|
إلى كل من ابتلي بالمرض ، أو بالفقر ، أو بفقد ولد أو عزيز ، إلى كل مهموم أو
مظلوم ... ، أقول هونوا عليكم ، وزنوا مصابكم بميزان الآخرة ، تهن عليكم همومكم
ومصائبكم ، واعلموا أن في الابتلاء منح ، من تكفير للذنوب ، ورفع للدرجات ،
فاصبروا واحتسبوا ، وارضوا بقضاء الله ، ف " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير
حساب " . يقول عليه السلام :" ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده
، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة " ، ويقول :" إن الله –تبارك وتعالى
– يبتلي عبده بما أعطاه ، فمن رضي بما قسم الله – عز وجل – له ، بارك الله له
فيه ووسعه ، ومن لم يرض ، لم يبارك له فيه " ، ويقول :" إن الرجل ليكون له عند
الله المنزلة ، فما يبلغها بعمل ، فلايزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه
إياها " .
فيا من ابتلي بالمرض ... هون عليك ، فإن النبي يقول :" إن الله ليبتلي عبده
بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب " ، ويقول :" ما من شيء يصيب المؤمن في جسده
يؤذيه ، إلا كفر الله عنه من سيئاته " . فاصبر واحتسب ، ولا تشك مرضك للناس ،
فإنك إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم ، ولكن ليكن قولك : اللهم لك الحمد ،
وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا
قوة إلا بك . يقول عليه السلام :" قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدي المؤمن ولم
يشكني إلى عواده ، أطلقته من أساري ، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ، ودما خيرا
من دمه ، ثم يستأنف العمل " .
ويا من ابتلي بالفقر ... هون عليك ، فالنبي الكريم كان ينام على الحصير ، ويقول
:" مالي وللدنيا ؟! ما أنا والدنيا ؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة
، ثم راح وتركها " ، وكان عليه السلام لا توقد في بيته النار الشهر والشهران .
عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه : أنه شكا إلى رسول الله –صلى الله عليه
وسلم – حاجته ، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - :" اصبر أبا سعيد ! فإن
الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي ، ومن أعلى الجبل إلى
أسفله " ، وقال :" أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ،
وصدق حديث ، وحسن خليقة ،وعفة طعمة".
الناس هذا حظه مال وذا = علم وذاك مكارم الأخلاق
فإذا رزقت خليقة محمودة = فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
وقال العرباص بن سارية : كان النبي – صلى الله
عليه وسلم – يخرج علينا في الصفة وعلينا الحوتكية فيقول :" لو تعلمون ما ذخر
لكم ، ما حزنتم على ما زوي عنكم .." ، وقال :" من أصبح منكم آمنا في سربه ،
معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " ، وقال :"
أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع به " . وعن يونس بن عبيد ،
أن رجلا شكا إليه ضيق حاله ، فقال له يونس : أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر
به مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيديك مائة ألف درهم ؟ قال : لا ،
قال : فرجليك ؟ قال : لا ، قال : فذكره نعم الله عليه . فقال يونس : أرى عندك
مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة .
فاصبر يا أخي واحتسب ، واحمد الله على نعمة الإسلام ، ونعمة العافية ، واعلم أن
رزقك ليس ينقصه التأني ، وليس يزيد في الرزق العناء ، فخذ بالأسباب ، وتوكل على
الله ، ثم ارض بما قسم الله لك ، فالنبي الكريم يقول :" لا تستبطئوا الرزق ،
فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له ، فأجملوا في الطلب : أخذ الحلال
، وترك الحرام " .
ويا من فقدت ولدا أو عزيزا ... هون عليك ، وتذكر مصيبتك بالنبي الكريم تهن عليك
مصيبتك ، يقول عليه السلام :" إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليتذكر مصيبته بي ، فإنها
أعظم المصائب " . وتذكر ما لك من الأجر والثواب إن صبرت واحتسبت ، قال عليه
السلام :" إذا قبضت من عبدي كريمته – مهو بها ضنين – لم أرض له ثوابا دون الجنة
، إذا حمدني عليها " ، وقال :" من احتيب ثلاثة من صلبه دخل الجنة ، فقالت امرأة
: أو اثنان ؟ قال : أو اثنان " ، وقال :" إذا مات ولد الرجل يقول الله تعلى
لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : اقبضتم ثمرة فؤاده ؟
فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع . فيقول :
ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسموه بيت الحمد " .
ثم لا تنس يا لأخي أننا لسنا مخلدين في الدنيا ، وأن الموت حق ، وأن لكل أجل
كتاب ، فوطن نفسك على هذا تهن عليك مصائبك . قال عليه السلام :" أتاني جبريل ،
فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما
شئت فإنك مجزي به ..." .
ويا من فقدت عضوا من أعضائك ، أو حاسة من حواسك ..، هون عليك ، واصبر واحتسب ،
يعوضك الله خيرا ، فهذا ابن عباس – رضي الله عنهما – قال وكله رضا عندما فقد
بصره :
إن يأخذ الله من عيني نورها = ففي لساني وسمعي
منهما نور
قلبي ذكي ، وعقلي غير ذي دخل = وفي فمي صارم كالسيف مأثور
ثم إنك مجزي على عملك ، أما شكلك وصورتك فلا قيمة
لها عند الله ، قال عليه السلام :" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
ويا من تجرعت كأس الظلم ، اسمع قول الحبيب المصفى لتهنأ بالا :" يجيء الرجل يوم
القيامة من الحسنات ما يظن أنه ينجو بها ، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة ،
فيؤخذ من حسناته ، فيعطي المظلوم حتى لا تبقى له حسنة ، ثم يجيء من قد ظلمه ،
ولم يبق من حسناته شيء ، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته " . واعلم أن
دعوتك ليس بينها وبين الله حجاب ، ولكن اصبر حتى يحكم الله بأمره ، يقول عليه
السلام :" اتقوا دعوة المظلوم ، فإنها تحمل على الغمام ، يقول الله – جل جلاله
- : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " .
ويا صاحب الهم ، أبشر بفرج قريب ، ولا تيأس من روح الله " ..إنه لا ييأس من روح
الله إلا القوم الكافرون " يوسف ( 87) ، وليكن دعاؤك : اللهم اجعل لي من كل هم
وغم فرجا ومخرجا .. اللهم افتح لي باب الفرج بطولك ، واحبس عني باب الهم بقدرتك
...
يا صاحب الهم إن الهم منفرج = أبشر بخير فإن
الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه= لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة = لا تجزعن فإن الصانع الله
يقول عليه السلام :" النصر مع الصبر ، والفرج مع
الكرب ، وإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا " . فاصبر واحتسب ، فإن لكل شيء
قدرا ، وعسى فرج أن يلوح في الأفق ...
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى = له فرجا مما ألح
به الدهر
عسى فرج يأتي به الله إنه = له كل يوم في خليقته أمر
إذا لاح عسر فارج يسرا فإنه = قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
فصبرا أهل الابتلاء ، وهونوا عليكم ، فإت النبي
عليه السلام يقول :" عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له شيئا ، إلا كان خيرا له " ،
ويقول :" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن
رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط " ، وعن صهيب قال : بينا رسول الله –صلى
الله عليه وسلم – قاعد مع أصحابه ، إذ ضحك ، فقال : ألا تسألوني مم أضحك ؟
قالوا : يا رسول الله ! ومم تضحك ؟ قال :" عجبت لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير
، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير ، وإن أصابه ما يكره فصبر ، كان له خير
، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن " .
اللهم إنا نسألك إيمانا يباشر قلوبنا حنى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا ،
وأرضنا من المعيشة بما قسمت لنا ...اللهم آمين
بقلم : لبنى شرف / الأردن