بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كنت أتسائل
عن سبب غلاء الصقور , وأن الكثير ممن يعشقونه يشترونه وإن بلغ الملايين ,
إن في الصقر ثلاث : هو بعيد النظر لا ينظر إلى الأمور العادية , والصقر
عزيز النفس ولا يمكن أن يذل نفسه لأجل شيء , والصقر حرّ يحب الحرية , فعلام
أرى كثيرا من الناس يفتقدون لبعض من هذه الصفات , ولقد رأيت بعضا من الخلق
يرفع من قدر نفسه حتى تجاوز حده , وهذا دأب الخلق إما أن يذلون أنفسهم مرة
واحدة أو يرفعونها فيعتدوا ,أين المعتدلين , وأين من يعرفون ثمن أنفسهم ,
بينما كنت في السيارة قلت لصاحبي إن هذه السيارة فخمة , يبدوا أن مالكها
ثري , فقال لي أتعلم أن قيمة السيارة أكبر من قيمته ؟ قلت وكيف هذا , فأجاب
أنه يعرف هذا الرجل , فقير معدم وليس الفقر عيبا ولكن العيب أن يتكلف
الإنسان مالا يطيق , وأخذ سيارة فخمة من البنك , ويذهب نصف راتبه على
أقساطها , ويعاني من بعض المرض , وأسرته لا تترفه كما فعل هو بنفسه , هل
اقتنعت أن سيارته أكبر قيمة منه , قلت : سبحان الله , لماذا لا نكون أعزة
كالصقور بدون تكلف , ولماذا لا ننظر إلى الدنيا بعين بعيدة النظر ولماذا لا
نكون أحرارا , لقد قيّد نفسه بالديون وأذلها , وصار سخرية لخلق الله , وإن
قلت أخي القارئ أنك تود أن تكون ثريا , لا مانع من هذا ولكن كن ثريا بطريقة
سليمة صحيحة , وإن أعظم الثراء أن تمتلك صحة فلا تقلق ولا تشكوا , كم من
ثري عاش حياة المترفين الفرهين ولكنه يحاول التخلص من القلق , والخوف ,
والجبن , والكسل , والهم والحزن , كنت في أحد المنتديات أكتب خواطري وأستغل
بعضا مما لدي , فكتبت في يوم أننا في المنتديات وفي الفيس بوك وغيرها من
مواقع التواصل نجتمع فنضحك ونبتسم ونفرح ونسخر ونشارك ولكن كم واحدا منا
هرب من واقعه ليجلس أمام هذه الشاشة , فيظهر سعادته وهو بخلاف ذلك , كم
امرأة جلست بعد الطلاق أمام هذه الشاشة فضاعت حياتها أكثر مما كانت عليه من
قبل , كتبت إلي امرأة مطلقة أنها لا تعرف ماذا تصنع لقد بلغت الخامسة
والثلاثين وأصابها الاحباط ولديها طفلين وطليقها لا ينفق عليهم , قلت لها :
هل لك وظيفة , قالت نعم , قلت لها هل فكرت بإكمال دراستك , قالت : بلى .
لقد فكرت بهذا , فأجبتها وهو جواب لكل من أصابها هذا : لا تظني أن طليقك
هذا في سعادة , لم أعرف رجلا طلّق امرأة ونسيها , وأنا أقول هذا لأجل أن
كثيرا من النساء تقول في نفسها , هو الآن فرح مسرور وهو كذا وكذا , صدقيني
إنها مجرد وساوس ثقي بي , إننا إذا ركّزنا فيمن تركنا بمحض إرادته , وتخلى
عنا في وقت حاجتنا له , لا يستحق أن نعطيه من وقتنا وطاقتنا , قلت لها
ابذلي ما بوسعك , عودي إلى الدراسة , والتحقي بدورات علمية , واستفيدي من
وقتك , وأما لو أراد أخذ أطفالك منك فلا تحزني إن الرازق حيّ وإن العدل
موجود وهو الحكم العدل , اهتمي بما يصلح حالك وانشغلي بما يفيدك , وإذا كان
لديك بعض المال فأرسليه إلى من تثقين به ليتّجر لك به فقد كانت خديجة رضي
الله عنها زوجة النبي تتّجر بمالها فتعطيه لمن تثق بهم , يكفونها عناء
العمل , وأما في فراغك أنتي اذهبي واقرأي بعض الكتب أو شاهدي البرامج
المفيدة , واكتبي الأفكار التي تحتاجين لها , غيّري ما في نفسك , قولي :
يارب أود أن أكون إنسانة ناجحة , أود أن أعيد لنفسي قوتها , هذه سنّة
الحياة فلو توقفنا عند مشاكلنا لمتنا قبل أوان الموت , ولتجرّعنا غصص القلق
والذعر والهم بلا شعور ولا احساس , وهذا رجل آخر كان يعاني من حرقة بمعدته
وحموضة شديدة وربما عزف عن الطعام خوفا , ووسوس لنفسه حتى أهلكها , فذهب
إلى أطباء كثر ولكن مع ضياع الفهم زادت الأمور سوءا ,نعم إن الطبيب الفاهم
العاقل من يعالج مريضه قبل أن يناوله أي دواء , وبعد رحلة سنتين من التشنج
المعوي وحرقة المعدة وزيارته لأطباء متخصصين في المعده , ذهب إلى طبيب عام
وليس متخصصا في مشكلته ولكنه ذهب إليه فطرده الطبيب وقال له : اذهب وكل كل
ما تشتهي ولا تأتي إلي أبدا , إن المصاب هو عقلك وليست معدتك , فذهب هذا
الرجل وصار يأكل ولا يكترث لحرقة أو حتى مغص , فعادت صحته وذهبت عنه
الوساوس , هكذا يفعل الإنسان بنفسه لابد أن توبّخ نفسك إذا وسوست وتتغلب
على وساوس قلبك ولتجعل شيطانك يخنس في زاويته لا ينطق بكلمة .
لقد تحسن حال تلك المطلقة , وأكملت دراستها واحتضنت أولادها , وحققت
إنجازات كثيرة , لقد تاثرت بكلمة قلتها لها حتى بلغ بها الغضب , قلت لها :
لا أحد يحمل همك فلا تظني أن هناك أحدا ما يحمل همومك ويفكر بها , قالت لي
كيف تقول هذا لي , لقد زدت احباطي وذلي , قلت لها ستفهمين هذا قريبا , لقد
فهمت عني هذا , وأدركت أنها إذا أرادت النجاح والتخلص مما هي عليه لابد أن
تعمل بنفسها وتطور من مهاراتها وتقرأ وتنجز , وبعد كل هذا لقد أعادت ثقة
الناس الظالمة بها , قلت ظالمة لأن الناس يظلمون المطلقات وكأنهن عبث في
عبث , إنهن أمهاتنا ونسائنا وأخواتنا وبناتنا , لابد أن ندخل السرور إليهن
حتى لو كانت المطلقة هي المخطئة , لابد أن نقف بجانبها , ونعيد إليها
الثقة.
هذا المقال من كتابي ( مهارات الحياة )
تابعوني إن أردتم المزيد :
@ibrahim_shamlan
ibrahimalshamlan@gmail.com
|