نحن أولى بها من القتلة!

الدكتور رياض بن محمد المسيميري

 
ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيـد الخدري – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قـال : ((كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً ، ثم خرج يسأل ، فأتى راهبًا فسأله فقال له : هل من توبة ؟ قال : لا . فقتله ، فجعل يسأل ، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت ،فنأى بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي ، وقال : قيسوا ما بينهما ، فوجد إلى هذه أقرب بشبر ، فغفر له)) ، رواه البخاري .

ففي هذا الحديث إيقادٌ لشموع الأمل ، وفتحٌ لأبواب التوبة ، ووأدٌ لهاجس اليأس من رحمة الله مهما كانت ذنوب المرء وخطاياه !!

فالله تبـارك وتعالى يتوعد وعيداً تهتز له الجبال ، ويشيب له الولدان ؛من قتل نفساً معصومة بلا حق ، كما في قوله تعالى : ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) ، فكيف يكون الحال بمن قتل مئة نفس ظلماً وعدواناً ؟!!

ومع ذلك يفسح المجال واسعاً ، والطريق سالكاً ، أمام مجرم أزهق مئة نفس ، وفجع مئة أسرة ، ليتوب ويفتح صفحة جديدة يصطلح فيه مع ربه الروؤف الكريم !

إذاً ألسنا أولى بمغفرة الله من هذا السفاح المحترف ؟!

إنه ليس في الوجود ذنب مهما عظم ، وليس في الأرض خطيئة مهما كثرت إلا وهي تتضاءل وتتصاغر أمام مغفرة الله وسعة رحمـته التي لا حدود لها متى اعترف المذنب بذنبه وأقر بخطيئته ، وتاب وندم حياءً وإجلالاً لسيده ومولاه ! وفي الحديث القدسي الشريف الصحيح : (( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تنشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) ، فأي كرم بعد هذا ؟

وإنها لفرصة – والله – لكل المذنبين والمقصرين – لاسيما في هذا الشهر الكريم – أن يتخلوا عن عنادهم وغرورهم ، ويتخلصوا من ذنوبهم وأخطائهم ، ويذرفوا دموع الندم ، ويطلقوا آهات الحسرة فرقاً من الله ، ويعلنوها صريحة مدوية : رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ؛ ولا يغفر الذنوب إلا أنت ؛ فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم !

إن من أفدح أخطائنا - نحن المقصرين المذنبين – أمرين اثنين :

أولاهم:
استعظام ذنوبنا أما رحمة الله وعفوه .

متناسين نصوصاً تستفيض كثرة وشهرة تدل بأن رحمة الله ومحبته للعفو والصفح تتسع لذنوب الخليقة كلها ، ولو كانت على قلب أفجر رجل خلقه الله ، متى جاءوا تائبين نادمين ، وأنه تعالى يفرح بتلك التوبة فرحاً يفوق الوصف ويعجز الخيال .

ثانيهما :
تسويف التوبة وطول الأمل .

وهذا التسويف وطول الأمل أفقدنا توقير الله وخشيته ، وجرَّأنا على الاستكثار من الذنوب بلا عد ولا كيل ، وجعلنا ألعوبة الهوى ، وأضحوكة الشيطان .

فليس عيباً أن نخطئ ونذنب ؛ فهذه طبيعة البشر ، ولكن العيب هو الإصرار على الخطأ إما يأساً من المغفرة والرحمة ، أو الاغترار بسعتهما ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم !!