الكتابةُ شرفٌ و فخرٌ ، و صنعةٌ منيفة ، و منقبة شريفة ، تقلَّدها صِناعةً
الكثير ، و استعملها هواية الأكثرون ، و رامَ الكلُّ تأسيسَ القواعد ، و نثروا
في التضاعيفِ الذوقَ الخالد ، حتى غَدَتْ متألقةً في جبين الصنائع ، و طبيعةً
سامقةً في الطبائع ، فلا يشتغلُ بها إلا شريفٌ بَزَّ أقرانَه ، و عظيمٌ زَرَّ
خِلاَّنَه .
بالكتابةِ يَعمدُ الكاتبُ لكشفِ مكنونِ نفسِه ، و يُظهرُ مخزونَ حدسه ، فينثرُ
بأبلغِ التعابيرِ ما يُوصِلُ المراد ، و ينشرُ بأجزلِ العبارات دون أقصاد (1) ،
و لكنَّهم في حال الرغبةِ في كَتْبِ ما يرومون في تبايُنٍ و اختلافٍ ، و تناءٍ
في اعتساف ، فكانوا على نوعين :
الأول :
مَن إذا رغِبوا في الكتابةِ جاءتهم مع الرغبةِ الأفكارُ متتالية ، حتى ليحار
أحدهم في أيٍ يكتبُ ، و حتى إنَّ القلم ليواتينَّهم بما يُريدون رَقْمَه من
معانٍ و خواطرٍ ، و هذا النوعُ كثيرٌ من الناسِ يتَّصِفُ بِهِ ، فلا تجدُ لديهم
من العائقِ ما يعيقُ عن كتبِ ما يريدون .
الثاني :
مَن إذا ما رغبوا في كتابةٍ ، فإنَّهم يُعايشون متاعبَ و عوائق ، فيصعبُ عليهم
وجودُ فكرةٍ مَّا يكتبونها ، فإذا ما وجدوا الفكرةَ قد لا يُواتيهم القلمُ
فيلزم اليدَ لتخُطَّ بِهِ ما تشاء .
و هذا النوعُ يمتازُ بأنَّه إذا بدأ بالكتابةِ فإنه يكون مُسترْسِلاً بالكتابةِ
، لأن الحاكم فيه ، و المتصرِّفَ في قلمه هي الفكرةُ ، فإن لم يستوعبْها في حالِ
إقبالها ذهبتْ و ولَّتْ ، و طالَ الزمنُ حتى تعودَ ، و هؤلاءِ يلجأون إلى
الخلوةِ و الوحدة حتى لا يطرأ عليهم من يقطع عليهم حبلَ الفِكرِ إذا وَصَل
القلمَ بالكاغدِ ، و يُلامون بقِلَّةِ الكتابةِ _ غالباً _ ، و لكن مَن يَعذُرُ
ذا القلم .
و هذا النوعُ غالباً ما يكون مُبْدعاً في كتاباته ، تجدُ فيها جِدَّةً ، و تجدُ
فيها نوعاً من التميُّزِ .
إضاءةٌ :
ما كل ما أحمله أقدر على كتابته ... فبعض المعلومات تصلح للمشافهةِ ... و بعضها
للكتابةِ ... و بعضها لهما ... و بعضها لا ذا و لا ذا ... 28/7/2007