هذه آخر دراسة مختصرة عن إحدى الشخصيات الشهيرة المؤثرة في تاريخ المسلمين
أضيفت في موقع الكاشف ؛ وهي عن إمام القومية العربية في هذا العصر " ساطع
الحصري " :
هو ساطع بن محمد هلال بن مصطفى الحصري " أبو خلدون " ، ولد في صنعاء من والدين
حلبيين في 1297هـ الموافق 1880م ، تعلم في إسطنبول زمن الدولة العثمانية ،
فتترك ثم تعرب ! وبقي ضعيفًا في العربية ! . لما انفصلت سوريا عن الحكم
العثماني دعته حكومة الملك فيصل بن الحسين " القومية " ليُعين وزيرًا للمعارف ،
ولما احتل الفرنسيون سوريا سافر إلى بغداد ليعمل مديرًا لدار الآثار ، ورئيسًا
لكلية الحقوق ، ثم أجبر على مغادرة العراق سنة 1941م فعاد إلى سوريا مستشارًا
في وزارة المعارف . ثم عهدت إليه جامعة الدول العربية إنشاء معهد الدراسات
وإدارته . ألف أكثر من خمسين كتابًا ؛ معظمها في التنظير لفكرة القومية العربية
؛ حتى سمي " فيلسوفها " ، وقد صدرت مجموعة أعماله الكاملة في 3 مجلدات عن مركز
دراسات الوحدة العربية ببيروت عام 1985م . توفي الحصري عام 1968م .
يُنظر للمزيد عن ترجمته : " الأعلام " للزركلي ( 3/70 ) ، و " دعاة الفكر
القومي العربي " لشاكر اليساوي ( ص 9-38) ، و " الجمعيات القومية العربية
وموقفها من الإسلام " للدكتور خالد الدبيان ( 1/441-463) ، ومجلة " المستقبل
العربي " ( العددان 244و248 مخصصان للحديث عنه ) ، و " ساطع الحصري وفلسفة
القومية العربية " لمحمد ناجي عمايره ، ومقدمة أعماله الكاملة .
ويُنظر في الرد عليه وعلى فكرته " القومية الجاهلية " : رسالة الشيخ عبدالعزيز
بن باز - رحمه الله - " نقد القومية العربية " ، ورسالة " فكرة القومية العربية
على ضوء الإسلام " للشيخ صالح العبود ، ورسالة الدكتور الدبيان السابقة .
يقول الأستاذ محمد فاروق الخالدي عن الحصري : ( كان من أبرز دعاة الفكر القومي
العلماني الحديث ، ويعتبره القوميون فيلسوف القومية العربية . لقد كان الحصرى
هو العقل المفكر لفتنة القومية التي لم يأت منها إلا أننا كنا أمة واحدة هي «
أمة محمد صلى الله عليه وسلم » فصرنا جمعية أمم ، وكنا إخوة يجمعنا الحب في
ظلال الإيمان ، فصرنا أعداء تفرقنا هذه الدعوة الجاهلية ..
وقد أفسد مناهج سوريا لما دعا بعد الاستقلال لإصلاحها ، إذ كان يُعتبر من
السابقين والمربين العرب ، وإن عاش حياته الطويلة ومات وهو لا يحسن العربية لا
نطقًا ولا كتابة ! كان من المشتغلين بالتربية من عام 1908م في تركيا ثم في
الشام والعراق » (1) .
- لقد كان فكر الحصرى يمثل جاهلية جديدة ، باسم القومية العربية .
كان يستمد نظريته القومية من النظرية الألمانية ، التي تقول باللغة والتاريخ ،
وكان من أكبر أساتذته « ماكس مولو » وماكس نوردو ، وهما فيلسوفان يهوديان ،
كانا يقصدان من وراء نظريتيهما إحياء القومية اليهودية(2) .
- ومعلوم أن الحصرى قد ربي في تركيا ، وتلقى في شبابه التربية لدى جيل تركيا
الفتاة ذات التوجه الطوراني اليهودي (3) .
- وكان الحصرى قد شغل مراكز هامة في وزارة التربية العثمانية ، وصار وزيرًا
للتربية في حكومة الملك فيصل بن الحسين ، ثم عين وزيرًا للتربية في العراق .
- وكان الحصرى معروفًا بولائه للمبشرين ، ويرى أن الرابطة القومية أقوى وأعم من
الرابطة الإسلامية ، وأن الوحدة الاسلامية باتت حلمًا وخيالاً .. وأن الدين
طارئ على الأمة العربية ، وكان همه بعث أمجاد العرب قبل الإسلام ، بل كان يدعو
إلى دراسة الحثيين والآشوريين والآراميين والبابليين والعبرانيين ، ويشرح أمجاد
هذه الأمم البائدة « من خلال آثارها » تلك الأمم التي أهلكها الله بكفرها ،
ويدعو إلى الفخر بتلك الوثنيات وآلهتها المتمثلة بعبقرية والاختراع
(4) .
- كان الحصرى لا يرى إقحام الدين في السياسة ! ويجب - عنده - أن تُفسر النصوص
الشرعية وتنفذ حسب ظروف الزمان والمكان ، فالنصوص شيء ، والتفسير شيء آخر ، «
وما كان يصلح للناس في القرن الأول لا يصلح لغيرهم في القرن الرابع عشر ، وما
يناسبنا اليوم ، نحن معشر العرب ، هو أن نعلق هذه النصوص وغيرها » !!
(5) . فالحصرى يدعو إلى علمانية متطرفة ، يشجب فيها خط
القرآن ، خط الافتخار بحملة لواء العقيدة ، عقيدة الإيمان بالله تعالى ونبذ
الأمم الكافرة المعادية لمنهج الله .. وهي نكسة إلى الجاهلية الأولى ..
- وقد نفذ الحصرى مفاهيمه هذه ، منذ أن استلم وزارة المعارف في عهد فيصل بن
الحسين 1918م بدمشق ، وفي العراق طيلة عهد فيصل أيضًا .. وقد استطاع أن يعمم
هذا الخط عن طريق الجامعة العربية ، وعمله من خلالها ومن الاتفاقيات الثقافية
(6) .
- يعتبر فكر الحصري مرجعًا أساسيًا لدى القوميين العرب فيما بعد ، وتعتبر
الحركات القومية الحديثة استمرارًا لهذا الفكر ، وتطبيقًا لهذا الانحراف ، طوال
النصف الثاني من القرن العشرين ) اهـ " التيارات الفكرية والعقدية .. " ( ص
139- 141) .
- قلتُ : من أقوال الحصري الدالة على قيامه ببناء فكرته على غير هدى الإسلام ؛
قوله : ( الرابطة الدينية وحدها لا تكفي لتكوين القومية ، كما أن تأثيرها في
تسيير السياسة لا يبقى متغلبًا على تأثير اللغة والتاريخ ) " آراء وأحاديث في
الوطنية والقومية ، ص 41 " .
ومنها : قوله : ( أما الوحدة الإسلامية فمستحيلة التحقيق ؛ لأنها تضم قوميات
مختلفة ) !! " مجلة الرسالة ؛ س 7 م 2 العدد 315 " .
وقوله : ( إن الرابطة الوطنية والقومية يجب أن تتقدم على الرابطة الدينية ) . "
الأعمال الكاملة 2/74 " .
ولذا قال عنه الأستاذ شاكر اليساوي : ( أما علاقة الدين بالقومية فقد كانت في
فكر الحصري علمانية ؛ لأن القومية نفسها فكرة علمانية ) . " دعاة الفكر القومي
، ص 17 " . ويؤكد هذا أنه عندما قيل للحصري في إحدى الحفلات المقامة لتكريمه !
: ( مرحبًا بالمناضل الكبير في خدمة العروبة والإسلام ) رد : ( عرب نعم ..
إسلام لا .. أنا لاييك ) ! أي علماني أو لاديني . " شخصيات اختلف فيها الرأي ؛
لأنور الجندي ، ص 74 " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ذكريات علي الطنطاوي ، جـ1 ، ص65 – 66 ، دار المنارة
للنشر ، جدة ، طبعة ثانية 1409هـ - 1989م . (2) أخطاء المنهج الغربي الوافد : أنور الجندي ص206 ، دار
الكتاب اللبناني عام 1974م . (3) الفكر العربي في عصر النهضة : ألبرت حوراني ، ص371 ، دار
النهار - بيروت ، ترجمة كريم عزقول . (4) ينظر : الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام : منير
محمد نجيب ، مكتبة المنار بالأردن ، ط : ثانية ، 1403هـ . ص9 - 29 (5) العروبة أولاً : ساطع الحصري، بيروت الطبعة الثانية ،
1955م ، ص106 (6) الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام ، ص23 – 24 ،
بتصرف وإيجاز .