكرهم بميتهم ..... الخ .
4- عدم إطالة الوقت في العزاء وأن نتسبب في الحرج لأهل الميت من إطالة المكوث
عندهم.
5- كما ينبغي للمعزيين من ذوي الميت وأقاربه وأصحابه إظهار التجمل بالصبر وحمد
الله والثناء عليه والاحتساب في ذلك على الله عز و جل والإكثار من الدعاء و
الترحم والاستغفار للميت.
كان صلة في غزاة ومعه ابنه فقال له: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل
حتى قتل، ثم تقدم صلة فقاتل حتى قتل، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية
فقالت: إن كنتن جئتن لتهنينني فمرحبا بكن، وإن كنتن جئتن لتعزينني فارجعن .
البداية والنهاية 9/22.
تَعَزَّ فإن الصبر بالحرِّ أجمل * * * وليس على ريب الزمان مُعَوّل
فلو كان يُغني أن يُرى المرء * * * جازعا لحادثة أو كان يُغني التذلل
لكان التّعزي عند كل مصيبة * * * ونائبة بالحُرِّ أولى وأجملُ