|
الإسلام دين يرتقي بالذوق ، ولو التزم المسلم بآداب دينه لوصفه الناس بأنه ذو ذوق
رفيع ، ذلك أن الناس لا يحبون مخالطة بليد الذوق ، غليظ الفهم ، فهو ثقيل على
نفوسهم .
وآداب الإسلام آداب جليلة ، وهي كثيرة ، ولكني سأذكر بعضها فقط ، ليعلم الذين
يبتغون ويبحثون عن الذوق أو " الإتكيت " كما يقول البعض ، أن " الإتكيت "
الحقيقي والراقي هو في هذا الدين ، لو أن المسلمين يفقهون !!! .
فمن آداب الأكل مثلا ، وما فيها من ذوقيات رفيعة ، أن يغسل المسلم يديه قبل
الأكل وبعده ، وأن يبتعد عن الشره ، وأن لا يخرج صوتا من فمه عند الأكل ، وأن
لا يمد يده إلى ما أمام غيره ، بل يأكل مما يليه ، وأن لا ينفخ في الطعام ، وأن
لا يشرب من الإناء ، وأن لا يتنفس فيه ، وأن لا ينظر إلى غيره وهو يأكل ، وقد
ذكر الإمام الغزالي آدابا أخرى ، فقال : ومن ذلك أن لا يفعل ما يستقذره من غيره
، فلا ينفض يده في القصعة ، ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه ، وإذا
أخرج شيئا من فيه ليرمي به ، صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره ، ولا يغمس بقية
اللقمة التي أكل منها في المرقة ، ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ، ولا الخل
في الدسمة ، فقد يكرهه غيره ، ولا ينبغي لأحد إذا علم أن قوما يأكلون أن يدخل
عليهم ، فإن صادفهم من غير قصد فسألوه الأكل ، نظر ، فإن علم أنهم إنما سألوه
حياء ، فلا يأكل .
ومن آداب وذوقيات الزيارة والضيافة ، أن يطرق الباب – أو يرن الجرس – بهدوء دون
أن يزعج أهل البيت ، وأن لا يجعل بصره مقابل فتحة الباب ، حفاظا على عورات
البيت ، فإنما جعل الاستئذان من أجل البصر ، وأن لا يجلس إلا في المكان الذي
أجلسه فيه صاحب البيت ، فهو أدرى بعورة بيته ، قال عليه السلام :" من دخل دار
قوم فليجلس حيث أمروه ، فإن القوم أعلم بعورة دارهم " . وأن لا يكثر النظر
يمينا وشمالا ، وأن لا يفتح الجوارير والأبواب المغلقة ، وأن يتواضع في مجلسه
ولا يتصدر ، ولا يأمر غيره في منزل غيره ، وأن لا يقترح طعاما بعينه ، كما
وعليه أن يختار الأوقات المناسبة للزيارة ، وعليه بخفة الظل ، فلا يطيلها حتى
يمل المزور ، ولا يكثر الترداد في الزيارة .
عليك بإغباب الزيارة إنها = إذا كثرت كانت إلى
الهجر مسلكا
فإني رأيت الغيث يسأم دائبا = ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
ومن آداب وذوقيات عيادة المريض ، أن تظهر الرقة
لحاله ، وتدعو له بالعافية ، وأن تخفف الجلوس عنده . مرض بكر بن عبد الله
المزني ، فعاده أصحابه ، فأطالوا الجلوس عنده ، فقال : المريض يعاد ، والصحيح
يزار .
يعدن مريضا هن هيجن داءه = ألا إنما بعض العوائد
دائيا
ومن آداب المجالس ، أن يجلس بتواضع وحيث انتهى به
المجلس ، ولا يتصدر ، فقد كان – عليه السلام – يجلس حيث انتهى به المجلس ،
مختلطا بأصحابه كأنه أحدهم ، وأن لا يدخل أصبعه في أنفه أمام الحضور ، ولا يبصق
، ولا يتثاءب دون وضع يده على فمه ، وأن لا يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه ، فقد
قال عليه السلام :" لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن توسعوا
وتفسحوا " ، وقال :" لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم
" ، وألا يجلس إلى اثنين يتناجيان إلا بإذنهما ، يقول عليه السلام :" إذا تناجى
اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما " ، وإذا كان ثلاثة يجلسون جميعا فليس من
الذوق أن يتناجى اثنان دون الثالث ، قال عليه السلام :" إذا كان ثلاثة جميعا
فلا يتناج اثنان دون الثالث " ، وفي رواية :" إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان
دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه " ، وأن لا يجلس في الطرقات ، فإن كان ولابد من
الجلوس فلابد من غض البصر ، وعدم إيذاء المارة ، وإعطاء الطريق حقه .
يقول الإمام الغزالي في أدب التعامل مع الجار : .. ولا يطلع إلى داره ، ولا
يضايقه في وضع الخشب على جداره ، ولا في صب الماء في ميزابه ، ولا في طرح
التراب في فنائه ، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره ، ويستر ما ينكشف من
عوراته ، ولا يتسمع عليه كلامه ، ويغض طرفه عن حرمه ، ويلاحظ حوائج أهله إن غاب
.
ومن آداب وذوقيات الحديث والكلام ، كف اللسان عن السباب والشتائم ، والكذب
والغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، فهذا كله منهي عنه في الكتاب والسنة
، قال عليه السلام :" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيئ " .
والفحش والبذاء هو التعبير عن الأمور المتقبحة بالعبارات الصريحة ، وهذا ليس من
الأدب ولا من الذوق ، فقد كني عن الجماع في القرآن بلفظ " لامستم النساء " ،
وفي الحديث " إذا أتى أحدكم أهله " ، وهذا أدب رفيع ، وارتقاء بالذوق . وأن لا
تذكر عورات الناس ...
لسانك لا تذكر به عورة امرئ = فكلك عورات وللناس
ألسن
وأن تحسن الكلام ، وأن لا تكون ثرثارا ...
لا تغفلن سبب الكلام ووقته = والكيف والكم
والمكان جميعا
كما وأن تحسن الاستماع والإصغاء ، حتى وإن كنت
تعرف هذا الحديث ...
تراه يصغي للحديث بسمعه = وبقلبه ولعله أدرى به
ومن آداب المعاملة والمعاشرة ، أن تعاشر بالمعروف
، يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – موصيا أولاده : يا بني ، عاشروا الناس
، إن غبتم حنوا إليكم ، وإن فقدتم بكوا عليكم ...
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى = وفارق ولكن بالتي
هي أحسن
وأن لا تزعج الناس بالزامور العالي ، فهناك
النائم والمريض ، وأن لا تتدخل فيما لا يعنيك ، فقد قال عليه السلام :" من حسن
إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، وأن تنصح أخاك في السر حتى لا تفضحه أو تجرحه
، فالنصح بين الملإ تقريع ، ولتكن نصيحتك له تلميحا لا توضيحا ، وتصحيحا لا
تجريحا . قال الإمام الشافعي : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه
علانية فقد فضحه وشانه . فبالمعاشرة الحسنة تستخرج أحسن ما عند الآخرين ، ولكن
بالمعاملة السيئة قد تضطرهم إلى أسوء الأخلاق .
إنك إن كلفتني ما لم أطق = ساءك ما سرك مني من
خلق
ومن الأدب في الدعاء وتلاوة القرآن ، ألا يرفع
المرء صوته ويؤذي أو يشوش على الآخرين ، يقول تعالى في سورة الأعراف ( 55) :"
ادعوا ربكم تضرعا و خفية إنه لا يحب المعتدين " ، يقول سيد قطب – يرحمه الله -
: الذي يستشعر جلاله فعلا يستحي من الصياح في دعائه ، والذي يستشعر قرب الله
حقا لا يجد ما يدعو إلى هذا الصياح . وأما في الصلاة ، فقد قال عليه السلام :"
إن أحدكم إن كان في الصلاة فإنما يناجي ربه ، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن
فتؤذوا المؤمنين " .
وأما عن الذوق في اللباس ، فأن يكون أولا ساترا للعورة ، وأن يكون مرتبا ونظيفا
، فلا تخرج للناس مبعثر الهيئة ، منفوش الشعر .
بقلم : لبنى شرف / الأردن