|
يعتقد البعض أن ( الوسط ) ممدوح في جميع الحالات ، مما يوقعهم في أخطاء - سواء
بنية حسنة أو تعمد ، هذا لايهم - ، ويغيب عنهم أن هذا الاعتقاد منهم مجانب
للصواب ، وأن ( الوسط ) لا يُمدح في كل القضايا ، إنما يُمدح إذا كان وسطًا بين
طرفين مذمومين . أما إذا كان وسطًا بين ( حق ) و ( باطل ) ؛ فإنه يُذم كالباطل
، لأنه أصبح تلبيسًا على الناس ، وتكون النتيجة بعكس ما أراد صاحب هذا الوسط
الغلط عندما أراد التقريب بين الحق والباطل بوسطيته المذمومة .
وقد أردتُ أن أذكر نماذج لمن غلطوا في
فهم ( الوسط ) الصواب ، وتوهموه يصدق في كل القضايا ؛ فكانت النتيجة ضررًا على
الأمة :
المثال الأول :
فرقة ( السيخ ) الذين ظهروا في الهند .
فمؤسس هذه الفرقة ( المدعو ناناك ) عندما رأى الخلاف بين " المسلمين " و "
الهندوس " ساءه ذلك ؛ فاتخذ طريقة ( وسطًا ) بينهما ، فأحدث فرقة ( السيخ )
التي تخلط في تعاليمها بين الإسلام والهندوسية ! فأصبحت هناك فرقة ( ثالثة ) !
ثم مع الوقت أصبحت هذه الفرقة من أشد أعداء المسلمين . ( يُنظر : كتاب : السيخ
العدو الخفي ، للشيخ محمد الشيباني ) .
المثال الثاني :
مؤسس فرقة الأشاعرة ( أبو الحسن الأشعري ) ، رأى الخلاف قائمًا في عصره بين
الحق المتمثل في أهل السنة ، والباطل المتمثل في فرقة المعتزلة ، فأراد (
التوسط ) بينهما ! فخلط بين الحق والباطل ، وكانت النتيجة : إحداث فرقة جديدة !
بل قال الإمام أبونصر السجزي في رده على الأشاعرة ( ص 177 ) : " والمعتزلة مع
سوء مذهبهم أقل ضررًا على عوام أهل السنة من هؤلاء ؛ لأن المعتزلة قد أظهرت
مذهبها ولم تُموه .. فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء " ، أي
بخلاف الأشاعرة المُلبسين بخلطهم الحق بالباطل .
المثال الثالث :
حسن البنا ، الذي كان أهل السنة في عصره ظاهرين معروفين ؛ سواء تمثلوا في أنصار
السنة أوغيرهم من العلماء ، وكان هناك أهل البدع ، فأراد ( التوسط ) بينهما
ليؤلف بين المختلفين - في زعمه - ، فكانت النتيجة إحداث فرقة ثالثة تخلط الحق
بالباطل !
والسبب .. الوقوع في ( الوسط ) ( الغلط
) .
الخلاصة
1-
أن ( الوسط ) يُمدح إذا كان وسطًا بين طرفين مذمومَين .
2-
ويُذم إذا كان ( وسطًا ) بين الحق والباطل . وتكون النتيجة بعكس ما أراد صاحبه
، كما قال الشاعر :
يُحللون بزعم منهــمو عُقدًا ** وبالذي وضعوه زادت العُقدُ !
3-
ويُذم الوسط - أيضًا - إذا كان في الأمور المتدرجة ، ضعفًا وقوة ، أو علوًا
وسفلا .. مثال ذلك : لو قال أحد الطلاب : أنا سأختار الوسط فأحرص على أن يكون
تقديري ( جيد جدًا ) لأنه ( وسط ) بين ( جيد ) و ( ممتاز ) ! نقول : أخطأت ؛
لأن هذا من الأمور المتدرجة . مثال آخر : مسلم يقول : أنا أتمنى أن أكون من
أصحاب اليمين لأنهم ( وسط ) بين المقربين وأصحاب الشمال ! نقول - أيضًا - أخطأت
.. وقس عليه .
والله الموفق ..
رابط الحلقات السابقة من " ثقافة التلبيس "