|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن
بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
الشعر والشعراء اليوم أصبح لهم رواجاً عند بعض عوام الناس ، بل حتى الطبقة
المثقفة منهم ، ظناً منهم أن جميع الشعر مباح ، مع أن الشعر في أصله مباح ،
لكن هذا المباح ربما تحول إلى حرام ، بسبب كلماته وألفاظه ومعانيه ومبانيه
ومغازيه ، فمرة يمدح كذباً وزوراً بمن ليس لذلك أهل ، ومرة يذم من هو بريء
من شعره ، كل ذلك بسبب الحصول على المال ، أو ربما كان عصبية قبلية ، وهذا
خطير جداً على دين العبد ، لأن الإسلام هدم التفاخر بالقبيلة ، والاعتزاء
بالعصبية ، فإنها منتنة .
والله جل وعلا حذر من شعراء الفتنة وما أكثرهم اليوم ، لا كثرهم الله ،
الذين يقعون في الأعراض والغزل والجنس والوصف القذر إلى غير ذلك من الأمور
المحرمة ، ولهذا ذكر الله الشعراء بالذم ، وبين أنهم كاذبون ، وأن من
يتبعهم إنما هو غاو جاهل ، فقال الله تعالى : { وَالشُّعَرَاء
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ
يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً
وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [ الشعراء 224 – 227 ] ، فالله عز وجل
يخبرنا أن الشعراء يتبعهم أهل الغي والغفلة والهوى ، لا أهل العلم والعقل
والهدى .
وقال الحسن البصري : قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها ، مرة في
شتيمة فلان ، ومرة في مديحة فلان .
وقال قتادة : الشاعر يمدح قومًا بباطل ، ويذم قومًا بباطل .
ثم جاء التحذير من شعر وشعراء السوء والفحش والكذب والزور ، جاء التحذير من
هذا الشعر الفاسد المنهي عنه في حديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وغيره قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم : " لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً يَرِيهِ _
يصيبه داء في جوفه _خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً " .
وللأسف فقد أُنشأت قنوات فضائية خاصة بالشعر والشعراء تصد عن سبيل الله ،
وتدعوا إلى القبلية والعصبية وإثارة النعرات والحزبيات ، التي أماتها
الإسلام ، واستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، فأتت هذه القنوات بشعراء
يبنون ما هدمه الإسلام والعياذ بالله ، وكأنهم في حرب مع دين الله ، وهذا
أمر لا يجوز شرعاً ولا عرفاً فهو يثير حفيظة المسلمين لاسيما في هذه البلاد
المباركة ، بلاد الحرمين والمقدسات الإسلامية ، والتي حاربها العالم بأسره
من كل مكان ، ثم نكون معول هدم وحرب على بلادنا بمثل هذا الشعر والشعراء ،
لتعود القبلية والقتال والحرب بين أبناء بلاد الحرمين ، يجب أن يعقل الناس
هذا المخطط وأنَّ وراءه أعداء لنا ، ينفقون فيه الملايين لتفكيك المسلمين ،
والسعي للفرقة بينهم ، وإشاعة روح العداء والكراهية والبغضاء بينهم .
وإمعاناً في الحرب على بلاد الإسلام أُقحمت المرأة في الشعر ، وما شأن
المرأة والشعر ، وما للمرأة والاختلاط بالرجال ، أماتت الغيرة يا أولياء
المرأة الشاعرة ، أين رجولتكم ، أين شهامتكم ، أين غيرتكم ، أبعتم ذلك
بحفنة قذرة من المال ؟ وأصبحت نساؤكم محط أنظار الرجال ؟
الشعر منه الحسن وهو ما يشجع على الطاعة والجهاد في سبيل الله عز وجل
وترقيق القلوب ، ومنه ما هو محرم وهو ما نتحدث عنه في هذه العجالة ، ولهذا
بين الله عز وجل للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعلم الشعر يوماً
ولم يقله ولم يصدر عنه قال الله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ
وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس69
] .
لقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم للشعر الحسن ذو الفائدة والحكمة ، كما
كان يسمع لشعر حسان بن ثابت رضي الله عنه ، وقد أخبر بأن من الشعر حكمة كما
في صحيح البخاري ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ : " هَلْ
مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْئاً " ، قُلْتُ :
نَعَمْ ، قَالَ : " هِيهِ " _ أسمعني _ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً ، فَقَالَ :
" هِيهِ " ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً فَقَالَ : " هِيهِ " ، حَتَّى
أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ " [ رواه مسلم ] ، قال القرطبي رحمه الله في
تفسيره : " وإنما استكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعر أمية لأنه
كان حكيماً " .
وقوله تعالى : { في كل واد يهيمون } أي : يخوضون في الباطل والكذب واللغو ،
ولا يتبعون الحق ، لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت ،
ولم يكن هائماً يذهب على وجهه لا يبالى ما قال ، قال الله عز وجل : {مَا
يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق18 ] ، وقال
سبحانه : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ *
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار 10- 12 ] .
ومن هو العاقل الذي يضيع وقته في مشاهدة هؤلاء الشعراء وما يلقونه من كذب
ومدح وقدح وذم في الناس والعائلات والقبائل ، لهو وقت ثمين يُسأل عنه
المسلم يوم القيامة ، حين لا ينفع الندم .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك