الرد على حمزة
المزيني في تعليقه على بيان المشايخ حول المرأة
عبد الرحمن بن صالح السديس
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؛ ليظهره على الدين كله ، ولو كره
المشركون ، وصلى الله وسلم على من بعثه الله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا ،
وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وجاهد في
الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الدكتور حمزة بن قبلان المزيني في جريدة الوطن
في عددها (1763) الصادر في يوم الخميس الموافق 22/6/1426هـ
تعليقا على البيان الذي أصدره عدد من العلماء ، وطلبة العلم في بلدنا العزيز ،
ورأيتُ الدكتور ـ هداه الله ـ متعاليا في رده ، جريئا على الكلام فيما لا يحسن
، معجبا برأيه ، قد تجاوز الحدود في رد أمور الشرع ، ولـمز حملته ، واتهامهم
بما هم منه براء ، واقعا في أقبح مما عاب عليهم ؛ فرأيت أنه من المفيد كشف
بعض ما احتوى عليه مقاله ، وإلقاء الضوء على شيء من حاله ، ومحله من العلم =
ليرى مَن اغتر به شيئا من أمره ، وليهلك من هلك عن بينة .
* صدّر الدكتور حمزة مقاله بمحاولة
الطعن ، واللمز على أصحاب البيان بأنهم يبجلون أنفسهم بكتابة فضيلة الشيخ ، و
فضيلة الشيخ الدكتور ..الخ
قلت: لا يخفى على الدكتور ، ولا القارئ أن تلك العبارة لم يكتبها الموقعون
أنفسهم ، وإنما يحصل الاتفاق الإجمالي على البيان ، ويقوم من قام بتنسيق
البيان بوضع أسمائهم ، ووظائفهم ، وما يستحقونه من ألقاب .. وليس في هذا
تزكية للنفس .
وبما أن العلم دين ، والناس لا تقبله من غير أهله جرى ذكر هذه الأوصاف المستحقة
لهم ليعرف الناس ممن صدر هذا البيان و"قد علم كل أناس مشربهم" .
وحاول الدكتور أن يظهر شيئا من التقدير لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الجبرين
، وأنه يشك أنه يرضى بمثل تلك التزكية .. إلا أن هذا التقدير الغريب اختفى لما
بدأ الموضوع ، وبدأ اللمز والهمز لكتاب البيان ، وتجهيلهم ، ورميهم بالتقليد ..
وغيره !
* لابد من التفريق بين رأي فقهي (لعالم
فقيه) ـ وليس لغيره ـ اجتهد فرأى جواز قيادة المرأة للسيارة ، وبين رأي عامي
يهذي بما لايدري ، أو شهواني يتباكى على أيام كادت أن تجمعه بالمرأة القاعة
الواحدة ! قد سخر قلمه ، وجهده ليرى المرأة متبرجة سافرة .
ولا يخفى أن الكلام في البيان منصبا على النوع الأخير ، وهذا التفريق الواضح
تجاهله الدكتور حمزة ، وجعل الكلام منصبا على قسم واحد = ليستدر عطف القارئ ،
ويتهم هؤلاء المشايخ بتلك التهم.. ولا يخفى أن هذا تلاعب بالكلام ، وخروج عن
حد الإنصاف .
* طغى على مقال الدكتور التهويل ،
والاتهام .. ، وانظر هذا المقطع من كلامه :
كيف يجرؤ الموقعون على البيان على وصف بعض مواطنيهم السعوديين، وغيرهم من
المسلمين الذين لا يرون رأيهم، بـ"الإفساد" و"الإلحاد"؟ و"النفاق"؟ أيستحق
الأمر هذا الشطط كله؟ وتشهد هذه الجرأة على أن البيان قد تجاوز حدود التعبير
"السلمي" عن الرأي إلى الوقوع في أشد المحذورات وهو التكفير أو ما يؤول إلى
التكفير.اهـ
قلت: على هذا الكلام عدة مآخذ :
أولها: انتزاع هذه العبارات عن السياق التي ذكرت فيه مشوش على فهم معناها الذي
سيقت لأجله ، فإنزالها على المخالف للرأي الفقهي كذب على البيان ، وكاتبيه .
ثانيها: استغرب في رد الدكتور استخدام وصف (مواطنيهم السعوديين) فهل يرى
الدكتور أن المواطنة السعودية تزكية لحامليها ، وأنه لا يوجد مواطن سعودي
مفسد ، ولا مجرم ؟!
ثالثها: وصف الدكتور حمزة التكفير أو ما يؤول إليه بأنه (أشد المحذورات) لا
يخلو من أمرين :
1- إما أن يكون الدكتور يعلم أن التكفير أو ما يؤول إليه = ليس بأشد المحذورات
، ومع ذلك يستخدم هذا اللفظ ! فيكون في التعبير: كذب ، وتهويل.
2- وإما أن يكون لا يعلم ! فيكون هذا الدكتور جاهلا بمراتب الذنوب ، وعدم
معرفته بأبسط أمور التوحيد .
* قال الدكتور : وإذا كان هذا هو خطاب
"العلماء وطلبة العلم" فكيف نلوم الشباب الأغرار الذين يتتلمذون عليه فيصل
بهم الأمر إلى أنواع ودرجات أخرى من التطرف الذي يمكن أن يَنتج عنه ما نشهده
الآن من انتهاك لأمن الوطن وسفك الدماء المعصومة؟ اهـ
قلت: لما عجز الدكتور عن الرد العلمي جاءت محاولة الاستعداء الساذجة على
الموقعين بمثل هذا الكلام .
وجهود هؤلاء الفضلاء الموقعين على البيان في نشر الخير ، والوسطية ، والعلم
النافع ، لا تخفى ، وهؤلاء الفضلاء ، وغيرهم من أهل العلم هم أول من قام ضد
الأفكار المنحرفة من طرفي التطرف في هذا البلد .
* قال الدكتور : ويقوم البيان في
حقيقته على مفهوم "الفرقة الناجية" التي يوحي هؤلاء بأنهم يمثلونها. فمع أن
الرأي المخالف لما يرونه في مسألة قيادة المرأة للسيارة يراه عدد كبير لا يستهان
به من علماء المسلمين في الوقت الحاضر خارج المملكة، وفي المملكة كذلك، إلا أن
الموقعين على البيان يرون أنهم هم الوحيدون الذين على الحق أما الآخرون
فضالون مضلون.اهـ
قلت: هذا المقطع من المقال هدفه التهويل والتشنيع .. ، ويدل على أن الدكتور
(قد) لا يفهم معنى الكلام الذي يستخدمه !
"الفرقة الناجية" يا دكتور = "أهل السنة والجماعة" ؛
فكل من كان من أهل السنة والجماعة على اعتقادهم = فهو من الفرقة الناجية ،
وليست المسألة في فرعيات فقهية ! وسبق أن بينت الفرق بين خلاف فقهي من عالم
فقيه ، وبين شهواني متطفل على العلم.
ثم زعم الدكتور: أن قيادة المرأة يجوزها عدد كبير من علماء المسلمين .. الخ
قلت: هذا إدعاء بلا برهان ، ولم تستطع أن تسمي واحدا من هؤلاء الكثير ! لا في
الداخل ولا في الخارج !
ولمعارضك أن يدعي: عكس قولك !
ثم لا بد أن تعلم يا دكتور أن العامي في (الشرعية) واجِبُهُ أن يسأل علماء بلده
، ولا يخرج عن أقوالهم بالتشهي ، كما قد تقرر في علم الأصول .
ثم قول الدكتور : وغيرهم ضالون مضلون .. الخ
قلت: تنزيل هذا على المخالف في الرأي الفقهي كذب عليهم ، وتنزيله على الشهواني
الداعي للرذيلة = حق مبين.
وإن كان الدكتور استفاد جواز قيادة المرأة للسيارة من وجود قيادتها في غير
بلدنا المحروس. فلا يبعد أن يأتينا ـ غدا ـ الدكتور ، أو غيره بجواز الخمر ،
أو الرقص ، أو الأضرحة التي يتبرك بها ، وتدعى من دون الله .. فلا يخفى أنه
لا يكاد يخلو منها بلد من بلاد المسلمين ، ويوجد عدد ليس بالهين من علماء
المسلمين يجوزونها !
* وصف الدكتور: لفكر علمائنا بأنه مغرق
في محليته .. الخ
قلت: يجهل الدكتور أو يتجاهل أن مسائل الخلاف تدرس للطلبة في المساجد ، وفي
الجامعات ، ولا تكاد تخلوا حلقة علم من ذكر الخلاف بين العلماء قديما وحديثا
، وهذه كتب علمائنا المعاصرين ، ومواقعهم ، ومواقع طلبة العلم ناطقة بعكس زعم
الدكتور.
* قال الدكتور: أما السند الفقهي الوحيد
الذي يقوم عليه البيان فهو "قاعدة سد الذرائع".
والملاحظ أن الموقعين على البيان لم يستندوا في تأصيل هذه القاعدة إلا على ابن
القيم.
ويبعث هذا على التساؤل عن السبب الذي صرفهم عن النظر فيما يقوله علماء آخرون.
ويؤكد هذا الاقتصارُ ما يتصف به المشتغلون بالعلوم الشرعية في بلادنا عموما من
الاكتفاء بما يقوله عالم واحد وعدم النظر إلى آراء غيره. وهو دليل على غلبة
التقليد على هؤلاء مما يوقعهم دائما ضحية لقصر النظر للأمور. أما لو نظر
الموقعون على البيان إلى ما يقوله علماء آخرون لوجدوا آراء أخرى. اهـ
قلت: هذا المقطع من أعجب ما عنده ! وقد كشف لنا مشكورا عن مدى اطلاعه ، وخبرته
في العلم الشرعي .
قد لا أبالغ إن قلت: إن كثيرا من المبتدئين في العلم يعرفون أن مسألة "سد
الذرائع" مسألة أصولية كبيرة دل عليها : الكتاب ، والسنة ، والعقل ، وقد تكلم
فيها العلماء ، وأصلوها أن يُخلق ابن القيم بقرون .
وهذا المسالة الكبيرة مدونة في كتب : (أصول الفقه) ، وكتب (القواعد الفقهية)
وما يتبعها من كتب (الفروق) ، وكتب (مقاصد الشرعية) ، وجاءت عرضا في كتب
(التفسير) ، و(شروح الحديث) ، و(الفقه) وقد أفردت بعدد من المؤلفات(1).
قال العلامة الشاطبي في الموافقات 3 /219: .. وهو أصل متفق عليه في الجملة ،
وإن اختلف العلماء في تفاصيله ، فليس الخلاف في بعض الفروع مما يبطل دعوى
الإجماع في الجملة.
وذكر العلامة القرافي في الفروق 3/406: أن اعتبار سد الذرائع في الجملة مجمع
عليه .
وقد ذكر الشاطبي في الموافقات 2/360-364 قرابة العشرين دليلا لهذه القاعدة .
وقبله سرد شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ص285 -297 :
ثلاثين دليلا لهذه القاعدة ، ثم قال:
والكلام في سد الذرائع واسع لا يكاد ينضبط ، ولم نذكر من شواهد هذا الأصل إلا
ما هو متفق عليه ، أو منصوص عليه ، أو مأثور عن الصدر الأول شائع عندهم .
و سرد تلميذه العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين 3 / 137 -159: ما ذكر شيخه ،
وزاد عليه حتى أوصلها إلى تسعة وتسعين دليلا .
وليس المقصود هنا تفصيل القاعدة ، وبيان أحوالها ، والاستدلال لها ، وإنما بيان
أن الدكتور قد خل الذهن منها عندما ظن أن الاعتماد على ابن القيم فيها .
وهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي برقم : 92 ( 9/9) بشأن (سد الذرائع)
:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة
الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان
(أبريل) 1995م ، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع سد
الذرائع ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، قرر ما يلي :
1- سدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته : منع المباحات
التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات .
2- سدّ الذرائع لا يقتصر على مواضع الاشتباه والاحتياط ، وإنما يشمل كل ما
من شأنه التوصل به إلى الحرام .
3- سدّ الذرائع يقتضي منع الحيل إلى اتيان المحظورات ، أو إبطال شيء من
المطلوبات الشرعية، غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في
الأولى دون الثانية.
4- والذرائع أنواع :
الأولى مجمع على منعها : وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة ، أو المؤدية إلى المفسدة قطعاً ، أو كثيراً غالباً، سواء أكانت
الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة . ومن هذا النوع العقود التي يظهر منها
القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد .
والثانية مجمع على فتحها : وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة .
والثالثة مخلتف فيها : وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة ، لكن تكتنفها تهمة
التوصل بها إلى باطن محظور، لكثرة قصد ذلك منها .
5- وضابط إباحة الذريعة : أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادراً، أو أن
تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته .
وضابط منع الذريعة : أن تكون من شأنها الإفضاء إلى المفسدة لا محالة – قطعاً –
أو كثيراً ، أو أن تكون مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من
المصلحة.اهـ
مجلة المجمع (العدد التاسع ، مجلد 3 ، ص 5) وينظر: قرارات وتوصيات المجمع
ص209
وبهذا العرض السريع المختصر يتبين أن الدكتور يتكلم فيما لا يعرف ، و يَتَّهِم
وينازع أهل العلم بغاية من الجهل {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}
* قال الدكتور في إثبات من خالف في سد
الذرائع : ومن ذلك ما أورده السهيلي عن هذه القاعدة (الروض الأُنُف، ص175 :
"... ولم يجعل الشافعي الذريعة إلى الحرام أصلاً ، ولا كره شيئاً من البيوع
التي تتقى فيها الذريعة إلى الربا ..الخ
قلت: وهذا من إبداعات الأستاذ الجامعي الرائعة التي يحسد على ابتكارها ،
واكتشافها !
ما هو الروض الأنف ؟ ومن هو السهيلي مؤلفه ؟ وكيف توصل الدكتور لهذا النقل
المهم الذي خفي على العلماء ؟!
كتاب الروض الأنف: شرح لكتاب السيرة النبوية لابن هشام .
يعني: الكتاب في السيرة النبوية ، وليس من كتب الأصول التي هي محل بحث هذه
المسألة.
ومؤلف الكتاب هو: أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي المالكي النحوي .
والكتاب مطبوع في سبعة مجلدات بتحقيق عبد الرحمن الوكيل .
وهنا وقع للدكتور أمور عجيبة :
أولها: أنه ينقل الرد في مسألة أصولية كبيرة من كتاب في السيرة النبوية.
ثانيها : أن أبا القاسم السهيلي ـ رحمه الله ـ مؤلف الكتاب أشتهر باللغة ،
والأخبار ، كما وصفه من ترجم له (2)، ومعلوم أنه يرجع في كل فن إلى أهله.
ثالثها: أن أبا القاسم مالكي المذهب ، والدكتور ينقل عنه كلام الإمام الشافعي ،
وكتب الشافعي ، وأتباعه في الأصول قد ملأت السهل ، والجبل !
رابعها : أن الدكتور يعزو إلى الروض الأنف هكذا : ص175 .
في أي المجلدات أيها الأستاذ الجامعي ؟! ثم ظهر لي أن الدكتور اعتمد في إخراج
هذه المعلومة على برنامج إلكتروني وجد بها هذا الخلل ، فهو يظهر الكتاب في
مجلد واحد ! ، ولذا كان عزوه إلى ص175 ! والموضع الصحيح للكلام المنقول في
الروض الأنف 3/313 ، وبهذا يتبين أن الأستاذ لا يعرف كتاب الروض الأنف ولا رأته
عيناه ! أهكذا يحسن الاعتراض أيها الأستاذ الجامعي؟!
* قال الدكتور: كما تقوم "قاعدة سد
الذرائع" على ادعاء علم الغيب ذلك أن من يقول بها يجزم بأن نتيجة أمر ما ستكون
على شكل معين ، مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله. أما نتائج أي أمر فلن تتضح حتى
يحدث ذلك الأمر. اهـ
قلت: كان الأولى بالدكتور أن تستحي من هذا الإيراد الغث ! المخالف للعقل ،
والشرع يا دكتور أخفي عليك أن كل عاقل يستدل بمقدمات الأمور على نتائجها ؛
أخفي عليك أن دول الغرب والشرق التي يريد (البعض) جاهدا إلحاقنا بها أنشأت
ألوف المراكز للدرسات والأبحاث = لتحقيق ما تقدر عليه من هذه القاعدة !
ولك أن تعلم أن هذا الإيراد المفحم من ابتكارات الدكتور التي لم يسبقه إليها
أحد من علماء المسلمين ، ولا عقلاء العالمين قديما ولا حديثا .
* قال الدكتور: ويتمثل سوء الظن بالناس
في فقرات البيان الأخرى. فيخوِّف البيانُ من أن قيادة المرأة للسيارة ستؤدي
حتما إلى التبرج والسفور وخلع الحجاب الخ .
قلت: هذا واقع من حال الناس اليوم مع عدم القيادة ، ولعلك تسمع ، أو تطلع على
التقارير الكثيرة التي أشارات للأعداد الكبيرة لحالات الخلوة المحرمة ، وحالات
الفجور .. وغيرها ، و هذا المقبوض عليه فكيف ما خفي؟! ، وهذه أمور ظاهرة لا
ينكرها إلا مكابر .
و لنا عبرة بحال المرأة في دول العالم.
* قال الدكتور: فقد خوِّف الناس من
المفاسد التي ستترتب على البرقيات وتعليم الأولاد والبنات والتلفاز والهاتف
والصحون اللاقطة للإرسال الفضائي ودمج تعليم البنات بتعليم الأولاد، وأمور
أخرى كثيرة.
قلت: بعض هذه الأمثلة كلام القصد منه التشنيع ، ولم يمنعه أحد يعتد به من أهل
العلم ، فهذا نوع من الكذب .
ومنها ما لا توافق على نتيجته ، فالذي يرى أن القنوات الفضائية لم يكن لها أثر
سيئ علينا = فهو مطموس على قلبه لا يعرف المعروف من المنكر .
* قال الدكتور: أما احتجاج البيان بضعف
المرأة وقلة حزمها وقصر نظرها فينبع من النظرة الدونية للمرأة في الثقافة
المحلية التقليدية.
قلت: هل يفهم من هذا أن الدكتور حامل لثقافة (غربية) غير تقليدة ؟ ربما !
وفي كلامه مغالطة ظاهرة ؛ فالمرأة بلا شك أضعف من الرجل ، و شرع الله سبحانه
القوامة عليها ، وعدم سفرها بلا محرم .. ، لضعفها ، والمحافظة عليها ، وليست
المسالة نظرة دونية ، و هذا الكلام المرمي على عواهنه من الدكتور فيه لمز مبطن
للشرع المطهر.
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء
بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
والحق أنها نظرة فطرية مصلحية شرعية ، والنظرةُ الدونيةُ نظرةُ مَن يريدها لعبة
لنزواته ، وشهواته ، وليست نظرة من يريد صونها من افتراس السباع.
* ثم ختم المقال بكذبة لطيفة ! فقال:
ليس هدفي من هذا المقال الانحياز إلى أحد الطرفين ، بل لتبيين أن حجج معارضي
قيادة المرأة للسيارة التي تلبَّس بغطاء شرعي لا تعدو أن تكون دليلا آخر على
إغراق بعض المنتسبين إلى العلوم الشرعية في بلادنا في التقليد وعدم المعرفة
بالواقع وتأسيس الآراء على سوء الظن بالمسلمين وكيل الاتهامات لهم والنظرة
الدونية للمرأة.
قلت: قد بينت أن لم تفهم ولم تعرف مسألة سد الذرائع ، ولا تدري أين تكلم عنها
العلماء ، وأنت لا تعدو أن تكون عاميا في مسائل العلوم الشرعية ، قد تحليت بما
لم تعط كلابس ثوبي زور ، وفرض العامي في علوم الشرع أن يسأل أهل العلم كما
أرشده ربه { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} لا
أن يتعالم ، ويتطاول على حملة العلم ، ويتهجم عليهم بلا وازع ولا حياء .
وأختم كلامي بنقول عن بعض أهل العلم تبين مكان هذا الدكتور ، وأمثاله فيما
يتكلمون به ، ومدى جنايتهم على العلوم وأهلها :
قال العلامة ابن حزم الظاهري في مداواة النفوس ص67: لا آفة على العلوم ، وأهلها
أضر من الدخلاء فيها ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ، ويظنون أنهم يعلمون
، ويفسدون ، ويُقَدِّرون أنهم يصلحون.
وقبله قال الإمام الشافعي في الرسالة ص 41 : فالواجب على العالِـمِين أن لا
يقولوا إلا من حيث علموا ، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه
منه لكان الإمساك أولى به ، وأقرب من السلامة له إن شاء الله .
وقال العلامة ابن رجب في الحكم الجديرة بالإذاعة ـ المجموع 1/248ـ :
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد " . فأمَر اللهُ ورسولُه بالرد على من خالف أمر الله ، ورسوله ،
والرد على من خالف أمر الله ورسوله لا يتلقى إلا عمّن عرف ما جاء به الرسول ،
وخَبَره خبرة تامة .
قال بعض الأئمة : لا يؤخذ العلم إلا عمّن عرف بالطلب .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان :
أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، ونحو ذلك .
وأمر باطن تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله
وتعظيمه والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه .
فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عَرَفَ الكتاب ، والسنة ، ومن لم يقرأ القرآن ،
ويكتب الحديث لا نقتدي به في علمنا ، فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما
جاء عن الرسول = فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب ، وفيمن يقول على الله
ما لا يعلم ، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفته ما
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل ينتقص به ، وقال : أنا وارث حال الرسول
والعلماء وارثون علمه ، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب على الله ، والتكذيب
بالحق لما جاء به { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالحق لما جاءه أليس في
جهنم مثوى للكافرين } فإن هذا متكبر على الحق والانقياد له ، منقاد لهواه
وجهله ، ضال مضل ، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله ، ثم اتبعه ، فإن من لا
علم له بحاله فمن أين يكون وارثه ؟
ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد ، وإنما
ظهر في زمن قل فيه العلم وكثر فيه الجهل ، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من
يبين للأمة ضلاله ، وله نصيب من الذل ، والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول
صلى الله عليه وسلم .
يا لله العجب ، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا ، ولم يعرفه الناس بها ،
ولا شاهدوا عنده آلاتها = لكذبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم
يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر
الرسول ، وما شوهد قط يكتب علم الرسول ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟
فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم ، يفسدها بدعواه
الكاذبة ؟ اهـ
قلت: سبحان الله كأنهم إنما قالوها عنه !
وأختم تعليقي هذا بكلمة أعجبتني للأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة
العالم الإسلامي الشيخ الأستاذ الدكتور صالح المرزوقي في اللقاء الذي أجري
معه في جريدة المدينة في عددها (15416) 2/6/1426هـ ، عندما قيل له :
ينادي البعض بإلغاء قاعدة ''سد الذرائع'' لأن لا وجود لها في هذا العصر
المتطور، فهي قاعدة قد انتهى زمنها والعمل بها الآن نوع من التخلف والرجعية.
ما رأي فضيلتكم؟
ما أظن يا أخي الكريم أحدا من علماء الشريعة يقول بهذا القول ، وإذا كان يقول
به أحد من عامة أفراد المجتمع الذين ليسوا من أهل العلم الشرعي = فهؤلاء لا
يؤبه بقولهم في الأمور الشرعية ؛ لأن لكل تخصص أهله ..
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
كتبه: عبد الرحمن السديس
الرياض24/6/1426هـ
------------------
(1) مثل :"سد الذرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات" للشيخ الدكتور عبدالله
بن بيه .
" سد الذرائع عند الأصوليين والفقهاء " الدكتور خليفة با بكر .
"سد الذرائع " لمحمد البرهامي .
"قاعدة سد الذرائع وأثرها في تطبيق الأحكام" لسعد السلمي .
"سد الذرائع في مسائل العقيدة على ضوء الكتاب و السنة" لعبدالله الجنيدي .
"سد الذرائع و أثره في الفروع الفقهية" للهادي بن الحسين شبيلي .
"سد ذرائع الزنا للمحافظة على النسل" لمحمود صالح جابر .
"سد ذرائع الابتداع في مسائل الاعتقاد" لعبداللطيف الحفظي .
وعشرات المقالات في المواقع الإسلامية ، و الصحف.
(2) وفيات الأعيان 3/143، و نكت الهميان 187، والديباج المذهب 150، وشذرات
الذهب 6/445.