السؤال :
السلام عليكم ... هل يجوز إخراج كل المشركين من جزيرة
العرب تحقيقاً لوصية حبيبنا محمد _عليه أفضل الصلاة والسلام_ بأي وسيلة تذكر
رغم أن عمر بن الخطاب أخرج النصارى رغم أن الدولة الإسلامية كانت تستفيد منهم
بزارعة الأرض أو ما شابه ذلك.. أسأل الله لكم التوفيق والسداد.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .. أما بعد ..
فالأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، ورد في عدد من الأحاديث ، ومن ذلك ما
رواه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-فيما أوصى به النبي_صلى الله عليه
وسلم_ قبيل موته :" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " رواه الشيخان ؛ وقوله
_صلى الله عليه وسلم_ : " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع
إلا مسلماً " رواه مسلم ؛ وقوله_صلى الله عليه وسلم_ فيما رواه البيهقي وغيره:
" لا يبقين دينان بأرض العرب " ، وورد بألفاظ متقاربة ، وصححه جمع من أهل العلم
.
ففي هذه الأحاديث وما جاء في معناها : الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب
على سبيل الوجوب ، ولكن أمر إخراجهم ليس موكولاً إلى أفراد النّاس ، وإنما هو
من واجبات ولي أمر المسلمين .
كما أنَّ المحظور شرعاً بقاؤهم للسكنى على الدوام ، إذ المراد عند أهل العلم :
لا يجتمع في جزيرة العرب دين آخر غير الإسلام بوجود أتباع الدين الآخر في جزيرة
العرب ، على سبيل التأبيد والدوام باستدامة السكنى فيها ، لا على سبيل الإقامة
المؤقتة .
قال المناوي : " وقد أخذ الأئمة بهذا الحديث ، فقالوا : يخرج من جزيرة العرب من
دان بغير ديننا ، ولا يمنع من التردد إليها في السفر فقط " (فيض القدير :5/241)
.
فأمَّا الإقامة المؤقتة لحاجة الأمة إلى وجودهم ، فهذا غير داخل في المنع ؛
ومما يدل لذلك أيضاً السنة العملية والقولية في إقرار النبي_صلى الله عليه
وسلم_ يهود خيبر على الإقامة بها ليعملوا فيها بالفلاحة ، فقد روى الشيخان أن
النبي_صلى الله عليه وسلم_ قال ليهود خيبر : " نقركم بها على ذلك ما شئنا " ؛
وقد ترجم البخاري _رحمه الله_ هذا الحديث في موضع بقوله : " باب إخراج اليهود
والنصارى من جزيرة العرب ، وقال عمر _رضي الله عنه_ عن النبي_صلى الله عليه
وسلم_: " أقركم ما أقركم الله به " ؛ وكذلك سنة الخلفاء الراشدين ؛ لأنَّ يهود
خيبر بقوا بها زمن أبي بكر ومدة من عهد عمر _رضي الله عنه_ ؛ ولم يتعرض لهم أحد
من أفراد المسلمين ، حتى أجلاهم عمر _رضي الله عنه_ .
قال أبو العباس ابن تيمية : "لما فتح النبي _صلى الله عليه وسلم_ خيبر أعطاها
لليهود يعملونها فلاحةً ؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها ؛ لأنَّ ذلك يحتاج إلى
سكناها ، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة ، وكانوا
نحو ألف وأربعمئة ، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر ، فهؤلاء هم الذين قسَّم النبي
_صلى الله عليه وسلم_ بينهم أرض خيبر ، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها
تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم ، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب
_رضي الله عنه_ وفتحت البلاد ، وكثر المسلمون ، واستغنوا عن اليهود ؛ فأجلوهم
وكان النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد قال : " نقركم فيها ما شئنا " وفي رواية :
" ما أقركم الله " . وأمر بإجلائهم عند موته _صلى الله عليه وسلم_ ، فقال : "
أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " . (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
:28/88-89) .
وقال شيخنا محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_ : " يجب أن نعلم أنه لا يجوز
إقرار اليهود والنصارى أو المشركين في جزيرة العرب على وجه السكنى ، أمَّا على
وجه العمل فلا بأس ، بشرط أن لا نخشى منهم محظوراً " (الشرح الممتع على زاد
المستقنع :8/82) .
وبهذا يُعلم أن من يدخل جزيرة العرب من غير المسلمين ، لأجل حاجة مؤقتة ، ويخرج
بانتهائها ، غير داخل فيمن يؤمر بإخراجهم ما لم يعزم على السكنى بعد ذلك ;
لأنَّ النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر _رضي الله عنه_ .
ومما ينبغي أن يُذكر هنا ، أنَّ المنظِّم السعودي قنّن منع غير المسلمين من
الاستيطان الدائم في المملكة العربية السعودية - التي هي أكبر الدول مساحة من
جزيرة العرب - وذلك في اشتراطه الإسلام فيمن يطلب الجنسية السعودية وفيمن يسمح
بالزواج منها من غير السعوديات ؛ وهذا متسق مع النظام الأساسي للحكم الذي ينصّ
على أنَّ الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع الأنظمة في المملكة ؛ لأنَّ من
يحصل على الجنسية السعودية يكون من رعايا الدولة ، ومن مقتضيات الرعوية البقاءُ
في الدولة على الدوام ، وهذا لا يجوز لغير المسلم ، لدخوله في النهي الوارد في
النصوص الشرعية السابقة ، و المملكة العربية السعودية من جزيرة العرب .