|
لو سألت وقلت : هل الزكاة مقصورة على زكاة المال فقط ؟ أليس هناك زكاة العلم ،
وزكاة الوقت ، وزكاة الصحة ... ؟ بل إن كل نعمة أنعم الله بها على العبد لابد
له من أن يزكيها شكرا لله عليها حتى يبارك له فيها ، وإلا سلبت منه "...لئن
شكرتم لأزيدنكم ..." إبراهيم (7) . قال عليه السلام :" إن لله أقواما يختصهم
بالنعم لمنافع العباد ، ويقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ،
فحولها إلى غيرهم " . فمثلا ، من كانت لديه سيارة ، فليركب معه من لا سيارة له
، ومن كان لديه فضل مال فليعد على من لا فضل له ، ولا يمنعه طالبه ، فإن النبي
الكريم – عليه السلام – يقول :" من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله
يوم القيامة " .
فكيف يكون شكر نعمة المال ؟ إن الزكاة ، والتي هي ركن من أركان الإسلام ، وحدها
لا تكفي ، فأبواب الخير كثيرة جدا ، ومن يحرص على الدرجات العلا لا يقتصر على
باب واحد طالما باستطاعته طرق غيره من الأبواب ، والبي عليه السلام يقول :"
افعلوا الخير دهركم .. " . فكيف يكون فعل الخير من خلال المال ؟ .
يكون – وبعد أداء الزكاة المفروضة – بالصدقة ، قال عليه السلام :" إن الصدقة
لتطفئ عن أهلها حر القبور ، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته " .
ويكون بالإنفاق منه ، وعدم كنزه ومنع فضله ، قال عليه السلام :" ما من يوم يصبح
العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم ! أعط منفقا خلفا ، ويقول
الآخر : اللهم ! أعط ممسكا تلفا " ، وقال :" ويل للمكثرين ، إلا من قال بالمال
هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، أربع : عن يمينه ، وعن شماله ، ومن قدامه ، ومن ورائه "
، وقال :" ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله ، إلا استقبلته
حجبة الجنة ، كلهم يدعوه إلى ما عنده . قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إن كانت إبلا
فبعيرين ، وإن كانت بقرا فبقرتين " ، وقال :" يا معشر المهاجرين والأنصار ! إن
من إخوانكم قوما ليس لهم مال ولا عشيرة ، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة
" .
وأما زكاة العلم فتكون بتعليمه ونشره وعدم كتمه ، قال عليه السلام :" مثل الذي
يتعلم العلم ثم لا يحدث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه " ، وقال :"
معلم الخير يستغفر له كل شيئ حتى الحيتان في البحار " . وقال الإمام ابن حنبل :
سبل العلم مثل سبل المال ، إذا ازداد ازدادت زكاته .
وأما زكاة الصحة والوقت ، فبابها واسع جدا ... قال عليه السلام :" من يكن في
حاجة أخيه ، يكن الله في حاجته " ، وقال :" كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل
يوم تطلع فيه الشمس : يعدل بين اثنين صدقة ، ويعين الرجل على دابته فيحمله
عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى
الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة " .
ومن زكاة الوقت ، أن تنفق من وقتك للإصلاح بين الناس ، يقول عليه السلام :" ألا
أدلك على صدقة يحب الله موضعها ؟ تصلح بين الناس ، فإنها صدقة يحب الله موضعها
" ، وقال :" ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة ، وصلاح ذات البين ، وخلق حسن
" .
أيها الإخوة ، هذا غيض من فيض من أمثلة فعل الخير وبذل المعروف ، ومن لم يستطع
فعل معروف ما ، استطاع غيره ، فالنبي عليه السلام يقول :" على مسلم صدقة ، قيل
: أرأيت إن لم يجد ؟ قال : يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق ، قيل : أرأيت إن لم
يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف . قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يأمر
بالمعروف أو الخير . قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال : يمسك عن الشر فإنها صدقة "
. إذن ، فابحث عن الباب الذي تستطيع أن تلجه ، ولا تحقرن من المعروف شيئا ،
فالنبي عليه السلام يقول :" لا تحقرن شيئا من المعروف أن تأتيه ، ولو أن تهب
صلة الحبل ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، ولو أن تلقى أخاك المسلم
ووجهك بسط إليه ، ولو أن تؤنس الوحشان بنفسك ، ولو أن تهب الشسع " .
بعد هذا كله ، وبعد ذكر أبواب الخير الكثيرة هذه ، وما لفاعلها من الأجر
والثواب ، يأتي السؤال : لماذا يزهد المسلمون في فعل الخير ؟!! لماذا ونحن نرى
الفقراء والمساكين والمعدمين والمشردين ، والذين يسكنون في العراء ، والذين
يموتون جوعا ، والذين يموتون من البرد ومن الأمراض ؟ لماذا ، ونحن نرى من لا
يدينون بالإسلام يساهمون بقد كبير من أموالهم في المشاريع الخيرية !! .. فأين
أنتم يا أغنياء المسلمين ، وأين هي أموالكم ، ولمن تكنزونها ، وحتى متى ؟؟!! .
أترك الجواب لكل مسلم ، ليقف مع نفسه وقفة ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم
، ولكني أريد أن أسوق هذا الحديث الشريف ، علني أستثير به همم القاعدين .
قال عليه الصلاة والسلام :" بينا رجل بفلاة إذ سمع رعدا في سحاب ، فسمع فيه
كلاما : اسق حديقة فلان – باسمه - ، فجاء ذلك السحاب إلى حرة فأفرغ ما فيه من
الماء ، ثم جاء إلى أذناب شرج فانتهى إلى شرجة ، فاستوعبت الماء ، ومشى الرجل
مع السحابة حتى انتهى إلى رجل قائم في حديقة له يسقيها . فقال : يا عبد الله :
ما اسمك ؟ قال : ولم تسأل ؟ قال : إني سمعت في سحاب هذا ماؤه : اسق حديقة فلان
، باسمك ، فما تصنع فيها إذا صرمتها ؟ قال : أما إن قلت ذلك ، فإني أجعلها على
ثلاثة أثلاث ، أجعل ثلثا لي ولأهلي ، وأرد ثلثا فيها ، وأجعل ثلثا للمساكين
والسائلين وابن السبيل " .
لبنى شرف / الأردن