|
يا قادماً بالتقى في عينك الحب *** طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب
صبرت عاماً أُمنّي قرب عودتكم *** نفسي فهل يدنو لكم بها سِرب
ففيكم يرتقي الأبرار منزلة *** والخاملون كسالى زرعهم جدب
أعلن خبر رمضان ، راح المسلمون يهنّؤون بعضهم ، فهذا شاب يقبّل رأس أمه ، وآخر
يحتفل بقبلات في يد والده ، وثالث قام إلى زوجه يهنؤها بهذا القدوم ، ورابع راح
مسرعاً يعانق أولاده ، وخامس غادر منزله متجهاً إلى جيرانه ، يبارك لهم فرحتهم
، وآخرون هناك على جنبات الطريق يحتفلون ببعضهم في لقاء هذا الحبيب !!! الصغار
يهرولون في شوارع حيهم ، هم كذلك يعبّرون عن هذه الفرحة . وأنا مع كل ذلك جالس
أتأمّل كل ذلك ، ودموع الفرحة تغمر عيني ، تغسل وجنتي ، تذكرني نعمة ربي ،
يالله ... حرارة الدمع في عيني أبلغ من كل رسول برمضان ، وحرارة الفرحة في قلبي
أبلغ من كل مخبر بهذا الشهر . جلست أبكي وأتأمل !! تُرى ما هذه النعمة الوارفة
في حياتي ؟ بلد آمن ! وبيت ساتر ! وجمع مكتمل ! وذكرى حسنة ! عدت إلى نفسي ،
وبقيت أتذكّر تلك اللوحة التي عرضت على عيني حين خبر دخول شهر رمضان . فأخذت
أقلب الطرف في هذه النعمة ، فإذا بي أتأمّل أسراً مكلومة ، وبيوتاً مسلوبة ،
وظروفاً مريرة ، وبقيت أقارن ما بين فرحتي وفرحة الآخرين . فعذراً أيها القادم
فرحة خبرك بعثت بعض أشجان الحبيب . دموع الفرحة تدفقت على عيني تذكرت فيها
نعماً عظيمة ، تذكرت فيها أن الله منحني فرصة أخرى في حين أسدل ستار الفرص على
آخرين ، فطويت حياتهم ، ودفنت أيامهم ، وأصبحوا ذكريات في أزمان هذه المناسبات
. دموع الفرحة تغمرني لأنه بقي زمنٌ للتوبة ، ووقتٌ للإنابة والعودة ... في حين
شهدت بعيني حوادث كثير من الأصدقاء والأصحاب ما بين راحل كان ينتظر ، وبين قعيد
كان يؤمّل ! تذكرت وأنا أدرك هذا الشهر أن هذا كله محض الفضل والمنّة . دموع
الفرحة تغمرني وأنا أتأمّل في تلك العافية التي منّ الله تعالى بها علىّ في حين
أن هذه المناسبة يشهدها آخرون وهم يرون هذه المناسبة بأعينهم ، ويشهدونها
بقلوبهم لكن المرض والآلام يفقدهم لذة هذه الفرحة ، فلا تقوى هذه المناسبة
بأفراحها على دفع تلك الغصص بآلامها . دموع الفرحة تغمرني لأنني لا زلت أشعر
بألم تجاه رمضان الفائت ، مرت تلك الأيام وانقضت فلم يرعني إلا خبر العيد فيها
، تلاوة لم تكتمل ، وصلاة خدشها اللهو والعبث ، وتفريط في سحر ، ونسيان لفضائل
، وتغافل عن أجور ومكرمات ، أحسست في تلك الليلة التي غادر فيها رمضان الفائت
بآلام ، وجدّد علىّ خطيب العيد تلك الآثار ، فكنت أبادل الفرحة للمهنئين في
العيد ، وفي قلبي نار التفريط مشتعلة ، جاء رمضان هذا ليعطيني فرصة لا ستدراك
كل ذلك ، فلماذا لا تدمع عيني وأنا في مثل هذا النعيم ؟ دموع الفرحة تغمرني هذا
المساء لأن هذا المشهد يؤكّد في نفسي بقاء هذا الدين على مر الأزمان والأحوال ،
باقٍ وإن لوّث صفحاته العابثون ، باقٍ وإن همّش ذكرياته الحاقدون . باقٍ إلى أن
يأذن الله تعالى بزوال المخلوقين . يكفيني هذا المشهد فرحة تغري عيني بالبكاء
لأنني وأنا أدعو لهذا الدين أجد الإله يدعم دعوتي ، ويكتب رسالتي ، ويخلّد
آثاري ، أفليس من حقي الفرح وأنا أشهد هذه المناسبة ؟ دموع الفرحة تغمرني هذا
المساء لأنني اليوم أكثر وعياً ، وأشد عزيمة ، وأبلغ أثراً إن شاء الله تعالى ،
وبتوفيق الله تعالى أصل إلى ما كنت أحلم به ، وأحقق ما كنت أراه أمنية بعيدة عن
الواقع . تغمرني الفرحة هذا المساء لأنني أجد في طيات القادم هذا العام أسراراً
لم تفتح ، وروائع لم تجرّب وبإمكاني إن شاء الله تعالى أن أفتح ، وأجرّب ما
أحلّق به في عداد الناجحين . تغمرني الفرحة هذا العام رغم كل ما أراه من ظروف
في العالم الإسلامي اليوم ، تغمرني الفرحة في فلسطين خاصة ، وسر الفرحة هذا
الصمود ، وتلك الأنفس الأبية الطامحة إلى رضوان الله تعالى ، وتلك القلوب
المؤمنة الصادقة في لقاء ربها تحت لواء الجهاد الصادق . تغمرني الفرحة كثيراً
رغم تلك الدماء المتناثرة على أرض بغداد ، ذلك لأن الدرس الذي لقيه الأعداء
أبلغ بكثير من تلك الدماء المتناثرة على أرض البصرة والكوفة ، وسر الفرحة أن
تلك الإرادة علمتنا أن الأمم لا تموت بتناثر دمائها ولكنها تكتب مجداً آخر على
صفحات الزمن . إن الشعوب لا تموت بموت أفرادها ، ولكنها تموت حقيقة بموت قيمها
ومبادئها ، وأرض العراق بأهلها أثبتت للناس قاطبة أن الإرادة أقوى من الحديد
والنار ، وأنها هي التي تكتب آثار الأمم والإفراد على صفحات الواقع . تغمرني
الفرحة رغم كل ما أراه اليوم من تكالبٍ على حياض الإسلام ، لأنني أرى في كل
محنة منحة ، ومع كل ضائقة فرجاً ، وسر الفرحة أنه بالرغم من كل الجهود لطمس
معالم الإسلام إلا أنني أرى كل يوم قادم جديد يحتفل بالإسلام منهجاً رغم كل
الظروف . هذه بعض أسرار دموع الفرحة التي اجتالت عيني مساء دخول رمضان هذا
العام ، والله المسؤول أن يحقق لكل مسلم في هذا الشهر غايته . وإنه ولي ذلك
والقادر عليه .
أخوكم مشعل بن عبد العزيز الفلاحي