|
|
الإصغاء إلى العقل
و الجسد |
|
عبد الله بن سُليمان
العُتَيِّق |
نحن نصغي دائما إلى العقل ، و نتجاهل نداءات الجسد ... أوشو
خلق الله الإنسان من جسد وعقل ، فهما وجهان لعملة واحدة ، كلاهما وجهُ
الآخر، و لا يصح الإنسان إلا بصحتهما و تمامهما، في غلبة أحدهما على الآخر
خلل في التكوينة الإنسانية، فتوازنهما مهم جداً لفهم الحياة و سعادة
الإنسان.
جسد الإنسان مخلوق متكاملُ الوظائف، لا شيءَ ينقصه، كل شيءٍ يحتاجه يجده و
يعرف الطريق إليه، الجسد يسلك الطريق الصحيح المنتهي إلى صحته و سلامته و
عافيته. و يعرف علاج نفسه من أي مرضٍ يعتريه، فهم عالم و حكيم بذاته.
حين نُصغي أنفسنا إلى أجسادنا و نستمع إليها و نرى ما تريده فإن أجسادنا لن
تقوم إلا بما تحتاجه لا بما لا تحتاجه، بعكس العقل فإنه يقوم بما تمليه
عليه القواعد و يوحي به إليه المنطق، فالعقل يسير حسبما يُعبَّأ فيه و
يُوجَّه إليه، و أما الجسد فهو يسير من تلقاء ذاته ، مرجعية العقل خارجية ،
فهو يستقبل التعاليم ، و أما الجسد فمرجعيته داخلية فينطلق من ذاته لبناء و
صون ذاته . لذلك فالجسد لن يقوم بشيء فيه مضرة عليه مطلقا .
إلزام الجسد بالتزام قواعد العقل تدميرٌ له و سيطرة عليه ، و هو لا يقبل
التعليمات الخارجية الصارمة ، و لا يرتضي لأحد أن يستغله ، لأنه سيقوم
بعملية تُفسد كلَّ شيءٍ على المُسيطر ، عند إلزامه بنوع من الطعام ، وهو لا
يحتاجه ، فإنه لن يقبله ، و إن ألزم عليه و أُجبرَ أدى ذلك إلى تمرُّضِهِ
أو تقيؤه ، لأنه لا يتناسب مع حالته ، و لا يحتاج هذا الطعام ، فبناؤه غني
عنه ، سيأخذ طعاماً مناسباً له إن احتاجه ، لأنه سيأخذ الطعام الذي يفيده
لا الذي يرغبه . حين يتصرف الجسد في الطعام فإنه يأخذ من الطعام الكفاية لا
الرغبة ، لكن العقل سيُجمِّل و يُحسِّن أنواع الطعام في عين الإنسان فيأكل
ما لا يحتاجه الجسد و هنا تكون المشكلة في خلْقِ الأمراض و العلل الصحية .
و عندما يُصاب الجسد بالمرض فإنه يُطهر نفسه بالمرضِ ليكون أصحَّ ، فليس
المرضُ سلبيا في كل الأحوال ، و ربما جعل المرضَ مُضراً الدواء الذي
يُستعمل للعلاج منه ، فالجسد تعتريه الأمراض لتطهره من نفايات الأغذية .
نقع كثيراً ضحية لأمراض و تعب جسدي ، و السبب في أننا نسيطر على الجسد و
نسلبه تصرفه ، و لو تركنا للجسد التصرف لقام بكل شيءٍ كما يريده و على أحسن
حال ، يتدخل العقل كثيراً في التحكم في الجسد ، في فرض نوع الطعام ووقته ،
و في تحديد ساعة النوم ، و في وقت المشي ، و قد يكون ما يضعه العقل غير
متناسب مع حاجة الجسد ، فإذا تعارض الجسد و العقل ، و غلبَ العقلُ الجسدَ
اختلَّ الكيان الإنساني ، فبدأت عليه علامات مرضٍ أو ضعف . لكن إن ترك
للجسد حرية التصرف ، و أن يفعل ما يشاء فإنه سيكون في الطريق الصحيح ،
سيأكل متى احتاج للأكل ، و سيشرب متى أحتاج للماء ، و سينام متى رأى أنه في
حاجة للنوم ، و حين يفعل الجسد ذلك فإنه يفعل ما يضمن صحته و عافيته .
كم نحن بحاجة إلى أن نُصغي إلى أجسادنا ، و أن نجعلها تقوم بما تحتاج إليه
، فقد كفاها أن سيطرت عليها العقول بالتعاليم المستوردة من الخارج ، ففي
تعاليم الجسد الذاتية الكثير الكفيل بسعادة الجسد .
كذلك الإصغاء إلى العقل مهم ، لأن العقل قائد يبني قيادته على ما تخزَّن
لديه ، المشكلة في العقل إن استسلم لكل تعليم من التعاليم و بدأ تطبيقه على
الجسد ، هنا مكن المشكلة و خطورتها ، لا يستغني العقل عن التعلم ممن سبق ،
لكن لا يستسلم و يكون الجسد هو الضحية ، وظيفة العقل تمحيص التعاليم ، و
إدارة تطبيقها على الجسد ، هنا سيكون التكامل بينهما ، الجسد بلا عقل لا
شيء ، و عقل خاوٍ لن يفيد الجسد ، و كذلك العقل الإمَّعة سيكون كارثة على
الجسد ، و العقل بلا جسد صحيح لا شيء ، و الجسد المُهمَل و المُطلَق له
عنانُه ربما يكون معطِّلا للعقل و وظيفته ، و إذا تعطلت وظيفة العقل لم يكن
الإنسان ممتازاً عن غيره من ذوي الحياة من المخلوقات . لذلك فالموازنة بين
الجسد و العقل و الإصغاء إليهما مهمة جداً . فبهما يكون التكوين الإنساني
الكامل و الذي به تتحقق السعادة و الراحة .
|
|
|
|
|