|
|
الأخلاق وصلتها
بالعبادات |
|
سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com |
الحمد الله عالمِ كلِّ نجوى وكاشفِ كلِّ بلوى ، له الحمد في الآخرة الأولى وإليه
المرجِعُ والمآل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المصطفى المختار وعلى آله
وصحابته الأطهار ، أما بعد .. سلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم ..
للإنسان أيا كان جنسه أو لونه رغبة شديدة في نيلِ السّعادة والعيش في أكنافها ،
ومِن المعلوم جَزمًا أنّ السعادة لا تُدرك بالمنصِب والجاه ، ولا تُنال
بالشّهوات ومُتَع الحياة ، ولا بِجمال المظهَر ورقيق اللّباس ، نعم .. لا تُنال
السّعادة إلا بلباسِ التّقوى ورِداء الخُلُق الحسن ، وما من أمّة نهضت وحضارة
ازدَهرت إلا بفضل الله ثم بفضل أبنائِها الذين ملكوا نفوسًا قويّة وعزائمَ
مضّاءة وهِممًا عالية وأخلاقًا زاكية وسِيَرًا فاضلة ، وما سُمع عن أمة من
الأمم في يوم من الأيام أنها سعُدت بكثرةِ أموالها وجمَال بنيانها .. أبدا ،
إنما كانت سعادتها وعزها في رجالها الذين تثقّفت عقولهم وحسُنت أخلاقهم وصحّت
عقائدُهم واستقامت تربيّتهم واستنارت بصائرُهم ، فكانوا بحق رجالَ الأخلاقِ
والقوّة ومصدرَ العزّة والكرامة للأمة.. أيها الأحبة الكرام :
الأخلاق حُلَّة تقصُر دونها الحُلَل ، وسِتر لا يُغني عنه سِتر ، وهل افترق
الإنسان عن حيوان الغابِ وسِباع الدواب إلا بالأخلاق ؟! نعم .. تلك هي الأخلاقُ
التي تمتزِج بتصرّفات الإنسان كلِّها ، في سلوكه جميعِه وأحواله كلِّها ، في
جدِّه وهزلهِ ، في فرَحه وحزنِه ، في خطئِه وصوابِه ، في سفره وحضره ، في
سَخَطه ورضاه ، والإيمان والتقوى والصلاحُ والأخلاق عناصرُ متلازمةٌ متماسِكة
لا يمكِن الفصل بينها ، ولذلك فلا يتمارى اثنان ولا يتجادل عاقلان في كيفية هذا
التلازم والتلاحُم بين السّلوك والأخلاق من جهة والاعتقاد والإيمَان والتقوى من
جهة أخرى ، لمه ..؟ لأن السّلوك الظّاهر مرتبطٌ بالاعتقاد الباطِن ، والانحراف
الواقع في السّلوك والأخلاق ناشئٌ عن نقصٍ وخلل في الإيمان والباطن ، وكثيرا ما
يرد في الكتاب والسنة الجمع بين تقوى الله عز وجل والإيمان وبين السلوك حسن
الخلق ، فتقوى الله والإيمان شجرة وحسن الخلق ثمرة ، وهما أساس وهو بناء ، وهما
سر وهو علانية ، وحيث انتفى حسن الخلق انتفت التقوى ونقص الإيمان ، يقول شيخ
الإسلام ابن تيميّة رحمه الله مقررا هذا المبدأ " إذا نقصَت الأعمال الظاهرةُ
والباطنة كان ذلك لنقصِ ما في القلب من الإيمان ، فلا يُتصوَّر مع كمال
الإيمانِ الواجبِ الذي في القلب أن تُعدَم الأعمال الظاهرة الواجبة ، بل يلزم
من وجودِ هذا كاملاً وجودُ هذا كاملاً ، كما يلزم من نقصِ هذا نقصُ هذا " وقال
رحمه الله " فما يظهَر على البدنِ من الأقوالِ والأعمالِ هو موجَب ما في القلبِ
ولازمُه " وكثيرا ما يذكر الله تعالى المتقين في كتابه فيصفهم بأحسن الأخلاق
وأنهم أهل البر والإحسان ، ويبرئ ساحتهم من النفاق وسيء الأخلاق ، وكان كثيراً
ما يجمع بينهما في وصاياه وهاهو يوصى معاذاً رضي الله عنه فيقول " اعبد الله
ولا تشرك به شيئا " قال : زدني يا رسول الله ، قال " استقم ولتحسّن خلقك " وقال
لأبي ذر " أوصيك بتقوى الله في سرك وعلانيتك ، وإذا أسأت فأحسن " وسئل ما أكثر
ما يدخل الناس الجنة ؟ قال " تقوى الله وحسن الخلق " وقال لأبي ذر " اتق الله
حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " وسئل عن أكرم
الناس فقال " أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم وآمرُهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر
" وقال " أحسنُ الناسِ إسلامًا وإيمانًا أحسنُهم خلقًا " أيها الأخوة الكرام ..
أيتها الأخوات العفيفات ..
وإذا تأملنا في عبادات الإسلام الكبرى وأركانه العظمى ، عجبنا من تلك الأواصِر
العظيمة التي تجمع الخلُق والدّين والعبادةِ والأدب ، فالصّلاة مثلا تنهى عن
الفحشاءِ والمنكر ، والزّكاة صدقةٌ تطهِّر المسلمَ وتزكّيه وفي الصيام " من لم
يدع قولَ الزور والعمل به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابَه "
والحجّ أشهر معلومات " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ " وفي حق الجار " والله لا يؤمن ، والله لا
يؤمن ، والله لا يؤمن مَن لا يأمَن جاره بوائقَه " " ومَن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرِم ضيفَه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو
ليصمت " " والحياء شعبة من الإيمان " وأخيرا ..
إذا لم يكن لك من عبادتِك ما يزكّي قلبك ويطهِّر نفسَك ويهذّب سلوكك ويُحسِّن
خلقك وينظّم صلتَك بالله وبالنّاس فلتحاسِب نفسَك حتى لا تكونَ من المفلسين ،
ولتتعرف على أخلاقك بالنّظر في أحولك ، في غضبِك وإذا خلوت وإذا احتاجت وإذا
استغنيت وإذا قَدُرَت وإذا عجزت ، حتى تأخذ من الأخلاق أحسنها ، وتلتمس أكرمها
، فتنال فضلها وخيرها ، وإلى أن ألتقي بك في حلقة قادمة وموعدٍ قريب ولقاء ماتع
جديد ، استودع الله دينك وأمانتَك وخواتيم أعمالِك وسلام الله تعالى ورحمته
وبركاته عليكم .
|
|
|
|
|