نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 7611 ) يوم الخميس 25/6/1420هـ ـ الموافق
30/9/1999م حديثاً مع " علي أحمد سعيد إسبر " مسمى " أدونيس " جاء فيه أنه بلغ
الثامنة والستين من عمره في يوم لا يعرفه من كـانون الثاني ( يناير ) المـاضـي
. وجـاء فيه كذلك أنه أوصـى أن يكون قبره في " قصّابين " ، الضيعة التي ولد
فيها في سوريا ، في حديقة منزله هنالك ، بعيداً ثلاثمائة متراً عن قبري والديه
، وأنه أوصى أن تدفن زوجته خالدة فقط في الحديقة ، وأنه اختار الموقع في زاوية
في الحديقة فيها أشجار الصنوبر والسنديان والجوز والرمان ، وأنه سيكون على قبره
لوحة أفقية تعلو شيئاً فشيئاً إلى ثلاثين أو أربعين سنتيمتراً ، بعرض خمسين
سنتيمتراً ، بلون رمادي أو أبيض ، يكتب عليها اسمه وسنة ميلاده ووفاته وبيت من
الشعر . وهو يبحث عن مهندس يتقن هندسة القبور …. إلى غير ذلك .
فأوحى لي هذا الحديث بهذه القصيدة .
أدونـيـس
وقـبـره الـذي يـحـلـم بـه
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
" أدُنيس " مَهْلَكَ ! حيثُ شِئتَ فَعَلِّــمِ *
* * قْبراً يلمُّكَ مِنْ شَتـاتِـك ، وارسُــمِ
إِنْ كُنْـتَ مِـتَّ كما حييـتَ فيا لــه * * * موتـاً يذيقُكَ مِنْ عـذابٍ
أعْظَـــمِ
وإذا قَضَيْـتَ ألمْ تَكُـنْ مَيْتـاً دُفِـنْـ * * * ـتَ معَ الحيـاةِ
بَغْيهَبٍ لك مُعْتِــمٍ
فالكفْـرُ مَـوْتٌ في الحَيـاةِ وظُلْمــةٌ * * * والهَـدْيُ إشـراقُ الحَياةِ
لمُـسْلِــمِ
فاخْترْ لنفسِكَ موضِعاً تُلْقى بِــــهِ * * * وتُـرَدُّ مـن بَلْـوى الظـلامِ
لأظْلـمِ
واجْمعْ كما تَهْوى الزّخارفَ كلَّهـــا * * * لِتكـونَ عِبْـرَةَ نـاظِـرٍ
مُتَـوَسِّـمِ
وَمِنَ الحَدائِـقِ والظِّـلالِ ومِـنْ رُؤى * * * حُلُـمٍ وفتْنَـةِ شاعـرٍ
مُتَـوَهِّــمِ
واجْمـع أمـانـيّ الحَيـاةِ فـكُلُّهــا * * * وَهْمٌ يَغيب ولهفـةُ القَـلْبِ
العـمـي
إِنْ كنتَ مِتّ كَمَا حَيِيــْتَ فـذُقْ إذاً * * * هـولاً يُمـزِّقُ في
الحَشَـا والأَعْظُـمِ
كم كُنْتَ تهـزَأ ، يا شَقـيُّ ، بآيَــةٍ * * * ومَضَيْـتَ تُنكـرُ كُلَّ
حَـقٍّ مُعْلَــم
كم كنتَ تَهْزَأُ ، يا شَقـيُّ ، بخالِــقٍ * * * أعطـاكَ من نِعَـمٍ ! فيا
لَلْمُنْعِـــمِ
وكَفـرْتَ بـالله الـذي سَـوّاك مِـنْ * * * عَلَـقٍ ! فَيـا لِلْجـاحِـدِ
المتَبـرِّمِ
وكفـرْتَ بالـرحمن ! كَـمْ مِنْ آيــةٍ * * * تُجْلىَ وَكَـمْ مِـنْ نَاظِـرٍ
لـم يُسْلِـمِ
أدُنيسُ ! مَهْلَك ! فابْنِ قبرَك ! هل ترى * * * أيْنَ المصيرُ مَعَ القضاء
المُبْــرَم ؟!
هل كُنْتَ تَدْري أين تُنْزَعُ منــك رُو * * * حُك أو متى؟! جهلٌ وفتنـةُ
مَزْعَـمِ !
الله قَــدَّر للعِبـادِ مَصِيــرَهُــمْ * * * كُـلٌّ إلى أجَـلٍ يَسِيـرُ
مُحَـتَّــمِ
شَيِّـدْ كَمـا تَهْـوى القبـورَ فربَّمـا * * * تُلْقَى لـمُـفْتَرِسِ الوحوشِ
وقشْعَـمِ
أو في فـلاةٍ أقْـفَـرَتْ ساحـاتُهــا * * * بَيْنَ الـرّمـالِ وَبَيْـنَ تيـهٍ
مُظْلِــمِ
أو في البِحارِ تَغيـبُ في أَمْواجهــا * * * أو في حَنَـايَـا مَـوْقِـعٍ
مُتَهَــدِّمِ
أَنّى سقطـتَ فَرُبّمـا لَفَظَتْـكَ تِلْــ * * * ـكَ الدّارُ من رجْسٍ
عَليْـكَ و مأثـمِ
فَتَـدُورُ لا تَلْقـى مكـانـاً بَعْـدَهــا * * * يُؤْويـكَ أو ساحـًا
عَلَيْهـا ترْتمـي
فالحقُّ أبْلـجُ ، لو عَلِمْـتَ ، وآيــةٌ * * * فمصيـرُكَ المحتـومُ قَعْـرُ
جَهنَّـمِ
إِنْ لـمْ تَـتُـبْ للهِ تَـوْبَـةَ صــادقٍ * * * وَتَـعُـدْ إِلى الإِيمانِ
عَـوْدَةَ مُسْلِـمِ
فهـناكَ يُجلى الحق ! عُضَّ يـدَ الندا * * * مَــةِ أو أسِرَّ من الندِامـةِ
واكْتُـمِ
واشْربْ مِنَ الماء الحَميمِ وكُـلْ مِـن * * * الزَّقُّوم ، كـمْ أنكرْتَـهُ
؟! وتَنَعَّـمِ !
وانظر يمينَك أو شِمالَك هـلْ تَــرَى * * * من منْجِـدٍ تـأوي إليـهِ
ومُكـرِمِ
أو مِن شفيـعٍ مُقْبـلٍ أو مِـنْ حميـمٍ * * * أو ولـيٍّ بـالشفـاعَـة
مُسْهِــمِ
كُلُّ الذين عبدتَهُمْ مِـنْ قـَبـلُ قَــد * * * سقَطـوا هنالك في عـذابٍ
أشْــأَمِ
فَارْجعْ لِربِّك قَبْـلَ مَـوْتِك واسْـتَقِـمْ * * * والجـأْ إلـى الله
الأبَــرِّ الأرْحَـمِ
للـتّـائِـبين لَـدَيْـهِ بـابٌ واســعٌ * * * مَنْ تَابَ تَـوْبَـةَ صَـادقٍ
لم يُظْلَـمِ
فَعَسَـاكَ أنْ تَلْـقَى النَّـجـاةَ و إنّمـا * * * تُوفَى النَّجاةُ مَـعَ
السَّبيـل الأَقْـومِ
الله بَيَّـنَ لـلعِـبـَادِ سَـبـيـلَـهُ * * * حَقّـاً وفَصَّـل في الكِتـابِ
المُحْكـمِ
فارْجعْ لربّكَ ! قَدْ وُلِـدْتَ بِـفِـطْـرةٍ * * * حـقٍّ على ديـنِ الحنيفـةِ
مُعْلِــمِ
وحَبَاكَ مِنْ سَمْعٍ ومن بَـصَـر هـُدى * * * لِتَرَى الحَقِيقَـةَ بالـفُـؤاد
المُعصِـمِ
وأَتَـتْ لنـا رُسـُلٌ بـِدينٍ واحــد * * * تتـرى بكـلِّ مُـبَـلِّـغٍ
ومُعَلِّــمِ
خُتِموا بأحْمـَد كُـلـُّهم وكـتـابـِه * * * فانْهضْ لـه ! أسلـمْ لِربِّـكَ
والْـزَمِ
الرياض
28 / جمادى الآخرة / 1420هـ
8 / أكـتـوبـر / 1999م
----------
* رسالةٌ وصلتني من الدكتورِ عدنانَ النحوي
|