بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد :
تحت ظلمة تلك الليلة ، وظلمة المشهد السياسي الدولي تجاه القضية السورية ،
وظلمة القلوب التي توافدت لتلك القاعة ، كان هذا الاجتماع السري لمجموعة من
الدول ، بشأن الوضع في سوريا.
هناك حيث يكون الكلام جدياً ، وتكون ترجمة الأقوال إلى أفعال هي السمة
البارزة التي تختلف فيها عن تلك الاجتماعات المعلنة.
هناك في أحد قاعات المؤامرات ، اجتمع دهاقنة السياسة من العرب والعجم ،
وجلسوا جميعهم ساكتين مطرقي رؤوسهم ، كأنما ينتظرون غائباً من سفر ، أو
رئيساً للمؤتمر.
وبينما هم كذلك ، إذ سمعوا صوت الباب قد فُتح ، فاضطرب القوم ، واشرأبت
الأعناق تنظر للمنتَظَر فإذا هو (إبليس) قد حضر.
إن الشيطان لما حضر مع كفار قريش في دار الندوة على صورة شيخٍ نجدي لوأد
الدين الجديد ، ومحاصرة هذه الثورة المحمدية على الشرك وأهله ، كان ذلك
لعلمه بأنه لو أتى في صورته الحقيقية لنفروا منه ، ولم يقبلوا قوله ، وقد
يؤمنون بقضية محمد وعدالة ثورته.
لكن إبليس في هذا الاجتماع السري أتى بصورته الحقيقية ، لعلمه بحال
المجتمعين ، وأنهم يبذلون الغالي والرخيص من أجل محاصرة الثورة السورية ،
فالشيطان قد احترم مشاعر كفار قريش الأولين ، لأنه يعلم بأنه مازال عندهم
نخوة وحمية ، وأما إخوانهم في هذا الزمن ، فلم يراعِ مشاعرهم لأنه ليس
لديهم مشاعر ولم يخشَ نفورهم لأنه ليس لديهم حتى حمية الجاهلية.
بدأ الإجتماع.... فقال إبليس : ماذا لديكم من أفكار لإخماد هذه الثورة
السورية ؟
فأجابوه بمجموعة من الحيل والكيد الذي انتهى إليه رأيهم وهي :
(أولاً) : إنشاء صحوات على غرار صحوات العراق
لكبح الثورة والسيطرة عليها ، تحت غطاء مقاومة الجماعات الإرهابية وتنظيم
القاعدة ، ومن ثم القيام بنفس ماحدث في العراق من التنكّر لهذه الصحوات ،
وتركهم يواجهون مصيرهم حال الانتهاء من عملهم.
(ثانياً) : سياسة الأرض المحروقة والعنق المقطوعة ، فقتل النساء
والأطفال والشيوخ وغيرهم من الضعفاء إنما هو لإرباك الأقوياء وكسر
معنوياتهم ، فلا يبقى بيت إلا ونفجع أهله بقتل أو اغتصاب أو تعذيب أو تمثيل
حتى يكون ذلك رادعاً لرجال الثورة وانشغالهم بأهاليهم عن مقاتلة النظام.
(ثالثاً) : عند اقتراب سقوط النظام ، نخرج قضية الأكراد ، فهم منذ
زمن وهم يحلمون بإقامة دولتهم المستقلة ، فنمنحهم الجزء الشمالي من سوريا
ليقاتلوا من أجله ، وندعمهم بالسلاح والمال والتدريب عبر الوسيط التركي ،
مقابل اتفاقية سلام بين الأتراك والأكراد ، فيكون جزء كبير من سوريا قد ضاع
على الإسلاميين فيما لو وصلوا للسلطة ، وسينشغلون به عن إسرائيل.
(رابعاً) : اختراق المعارضين السياسيين ، وتهديدهم وترغيبهم في قبول
الشروط التي نريدها منهم ، فهم في الحقيقة لايمكن تجاهلهم ، فهم الأداة
السياسية التي تنطق باسم الثورة السورية.
فلابد من تحويل هذه الأداة لصالحنا ، فإذا قبلت بهم الفصائل المقاتلة في
الساحة مرّرنا مخططاتنا من خلالهم ، وإذا لم يقبلوا بهم فستختلط الأوراق
عليهم.
(خامساً) : إقامة الدولة العلوية المحصنة في الساحل لحماية إسرائيل
، فلم نجد طائفة أحفظ للعهد مع إسرائيل من العلوية ، فجانبهم موثوق ،
وجوارهم مأمون ، فنقيم هذه الدولة على ساحل سوريا فنقطع الإمداد القادم من
البحر للثوار ، ونحمي بهم إسرائيل ، ونشغل سوريا الجديدة بعد سقوط نظام
بشار بهذه الدويلة حتى تقف حجر عثرة في طريقهم.
(سادساً) : الاستعانة بالمرتزقة الشيعة من كتائب حزب الله اللبناني
وعصابات مقتدى الصدر وحرس الثورة الإيراني ومتطوعي شيعة الخليج والطائفة
العلوية الباطنية ، واستغلال مالديهم من عقيدة في استحباب قتل أهل السنة
وتعذيبهم في تنفيذ مجازر في المدنيين وتخويف الناس من الاستمرار في هذه
الثورة ، وعرقلة المجاهدين عن الوصول لهدفهم في إسقاط النظام.
(سابعاً) : ألا تسقط سوريا إلا وهي خراباً يباباً ، حتى يطول وقت
إعمارها ويطول برء جراحها ، فلابد للنظام من أن يخرّب بيته بيده أوبأيدي
المجاهدين ، فلا تبقى لبلاد الشام قائمة ، ونرجعها لعصور القرون الوسطى ،
ونسلبها أبسط مقومات الحياة ، فلا كهرباء ولا ماء ولا مباني ولا مصالح ولا
غيرها.
(ثامناً) : إطالة فترة الحل السياسي ، وإبقاء آمال الناس معلّقة
بوجود حل يمكن أن ينهي هذا الصراع ، فمن مؤتمر لآخر ، ومن مجلس لآخر ، ومن
عقوبات إلى مراقبين ، ومن إدانات إلى ضغوطات ، حتى تبرد وتفتر عزيمة الثوار
في ثورتهم ونصرة الناس لهم في حربهم.
(تاسعاً) : في حال سقوط النظام في سوريا يجب التدخل العسكري فوراً
للإمساك بزمام الأمور وأخذ موافقة أممية بذلك ، وعدم التردد في ذلك أبداً ،
فإن شعرنا بقرب السقوط فإننا نتدخل عسكرياً تحت ذريعة حفظ الأمن ، والإعلان
بأن هذا التدخل مؤقت ، حتى ننصّب حكومة نضمن ولائها لنا عبر انتخابات
صورية.
كل ذلك والشيطان لم تستهويه تلك الحيل حتى جاءت هذه الأخيرة !
أخيراً قالوا : (عاشراً) : الإيقاع بين
الكتائب الجهادية المقاتلة في الساحة !
فالتفت الشيطان لهم وقال : هذه هذه ، إن ماذكرتم من هذه الخطط ، واحدة منها
كفيلة بهدم هذه الثورة وخنقها وتطويقها لو وقعت.
لكن اجتهدوا في الخطة الأخيرة واسعوا لها بكل ما أوتيتم من قوة ، فهي تعدل
كل ماذكرتم من حِيَل.
إن القتال بين رجال الثورة أنفسهم ، هو الذي أراهن عليه ، انظروا ماذا
فعلتُ بالمجاهدين الأفغان. أضعتُ جهدهم ، وأبدلت نصرهم هزيمة ، في الليلة
التي كانوا يحاصرون فيها كابل.
فاغتنموا الخلافات التي تحدث بين الكتائب ، وادعموا بعض الفصائل دون أخرى
حتى يوغر ذلك صدور إخوانهم عليهم ، وقوموا بالتحريش بينهم ، وتشويه صورة
بعضهم عند إخوانهم ، فإني أضمن لكم أنه إذا اشتبك الثوار فيما بينهم ، أن
أعيدها لحاكم كحافظ الأسد أو أشد.
فانطلقوا وهم يتخافتون ألا يحيدوا عن مخططهم ومؤامرتهم.
((إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً)) ((إن كيد الشيطان كان ضعيفاً))
مرعيد بن عبدالله الشمري
1/7/1434هـ
abuomar1401@