|
|
مناظرة في الجهر
والإسرار في صلاة الكسوف |
|
وحيد بن عبد السلام بالي |
جاءني شاب من طلبة الفقه النابهين ، فقال : هل قرأت مجلة التوحيد عدد
رجب ؟
قلت : خيرًا ، ماذا فيها ؟
قال : هل قرأت مقال الشيخ صفوت عن صلاة الكسوف ؟
قلت : نعم .
قال : لقد اختار الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف فخالف بذلك الإمام أبا
حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله .
قلت : يا أخي الكريم ما اختاره الشيخ هو الصواب .
قال : كيف ذلك ؟
قلت : الحق أن يجهر الإمام في القراءة في صلاتي الكسوف والخسوف ؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف كما ثبت في (
الصحيحين ) ( خ رقم 1065 ) ، ومسلم ( 6 / 203 ) من حديث عائشة رضي الله
عنها قالت : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس
وجهر بالقراءة فيها .. ) .
وهذا قول :
1- على بن أبي طالب .
2- عبد الله بن يزيد الخطمي .
3- البراء بن عازب .
4- زيد بن أرقم - رضي الله عنهم .
5- أحمد بن حنبل .
6- إسحاق بن راهوية .
7- ابن المنذر .
8- أبي يوسف .
9- محمد بن الحسن .
01- داود - رحمهم الله . [ المجموع ( 5 / 58 ) .
قال صاحبي : لكن القول الثاني أقوى .
قلت : أي قول تعني ؟
قال صاحبي : الإسرار في صلاة الكسوف ، والجهر في صلاة الخسوف ، وهو قول
أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله .
قلت : لماذا ؟
قال صاحبي : لأن صلاة كسوف الشمس نهارية فينبغي أن تكون سرًّا كالصلوات
النهارية ، وصلاة خسوف القمر ليلية فينبغي أن تكون جهرًا كالصلوات
الليلة .
قلت : كيف تعارض نصًّا ثابتًا بتحليل عقلي ، ألم تعلم أن النقل مقدم
على العقل ؟
وها أنا ذكرت لك آنفًا الحديث الثابت في ( الصحيحين ) عن أم المؤمنين
عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في
صلاة كسوف الشمس .
قال صاحبي : معاذ الله أن أرد حديثًا صحيحًا برأي عقلي .
قلت : إذًا هل معك دليل من الكتاب أو السنة ؟
قال صاحبي : نعم معي دليلان .
قلت : ما هما ؟
قال صاحبي : الدليل الأول ما رواه البخاري ومسلم [ خ رقم ( 1052 ) ،
ومسلم في الكسوف ( 17 ) ] عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : (
انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقام قيامًا طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة ،
ثم ركع .. ) ، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة لأخبر
ابن عباس بالسورة التي قرأ ولم يقدر ذلك بغيره .
قلت : لا دلالة في هذا الحديث من ثلاثة وجوه .
- الأول : يحتمل أن ابن عباس كان في الصفوف الأخيرة فلم يسمع قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم ، لا سيما وقد ثبت أن المسجد اكتظ بالناس من
الزحام .
- الثاني : أن ابن عباس لم ينف الجهر فلم يقل : ( لم يجهر ) ، وإنما
قال نحوًا من سورة البقرة ، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم قرأ من سورة
أخرى ، فقدرها ابن عباس بسورة البقرة .
- الثالث : أن عائشة ، رضي الله عنها ، معها زيادة علم ، وهو إثبات
الجهر حيث صرحت بذلك ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، وهذا أمر لابد منه
جمعًا بين الأحاديث .
قال صاحبي : نعم لقد سلمت لك بهذا فهو جمع جيد ، ولكن معي دليل صريح في
إثبات الإسرار في صلاة الكسوف .
قلت : حسنًا ، نسمعه .
قال صاحبي : ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة من حديث سمرة بن
جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس
لا نسمع له صوتًا .
فهذا حديث صريح في إثبات الإسرار في صلاة الكسوف .
قلت : نعم هو حديث صريح في إثبات حكم لو صح سنده ، لكنه حديث ضعيف لا
تقوم به حجة .
قال صاحبي : كيف ذلك وقد رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .
قلت : رحم الله الحاكم فقد وهم في ذلك ؛ فإنه قد رواه من طريق ثعلبة بن
عباد العبدي ، وثعلبة هذا لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما ، فكيف يكون
على شرطهما ؟
قال صاحبي : وما سبب ضعفه ؟
قلت : قد رواه أحمد ( 6 / 189 رباني ) ، أبو داود ( 4/ 34 عون ) ،
والترمذي ( 2/ 451 شاكر ) ، والنسائي ( 3/ 140 ، 3/ 149 ) ، وابن ماجه
( 1/ 402 ) ، وابن المنذر في ( الأوسط ) ( 5/ 98 ) ، وابن خزيمة ( 2/
325 ) ، والحاكم ( 1/ 478 ) والبيهقي ( 3/ 335 ) ، وابن حبان ( 7 / 94
إحسان ) ، والطبراني في ( الكبير ) ( 7 / 224 ) من طرق عن الأسود بن
قيس عن ثعلبة بن عباد العبدي عن سمرة ابن جندب به .
وثعلبة بن عباد مجهول ، ومدار الإسناد عليه كما ترى ؛ فهو إسناد ضعيف .
قال صاحبي : ومن الذي حكم على ثعلبة بن عباد بالجهالة ؟
قلت : ابن المديني ، وابن حزم ، وابن القطان ، والعِجلي ، والذهبي .
قال صاحبي : سلمت لك بضعف هذا الحديث ، وأنه لا يصلح للاستدلال ، ولكن
بقى دليل آخر .
قلت : ما هو ؟
قال صاحبي : إن صلاة الكسوف نهارية ومن المعلوم أن الصلوات النهارية
سرية مثل الظهر والعصر فتقاس عليها .
قلت : يرحمك الله يا أخي ، إن هذا خطأ من وجهين :
- الوجه الأول : إن صح القياس في هذا المسألة فقياسها على الصلوات التي
يجتمع لها المسلمون كالجمعة والعيدين أولى من قياسها على الظهر والعصر
، والجمعة والعيدان صلوات نهارية ويجهر فيها بالقراءة .
- الوجه الثاني : أن القياس لا يصح في هذه المسألة ، وذلك لأن في
مقابلة نص صحيح صريح وهو ما ثبت في ( الصحيحين ) عن أم المؤمنين عائشة
، رضي الله عنها ، قالت : جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة
في صلاة الكسوف .
قال صاحبي : جزاك الله عني خيرًا ، فقد أوقفتني على الدليل والتعليل ،
وها أنا أعلن أنني رجعت عن قولي الأول إلى قولك اتباعًا للحق .
|
|
|
|
|