العكوفُ قد يكون بسبب دائرة العلم الجغرافية ، فلا يُجاوزها إلى غيرِها
خوفاً من طوفان مُتَوَهَّمٍ ، و يبقى حينها الكثير في رتعة لا يخرجون عنها
، و عندما يُعطَوْنَ
درْسَاً في رِحلة العقلِ إلى بلادٍ فكريةٍ في أراضٍ أُخرى سيتحقَّقُ ما
يُرْمى إليه .
العكوفُ في الفكرِ على جادةٍ واحدة لا تُتَجاوَز شأن العجَزَةِ عن دَرْكِ
مرامي العلوم ، و غالباً ما يسلكها مَن رامَ تحصيلَ مقاصد منهجٍ يَعْشَقه و
يرتضيه ، فلا يقبل بالسَّعةِ و المجاوزةِ ، فيُنَمِّي لديه مُغذياتِ تلك
المقاصد ، و الجاهلُ يُعادي .
غيرَ أننا لو لمحنا سريعاً لرأينا أنا من جاوزَ مرحلةَ العكوفِ الفكري _
الجغرافي أو الشخصي _ إلى التنقُّلِ في أرجاءِ أرضِ المعارفِ و العلوم ليس
إلا رائماً تحصيلَ مقاصِد العلوم و المعارف ، ففرقٌ كبيرٌ بين طالبِ علوم
المناهج و علوم المعارف .
و يُوميءُ إلى ذلك استحباب الرحلة في طلب العلوم ، و الماءُ الراكد يَحملُ
القَذرَ و لو كبُرَ ، و الجاري دائماً في صفاءٍ و لو قلَّ .
و الأقبح من العكوفِ النظري الاطلاعي العكوفُ الفهميُّ ، فقد يكون الشخصُ
واسِع النظرِ ، كثيرَ الرحلةِ ، و الحالُ عينُ الفهمِ واحدة ، فتعدَّدَت
الأسبابُ و الموت واحدُ .
حقيقة هي مظهرٌ لا يُؤْذِنُ بخيرٍ ، و لا يُبَشِّرُ بِمُرْتَجى ، فتضييقُ
المعارفِ و العلومِ مصادمةٌ لحالِها التي جُعِلَتْ عليها ، فالعلوم ذاتُ
سَعةٍ و لا تقبلُ تضييقاً ، و قاصد تضييقها ساعٍ في هَلَكةِ نفسه ، فبحرُ
المعارفِ يُغرقُ جهلةَ السباحة .
عبد الله العُتَيِّق
Abdullah.s.a