|
|
باطنية العصر
الجديد |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
ظهرت في العالم الإسلامي - وفي دول الخليج خصوصًا - خلال العقدين الماضيين
عدد من الأفكار والممارسات التي يمكن تصنيفها تحت مظلة ما اصطلح المختصون
على تسميتها الباطنية الحديثة ، أو الروحانيات المحدثة ، أو تطبيقات "العصر
الجديد" .
وهي منظومة فكرية متفرعة عن الفلسفات الشرقية المتمثلة بالهندوسية والبوذية
والطاوية ، ومتأثرة بالتيارات الباطنية في الغرب كالثيوصوفي و"الفكر
الجديد" ، بالإضافة للديانات الوثنية المحدثة والتصوف الفلسفي المغالي .
اجتمع في هذه المذاهب المتفرقة عوامل مشتركة شكلت القاعدة التي بُنيت عليها
تطبيقات الباطنية الحديثة ، تتلخص هذه العوامل بالمبادئ التالية :
١- عقيدة الحلول والاتحاد ووحدة والوجود .
٢- الاعتقاد بالألوهية الكامنة للنفس البشرية
.
٣- الاعتقاد بالوحي الذاتي المستغني عن
التوسط النبوي .
٤- الاعتقاد بنسبية الحق ووحدة الأديان .
٥- السعي "للاستنارة" أو "الإشراق" المتمثل
باتحاد المخلوق بالخالق .
تتجلى هذه المبادئ بشكل صريح وظاهر في طرح رموز الباطنية الحديثة عند الغرب
، أمثال : إكهارت تولي ، وأوشو ، وديباك تشوبرا ، وواين داير وغيرهم ،
ولكنها تظهر بدرجات متفاوته في الوضوح والصراحة عند أتباع هؤلاء في العالم
العربي .
ورغم وضوح الإشكالات العقدية الشديدة في تطبيقات الباطنية الحديثة لأي
متابع مطلع ومختص ، إلا أن الجدل فيها لا يزال قائمًا بين عوام الناس
لأسباب متعددة ، من أهمها غياب الفتوى وصوت كبار العلماء في البت في هذه
النوازل الخطيرة منذ سنوات طويلة .
وفيما يلي ملخص لأبرز أنواع الممارسات مع التوضيح الموجز والتمثيل :
أولاً : الممارسات المتعلقة بفلسفة "الطاقة الكونية" .
"الطاقة الكونية" في الفلسفة الشرقية وتطبيقات الباطنية الحديثة هي تعبير
عن الوجود الكلي المطلق ، وإحدى صور عقيدة وحدة الوجود . ويُبنى عليها
تصورهم عن الصحة والمرض ، فكلما كانت "الطاقة" متوازنة كان الإنسان أقرب
لأصله "الإلهي" الذي لا يصيبه المرض ولا يتضرر بالآفات والعلل . ووجه
الإشكال في التشافي بها من جهتين : عدم ثبوت سببيتها - ولا حتى وجودها
كونًا ، ولارتباطها بمعتقدات باطلة لا تنفك عنها .
ومن أمثلة الممارسات المبنية على "فلسفة الطاقة" :
١- أنواع العلاج بالطاقة .
٢- الريكي .
٣- العلاج بالبرانا .
٤- الأيورفيدا .
٥- وخز مسارات الطاقة بالإبر .
٦- الماكروبيوتيك .
ثانيًا : الممارسات المتعلقة بالقدرات الخارقة .
من فروع القول بوحدة الوجود والألوهية الكامنة بالنفس البشرية ، برزت مزاعم
امتلاك الإنسان لقدرات خارقة يتم كشفها عبر رياضات روحية معينة . بعدها
يتمكن الإنسان من القيام بأفعال فوق بشرية .
ومن أمثلة ذلك :
١- المشي على الجمر .
٢- الخروج من الجسد ( الإسقاط النجمي ) .
٣- قراءة الأفكار وإرسالها ( التخاطر ) .
٤- تحريك الأشياء عن بعد ( تليكنيسيس ) .
ثالثًا : الممارسات الشركية .
وهذه الممارسات مع ارتباطها بالمبادئ المذكورة آنفًا يظهر فيها جانب شركي
أكثر وضوحًا ، يشبه حكم التمائم واعتقاد التأثير فيما لا يؤثر.
ومن أمثلة ذلك :
١- الاستشفاء "بطاقة" الأحجار وذبذباتها ( بتعليقها أو وضعها في المنزل ) .
٢- استخدام الأحجار في جلب النفع أو دفع الضر ، كحل المشاكل الزوحية أو جذب
الخب وشريك الحياة .
٣- الفونغ شوي وطاقة المكان ، حيث يقسم المكان لعدة مناطق مؤثرة في حياة
الساكن ، ركن الثروة ، ركن الصحة .. الخ . وبالتغير في ذلك الركن تتأثر
الحياة ، كوضع شجرة المال في ركن الثروة لزيادة الدخل ، أو شلال في ركن
الصحة لجلب العافية .
رابعًا : الممارسات المناقضة للإيمان بالقضاء والقدر .
وهي من نتائج الاعتقاد بوحدة الوجود ، حيث إن العالم المشهود عندهم وهم ،
وليس سوى انعكاس للوجود الحقيقي الذي يعبرون عنه "بالوعي" ، ومن ثم يكون
التغيير في الوعي عن طريق التفكير والتركيز سبب في تجلي تلك الأفكار
وظهورها في الواقع . وبذلك يكون الإنسان مدبر لأقداره موجد لها بإرادته أو
تركيزه . وهم يصرحون بأن الإنسان ليس فقط يخلق فعله ، بل يخلق قدره كله .
ويكثرون من الاستشهاد الخاطئ بالنصوص للتأييد هذا المعتقد ، كحديث [ أنا
عند ظن عبدي بي ] .
ومن أمثلة ذلك :
١- كتاب السر .
٢- قانون الجذب .
٣- القوانين الروحية المتفرعة عن قانون الجذب : كقانون التركيز وقانون
الامتنان ..
خامسًا : الممارسات المثبتة للغنوص .
والمراد به الاعتقاد بوجود وسيلة مباشرة لتحصيل المعارف من مصدرها الإلهي
دون الحاجة إلى الوحي ، ويعبر عنه -كثيرًا- بالإلهام أو الكشف ، ويوجد
متفرقًا في طرح المتأثرين بالباطنية الحديثة .
ومن الأمثلة القائمة على هذه الفكرة :
١- دورة فن استفتاء القلب .
٢- دورة "النوتة" .
سادسًا : نشر الأفكار الصوفية وتمجيد رموز التصوف .
نظرًا لقرب الفلسفات الشرقية والباطنية الغربية من مبادئ التصوف الفلسفي
أدت محاولة "أسلمة" تلك المبادئ إلى ظهور فكر مطابق للفكر الصوفي القديم ،
ووجد المتأثرون بهذا الفكر ضالتهم في كتابات زنادقة الصوفية كابن عربي
والحلاج وجلال الدين الرومي .
ومن أمثلة ذلك :
١- وعي الحب الإلهي ( قواعد العشق للرومي ) .
٢- الوصول إلى البصيرة .
سابعًا : الممارسات المتضمنة لمشابهة الكفار فيما هو من خصائصهم .
نظرًا لأن أصول الباطنية الحديثة ترجع للفلسفات والديانات الشرقية فإنها
تظهر في تطبيقاتها آثار تلك الديانات ، سواء في المرجعية كالإحالات
المتكررة إلى بوذا ولاوتسي ( الطاوي ) وغيرهما ، أو في الألفاظ والممارسات
.
ومن أمثلة ذلك :
١- اليوغا ( رياضة هندوسية يراد بها - عندهم الاتحاد بالإله ) .
٢-المشي على الجمر ، في دورات أطلق المارد / العملاق الذي بداخلك .
٣- مصطلحات : الكارما ، المانترا ، الشاكرا .
ثامنًا : ممارسات الكهانة ودعوى معرفة الغيب .
تظهر عند بعض المتأثرين بالباطنية الحديثة ممارسات متنوعة فيها شيء من
الدعاوى الغيبية ، وقد يعتمد بعضها على تصور معيّن للوجود، وبعضها ليس له
تعلق مباشر بالفلسفة وإنما تمرر ضمن ما يُعرف بتحليل الشخصية .
ومن أمثلة ذلك :
١- الداوزينج ، وهو نوع من "التكهن" عن طريق البندول .
٢- بعض صور تحليل الخط والتوقيع .
٣- قراءة وتشخيص هالات الجسد .
وهذا ليس إلا طرفًا يسيرًا مما يبثه هؤلاء في مجتمعنا المسلم المحافظ بشكل
متسارع مخيف ، وإلا لو أردنا التفصيل والاستقصاء لطال بنا المقام جدًا ،
فإنما هي إشارات تبين خطورة الأمر والضرورة الشديدة لالتفات العلماء
لمعالجته وصده وتحذير الناس من خطره .
علمًا أن جميع ما سبق - مع ما فيه من خلل عقدي بيّن - يُروَّج على زعم
"ثبوت منفعته أو تأثيره علميًا" ، وبالرجوع إلى الثقات والمحايدون من
الأطباء وعلماء النفس وعلماء الفيزياء يتبين أن ذلك ليس إلا دعاوى فارغة ،
وأن الآثار المظنونة في الممارسات المذكورة الآنف ذكرها هي خليط من الأثر
الوهمي وقوة الإيحاء النفسي وبعض المنافع التي لا تختص بها تلك الممارسات .
|
|
|
|
|