حصلت بيني وبين صديقةٍ لي مكالمَة هاتفية وفي أثناء المكالمة تحدّثنا عن أمر
ثم قالت لي : حطيه في درج تسريحتك .
فضحكت وقلت بطريقة مازحة : إحنا في بيتنا نظام اشتراكي ! ما عندي تسريحة خاصة
أو دولاب خاص أو غرفة نوم خاصة ؟!
عندي اشتراك مع أختيَّ اللتين تصغراني .
قالت لي بحسرة ! : تبغين غرفة نوم خاصة وسرير وتسريحة ؟!!
ثمّ أردفت تقول : تصدِّقين ؟
أنا كنت أتمنى وأسعى للزَّواج حتى يكون عندي ممتلكات خاصَّة !
عندي ثماني أخوات وما عندي خصوصية في حياتي أو شيء خاصّ ، فوافقت على أوَّل
خاطِب ! والآن متحسِّرة على زواجي وأتمنى مليون مرَّة أني أعود لبيت أهلي .
قلت : تقولينه صادِقة ؟!
قالت : إي والله !
كان حلمي أني أتزوَّج عشان يصير لي كل شيء مُلكي وخاصّ لي .
فقلت له مازحةً لعلِّي أخفف عنها ما تجده : ذكّرتِـني باللي تبغى تتزوَّج عشان
تركب قدّام ؟!!
ثم قلت : اسمعيني يا فلانة ..
الإنسان ما يُلام على حُبه لبعض ملذّات الحياة الدَّنيا ، ولا يُلامَ حين يريد
أن يتملّك شيئًا خاصًّا له ، لكن لا يكون ذلك هو الغايَة ولا تكون نيّته أن
يسعى للتملّك لمجرّد التملّك .
الزواج يا غالية وإن كان أمرًا فِطريًا وحاجةً تطلبها النُّفوس ، لكن لا يُغفَل
عن جانِب التعبُّد فيه .
الآن أنتِ تزوّجتِ بأوَّل خاطِب كي تمتلكي غرفة نوم ! ومطبخ ! وبيت كامِل !
طيّب امتلكتِ هذي الأمور ثمّ ماذا ؟!
ولا تيأسي ، فالآن تستطيعين أن تُصححي نيَّتكِ بأنْ تجعلي مِن زواجكِ عِبادة .
- تُحسنين إلى زوجكِ وتتعبّدين الله بهذا .
- تتحمّلين بعض ما في زوجكِ وتغضِّين الطرف عنه تعبّدًا لله .
- تحتسبين عند الله أن تُخرجي هذا الرجُـل مِن بيتكِ وهو مُرتاح كي يعمل
باجتهاد فينتفِع به المسلمون .
- تفكّرين أن تُنجبي أبناءًا تربينهم تربية صالحة فينفعونكِ بعد موتكِ وكذلك
تجدي نفعهم في حياتكِ .
قالت : تصدِّقين حتى أختي مهمومة مغمومة تبغى تتزوَّج عشان يصير لها أملاك
خاصَّة !
قلت : الحقي عليها ! تصَحِّح النيَّة لا تتورَّط بعدين !
**********
فأقول :
الزواج ليس لهوًا دنيويًا وإلا لَمَا اعتبره الله تعالى آية مِن آياته حين قال
{ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
إننا حين نُصحِح النيِّة فنجعل الزَّواج أمرًا تعبديًّا رغم كونه حاجة فِطريِّة
فإنَّ الله تعالى يبارِك في هذا المشروع ويهيئه ويرزقنا ثمرته اليانعة .
فالمقصِد هو أن نحتسِب جانِب العبودية حتى في المباحات .
حتى في لِبس اللبس الجميل مثلاً ..
لماذا لا نحتسِب عند الله أنّه حين رزقنا المال ، اشترينا الجميل النَّظيف ،
ونُعِدّ هذا شُكرًا لله ؟
ولماذا لا تحتسِب الفتاة والمرأة أنّ هندامها الجميل مرآة يعكس حقيقة أهل
الاستقامة ؟ ، وأنّ استقامة المرء لا تمنعه مِن التجمُّـل ..
فتكون بهذا داعية بصمت وهي لا تدري .
وكذلك في سائر المُباحات في الحياة الدُّنيا ..
يحتسِب الإنسانُ فيها أجرَ عبادة ، فيكفيه الله ويُغنيه ويبارك له فيما آتاه
فيسعَد ويُسعِد .
أخيرًا ..
كم مِنَّا مَن يتأمَل قولَه عليه الصلاة والسلام
[ مَن كانت الآخرة هَمّه جَعل الله غِناه في قَلبه ، وجمع له شمله ، وأتته
الدنيا وهي رَاغِمة، ومن كانت الدنيا هَمّه جَعل الله فَقْره بين عيينه ،
وفَرَّق عليه شَمْله ، ولم يأته مِن الدنيا إلاَّ ما قُدِّر له ]