|
|
أرب إيدل ...
منكر؛ يحرم المشاركة فيه، او الدلالة عليه |
|
رضوان بن أحمد العواضي |
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الحق جل وعلا :{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة: 2].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم: ( يَأْمُرُ
تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى فِعْلِ
الْخَيْرَاتِ، وَهُوَ الْبَرُّ، وَتَرْكِ الْمُنْكِرَاتِ وَهُوَ
التَّقْوَى، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التناصر على الباطل ) أهـ.
وان مما يتعين على كل مسلم معرفته والعلم به ، حكم ما يسمى اليوم ببرنامج (
أرب إيدل ) ، لابتلاء الأمة اليوم به ، الا من رحم الله ، وقليل ما هم ،
والله المستعان .
وقبل ان أقف على أهم ما يتعلق بحكم هذا البرنامج من الناحية ، أحب أن أقف
أولا معك أخي القارئ الكريم على معنى هذا البرنامج.
سمي البرنامج أولا ، بمصطلح انجليزي ، وذاع مسماه بهذا ، مع انه حسب علمي
لا يتعلق الا بالجمهور العربي ، ولا يستهدف أحدا سواهم ، لكنه سمي بهذا
المصطلح وبقي عليه .
هذا الإسم كما هو معلوم في قواميس اللغة الإنجليزية ، وأعني هنا الشطر
الثاني من الإسم وهو ( إيدل – Idol ).
ورد معنى هذه الكلمة في القاموس كما يلي : (المحبوب ، وهم؛ إله زائف ، صورة
شبح؛ طيف المعبود؛ فكرة خاطئة؛ معبود؛ وثن ) ، انظر : قاموس المعاني .
روج للبرنامج بأن معناه: ( محبوب العرب ) ، لكن الذي يرمي اليه مسموه -
والله أعلم – انهم يقصدون بذلك : معبود العرب ، او وثن العرب ، ولا أدل على
ما نقول ؛ تسمية هذا البرنامج بالمصطلح الإنجليزي ، ولو كان المقصود بمسماه
( محبوب العرب) ؛ كما تشير الترجمة ، لما بقي بهذا المصطلح المحتمل للمعنى
الآخر ولسمي بالعربية ( محبوب العرب ).
ومهما كان مقصود هذا الإسم ، فالأمر لا يهم اذ لا مشاحة في الاصطلاح ، غير
اني أحببت التنبيه على هذا الأمر ، لبيان خبث أهل الباطل ، ومكرهم الشديد
بأمة الإسلام .
ثانيا : من خلال المعلومات التي سمعناها ، ووردتنا عن هذا البرنامج التي لا
مجال فيها للشك .
فان هذا البرنامج ؛ يحرم على المسلم ؛ حضوره ، او المشاركة فيه ( بالتصويت
) ، او الدلالة عليه ، للوجوه العشرة التالية :
الوجه الأول : انه من مجالس الباطل والظلم ؛ التي حرم الله جل وعلا
على أهل الإسلام البقاء فيها.
قال الله :{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
قال ابن سعدي رحمه الله : ( "فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل
لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته
) أهـ.
الوجه الثاني : ان المشاركة فيه ؛ بالحضور او التصويت او الدلالة،
تعاون على الإثم والعدوان الذي أجمعت الأمة على تحريمه ، لقوله تعالى :{
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ } [المائدة: 2].
بل ان التعاون عليه صفة من صفات النفاق العملية التي يجب على كل مسلم ان
يحذر منها كل الحذر ، ودليل قولنا هذا ، قول الحق سبحانه في وصف المنافقين
؛ أنهم يتعاونون على المنكر ، ويتواصون به، فقال جل وعلا :
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
[التوبة: 67].
الوجه الثالث : ان فيه فتنة أهل الإيمان بالله ، لما يتضمن من
الفجور والفسوق ، والخبث الذي لا ينكره عاقل !.
فمن حضره ، او شارك فيه ، او دل عليه فقد فتن المؤمنين والمؤمنات ،المترتب
على فعله هذا ؛ النار وغضب الملك الجبار جل وعز ، قال الله:
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }
[البروج: 10] .
الوجه الرابع : ان فيه دعوة للفحش والفاحشة ، والإستهانة بشرع الله
ودينه ، وهذا بين في أمور :
الأول : استحلال ما حرم الله من الغناء الماجن الذي لا يقول بجوازه عالم من
أهل الإسلام ، حتى ولا الذين ذهبوا الى جواز الغناء ، فانهم لو رأوا هذا
البرنامج وما عليه حال الغناء ، لأطبقوا القول على تحريمه دون منازع .
الثاني : ما فيه من التبرج والسفور ، والاختلاط، والنظر الحرام ، وهذا بين
لكل ذي بصر او بصيرة .
الثالث: ان فيه تشجيع للمسلمين على الإنسلاخ من قيمهم ومبادئهم ، التي أوجب
الإسلام المحافظة عليها ولزومها والعض عليه بالنواجذ ، وهذا ظاهر في تشجيع
شباب المسلمين؛ ذكورا وإناثا على الغناء الماجن ، ورميهم في أحضان الرذيلة
والفسوق .
وقد حذر الله عباده من محبة انتشار الفاحشة في المسلمين ورتب عليها العذاب
الأليم ، فكيف اذا تجاوز الأمر عمل القلب بالمحبة الى فعل الجوارح بالسعي
الدؤوب على الترويج للفاحشة والدعوة اليها؟!.
قال الله : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي
الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النور: 19].
الوجه الخامس : ان فيه إضاعة للمال ، وإهدار له ، وهذا محرم على
المسلم ، يترتب عليه الهلاك والخسران في الدار الآخرة .
فقد حرم الله إضاعة المال ، وأكله بغير حق فقال سبحانه : {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
[النساء: 29].
وفي الحديث الصحيح : ( إن الله تعالى حرم عليكم : عقوق الأمهات و وأد
البنات و منعا و هات و كره لكم : قيل و قال و كثرة السؤال ، و إضاعة المال
) صحيح ، انظر : الجامع الصغير وزيادته (ص: 263).
وعند الترمذي وغيره ، من حديث أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره
فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن
جسمه فيما أبلاه ) صحيح ، انظر : صحيح وضعيف الترمذي للألباني رحمه الله .
الوجه السادس : ان غالب ما يصاب المفتونون به ، حب أهله وتعلق
القلوب بهم ، وهذا من الخطورة بمكان ، لأن الحب والبغض عبادة يحرم صرفها
لغير ما شرع الله .
في الحديث الصحيح ، عن ابن عباس ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و
البغض في الله عز و جل ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم
: 2539 في صحيح الجامع.
ومحب القوم يحشر معهم يوم القيامة ، في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه لما قيل له: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: ( المرء مع من
أحب ) متفق عليه.
الوجه السابع : ان كسبه خبيث ، يستحق صاحبه النار ، نسأل الله
المعافاة من غضبه وناره ، في الحديث : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به
) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4519 في صحيح الجامع .
الوجه الثامن : ان الدال عليه خائب خاسر ، وتشمل الدلالة هنا كل
وسيلة أدت معنى الدلالة ؛ من قول او فعل او إشارة .
فمن دل على الحرام كان له من الوزر مثل اوزار من عمل به، او دل عليه ، الى
قيام الساعة ، قال الله :{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ
أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
وفي الحديث : (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها من
بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر
حديث رقم : 6305 في صحيح الجامع.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الدال على الخير كفاعله ) ( صحيح ) انظر
: صحيح الجامع .
ووجه الدلالة : ان الحديث بمفهوم المخالفة ؛ ان الدال أيضا على الشر كفاعله
، والى هذا المعنى أشار اهل العلم رحمهم الله .
الوجه التاسع : ان في حضوره او المشاركة فيه ، إعانة أهل الفجور
والباطل على باطلهم وفسقهم ، وذلك بإعانتهم على نجاح برنامجهم الخبيث ،
ودفع الأموال لهم ، والتي ربما كانت سببا في زيادة معاناة المسلمين ، وقوة
شوكة عدوهم ، اذ لا يعلم أحد الى أين تذهب إيرادات هذا البرنامج ولصالح من
تصب في الأخير .
وهذا كله محرم على المسلم ، اذ الواجب عليه تجاه هؤلاء نهيهم عما هم عليهم
والأخذ بأيدهم ومنعهم ، وعدم دعمهم او تشجيعهم.
وفي الحديث الصحيح : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ
بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان» . رَوَاهُ مُسلم.
وفي الصحيحين ؛ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ
أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَمنعهُ من الظُّلم فَذَاك نصرك إِيَّاه» .
مُتَّفق عَلَيْهِ.
الوجه العاشر : ان المشاركة في هذا البرنامج ،تورث جمهوره، العداوة
والبغضاء ، نظرا لتوجه كل طرف الى نصرة من يحب ، وهذا حاصل ظاهر في أحوال
متابعيه .
وقد نهى الإسلام عن كل ما أفضى الى العداوة والبغضاء بين المسلمين ، وهل
حرمت الخمر والميسر الا لهذه العلة ؟ ، قال ربنا سبحانه : {إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة: 91].
وقال صلى الله عليه وسلم : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ
أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا
تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» . وَفِي رِوَايَة: «وَلَا تنافسوا»
مُتَّفق عَلَيْهِ.
نسأل الله العفو والعافية ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
الإثنين : 18-ربيع الآخر – 1438هـ
|
|
|
|
|