|
" أصْلُ السَّحابِ دُخانٌ اعتلى السماء "
كلامٌ منتشر
السحبُ تُغطي السماءَ بتجمُّعها ، و تتكثَّفُ بتعاونها ، و تختلفُ في عطائها
بعد ذلك ، فمنها سُحُبُ القَطْرِ الطيب الهاطلِ على الأرضِ مُحدِثاً فيها أثراً
، فيرْغبُه الناسُ ، و يشتاقون إليه ، و يستسقون ربَّهم إذْ تأخَّر عن مجيئه ،
لأثرِه و ليس لذاته .
و منها سُحُبٌ سوداءُ اللون ، تحملُ في جوفها مطراً ، لا يُغادرُ أرضاً إلا
بإفسادٍ ، فيخافه الناس ، و ينفرون منه ، و يلوذون بربِّهم أن يصرفه عنهم ،
لسوءِ بقيَّتِهِ ، و قُبْحِ أثره .
كالسُّحُبِ البشرُ ، تماماً ، فالبالغون درجاتٍ من الكمالِ و الرِّفْعَةِ ، في
أي حالٍ و أي مجال ، تجد أنَّ منهم أولئك الذين إذا ما ارتفعوا و علوا بَقوا في
حال النجم و القمر ، يَعتلي و يُضيءُ ، فيُناغيه الصغير ، و يُؤانسُه الكبير ،
و تجتمع إليه أشياخُ القمراءِ في أحاديث السَّمرِ في وقتِ السَّحرِ عن أحدثِ
الزمان ، فيُعطي من فيضِ أمطارِه ما يُنبتُ في قلوبهم محبَّتَه و الشوقَ إليه
في كلِّ حين ، و لا يُرى إلا أبيضَ القلْبِ ، أبيضَ الأملِ ، أبيضَ الخاطرِ ،
أبيضَ الفعل ، أبيضَ في كلِّ شيءٍ من أشياءِ حياته .
هذا يُسْتَسْقَى خاطرُه أن يكون رَضِيَّاً ، و يُسْتسقى مجيئه ، فلا يقفُ قلبُ
محبٍّ عندَ حدٍّ ، بل يستديم التَّكرارَ ، حتى إذا ما جاءَ وجد القلوبَ و
النفوسَ اختلطت فيها دموع الفرحِ مَع دموع البكاءِ ، و البكاءُ فرحٌ عند
المشتاق ، ، فليسَ بلوغ الكمالِ إلا تصحيحٌ للفَعالِ و تصويبٌ للأقوال .
بَعْضُ مَن يبلُع تلك الدرجات الكمالية فيبلغ معها مبلغاً في الصدِّ بالخَدِّ
بِلا مراعاة للحَدِّ ، فيأتي بسوادٍ في قلبٍ ، و عَتَمةٍ في نفسٍ ، و غَلَسٍ في
خُلُقٍ ، فيصير حالُ مجلسه ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ ، لا يستنكفُ القمرُ إلا أن
ينكسِفَ ، و النجوم إلا أن تلوذ بالأفول ، و القومُ في رِفعة للأكُفِّ بتحويل
عطاياه نحو الخِراب و مهجور التراب .
فليكن الشخصُ سَحابياً في : رفعةٍ ، و بياضٍ ، و سَعة ، و رِقَّةٍ ، و عطاءٍ ،
و ودادٍ ، و لا يكونَنَّ الأخرى فيكون في الإعراضِ من الناسِ عنه نصيبٌ موفورٌ
.
عبد الله العُتَيِّق