|
بسم الله الرحمن الرحيم
قلتُ في مقدمة الحلقة الأولى :
( لقد فرض بعض كتاب الصحافة وصايتهم على
المجتمع زمنًا طويلا ؛ استطاعوا خلاله بث بعض الأكاذيب والأوهام ، والترويج لها
كحقائق لا تقبل الجدل ؛ في سبيل إقناع الناس بأفكارهم المنحرفة ، وعدم السماح
بما يعارضها أو يفندها ؛ فصدقهم من صدقهم ، كما قال تعالى : ( وفيكم سماعون لهم
) . ثم جاءت الشبكة العنكبوتية على قدَر ! لتقول لهؤلاء : لقد انتهى ليل
الوصاية ، وأشرق نور الحق الهادي لكل من غررتم به وخدعتموه ؛ من خلال هذه
الشبكة الحرة التي تكشف أكاذيبكم للجميع من خلال الحقائق والوثائق ).
ومُلخص الحلقة الأولى : بيان كذبهم في أن علماء هذه
البلاد عارضوا ( تعليم ) المرأة ، وبيان أن التحفظ إنما كان على ( ماهية
تعليمها وطبيعته ) ؛ خشية أن تقع البلاد فيما وقع فيه غيرها من الدول العربية
من مخالفات شرعية .
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/34.htm
وهذا ما قرره الباحثون " المنصفون " . يقول الأستاذ عبدالله بن
ناصر السدحان في بحثه " بداية تعليم البنات في عهد الملك سعود " :
( لم يكن التحفظ للتعليم بذاته، بل كان في نوعيته وطريقته،
ومَن يقوم به ، وإلى أي مدى سيصل بالفتاة في المجتمع السعودي؟ ) .
ومثله : تقرير أخي الباحث الدكتور فهد الجديد في مقاله الموثق هنا :
http://www.lojainiat.com/index.php?action=showMaqal&id= 7834
وهذه الحلقة الثانية والمتممة للأولى ، تُفيد بأن
التحفظ على تعليم المرأة لم يكن أمرًا خاصًا بهذه البلاد أو بعض مناطقها ؛ كما
يحاول أن يوهمنا كتاب الصحافة ومَن تأثر بهم ؛ لقصد التشويه والازدراء أو غيرها
من المقاصد السيئة . إنما هو أمرٌ عام ، قد حدث أشد منه وأنكى في غير هذه
البلاد التي أقبل أهلها على هذا التعليم ، عندما ضمنوا أنه سيكون في جو شرعي ؛
بإشراف من كبار العلماء .
يقول الأستاذ عبدالله الوشمي ، في كتابه
الراصد لهذه القضية " فتنة القول بتعليم البنات " ( ص 35 – 38 ) :
( كانت البنت مهملة و محرومة من العلم في اليمن ، و
واجه تعليم البنات كثيرًا من الصعوبات في دبي ، و
اشتعل أوار الفتنة في قطر ، فكتب الشيخ محمد بن مانع
، المشرف على التعليم و الشؤون الدينية والقضاء تقريرًا حول تعليم البنات ، و
قدمه لسمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني حاكم قطر ، وكان لابد من بذل جهود
ضخمه لتحقيق هذا الهدف ، وذلك بمحاولة إقناع المرحوم عظمة الحاكم الشيخ علي ،
والحصول على موافقته ، " و لقد قامت قيامة أهل الزبير
و بعض البصريين حينما اعتزمت حكومة العراق فتح مدرسة للبنات في البصرة ؛ فعدوا
ذلك من اعظم المنكرات " ، و لم يكن تعليم البنات في العراق
بالأمر الهين ، بل كان وعرًا بالغ الوعورة ، و لم يكن الرأي العام يرى أهميته ،
و جماعات كبيرة ترى أنه يُفسد الأخلاق ، و نجد صحيفة المنار
في مصر تنص على أن " أكثر الناس عندنا يعتقد ضرر تعليم البنات ، و ليس
لنا من هؤلاء المتعلمات في المدراس حجة عليهم " ، ولقد صاحب افتتاح مدرسة
البنات في القاهرة ضجة كبيرة ، وكان المجتمع
السوداني يستنكر تعليم البنات ضمن قيم الأسرة ، و
اختصرت الحكومة في السودان فرص التعليم على الذكور ، و لم تُبد أي اهتمام لا من
قريب و لا من بعيد ، بسبب تخوفها من تقاليد المجتمع الصارمة ، بل إن الحكومة
أمعنت في الحذر و الخشية حتى بعد أن تقبل المجتمع فكرة تعليم البنات ورغب فيها
، و تعيش الفتاة ظروفًا مناوئة لتعليمها في البحرين ،
فتعد " ذهاب البنت الى المدرسة عيبًا " ، وقام بعض رجال الدين " لكي يخطبوا في
الناس من المساجد ، و يوضحوا لهم مساوئ تعليم البنات " ، وتأخر تعليم الفتاة في
الكويت ؛ لأن المجتمع أهمل ذلك ، و تم اعتبار فكرة
تطوير تعليم البنات فكرة جريئة لمخالفتها للتقاليد والعادات ، فواجهها بعض رجال
الدين الكويتين بالمعارضة الشديدة ، وفي ليبيا لم يكن
بإمكان المرأة أن تتعلم ، و تأخر افتتاح مدارس تعليم البنات في
الأردن مقارنة بتعليم الذكور ، و في
المغرب كانت " المعرفة بشتى فروعها امتيازًا مقصورًا
على الذكور دون الإناث " ، وهناك في المغرب من كان يؤكد على أن تعليم المرأة
ضرر كله ، و هناك فتاوى وكتابات باللغة الأوردية تمنع
النساء من الكتابة ، و ليس من المعتزم في جامايكا في
الخطة الخمسية ولا في القانون حتى عام 1983 م وضع أي تدابير لمساعدة البنات في
مجال التعليم ، و لم تتضمن وثيقة التعليم في البرتغال
حتى عام 1971 م أية إشارة إلى تعليم المرأة ، و لم يتم تقرير التعليم الإلزامي
فيها إلا بعد سنوات ، و لم يُتح لفتاة واحدة أن تحصل على تعليم مدرسي قبل
الثورة المنغولية 1924 م ، وتشير الدراسات إلى وجود
عنف يُمارس ضد الراغبات في الالتحاق بتعليم المرأة في
بوركينا فاسو مثلا ، و في دراسة ايزابيل ديبلي الدولية حول تعليم البنات
نجد تحفظًا عند طائفة من التجمعات السكانية العالمية حول تعليم البنت " وقد
يبلغ الأمر حد الشعور بأن إرسال البنت إلى المدرسة ضربٌ من العار " ) . انتهى
كلام الأستاذ الوشمي ، ومن أراد الهوامش لتوثيق نقولاته ؛ فليرجع إلى كتابه .
وتأمل كيف أن تعليم المرأة في قطر تم بجهود من العالم
السعودي " ابن مانع " !
ويقول الأستاذ عبداللطيف الخالدي في كتابه " الشيخ محمد
الشنقيطي " ( ص 180 – 181 ) متحدثًا عن المحنة التي تعرض لها من أهل
الزبير والعراق بسبب فتواه عن جواز افتتاح مدارس للبنات ! :( فظلوا – أي الناس
- يُذيعون في المجالس و الأندية بأن هذه الفتوى بدعة محرمة ، من شأنها أن تؤدي
الى اختلاط النساء بالرجال ، و إلى اثارة الشبهات ، و التحلل من التقاليد
المألوفة في حجاب المرأة و صيانتها ، و ما زالوا يضربون على مثل هذه الأوتار
العاطفية ذات التأثير الشديد على النفوس ، و ظلوا يوغرون الصدور بالحقد على هذا
الرجل الفاضل ، ناسبين إليه ما شاءوا من الذم بخروجه على تقاليد البلد وعاداته
الموروثه ، و حفاظه على الشرف و الأخلاق ، حتى بلغ الأمر بهم غاية الخسة و
الدناءة ؛ بأن أغروا به أحد اولئك الجهلة الحمقى ، من المغامرين المغرورين ،
المدعو – سليمان القناص – المعروف بهذا اللقب لشهرته بالخروج للصيد والقنص ، و
له حانوت لبيع الملابس ، وبعض اللوازم التي يحتاجها البدو المتحدرون على مدينة
الزبير من الصحراء ، فما كان من هذا القناص – حسب رواية السيدة عائشة ابنة
الشنقيطي – إلا أن ترصّد لأبيها وهو خارج من دار الشيخ محمد بن سند ليعوده في
مرضه ، بعد صلاة العشاء ، فهجم عليه بمحجن غليظ ، و طرحه أرضًا ، وانهال عليه
بالضرب المبرح ، محتجًا عليه بهذه البدعة السيئة في السعي لإنشاء مدرسة للبنات
في البلد تكون سببًا للفساد ، والاختلاط بالرجال ) .
قلت : رحم الله علماءنا وضاعف
أجرهم ؛ لنُصحهم لبلادهم ، وحرصهم عليها ، أن لا تقع فيما وقع فيه من لم يحسب
خطواته والأرض التي يسير عليها ، فوقع في مصائب ومتاعب ، فتعاونوا مع ولي أمرهم
على ضبط التعليم النافع بالضوابط الشرعية ، حتى يؤتي الثمار الطيبة .
ومن لم يضبط هذه الأمور ، ويقوم على
رعايتها بحكمة ويقظة ؛ سينفلت الزمام منه – مهما ادعى فقه الواقع والوسطية ..
إلخ - ، وسيتدرج به أهل الأهواء والشهوات في خطواتهم التي لاحد لها ، إلى أن
يأتي عليه يومٌ يقف فيه هذا الموقف – لا قدّر الله - :
علماء الأزهر يُطالبون بإغلاق أول
مدرسة لتعليم الرقص في مصر !!
والسعيد من وُعظ بغيره .. والله
الموفق .