|
بسم الله الرحمن الرحيم
حين ترى عيني الإنسان هذه الدنيا ، ويبدأ في معايشة ظروفها وأحوالها فإنه
لابد أن يمر بثلاث منغصات تكدر عليه حياته ، وتذكره بالحياة الآخرة ، حينها
يفكر ويحاسب نفسه ويسألها ماذا قدمت لما بقي لي في القبر والبعث والحشر
والصراط ، وهل أنا إلى جنة أم إلى نار والعياذ بالله .
وهذه الثلاث إذا مر الإنسان من واحدة وهو من أذاها سالم فلا بد أن يمر
بالثانية ، وإذا قدّر الله له السلامة من الثانية فإنه وبدون شك يمر
بالثالثة ويعيش مراحلها مرحلة تلو مرحلة .
وهذه الثلاث المنغصات هي المرض ، والهرم , والموت .
أما بالنسبة للمرض فهو المرحلة التي يركن فيها الإنسان إلى القعود ،و يعاصر
فيها الألم ، ويضيق فيه النفس ، وتقل لأجله الشهية ، وهو نذير من نذر الموت
إلا أن المؤمن لا بد أن يتحلى بالصبر عند المرض ، وأن يحتسب ما يلاقيه من
آلم ليلقى بذلك الأجر الجزيل ، وينال رضى الله سبحانه وتعالى بذلك الصبر ،
فقد وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنون بالأجر والمثوبة إذا ابتلوا في أنفسهم
أو أموالهم أو أولادهم ثم صبروا وأخلصوا بذلك الصبر وجه الله قال تعالى :-
" ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ،
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب
ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلاّ كفّر الله بها من
خطاياه " متفق عليه ، وقد حّرص الإسلام على العناية بالمريض والاهتمام به
وعيادته ومسح دمعته وتذكيره بوجوب العودة إلى الله ، وبالصبر على المرض
واحتساب الأجر .
وإذا قدًر الله سبحانه وتعالى ومنح العبد الشفاء الدائم ، وأمدّ في عمره
فإنه لا بد أن يمر بمرحلة الهرم أو الشيخوخة وهي مرحلة الضعف بعد القوة
والكسل بعد الحيوية ، والخمول بعد اليقظة ، وهو أحد نذر الموت أيضاً ، ومن
علاماته ضعف البدن ، وانحناء الظهر ، وارتجاف الأطراف ، وبياض الشعر وضعف
السمع والبصر قال تعالى :- " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة
ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العلي القدير " الروم
(54) ، وإذا أدركت أيها العبد هذه المرحلة فلتعلم أنه قرب الأجل ، ودنى
الموت ، وأن الله قد أعذر إليه روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " أعذر الله إلى أمريء أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة " رواه البخاري ,
فليعجل في التوبة ، ويسرع في العودة ، ويكفي من الزيغ والضلال ، ويحرص أن
تكون خاتمته حسنة ، وأن يكون خير عمره آخره وخير عمله خواتيمه ، وخير أيامه
يوم يلقى ربه عز وجل .
وإذا سَلِمَ العبد من المنغصين السابقين ، وقدر الله جل وعلا عليه بأن لا
يمرض ولا يذوق مرارة الهرم فإنه لابد أن يذوق المنغص الثالث ألا وهو الموت
، وكلنا سنموت ، وسنعيش سكرات الموت ونصارع الغرغرة ، يقول تعالى :- " كل
من عليها فان ، ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام " الرحمن(27,26) , ومن
المؤلم أن نرى من يركن إلى الدنيا وينسى الآخرة ، ويعيش على الأمل و يغفل
عن الأجل ، ويعتمد على التسويف ولا يعلم بقدره بعد دقائق ، وهذه كلها من
الغفلة والضلال ، وكان من الواجب الاستعداد لهذه المرحلة ، وإن يشغل وقته
بالطاعات والأعمال الصالحة والتي تفيده بإذن الله تعالى بعد الموت ، وإن
يحسن الظن بربه تعالى ، وأن يتذكر هذه الساعة دائماً وأبداً حتى تعينه على
تذكر ربه جلا وعلا وتذكر ما بعد الموت من الحساب والجزاء والعذاب والثواب
والجنة والنار .
فهل علمت أخي المسلم هذه المنغصات ، ومدى تأثيرها في حياة العبد وأنه متى
ما قل اهتمامه بها ولم يتخذها إشارات تحذيريه في حياته فإنه إلى الخسارة
أقرب ، وإلي الندامة ماضي ، على عكس من استعد لها وتوخى الحذر عند وقوعها
أو بقربها فإنه بإذن الله تعالى سيكون من حزب الله تعالى الذين لا خوف
عليهم ولا هم يحزنون .
بقلم
حسين بن سعيد الحسنية