(( الحرفُ ..
حنينٌ و أنينٌ ))
2/12/2007
22/11/1428
عبد الله بن سُليمان
العُتَيِّق
للحرفِ عظمته في إبلاغ المُراد ، و صولتُه في إيصال المقصود ، حيث كان تعبيراً
عمَّا يُخالجُ النفسَ ، و إظهاراً لما يبوح بالخاطر .
لمكانته الكُبرى أُوْليَ العناية العظيمة من أساطين لكلام ، و رُوْعِيَ مقامُه
من سلاطين البلاغة ، فوضعوا له من أصول الرعايةِ و أُسُسِ الحمايةِ ما دفع
بالدُخلاءِ خارج الدائرة ، و أبقى الشرفاء في تحقيق الوظيفة .
حَظيَ الحرفُ بتلك الرعاية الفريدة ، و التي لمْ يَحْظَ بها شيءٌ سواه ، فمن
عناية بضبْطِ المبنى إلى ضبطٍ من حيثُ المعنى ، و بيانٍ لأحوال مجيئه مُفرداً و
مُركَّباً ، فانتظمَ العملُ منظومةً متكاملةً في إيفائه حقَّه ، و لا زالَ
التقصير باقيا .
كان الحرفُ ذا سُلطانٍ في تلك الحال ، و كان يَخلَع على نفسِه خِلعةَ المهابة و
الإجلال ، إذْ كان في يَدٍ تعرفُ قدرَه و منزلتَه ، و تُدركُ مقامه و مكانتَه ،
فكانت تضع الحرفَ على الورقِ الكريم الطاهرِ حِساً و معنى ، و تستعمله في
المقاصد المُستحسنة ، و المُرادات الحسَنَة ، و كان كلُّه عينٌ لا حشوَ فيه و
لا منه ، فأدرك اللاحقُ قُدسيتَه ، و عرفَ الخالفُ مرتبتَه .
إلا أن بقاءَ الحالِ من المُستحيلات ، و ديمومةَ الكمالِ من الخبال ، فإن تلك
القُدسيةَ الحَرْفيةَ نالها ما ينالُ الدُّول ، و لَحَقَها ما يلحَقُ البَشَر ،
فانقلبَ الحالُ ، و انتكسَ الميزان ، فتلقَّفَ الحرفَ كلَّ جاهلٍ لا يَعرفُ
مخرجَ الحرفَ ، و لا يدري له صِفةً ، فغابَ عنه المعنى و اختلَّ لديه المبنى ،
فوضع الحرفَ في موضع السُّوء ، و أنزله في محلَّة البوار .
يَتبعُ الحرفُ كلَّ معنى راقٍ صادقٌ فيه صاحبه ، و لو كان المُخالِف كثيرٌ ،
فجمالُ الحرفِ في صِدقِ المقاصد ، و كمالُه في مضمونه ، فلا يَعرفُ الحرفُ إلا
المضامين الباطنة ، و أما المظاهرُ فلا يقفُ عندها لأنها حرفُ حتْفٍ .
ارتباطُ الحرفِ بالإنسانِ متينٌ ، يجعلُه في حنينٍ دائمٍ إلى تلك الأنفسِ
الطاهرة التي كانت تقفُ به وقفةَ الشموخِ و الرفعة ، فتنشُرَ به المعاني
الرفيعة ، و المقاصد الرائعة الجميلة ، و الدلالاتِ الماتعة .
حنينُ الحرفِ إلى أناملِ العِزِّ التي قيَّدتْ أبلغَ عبارات التمجيد للغايات
الحِسان ، و التي كان الحرفُ فيه الناطق الرسميُّ بقوةِ مئاتِ السلاطين ، و كان
القليلُ منه يغلبُ جيشاً من الغَيِّ عرمرماً .
حنينُ الشوقِ في حرفِ الذوقِ يَسوقُ العربيَّ إلى صيانة الحرفِ من عبثِ صِبيةٍ
طالما أَنَّ الحرفُ أنيناً طوالَ ليلِ التخلُّفِ و المَسْكنة ، و من سَطوةِ ذوي
رأيٍ هابطٍ ساقطٍ لا يرتقي بهم فكرهم لبناءٍ و لا إعمارٍ عقلي ، و إنما تجميدٌ
على وصفٍ واحدٍ بألفِ حرفٍ خالدٍ ، فتنوَّعتِ الأحرفُ و الوصفُ هوَ ذاتُه .
حنينُ الإبداعِ في حرفِ اليراعِ يَقود ذا الفكرِ إلى إعمالِ وظيفةِ الحرفِ في
خَلْقِ الجديد ، فليسَ عاجزاً عَن احتواءٍ راقٍ ، و ليسَ قاصراً عن شُمولٍ
واسعٍ ، فما عَدِم سوى عقلاً يستعملُه ، و فكراً يستخدمه .
ألمُ الحرفِ :
وَجعٌ و فَزَعٌ ، همٌّ و غَمٌّ ، رَيْبٌ و عَيْبٌ .
و أملُهُ :
سُموٌّ و عُلوٌ ، شُموخٌ و رُسوخٌ ، كمالٌ و جمالٌ .