|
|
وداعا داعية
الشباب |
|
بقلم / محمد بن مشعل العتيبي
@mohamadmeshal |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هو الموت ما منه ملاذ ، ولا مهرب ، زائر لا يستأذن ، وساعة لا تستقدم ولا
تستأخر ، وقضاء نافذ ، لا يستثني أحدا ، ولا يفرق بين وضيع أو رفيع .
وما الدنيا إلا ظل زائر ، وطيف عابر ، تمضي أيامها ، وتتصرم لياليها ، كعقد
انفرط ، وأوراق تساقطت .
ألا وإن الشأن ليس في الموت ، فما منه مفر ، إنما الشأن في روح تقبض على أي
حال ستقبض ، وفي أي موطن ، أفي طاعة أم معصية ، أفي خطوات إلى البر وأسبابه
، أم إلى الفجور ومهاويه.
وإن أشرف ميتة يتمناها المرء هي أن يقبض على طاعة وبر ، فيبعث يوم القيامة
عليها ، و ما أشرف تلك الميتة التي مات عليها داعية الشباب ، الحريص عليهم
، الباذل نفسه في وجوه البر : شيخنا وحبيبنا الداعية أحمد بن عويض السميري
رحمه الله وتقبله عنده في الصالحين.
مات رحمه الله وكانت ميتته عظة وعبرة لفئام من الناس ، مات ملبيا داعيا إلى
الله ، مات ماشيا إلى طاعة ، ومتلبسا بطاعة .
الداعية أحمد السميري رحمه الله من دعاة جدة المتميزين ، عرفته أروقة هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – عمله الرسمي – محتسبا آمرا بالمعروف ،
ناهيا عن المنكر ، برفق وحكمة وموعظة حسنة وابتسامة لا تفارق محياه.
وعرفه المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالعزيزية بجدة -حيث كان يدير
مندوبية الدعوة بحي مدائن الفهد- داعية نشيطا ، يبث الحماس في نفوس الدعاة
، ويبذل وقته وماله وجهده وجاهه في الدعوة إلى الله عز وجل ، دون كلل أو
ملل.
الداعية أحمد السميري رحمه الله همة تتقاصر دونها الهمم ، وتضحية تضمحل
أمامها التضحيات ، وبذل وعطاء قل أن تراه في غيره.
كان رحمه الله كريما يجود بماله في سبيل الدعوة إلى الله ، حتى أنه رحمه
الله باع سيارته في إحدى السنوات من أجل إعداد مخيم دعوي للشباب ودعوتهم،
ودفع راتبه كاملا في تجهيز حملة الحج الدعوية لهذا العام ، فأي كرم هذا
الذي يذكرك بالسلف الصالح.
كان رحمه الله بعيدا عن الشهرة ، نافرا منها ، حريصا على الإخلاص ، وأجزم
أن كثير من المشايخ وطلبة العلم وعامة الناس الذين تفاعلوا مع خبر وفاته
رحمه الله لم يعرفوه أيام حياته ، إنما هو القبول من الله عز وجل ،
والكرامة التي يهبها لمن يصطفي من عباده.
كان رحمه الله دائم الابتسامة ، لين الجانب ، شديد التواضع ، لايرى لنفسه
مقاما أو شأنا بين إخوانه ، رغم منجزاته الدعوية الكبيرة ومنها : إدارته
لمندوبية الدعوى بحي مدائن الفهد لسنوات متواصلة ، وحملته الدعوية للشباب
التي يقيمها مع مجموعة من الدعاة منذ عام 1421هـ ، ومشاركاته الدعوية
والاحتسابية في العديد أحياء جدة بل وخارجها ، وحرصه الدائم على دعوة
الشباب بكافة الطرق الدعوية الحكيمة.
ووالله إنك لتذهل مما هيأ الله له من أعمال صالحة قبيل وفاته بأيام ، حتى
كأن الله عز وجل يعده إعدادا ليتهيأ ليوم وفاته ، وقد صدق رسولنا صلى الله
عليه وسلم حينما قال : "إذا أحبَّ اللهُ عَبدًا عسَّلَه . قالوا : ما
عسَّلَه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يُوفِّقُ لهُ عملًا صالحًا بين يدَي أجلِه
" .
حيث رزقه الله ملازمة والدته قبيل ذهابه للحج حيث قدمت عليه وأقامت في بيته
وفرح بها أيما فرح وأكرمها وقام على خدمتها ، ثم يسر الله عز وجل له هذا
العام الإشراف على تحجيج ( 600 ) حاج من الشباب وتاب منهم خلق كثير تجاوزوا
المئتي شاب ، حتى إذا دنت ساعة الرحيل وأتم الله له غالب نسكه ، ودع الحجاج
في اليوم الثالث عشر ووزع عليهم الهدايا ثم توجه لرمي الجمرات ، وسبق قضاء
الله النافذ وتعرض لحادث دهس أنهى حياة مليئة بالطاعة والكفاح والعمل
المستمر في الدعوة إلى الله ، وكانت آخر كلمة له نطقها قبيل الحادث بثواني
– كما يذكر من كان بجانبه وقت الحادث- نسأل الله أن يتقبل منا ، وتوفي
مبتسما نير الوجه رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.
وقد كانت وفاته رحمه الله درسا عظيما لكثير من الناس ، فلم يكن رحمه الله
صاحب شهرة ولا معروفا عند الناس ، لكنك تعجب من حزن الناس عليه وتفاعلهم
وتأثرهم في وسائل التواصل الاجتماعي ، وهذه والله علامة إخلاص وصدق وقبول
بإذن الله ، والناس شهود الله في أرضه.
يقول الشيخ الدكتور عمر المقبل تعليقا على وفاته رحمه الله : " من علامات
حسن الخاتمة أن يقبض الشخص بعد عمل صالح ، فكيف إذا قبضت روحه وهو متلبس به؟!"
ويقول الشيخ الدكتور محمد المهنا :" يحزن القلب على فقد من لهم أثر في
الدعوة والخير ، فيا شبابنا ويابناتنا قوموا مقامهم وسدوا مسدهم وعوضونا عن
رحيلهم " .
رحمك الله ياشيخنا أبا مصعب، وتقبلك عنده في الصالحين وأخلف على أهلك
ودعوتك وعوضهم خيرا، وإنا على فراقك ياداعية الشباب لمحزونون ولا نقول إلا
ما يرضي ربنا ، إنا لله وإنا إليه رجعون.
|
|
|
|
|