الصابئة
من الفرق التي ورد ذكرها في القرآن الكريم
يزعم بعض
كتاب الصائبة وغيرهم أمثال : د. رشيد الخيون في مقال له في جريدة الشرق
الأوسط ، و أمثال - ناجية مراني – في كتابها مفاهيم صابئية مندائية ،
والصابئيان : نعيم بدوي و غضبان رومي ، من خلال ترجمتهما لكتاب المستشرقة
الإنجليزية : الليدي دراوور، أن القران الكريم أثبت أن الصائبة ديانة
توحيدية بذكره لها في ثلاث آيات من سور : البقرة ، والحج ، والمائدة و ما
ذكروه مخالف للحقيقة ، بل باعوها بيع المجازف لم يحضره مكيال ، على حد قول
الشاعر العربي ... فمن هم الصائبة ..؟
تعتبر الصائبة من أقدم الفرق و الطوائف التي اختلفت كتب الفرق و التاريخ
بالحديث عنهم ، بل تشعب فيهم الحديث و اختلط ، و ذهبت الآراء في عقيدتهم
مذاهب شتى ، و اختلفت بالمؤرخين لهم والمصنفين عند ذكرهم السبل والأنحاء .
فالعرب تسمى كل خارج من دين الى غيره صائباً .. و من هنا كان يقال للرجال
اذا اسلم في بدء البعثة : قد صبأ ، بل ذكرت المصادر أن قريشا كانت تسمي
النبي - صلى الله عليه و سلم - وصحابته الكرام : صُباة .. أي : الخارجون
على دين قومهم .
ولما أسلم أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - قيلت له بعد إسلامه ، و عندما
ذهب سعد بن معاذ - رضي الله عنه - إلى مكة ، عاتبه أبو جهل لدخوله في دين
الصابئين ، أي المسلمين ، و لما قدم – خالد بن الوليد – رضي الله عنه و
أرضاه – على بني جذيمة ، نادوه بأنهم : صبأوا .. أي دخلوا في دين الإسلام .
ولكن المسلمين لم يرتاحوا لهذه التسمية ، بل كانوا يكذبون كل من يطلق عليهم
هذه التسمية ، فلما نادى – جميل بن معمر الجمحي – في قريش قائلاً : ألا إن
عمر بن الخطاب قد صبأ ...وذلك حين دخل في الإسلام – فنادى عمر - رضي الله
عنه وأرضاه - من خلفه قائلاً : لقد كذب .. إني أسلمت .. فتكذيب عمر - رضي
الله عنه - وغيره للوثنيين من أهل مكة ، يشعر بأن أهل مكة إنما أطلقوا على
المسلمين هذه التسمية إهانة لهم ، وازدراء بهم ، وإلا لما انزعج المسلمون
منها ...... فالصائبة في اللغة إذن : هم أولئك الخارجون على عبادة قومهم ،
المخالفون لهم في ديانتهم ، شأنهم في ذلك شأن من نسميهم في أيامنا
بالملحدين أو الهدامين ، أو أي مصطلح آخر يرمي به من يخرج على ديانة
المجتمع و قيمه و تقاليده .. ازدراء لهم و تنفيراً للناس منهم (1).
وهذا يتفق مع ما ذهب إليه الشهرستاني حيث يقول في سبب تسمية هذه الطائفة
بالصابئة : ( صبأ الرجل : إذا مال وزاغ .. فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق ،
وزيعهم عن نهج الأنبياء ، قيل لهم : صائبة )(2).
بينما قالت المستشرقة الانجليزية : الليدي دراوور : بأن الصائبة كلمة
مأخوذة من كلمة –صبا – ومعناها : الاغتسال بالماء الجاري ، أو من صبا
الآرامية بمعنى : يغطس و يتعمد ) (3) وهم يطلقون على الماء الجاري او النهر
اسم : يردنه ، وليس لها علاقة بنهر الأردن ، فالأردن و النيل كلاهما عن
الصابئين يسمى : أردنه ، أو: يردنه ).
فرق الصابئة
يجد المتتبع لأخبار الصابئة في كتب التاريخ و الملل و النحل ، أنهم لم
يكونوا طائفة واحدة ، و لم يجمعهم مذهب واحد ، و لم تؤلف بينهم تعاليم و
شعائر معينة ، إلا أن المؤرخين وكتاب الملل والنحل يكادون يجمعون على انهم
فرقتان :-
الفرقة الأولى : فهم الذين عرفوا في الفكر الإسلامي
باسم : الحرانية ، و قد نبه البيروني إلى أن هؤلاء – الصائبة
الحرانية – ليسوا هم الصائبة على وجه الحقيقة ، و أنهم تسموا بالصائبة في
عهد الدولة العباسية (سنة 288) ليعدوا في جملة من تؤخذ منه الجزية و ترعى
له الذمة ، و كانوا قبلها يسمون بالحنفاء والحرانية .
ويوضح الأستاذ – إسماعيل مظهر – ذلك بقوله : [ إنهم تسموا بهذا الاسم في
زمن الخليفة العباسي عندما مر بحران ، ليحارب امبراطور بيزنطة ، فاطلع على
أحوالهم ، ووقف على حقيقة ديانتهم فطلب منهم أن يعتنقوا دينا من الأديان
قبل أن يعود من الحرب ، فدلهم بعض الدهاة - بعد أن دفعوا له الأموال - على
أن يتسموا بالصائبة ، وهي من الأديان المذكورة في القرآن] .(5)
و تعرض المفسرون لذكر عقائد هذه الطائفة فقال الإمام الرازي في تفسيره بعد
أن أورد الآراء التي قيلت فيهم :( و لهم قولان الأول : إن خالق العالم هو
الله سبحانه ، إلا أنه أمر بتعظيم هذه الكواكب ..! و اتخاذها قبلة للدعاء و
الصلاة .
والثاني : إن الله سبحانه خلق الكواكب - وهي المدبرة لما في هذا العالم من
الخير والشر والصحة و المرض - فعلى البشر تعظيمها ، و هذا المذهب هو
المنسوب الى الكلدانيين الذين بعث الله فيهم إبراهيم - عليه السلام - رادا
عليهم ، ومبطلا لقولهم .(6) و قال النيسابوري في تفسيره : ( وكانوا اي
الصائبة يعبدون الكواكب ، و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم ، و منها تصدر
الخيرات و الشرور ) (7). و قال الأستاذ محمد عبد الهادي أبو ريدة في مقدمة
كتابه رسائل الكندي الفلسفية ( ص 41.)
ما نصه : ( و من الجائز أن يكون هؤلاء الصائبة أتباع ديانة قديمة قد اختلطت
بالفلسفة ، ولعل نحلتهم توحيد قديم يرجع إلى إبراهيم – عليه السلام – عادت
إليه بعض التصورات البابلية القديمة وبعض مظاهر الوثنية التي حاربها
إبراهيم عليه السلام ثم تغذت بعد فتح الاسكندر للشرق بعناصر فلسفية يونانية
).
و كانت الصائبة الحرانية تسكن شمال العراق ، و مركزهم الكبر في حران ، و هي
مدينة قديمة جداً ، و تقع في شمالي الجزيرة قرب منابع نهر البلخ أحد روافد
الفرات ، واشتهرت – حران – بأنها كانت مقرا لعبادة القمر – سن – و ظلت كذلك
حتى بعد ان انهارات دولة الكلدانيين و دولة الفرس . (8).
و قد أنجبت – حران – كثيرا من العلماء الذين شاركوا في اثراء الفكر
الانساني مشاركة فعالة ، في كثير من العلوم المختلفة : كالفلك و الرياضيات
و الفلسفة و الطب و التاريخ و كافة العلوم الاسلامية ، أمثال : شيخ الإسلام
ابن تيمية و ثابت بن قرة ، وجابر بن حيان ، وثابت بن سنان و البتاني الفلكي
، وأبو جعفر الخازن ، والجعد بن درهم - من رواد التأويل المنحرف والتفسير
العقلي في الإسلام - وغيرهم ممن ذكرتهم كتب التاريخ .
الفرقة الثانية : الصابئة المندائيون أو المنديون :
و هم الذين تخلفوا ببابل من أسرى بابل الذي سباهم ، نبوخذ رصر ( الذي ينطقه
العامة بختنصر ) إليها من بيت المقدس بعد تدميره هيكل سليمان ، وقد اعتادوا
العيش في أرض بابل ، فآثروا البقاء بها ، ولم يرجعوا مع السبي العائد الى
بيت المقدس ، بعد أن حررهم قورش الفارسي من الأسر ، فسمعوا أقاويل و معتقات
المجوس وصبوا إلى بعضها .
فأصبح مذهبهم مزيجا من المجوسية واليهودية والنصرانية وانتشروا في بلاد
الرافدين إلا أن المستشرقة الانجليزية الليدي دراوور قالت في كتابها : (
يوجد قدر لابأس به من الروايات ما يشير إلى أن لدى الصابئة الحرانيين ما
يشتركون به مع الصابئة المندائيين الحقيقيين ، وأن المثقفين منهم في البلاط
العباسي ، قد اختاروا ادعاءالتعابير الفلسفية الأفلاطونية الحديثة ( و هي
فلسفة تصوفية نشأت في عصر انحطاط الامبراطورية الرومانية ) حين كانوا
يتحدثون عن دينهم لإضفاء جو من العلمانية و الفلسفة على مذهبهم ، و كانت
المجوسية لاتزال حية و كريهة ، فكان يجب تجنب أي تغييرات أو أية علاقة مع
المعتقدات الفارسية ، إن وجود اسم زهرون (إبراهيم زهرون ) من بين أسماء
فلاسفة البلاط العباسي ، يمكن أن يكون دليلا على صلة – الصابئة الحرانيين –
بالصابئين المندائيين ، فزهرون هو : أحد ملائكة النور لدى المندائيين ، و
كان من السهل عليهم تحويرلفظ (هرموز ) أو ( هرمز ) أهورا - مازدا ( أي :
أهريمان ويزدان اله النور والظلمة عند المجوس ) إلى لفظ (هيرمس)أو (هرمس)و
إلى أن يذيعوا بأن هرمس المصري كان أحد أنبيائهم .(9).
وذكرت كتب المقالات والفرق كثيرا من عقائدهم التي لا العلم بها ينفع و لا
الجهل بها يضر (10) ، وقد أثرت الصابئة المندائية – بالطائفة الاسماعيلية
...! مما يدل على ان الفرق المنحرفة شبكة متصلة يمهد السابق للاحق ليستمر
التخريب ..! بل يرى المقدسي بأن حمدان الاشعث الملقب بقرمط - زعيم القرامطة
الاسماعيليين – كان صابئيا مندائياً .. ! (11)
ويرى الدكتور عبد المنعم الحفني أن ( الصائبة من باطنية اليهود ، و ينكر
مؤرخو اليهود يهوديتهم على أساس انهم ثنوية ،( أي : يقولون بالهين ) و
الخالق عندهم اسمه : الله .. بصيغته العربية ، و هو نورالسموات والأرض ،
فاضت منه المخلوقات..
و قيل : انهم من نصارى اليهود وكتابهم السفر الكبير ( كنزة ربة ) يطرح
نظرية في الخلق كنظرية سفر التكوين ، وهم ينوهون بيوحنا المعمدان و يسمونه
يحيي لانه من الزاهدين المغتسلين و تشبه شعائرهم في الصلاة شعائر اليهود
(12) و تنتشر هذه الطائفة في : الكوت ، والعمارة ، و الناصرية ، وواسط ،
وبغداد وفي الأهواز على شاطىء نهر كارون في إيران ، ويسمونهم العامة
بالصبية .. و يحتكرون الأعمال المتعلقة بالمشغولات والمسكوكات الفضية و
الذهبية ، وكان معظم الصاغة في أسواق الكويت منهم !! و من أبرز رجالهم في
العصر الحديث : الدكتور عبد الجبار عبد الله عالم الفيزياء الشهير و رئيس
جامعة بغداد سابقاً ، والشاعر العراقي : عبد الرزاق عبد الواحد وكان يرأس
الطائفة المدعو : عبد الله الشيخ نجم ...!؟
الصابئون في القرآن الكريم
ورد ذكر الصائبين في ثلاث سور القران الكريم :
قال تعالى في سورة البقرة (آية63) : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ
وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ).
و قال تعالى في سورة الحج (آية 17) : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) . و قال تعالى في سورة المائدة (آية 69) : (
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ
وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً
فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )
فهل ورد لفظ الصائبين في هذه الآيات يدل على أن الصابئة ديانة توحيدية كما
يزعم الكاتبون عنها و غيرهم ؟ و الجواب بالنفي قطعاً ، فقد ذكرت آية سورة :
الحج المجوس و الذين اشركوا اضافة الى الصابئين و النصارى ، فهل الذين
أشركوا أو المجوس أهل توحيد حتى النصارى فهم أهل تثليث كما يزعمون و تنص
عليه كتبهم ..!
ولسائل أن يقول : هل في اختلاف هذه الآيات يتقديم (الصَّابِؤُونَ ) ورفعها في
آية المائدة و نصب (الصَّابِئِينَ) و تأخيرها في آيتي البقرة و الحج غرض يقتضي
ذلك ..؟ فنقول : نعم هناك أغراض كثيرة ذكرها المفسرون منها :
أولاً : ان ترتيب الطواف المذكورة في آية
البقرة يراد منه : الترتيب الرتبي .
أي : أنها ذكرت الأمثل والأسبق إلى أن وصلت لمن ليس له كتاب .. و لا مراء
في أن هذا السلم الرتبي يقف (المؤمنون ) بالكتب المنزلة السابقة (كصحف
إبراهيم و غيرها ) على أعلى درجاته ، ثم يليهم (اليهود ) لتقدم نبيهم و سبق
زمانهم ثم (النصارى ) لتأخر نبيهم و زمانهم .
وأما (الصابئون) : فيتفقون على أدون درجات هذا السلم لكثرة مخالفاتهم و لما
أحدثوه في مذهبهم من بدع و خرافات ، علاوة على انهم ليسوا أهل كتاب منزل ،
لذلك تقدم ذكر النصارى على الصابئين لأن النصارى أهل كتاب ، فمرتبتهم
متقدمة على الصابئين الذين لا كتاب لهم .
و أخر الذين أشركوا في الذكر في هذه الآية : لأنهم وإن تقدمت لهم أزمنة
وكانوا في عهد اكثر الأنبياء ، إلا أنهم لما كانوا أكثرية في عهد الرسول -
صلى الله عليه وسلم - اعتبروا من أهل زمانه ، و بذلك يكون زمنهم متأخر عن
زمن من سبقهم فأخر ذكرهم وقدم ذكر الصابئين على النصارى لأن زمنهم أسبق من
زمن النصارى .
و الترتيب في أية سورة المائدة : كان لغرض تريد التنبيه عليه ، فقد ورد لفظ
(الصابئين ) منصوباً بالياء في آيتي (البقرة و الحج ) عطفاً على محل اسم
إن، بينما ورد اللفظ نفسه مرفوعا (الصابئون ) بالقطع عما قبله في آية
(المائدة ) و التغيير في الحكم الإعرابي عن طريق (القطع) لا يعد فصيحا إلا
إذا كان هذا التغيير لهدف يراد التنبيه عليه كما أسلفنا .
فاذا قلنا : ( إن محمداً وزيداً و عمرو قادرون على منازلة خالد ) فلا يكون
هذا القول فصيحا وبليغا إلا إذا كان (عمرو ) في مظنة العجز عن منازلة خالد
،، فأردنا بهذا القطع ننبه المخاطب الىة خطئه في هذا الظن ، كما أردنا أن
نؤكد على أن (عمروا ) يقدر على ما يقدر عليه زميلاه (محمد وزيد) و ما في
آية المائدة من هذا القبيل .
فالصابئون وإن لم يكونوا أهل كتاب إلا أن حكمهم كحكم أهل الكتاب (اليهود
والنصارى ) في ارتباط الجزاء ( و هو نفي الخوف عنهم يوم القيامة ) بالشرط و
هو الدخول في الإسلام عن اعتقاد صحيح وإيمان خالص بالمبدأ و المعاد و
اقتران ذلك بالعمل الصالح ، و بهذا يتساوى الجميع في نظر الإسلام إذا ما
دخلوا فيه ، فلا فرق بين الجميع في الجزاء الأخروي ، فضلا عن محو الإسلام
لخطاياهم .
وزاد القطع إلى الرفع في الصابئون الحكم توكيدا ، فيكون الصابئون مرفوعا
على الابتداء والخبر محذوفا و يكون تقدير الكلام : ( إن الذين آمنوا والذين
هادوا والنصارى من آمن بالله و اليوم الاخر فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون
.. و الصابئون كذلك ) قال في تفسير المنار (13) ( و لما كان هذا .. أي :
إشراك الصابئين مع اليهود و النصارى في الحكم غير معروف عند المخاطبين في
هذه الاية ، وكان الصابئون غير مظنة لإشراكهم في الحكم مع أهل الكتب
السماوية حسن في شرع البلاغة أن ينبه على ذلك بتغيير نسق الإعراب ).
ثانيا ً : إن سياق كل آية من الآيات الثلاث
مختلف عن سياق الأخرى .
فالمخاطب بآية (البقرة )هم اليهود .. لأن أكثر من نصف سورة البقرة يتحدث
عنهم و سورة البقرة كما هو معلوم اول ما نزل من القران بالمدينة ، و
اهتمامها بهذه الطائفة من الناس يرجع أولاً : لسكناهم الى جوار الدولة
الإسلامية الوليدة ..
وثانياً : إلى بروز شوكتهم و حقدهم ، فجاءت الآية في ثنايا مقطع قراني
يتناول بالذكر ما حل باليهود من ذلة و مسكنة ، و ما نزل بهم من غضب و نقمة
يستحقونها ، فقال سبحانه في الآية السابقة للآية موضوع البحث (رقم 61) : (
وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله .... الآية ). و هذا
السياق يوحي باليأس و يغري بالقنوط من رحمة الله ، و لربما توهم الخلف ضياع
إيمان أسلافهم وأن السماء على عداوة مع جنسهم ، فجاءت آية البقرة لتدفع عن
نفوسهم هذا الظن السيئ بالله ، و لنرفع هذا الوهم الخاطىء ، ولتبين رحمة
الله بعباده مهما كانت أجناسهم ، فهو سبحانه لايؤاخذ هم بسبب الجنس والنسب
، وإنما يؤاخذهم على تركهم العقيدة الصحيحة ، فالمناسب في هذا المقام ترتيب
تلك الطوائف الأربعة ترتيباً رتبيا – كما أسلفنا – يقف على أعلى درجاته
المؤمنون و يقف في أدنى درجاته الصابئون ،، لأنهم لا كتاب لهم منزل كما
للطائفتين الموجودتين من أهل الكتاب (اليهود و النصارى ) وقت نزول القران ،
الوارد ذكرهما في قوله تعالى : ( أن تقولوا أنما أنزل الكتاب على طائفتين
من قبلنا .. الآية (15) ) فوجب ان يكونوا متأخرين في الذكر عن أهل الكتاب
لأنهم ليسوا أهل كتاب .
و سياق آية المائدة : ينعى على أهل الكتاب من يهود و نصارى عدم حكمهم بما
أنزل الله بل يغربهم السياق في آيات عديدة الى قبول الإسلام فقال سبحانه :
( و لو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات
النعيم )(16) .
ثم جاءت آية المائدة المتحدث عنها لتبين أن ( الصابئون ) مع ميلهم عن
الأديان يتاب عليهم إذ صح منهم الإيمان والعمل الصالح ، فلاشك أن أهل
الكتاب أولى بالتوبة منهم إذا صح منهم الإيمان .
أما سورة الحج : فجاءت في سياق سورة يمتاز أسلوبها في مجموعه بالقوة و
الشدة والإنذار والتحذير وغرس التقوى في القلوب بأسلوب تخشع له القلوب ،
وتستعرض مشاهد الكون ومشاهد القيامة ومصارع الغابرين ، فرتبت الآية الطوائف
المذكورة ترتيباً زمنياً ، وبينت أن من يؤمن إيماناً صادقاً يناله الثواب ،
ومن يكفر ينزل به العقاب وهناك أغراض وفوائد أخرى يلمسها المتدبر للآيات
والقارىء لما كتبه أسلافنا من المفسرين . ومن كل ما سلف نستنتج أن الصابئين
ليسوا أهل كتاب و توحيدهم المزعوم إن وجد من قبيل توحيد إخناتون الذي وحد
قومه على عبادة الشمس و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل ....
-----------------------------------
هوامش البحث
1. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – د. جواد علي مجلد 6/701-704
2. الملل و النحل – للشهرستاني 2/150
3. الصابئة المندائيون – الليدي دراوور ص 9
4. الاثار الباقية ص 105-107
5. تاريخ الفكر العربي –إسماعيل مظهر ص 69.
6. الوحدانية – د.بركات عبد الفتاح دويدار ص 28.
7. تفسير النيسابوري ج1/312-343
8. دائرة المعارف الإسلامية مجلة 14/ص 90
9. الصابئة ص 25-26
10. الملل و النحل بهامش الفصل 2/95-146
11. البدء و التاريخ - للمقدسي ج2/98
12. الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية : ص 223د. عبد المنعم الخفني
13. تفسير المنار محمد رشيد رضا ج1 /477
14. د. الشيخ محمد عبد الله دراز ص 178
15. سورة الأنعام /156
16. سورة المائدة