|
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يُعد القرضاوي - هداه الله - من
منظري ما يسمى " منهج التيسير " في الفقه ، حيث شاد كثيرًا من بنائه ، وأسس له
في بلاد كثيرة ، فتأثر به فئة من الدعاة وطلبة العلم ، ظانين أنهم بهذا المنهج
يخدمون الإسلام ، ويُرغبون الناس فيه . وفاتهم - هداهم الله - أن هذا المنهج
فيه مفاسد كثيرة ؛ منها : أن فيه إعراضًا عن نصوص الكتاب والسنة ، وتحايلا
عليها بشتى الحيل التي لا ترضي الله ، بل تدل على أن هذا المتحايل لم يرض حكم
الله ، فهو يستحيي من عرضه على الناس ، ومنها : أن فيه صدًا عن الإسلام ، عندما
يكتشف المدعو أن هؤلاء الميسرين قد خدعوه وأخفوا عنه جانبًا من جوانب الإسلام ،
ومنها : أن فيه تلاعبًا بدين الله واستهانة بأوامره ونواهيه ، فهذا المنهج
السيئ بإيجاز : استدراك على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعدم يقين
بقوله تعالى : ( اليوم أكملتُ لكم دينكم ) .
ومن تجاوزات هذا المنهج الضار :
مادعا له بعض رموزه ( كالعلايلي قديمًا ثم الترابي حديثًا ) من جواز زواج
الكافر من المسلمة !! خارقين بذلك النصوص الشرعية ، غير آبهين بإجماع المسلمين
على مر العصور ، وقد رد علماء الإسلام عليهم انحرافهم هذا على رأسهم مفتي
المملكة ، ولله الحمد ، تجد بعض ذلك في الكتاب المرفق .
ثم جاء القرضاوي - هداه الله - مؤيدًا الترابي في بعض قوله
. ولم يكفه هذا حتى نسب انحرافه إلى ابن القيم - رحمه الله - ! لما يعلمه من
مكانة لهذا الإمام ، وهذا من الغش والتلبيس على المسلمين ، وتمكين لعلوج الكفار
من وطء المسلمات - والعياذ بالله - . وليته إذ اختار هذا الانحراف مذهبًا له ،
تحمل تبعته أمام الله ، ولم يُقحم معه أئمة الإسلام الذين باعد الله بينهم وبين
هذه المذاهب المنحرفة .
يقول القرضاوي في مذكراته التي صدرت قريبًا ( 3/ 387 )
: " وأذكر أن الترابي قد أثار زوبعة في
المؤتمر ، عندما أشار إلى جواز أن تبقى المرأة مع زوجها الكتابي ، إذا أسلمت هي
وبقي هو على دينه . وقامت القيامة عليه ، ورد عليه العلماء الشرعيون الحضور ..
- إلى أن قال - وكنتُ أظن أن في المسألة إجماعًا يجب أن يُحترم ولا يُخترق .
وبعد نحو ربع قرن من الزمان : ثارت القضية من جديد في المجلس الأوربي للإفتاء
والبحوث ، وتبين لي أن المسألة التي كنت أظن أنها إجماعية فيها تسعة أقوال
ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة ، منها عن عمر وعن علي رضي
الله عنهما في جواز بقائها مع زوجها ، وعدم فسخ النكاح الأول - إلى أن قال -
وقد أعد زميلنا في المجلس الأوربي الشيخ عبدالله الجديع بحثًا معمقًا مفصلا
مدللا .. ورجح بالأدلة جواز بقاء المرأة مع زوجها الكتابي ، ولو لم يُسلم "
!! ( هكذا بإطلاق ) .
قلتُ :
رجّح أنت وزميلك الجديع ما شئتما ، فحسابكما على الله ، ولن ينفعكما هذا
التحايل على الأحكام الشرعية ، ولكن لا تنسبوا ترجيحاتكما المنحرفة الخارقة
للإجماع - لتمريرها - إلى علماء المسلمين الذين حماهم الله من هذا الزيغ ،
ورفع ذكرهم عندما عظموا شرعه ، ولم يستخفوا منه ، أو يستنقصوه .
فهذا الرأي الذي نسبته لابن القيم - رحمه الله - هو كذب عليه ، وتلبيس على
المسلمين ، وفيه استهانة بأعراض المسلمات ، وسأنقل قول ابن القيم كاملا دون
بتر !
قال - متحدثًا عن هذه المسألة الفقهية في كتابه أحكام أهل الذمة 1/320 - :
( وقال حماد بن سلمة عن أيوب السختياني وقتادة - كلاهما - عن محمد بن سيرين عن
عبدالله بن يزيد الخطمي أن نصرانيًا أسلمت امرأته ، فخيرها عمر بن الخطاب رضي
الله عنه : إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه . وعبدالله بن يزيد هذا له صحبة
.
وليس معناه أنها تقيم تحته وهو نصراني
، بل تنتظر وتتربص ، فمتى أسلم هي امرأته ، ولو مكثت سنين ، فهذا قول سادس
، وهو أصح المذاهب في هذه المسألة ، وعليه تدل السنة كما سيأتي ، وهو اختيار
شيخ الإسلام ) انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله - . ولم يكتفِ بهذا ، بل قال
في نهاية الأقوال : ( قلت : ومرادهم أن العصمة باقية ، فتجب لها النفقة والسكنى
، ولكن لا سبيل له إلى وطئها
) .
فتأمل الفرق بين القولين . القرضاوي والجديع يفتيان ببقائها مع زوجها ، دون
تنبيه إلى عدم جواز وطء زوجها الكافر لها ، ولا أظنه يخفى القرضاوي الذي رجع
لكتاب ابن القيم هذا القيد ، ولكنه منهج التيسير ، ولو على حساب الأعراض ! -
نسأل الله العافية - .
وإلى القارئ الكريم رسالة مهمة في بيان الفرق بين منهج التيسير الشرعي المنضبط
، ومنهج التيسير الفاسد الذي يسير عليه القرضاوي وأتباعه - هداهم الله - وفيه
أيضًا ردٌ على من قال بالانحراف السابق المخالف للإجماع .والله الهادي .

(
حمل من هنا
)