|
حدَّثنا أبو الطَّيِّبِ الوائليُّ قال :
استبشرَتِ النفسُ بإهلالِ الربيع ، و تاقتْ الأناسيُّ لحالِ الربيع ، و سَعى
بالأُنْسِ الكلُّ سيرة حسَنة ، و رَجى منائحَ مُسْتَحْسَنة ، و كنتُ ممن رَغِبَ
من ذاك بحظٍّ ، و لستُ ذا سَوْءَةٍ و لا فَظٍّ ، فارتحلتُ جائباً أرضَ الحجاز ،
طارقاً معانيَ الحقيقة و المجاز ، ملتمساً رَوْح الفؤاد ، و مسامرة الحاضر و
الباد ، فقطَعَ المسيرَ الحثيث ، نَجاءُ ذِي شَرفٍ أثيث ، فصيحِ العبارة ،
صحيحِ الإشارة ، جميلِ البيان ، بليغ التبيان ،لِجَمعِ أهل الحُبِّ ، و لَمِّ
آلِ اللبِّ ، فأقبلوا عليه يهرعون ، و جاؤوا إليه يَسمعون ، ليقفوا على سَماعِ
سَوْقِ التاريخ ، و أطرافه الشماريخ ، فارتقى كُرْسِيَّ الوقار ، و عَلَتْهُ
هيبةُ الكِبار ، و طأطأَ رأسَه ، و زَكَّى نَفْسَه ، ثُم ابتدرنا بكلامٍ عاطر ،
و خبرٍ طاهر ، فقال مقولةَ الصدق ، و فاهَ بقولةِ الحقِّ ، و كان مُتَّخِذاً
شادياً ، و مُستَصْحِباً حادياً :
في ربيع الجود و الكرم ، و شهرِ العطايا و النِعَم ، أشرَقتِ الأرضُ بِبُدُوِّ
شمسِ الكمال ، و أنارت ببزوغ بدرِ الجمال ، سليل أكارمِ عدنان ، و نِجلِ مفاخر
الخِلاَّن ، النبيِّ الخالد ، ذي المجد التالد ، محمد المُطَّلِبِي ، الأصيلِ
العربي ، مَن به كانت إنقاذةُ الخلائق ، و وَصْلِهم بالربِّ الخالق ، و تكميلِ
خِلالِهم بشرْعِه ، و تأسيس أصله و فرْعِه ، فما جاءَ ذو الكمال إلا بكمالٍ و
لكمالٍ ، و لِيُصْلِيَ ذوي النقْصِ أسوأ حال .
وُلِدَ ضياءً و نوراً ، مختوناً مسروراً ، مُطّلِعاً برأسِه نحو السماء ،
لاطِّلاعِ روحِهِ إلى كلِّ سناء ، ناجياً جِهةَ الصلاةِ ، حاظياً جلائل الصِلات
، ففَضَلَ على إخوانه ، بتخصيص عقله برُجحانه ، و أنه نال مقام الفضيلة ، و
مُنِحَت له الوسيلة ، و الكلُّ له تبعٌ ، و مقامه به مرتفعٌ ، و مشهودٌ له
بذيَّاك الفضل ، و لم يُغْرِب عنه إلا ذو الجهل ، وَ مُنَّ عليه ِحِلِّ
الغَنِيْمة ، و استقبال الكعبةِ الكريمة ، و جَعل الأرضِ طهوراً و مسجداً ، و
أن أمته خيرُ الأمم عند الله مَوفِداً ، فتلكَ منائحُ لذاتِه ، و كمائلُ في
صفاته .
فاحْدُ يا حادياً بالمديح ، و اشْدُ بالقريضِ
الفصيح :
هذا الضياءُ بَدَا *** مِن أحمدٍ و هَدى
إنَّا بِهِ سُعدَا *** جِنَّاً و إنْسانا
جلَّتْ مفاخِرُهُ *** عمَّتْ بشائرُهُ
شِيْدتْ منابِرُه *** بالسَّعْدِ دِيوانا
و لأهلِ البسيطة الواسعة ، مَكْرُماتٍ نافعة ، ما
حَظِيَ بها قومٌ مِن قبلُ ، فكانوا لها أهلُ ، فارتَفَعَ في زمنِه الناس ، و
شَرُفَ الفرعُ و الأساس ، فأتباعُه في الكمالِ لا يُدرَكُون ، و في العُلى لا
يُزاحَمون ، فهم أهل الغُرَّة عند الموافاة ، و أولُ مَن يُقضى لهم لِعِظَمِ
الجاه ، بعد كونهم أولَ من خرج ، و الجنةَ وَلَج .
فبالأشعارِ اُحْدُ ، و بالأبياتِ اُشْدُ :
أتتنا في ولادك كل بشرى ***غداة تساقط الأصنام
قسرا
وزلزل هيبة إيوان كسرى *** وأضحى عرش دولته خرابا
و كان مخصوصاً بشريفِ الأنساب ، و مُخْلَصَاً مِن
منيف الأحساب ، فليسَ أرقى منه انتسابا ، و لا أعلى منه احتسابا ، استُلَّ من
ظُهورِ الطُهْرِ ، فصارَ في أرحامٍ صِيْنَتْ مِن العُهر ، فكانوا أنْفُساً
نفيسة ، و عن الرَّدى حبيسة ، حتى بَدا نجمُه في سماء الوجودِ ، و بانَتْ
ثُرَيَّاهُ بالشأن المحمود ، فشرْطُ الإنباءِ طُهرُ الأصول ، لطهارةِ
المُنَبَّأ المحمول .
و استنشَد الحادي ، فأنشد الشادي :
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر *** فعبد مناف سرها
وصميمها
وإن حصلت أشراف عبد منافها *** ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوما فإن محمدا *** هو المصطفى من سرها وكريمها
و استقرَّ الأمرُ في التسمية ، على ما حوى معانيَ
التحلية ، فكان ' محمداً ' لِحَمْدِهِ ، لعلوِّهِ و مجدِهِ ، و كُمِّلَ
بالاقتران ، في الشهودِ و الأذان، رِفعةً لقدرِه و مقامه ، و إعلاءً لرسمه
ووِسامه ، كما قال حسَّانُه مادحاً ، فاشْدُ يا شادي صادحا :
وَ شَقَّ لَهُ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ***
فَذُوْ العَرْشِ محمودٌ وَ هذا مُحَمَّدُ
فغدا بين الناسَ محمودَ الحال ، و حُمِدَت
بتخلُّقِه الخِلال ، و حُمِدَ ما جاءَ به إتماماً ، و ما أتى به للخلائقِ
إنعاماً ، فكان حمداً لكمالِ مرسولِه ، و لجمالِ منقولِهِ ، و يُحمَدُ مَن لهُ
مُحبٌّ ، و مشتاقٌ إليهِ صَبٌّ ، أدركنا بِحُبِّهِ كمالاتِ المحامد ، و بلغنا
شرائفَ المقاصِد .
فذا خبرُ مولدِ السراجِ ، و مورِدِ متين الحِجاج ، أُبِيْنَ بفصيحِ الحرفِ ، و
نصيحِ الوصفِ ، ليُسْتَدْرَكَ بهِ مولدُ أرواحِ كمالِ الوداد ، فتنالَ الأشباحَ
تِمَّ الإسعادِ ، فليسَ ذِكراً دونَ عِبْرَة ، و لا خبراً بِلا خِبْرة ، فإنه
مهيعُ شرفٍ مرومٍ ، و مَسْلَكٌ مُعْرَبُ الحالِ برفعِ قَدْرٍ مجزومٍ ، و خَتْمُ
الحديثِ الأصيل ، و الكلامِ النبيل ، صلاةٌ تتمُّ ، عَن رِضىً تَنِمُّ ، و
حمداً للسلامِ ، و استمناحاً لِحُسْنِ الختام .
فقام من كُرْسِيِّه الرفيع ، مطأطئاً رأسه للشريفِ و الوضيعِ ، تعلوه ابتسامةُ
الهُداة ، و هيبةُ الأُباة ، و قفَلْتُ آيباً لداري ، مُحمَّلاً بكنوزِ الدراري
، فأدمتُ الصلاةَ على الرسولِ شُكراً و حمداً ، فارتقيتُ علاءً و مجداً .
كتبَها
عبدُ الله بن سُليمان العُتَيِّق
الرياض
TAMOOH1426@HOTMAIL.COM