بسم الله الرحمن الرحيم
1 ) النّذر : التزام المكلّف شيئاً لم يكن واجباً عليه بأصلِ الشرعِ منجزاً
أو معلقاً ، فالمنجز مثل قوله : لله عليَ صيامُ أسبوعٍ ، والمعلّق كقوله :
لله عليَ صيامُ أسبوعٍ إن شفى الله مريضي ، قال ابن المنذر : " وأجمعوا أنّ
كلّ من قال : إن شفى الله عليلي ، أو قدم غائبي ، أو ما أشبه ذلك : فعليَ
من الصوم كذا ، ومن الصلاة كذا ، فكان ما قال أنّ عليه الوفاءَ بنذره.
2 ) ينعقد النّذر بكل لفظٍ دلّ عليه كقوله : لله عليَ كذا ، أو إن شفى الله
مريضي عليَ أن أتصدق بكذا ، والغالب فيه استعمال لفظة عليَ الدالة على
الإيجاب ، قال ابن عثيمين : ينعقد النّذر بالقول وليس له صيغةٌ معينةٌ بل
كل ما دلّ على إلزامٍ فهو نذر وإن لم يذكر نذراً أو عهداً.
3 ) النّذر لا يكون إلّا لله ، قال شيخ الإسلام : " وقد اتفق العلماء على
أنّه لا يجوز لأحدٍ أن ينذر لغير الله ، لا لنّبيٍ ولا لغير نبيٍ وأنّ هذا
شركٌ لا يوفي به .
4 ) قال شيخ الإِسلام : ما وجب بأصل الشرع إذا نذره العبد، أو عاهد ، أو
بايع عليه الإِمام ، يكون وجوبه من وجهين ، ويكون تركه موجبًا لترك الواجب
بالشرع ، والواجب بالنّذر، بحيث يستحق تاركه من العقوبة ما يستحقه ناقض
العهود والمواثيق ، وما يستحقه عاصي الله ورسوله ، وهذا هو التحقيق ، ونصَّ
عليه أحمد ، وقاله طائفة من العلماء.
5 ) اختلف أهل العلم في حكم النّذر على أقوالٍ : فمنهم من ذهب إلى كراهته ،
وهم جمهور أهل العلم من الحنابلة والشافعيّة والمالكية على تفصيل عندهم ،
وكذا هو قول ابن حزم ، لقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في النّذر : "
إنّه لا يأتي بخير وإنّما يُستخرج به من البخيل " ، وذهب بعضهم إلى تحريمه
ونُسب إلى بعض أهل الحديث ورجّحه الصنعاني ، وتوقف في تحريمه شيخ الإسلام
ابن تيمية ، والثالث : أنّ النّهي وارد في النّذر المعلق لا المطلق ، وبه
جزم القرطبي ، وإليه ذهب بعض أهل العلم ورجّحه الشنقيطي في أضواء البيان ،
والرابع أنّ النّهي محمولٌ على من عَلِم من حالهِ عدم القيام لما التزم به
من النّذر وهو قول الحنفية ، وبعض الشافعيّة ، والرّاجح أنّ النّهي محمول
على النّذر المعلق لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : “ إنّما يُستخرج به من
البخيل ، وهو ما رجّحه الشنقيطي في أضواء البيان - رحم الله الجميع - .
6 ) قال الخطّابي في باب النّذر : هذا بابٌ غريبٌ من العلم وهو أن يُنهى عن
الشيء أن يُفعل حتى إذا فعل وقع واجباً ، وقال ابن سعدي : إنّ النّذر من
غرائب العلم حيث كان عقده منهياً عنه ووفاؤه محموداً مأموراً به ، قلت :
وقد أثنى الله على الموفين بنذروهم في غير ما آيةٍ من كتابه الكريم.
6 ) لا يصحّ النّذر إلا من بالغٍ عاقلٍ لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - :
"رُفع القلم عن ثلاثٍ الصغير حتى يكبر ، والمجنون حتى يفيق ، والنّائم حتى
يستيقظ" صحيح الإسناد.
7 ) ويصحّ النّذر من الكافر حال كفره وينعقد ويجب الوفاء به إذا أسلم إذا
لم يفِ به حال كفره ، قال الخطّابي : نذر الجاهلية إذا كان على وفق حكم
الإسلام كان معمولاً به ، قلت : وهو مذهب أحمد وبه قال بعض الشّافعيّة ،
وإليه ذهب البخاري وابن جرير ونصره القرطبي ، واستدلوا بحديث عمر " أنّه
نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية ، فسأل النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ،
فقال له أوف بنذرك " ،
وإسناده صحيح.
8 ) النّذرُ على أنواعٍ منها : النّذر المبهم مثل أن يقول لله عليَ نذرٌ
ولم يُسمّ شيئاً ، وفيه كفارة يمينٍ
للحديث الموقوف على ابن عبّاسٍ : "كفارة النّذر إذا لم يسمّ كفارة يمين" .
قال ابن قدامة : النّذر المبهم ، وهو أن يقول : لله عليَ نذر ، فهذا تجب
فيه الكفّارة عند أكثر أهل العلم ، أمّا إذا نذر عبادةً معينةً وأطلق
كالصلاة والصوم وجب عليه أقل مايصدق عليه الاسم فإذا قال : لله عليَ أن
أصليَ وجب عليه ركعتان ، وإذا قال لله عليَ أن أصوم وجب عليه صوم يومٍ .
9 ) والثاني نذر اللجاج أو الغضب ، وهو النّذر الذي سببه الخصومة والمنازعة
، فيعلق الناذر نذره بشرط ، بقصد المنع منه ، أو الحثّ والحمل عليه ، أو
التصديق ، أو التكذيب وهو مخيرٌ بين الوفاء به أو كفّارة اليمين .
10 ) والثالث : النّذر المباح كأن يقول : لله عليَ أن آكل الطعام الفلانيّ
، أو أن ألبَسَ الثوب الفلانيّ ، أو أن أركب السيّارة الفلانيّة ، وقد
اختلف أهل العلم في النّذر المباح ، فذهب بعضهم إلى أن النّذر المباح لا
بنعقد وبه قال الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة وكذا هو رواية عن
أحمد ، والقول الثاني : أنّه ينعقد ويخيّر الناذر بين الوفاء به أو كفارة
اليمين وبه قال الحنابلة ورجّحه النّووي والصحيح ما ذهب اليه الجمهور أنّه
لا ينعقد ولا كفّارة فيه لأنّه ليس بطاعةٍ.
11 ) والرابع : نذر المعصية كأن ينذر شرب الخمر ، أو قطع الرحم ، أو أن
يقتل فلاناً من النّاس ، فهذا النّذر لا يحل الوفاء به بالإجماع ، قاله ابن
قدامة في المغني ، لقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - : " ومن نذر أن
يعصيَ الله فلا يعصه " صحيح الإسناد ، وهل تلزم فيه كفّارة اليمين ، قولان
لأهل العلم : أحدهما لزوم الكفّارة وبه قال جمع من أصحاب النّبي - صلّى
الله عليه وسلّم - وهو مذهب أحمد ومن مفردات مذهبه واختاره البيهقي ،
والصنعاني ، وابن القيم ، والعثيمين ، وابن بازٍ ودليلهم الأحاديث الواردة
في الباب فبعضها يشدّ بعضاً وكذا حديث عقبة بن عامر عند مسلم : "كفارة
النذر كفارة يمين " فهو محمول على نذر المعصية وعلى ما لم يسمّ ، والقول
الثاني : عدم وجوب الكفّارة وهو قول الجمهور من المالكية والشافعيّة
والأحناف ورواية عن الإمام أحمد وهو متّجه ، والأول أحوط ، وأبرأ للذّمّة.
12 ) والخامس نذر التبرر أو نذر الطّاعة سواء كان مطلقاً أو معلقاً
كالصّلاة والصّوم والحجّ والعمرة والصّدقة ، ونذر الطّاعة يجب الوفاء به
لقوله - صلّى الله عليه وسلّم : "ومن نذر أن يطيع الله فليطعه"، صحيح
الإسناد
و الفرق بين نذر الطّاعة المطلق والمعلق أنّ المعلق يعلق الوفاء به على
حصول شيء كأن يقول : إن شفى الله مريضي فلله عليَ كذا من الصدقة أو الصوم ،
والمطلق لا يعلقه على حصول شيء كأن يقولَ : لله عليَ صوم كذا يوم أو
التّصدّق بكذا دينارٍ دون التعليق على حصول شيءٍ معينٍ ، قال ابن الملقن :
قام الإجماع على وجوب الوفاء بالنّذر إذا كان طاعةً وعلى هذا فنذر الطّاعة
لا تدخله الكفّارة بل بجب الوفاء به ، وهو قول جمهور العلماء.
13 ) من عجز عن الوفاء بالنّذر فإنّه يكفّر كفّارةَ يمينٍ ، لحديث عقبة بن
عامرٍ : " كفارة النّذر كفّارة يمين " صحيح الإسناد.
14 ) اختلف أهل العلم فيمن نذر أن يتصدق بكل ماله ، فقيل : يكفيه الثلث
لحديث كعب بنِ مالكٍ لمّا نذر ان بتصدق بكل ماله فقال له النبي - صلّى الله
عليه وسلّم - : "أمسك عليك بعض مالك " ، وهو مذهب مالك والحنابلة واختيار
صاحب أضواء البيان ، والثاني أنّه يتصدق بجميع ماله وهو قول أبي حنيفة
والشافعي ورواية عن احمد ، لقوله - صلّى الله عليه وسلّم : "ومن نذر أن
يطيع الله فليطعه" ، والثالث أنّه يتصدّق بجميع ماله ويمسك منه ما يغنيه
ومن يعول عن مسألة النّاس ، واختار هذا القول ابن القيم وهو الراجح إلّا
إذا قويَ يقينه ، وحَسُن ظنّه بربّه ، وصدَق في اعتماده عليه كحال أبي بكرٍ
- رضي الله عنه - فإنّه يتصدّق بكل ماله.
15 ) من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين لحديث ابن عبّاسٍ : " ومن
نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" ، وقد رجّح الحُفّاظ وقفه على ابن
عباسٍ وهو الصّحيح وهو مذهب الحنابلة .
16 ) لا يصحّ النّذر فيما لا يملكه الإنسان لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : (لَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ) صحيح
الإسناد ، قال النووي : " لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ،
وَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا النَّذْرِ شَيْءٌ "
وقال ابن حجر : هل تجب فيه الكفارة؟ فقال الجمهور لا، وذهب أحمد والثوري
وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية إلى وجوب الكفّارة ، والراجح أنّه لا يلزم
منه شيء فهو لغوٌ لا يترتب عليه شيء.
17 ) اختلف أهل العلم في حكم أكل الناذر ومن تلزمه نفقتهم من نذره فمنهم من
منع ومنهم من جوّز على تفصيلٍ بينهم ، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم
الأكل من المنذور، فأجابت : مصرف نذر الطّاعة على ما نواه به صاحبه في حدود
الشريعة المطهرة ، فإن نوى باللحم الذي نذره الفقراء فلا يجوز له أن يأكل
منه ، وإن نوى بنذره أهل بيته أو الرفقة التي هو أحدهم جاز له أن يأكل
كواحد منهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل
امرئ ما نوى ) . وهكذا لو شرط ذلك في نذره أو كان ذلك هو عرف بلاده ، والله
التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
18 ) صحة نذر الذهاب إلى بيت الله الحرام وانعقاده لأنّه من المساجد التي
تُشدّ الرّحال إليها فمن نذر الذهاب إليه لزمه الوفاء به ، وهو قول الجمهور
.
19 ) ومن نذر الذّهاب إليه ماشياً فله أن يركب ولا يلزمه المشي ولا شيءَ
عليه وهو قول للشّافعي ، ورواية عن أحمد ، لحديث عقبةَ بن عامرٍ في
الصحيحين : أنّ أخته نذرت أن تمشيَ الي بيت الله حافيةً فرخص لها النّبي -
صلّى الله عليه وسلّم - في الركوب والصحيح عدم لزوم الكفّارة لضعف الأحاديث
الواردة في إيجابها.
20 ) من مات وعليه نذر طاعة يُشرع لوراثه قضاؤه عنه لأنّه من باب البرّ
والإحسان والصّلة للميّت فإن كان النّذر مالياً فإنّه يُقضى وجوباً من تركة
الميّت لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - " اقضوا الله فدين الله أحق أن
يُقضى " وإسناده صحيح .
21 ) إذا عين النّاذر مكاناً يذبح فيه ما نذره ، لزمه الوفاء بالنذر في ذلك
المكان إذا قصد أهل ذلك المكان ، بشرط خلوه من الموانع الشرعيّة ، كأن يكون
في المكان وثنٌ يُعبد أو عيدٌ من أعياد المشركين.
22 ) من نذر الصّلاة في أحد المساجد الثلاثة لزمه الوفاء بنذره ولو لزم من
ذلك شدّ الرحال وهو مذهب الجمهور ، أمّا من نذر الصّلاة في غير المساجد
الثلاثة فإن كان يلزم منه شدّ الرحل فإنّه لا يجوز بل يصلّي في أي مسجدٍ
قريبٍ منه لا يلزم شد الرحل إليه .
23 ) من نذر أن يصليَ في مكانٍ مفضولٍ جاز له أن يصلّيَ في مكانٍ أفضل منه
، لحديث جابرٍ "أنّ رجلاً نذر الصّلاة في بيت المقدس ، فقال له النبي -
صلّى الله عليه وسلّم - : صلّ هاهنا " وصحح إسناده جمعٌ من أهلِ العلمِ .
🖌️ وكتبه : زياد عوض أبو اليمان
5 محرم 1442
الموافق 24 /8 / 2020م