|
السؤال :
هل يجوز أن يخرج المسلم مع زوجته النصرانية خارج بيتهم،
وهي غير متحجبة , أي غير مستورة شعر الرأس؟و كيف أتصرف بهذا الأمر بشكل عام, من
فقه لباس الزوجة الكتابية للمسلم.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله .. أما بعد:
فإنَّ خروج المرأة الكتابية مع زوجها المسلم محجبة على الصورة التي ذكرتها في
بلدك ، لا مانع منه من حيث هو إذا رضيه الزوج ؛ لأنها وإن كانت مخاطبة بفروع
الإسلام ، إلا أن مطالبتها بمقتضى هذا الخطاب قبل إسلامها إلزام لها بما لا
يلزمها حكمه في الدنيا ، وإن استحقت به العقوبة في الآخرة ، لكنها ملزمة بطاعة
زوجها بمقتضى أحكام الشريعة التي قبلت الزواج من أحد أتباعها ، وقبولها لقوامته
عليها وهي قوامة على الزوجة المسلمة وغيرها من باب أولى : "الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ"(النساء34)، فعليها التزام ما تلزمها به
الشريعة تجاه زوجها ، أو تجاه المجتمع المسلم الذي تسكن فيه ؛ فلو نهاها الزوج
عن الخروج بالصورة المذكورة خشية عليها من الفساد أو الإفساد ، أو خشية تضرره
من ذلك ، أو لكون خروجها بتلك الصورة مخالفا لأنظمة البلد الإسلامي الذي تعيش
فيه أو مخالفة لما يعرف بالنظام العام ، مما لم تنص عليه الأنظمة ، فإنَّها
تكون ملزمة بالامتثال لزوجها ولأنظمة البلد المسلم الذي تسكن فيه ، وهذا يقتضيه
رضاها بالزواج من المسلم ابتداء .
ولا علاقة لذلك بالإكراه على الدين المنفي بنص القرآن الكريم : ( لا إكراه في
الدين قد تبين الرشد من الغي ) ؛ لأن الإكراه على الدين يعني إلزامها بالعقيدة
الإسلامية أولا ، وليس الأمر هنا كذلك . وقد نص الفقهاء على أنَّ من حقوق الزوج
على الزوجة الكتابية طاعته في أمور الطهارة كالغسل من الحيض والنفاس ، وكذلك
الغسل من الجنابة ، وإزالة ما تعافه النفس من الوسخ والدرن ، وتقليم الأظفار ،
وكذا طاعته في ما يشرع من أمور الزينة في البدن واللباس . (ينظر للمزيد
والتفصيل : المغني :10/ 222 وما بعدها . وأحكام أهل الذمة ، لابن القيم
:436-442)
وعليك الاجتهاد في إنقاذها من النار ووقايتها منها ، قياما بواجب الدعوة
المعروف ، و امتثالا لأمر الله عز وجل في قوله _سبحانه_: "يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ
مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " (التحريم6) ، وذلك بدعوتها
المتكررة للإسلام بالطرق المحببة للنفوس ، وتأليفها بشريعة الإسلام : أخلاقا
ومعاملة .
وأما جواب قولك : " كيف أتصرف بهذا الأمر بشكل عام , من فقه لباس الزوجة
الكتابية للمسلم " ، فلعل من المناسب تلخيص ذلك في ثلاث نقاط :
الأولى : تأكيد حقك في الطاعة في غير معصية الله . وتأكيد حقها في الحفاظ على
دينها لنفسها ، لكن دون محاولة منها للتأثير على الذرية بتنفيرهم من دينهم أو
ترغيبهم في دينها .
الثانية : مراعاة المجتمع المسلم الذي تسكن فيه - كما ظهر لي من بياناتك - من
حيث الأنظمة والأعراف والعادات المعتبرة شرعا وما يعرف بالنظام العام .
و نص بعض الفقهاء في كتب الحسبة على أن تتميز في لباسها بما يفيد عدم إسلامها
منعا لها من استغلاله فيما يخص المسلمين ، أو ما جرى عليه العمل في بلد من بلاد
الإسلام ، كالأخذ برأي بعض الفقهاء في ستر المسلمة عورتها عند غير المسلمة كما
هو الشأن مع الرجال الأجانب ، وهي قضية فرعية محل خلاف فقهي .
الثالثة : مراعاة أثر لباس امرأتك الكتابية في تربيتها لأولادك ولاسيما البنات
، لأنَّ ذريتك منها ذرية مسلمة ، يجب عليك تقوية صلتهم بدينهم كما يجب عليك
الحفاظ عليهم من سوء التربية لتنشأ ذريتك على الحشمة والعفاف والفضيلة ، كما هو
الحال في منعها من تعويدهم على عوائد أهل الكفر المخالفة للشرع ، ومراعاة أثره
أيضا على بنات المسلمين إن كان لها صلة بهم في عمل أو نحوه .
وهذا كله في شأن من تزوج بكتابية .
وفي الختام فإن من لم يتزوج بكتابية بعد ، فإنّه لا ينصح بالزواج بها، لما له
من مفاسد لا تخفى في هذا العصر ، حتى لربما كان القول بالتحريم في بعض الحالات
واردا ، كما نص عليه بعض الفقهاء ، وهو في عصرنا أمر ظاهر الخطورة وخاصة عندما
يتزوج المسلم كتابية تحمل جنسية بلد ذا غلبة على أهل الإسلام في الوقت الحاضر ،
. وأحيل في بيان أسباب ذلك في هذا العصر إلى كتاب : أحكام الأحوال الشخصية
للمسلمين في الغرب ، للدكتور/ سالم بن عبد الغني الرافعي ، وهو من الفقهاء
الذين عاشوا في الغرب زمنا يزيد على العقد .
ولعل في هذا ما يكفي في بيان ما سألت عنه .
والله تعالى أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .