إطلالة على المنافع السياسية في الحج والولاية المتعلقة به |
|
د.سعد بن مطر العتيبي |
من أركان الإسلام الخمسة : حج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلا ؛ و وهو شعيرة عظيمة وعبادة جليلة المنافع ؛ فقد بيّن الله تعالى شيئاً من حكم الحج العظيمة ، ووصفها - سبحانه - بما يدل على أنّها عبادة كثيرة المنافع عظيمة الفوائد ، إذ قال جلّ شأنه : ( وأذِّن في النّاس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات ... ) . وإذا تأملنا كلمة منافع وجدناها كلمة عامة ، لم تقيد بوصف معين ولا نوع محدد من المنافع ، وقد تكلم المفسرون رحمهم الله في مدلول كلمة منافع في الآية ، بينوا عمومها للمنافع الدينية والدنيوية ، بالنص أحيانا وبالتمثيل أحيانا ، فقالوا هي : منافع الدنيا والآخرة ؛ أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن ، والذبائح والتجارات ، ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه ، و مجاهد وغيره من أهل العلم ، وأنَّ هذه المنافع تشمل كلّ ما يرضي الله تعالى من منافع الحج سواء كان ذلك من أمر الدنيا المحض أو أمر الآخرة . قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " قوله (منافع) جمع منفعة ، ولم يبين هنا هذه المنافع ما هي . وقد جاء بيان بعضها في بعض الآيات القرآنية ، وأنَّ منها ما هو دنيوي وما هو أخروي . أما الدنيوي فكأرباح التجارة ، إذا خرج الحاج بمال تجارة معه ، فإنه يحصل له الربح غالبا ، وذلك نفع دنيوي ... ومن المنافع الدنيوية ما يصيبونه من البدن والذبائح ... وقد بينت آية البقرة على ما فسرها به جماعة من الصحابة ومن بعدهم ، واختاره أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره ، ووجه اختياره له بكثرة الأحاديث الدّالة عليه : أن من المنافع المذكورة في آية الحج : غفران ذنوب الحاج ، حتى لا يبقى عليه إثم إن كان متقيا ربّه في حجّه بامتثال ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه . وذلك أنه قال في معنى قوله تعالى : ( فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه ) أنّ الحاجّ يرجع مغفوراً له ... وعلى تفسير هذه الآية الكريمة بأنَّ معنى قوله ( فلا إثم عليه ) في الموضعين : أنَّ الحاج يغفر جميع ذنوبه ، فلا يبقى عليه إثم فغفران ذنوبه هذا الذي دلّ عليه هذا التفسير من أكبر المنافع المذكورة في قوله : ( ليشهدوا منافع لهم ) ، وعليه فقد بينت آية البقرة هذه بعض ما دلت عليه آية الحج ، وقد أوضحت السنة هذا البيان بالأحاديث الصحيحة التي ذكرنا كحديث ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ، وحديث ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) . ومن تلك المنافع التي لم يبينها القرآن : حديث : ( إن الله يباهي بأهل عرفة أهل السماء ) ... ومن تلك المنافع التي لم يبينها القرآن : تيسير اجتماع المسلمين من أقطار الدنيا في أوقات معينة ، في أماكن معينة ، ليشعروا بالوحدة الإسلامية ، ولتمكن استفادة بعضهم من بعض ، فيما يهم الجميع من أمور الدنيا والدين ، وبدون فريضة الحج لا يمكن أن يتسنى لهم ذلك ، فهو تشريع عظيم من حكيم خبير " أضواء البيان عند تفسيره للآية :3/411-413. وهكذا نلحظ أن تنكير كلمة ( منافع ) جعلت عبارات العلماء رحمهم الله تعالى في بيان هذه المنافع عامة في كل منفعة دينينة ودنيوية ، وكان منهم من فسّرها بالأمثلة لهذين النوعين من المنافع ، أعني الدينية والدنيوية . ولمَّا كانت منافع الحج المشهودة تشمل منافع كثيرة ، ومنها ما يحتاج إلى ولاية تنظِّمه حتى يؤتي ثماره ؛ فإنَّه لا يكاد يخلو كتاب من كتب الأحكام السلطانية - والسياسة الشرعية بمدلولها العام المرادف لذلك – من بحث في أحكام ولاية الحج ، بوصفها أحد الولايات العامة في الفقه السياسي الشرعي . وقد بيّن العلماء حكم ولاية الحج ووجوب تأمير أمير على حجاج بيت الله الحرام وجوبا شرعيا ؛ لينتظم أمر هذا الجمع الكثير ، وتستقيم أحوال الحجاج أمنا وسلامة ويسرا ، ويتفرغ النّاس لأداء الحج في جو روحاني لا تنغصه المنغصات ، ولا تُذهب منافعه الطارئات . وفي التاريخ الإسلامي نجد أن الإمام الأعظم قد يكون هو من يتولى هذه الولاية ، وقد يكون أمير الحاج شخصا آخر ينيبه الإمام الأعظم ، كما بيّنه العلماء ، ومن ذلك قول الآجرّي رحمه الله : " فإمرة الحج ولاية سياسية ، وتدبير وهداية ؛ لأنها من أجلّ المراتب الدينية ؛ لأنّها من أجل المراتب الدينية ، وأفخم الوظائف السُّنِّيَّة ، فدخل بهذه المرتبة الشريفة فوق النَّيِّرَيْن ... وناب عن الإمام الأعظم في خدمة الحرمين الشريفين . فقد تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، فحجّ بالنّاس السنة العاشرة ، كما هو مقرّر معلوم ..." . ولأهمية هذه الولاية وأصالتها على مرّ تاريخ الدول الإسلامية ، أُلّفت مؤلفات في تعداد من ولي إمرة الحاج في التاريخ الإسلامي ، ومن ذلك كتاب : "حسن الصفا والابتهاج بذكر من ولي إمرة الحاج" لأحمد بن عبد الرزاق الرشيدي ، الذي اختصره الخضراوي رحمهما الله تعالى .
وقد ذكر علماء السياسة
الشرعية كالماوردي وأبي يعلى - رحمهما الله -
وغيرهما : أن ولاية الحاج نوعان :
2- ولاية على إقامة الحج في
مكة والمشاعر . ووصفوها بأنها بمنزلة إمامة
الإمام في إقام الصلاة ، ولذلك يشترط في من
يتولاها العلم بأحكام الحج ، وكيفية أدائه على
النهج النبوي ( خذوا عني مناسككم ) .
نسـأل الله تعالى أن يحفظ لبيته العتيق أمنه
وأمانه ولحجاج بيته حجا مبرورا وسعيا مشكورا ،
ولكل من قام بخدمة الحجيج نية صالحة وعملا متقبلا
. |