|
لا يهتم كثير من المسلمين اليوم بنظافته ونظافة المكان الذي هو فيه ، فترى أحدهم
أشعث أغبر ثائر الرأس ، تكاد تموت من رائحة عرقه المنتنة ، وإذا رأيت أظافره
القذرة أصبت بالغثيان ، وكأنه لم يستحم منذ شهر أو أكثر ، هذا عدا عن ملابسه
المتسخة ، أو ذات الألوان العشوائية ، أما قال عليه السلام :" من كان له شعر
فليكرمه " ، وقال :" أحسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم ، حتى تكونوا كالشامة بين
الناس " ؟ وعن جابر بن عبد الله قال : أتانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره ، فقال :" أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره ؟!
ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة ، فقال : أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه ؟! "
. فلماذا هذه العشوائية في اللباس والألوان ؟ ولماذا هذا الهندام الملخبط ؟
ولماذا هذه البقع من أثر الطعام أو العرق أو الجلوس على الأرض المتسخة والأرصفة
؟ .
إن العيون رمتك إذ فاجأتها = وعليك من مهن الثياب
لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت = واجعل لباسك ما اشتهته الناس
إن الهندام الحسن ، والمظهر الجميل ، والرائحة
الطيبة ، تبعث البهجة في النفوس ، فهي بطبيعتها تنجذب إلى هذه الصورة الجميلة ،
وليس هذا من الكبر في شيء ، فقد قال رجل للنبي عليه السلام : إن الرجل منا يحب
أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنا ؟! فقال :" إن الله جميل يحب الجمال " . وليس
من الزهد التبذل في الثياب ، فقد جاء رجل إلى النبي عليه السلام وعليه ثوب دون
– زهيد – فقال له :" ألك مال ؟ " قال : نعم . قال :" من أي المال ؟" قال : من
كل المال قد أعطاني الله تعالى . قال :" فإذا آتاك الله مالا ، فلتر نعمة الله
عليك وكرامته " .
حسن ثيابك ما استطعت فإنها = زين الرجال بها تعز
وتكرم
ودع التخشن في الثياب تواضعا = فالله يعلم ما تستر وتكتم
فخسيس ثوبك لا يزيدك رفعة = عند الإله وأنت عبد مجرم
ونفيس ثوبك لا يضرك بعدما = تخشى الإله وتتقي ما يحرم
كثيرة هي السلوكيات القذرة المنتشرة بين المسلمين
اليوم – وللأسف - ، فترى أحدهم يعبث بأنفه ، أو يتنخم ويبصق في الطريق ، أو
يعطس ويسعل في وجه من أمامه دون أن يضع شيئا على فمه ، أو لا يغسل يديه وفمه
بعد الأكل و قبله .
أما عن إلقاء القاذورات في الشوارع والطرقات فحدث ولا حرج ، فالحدائق
والمتنزهات والطرقات العامة تشكو من طغيان ابن آدم واعتدائه عليها ، فهو يلقي
بالأوساخ على الأرض بدلا من وضعها في سلة المهملات ، وكأن المطلوب منه أن يحافظ
على نظافة سلات النفايات بدلا من المحافظة على نظافة الطريق العام ، فإماطة
الأذى عن الطريق صدقة ، ومن يلقي الأذى في الطريق فعليه الوزر . قال عليه
السلام :" أمط الأذى عن الطريق فإنه لك صدقة " . فالمسلم بوازع من عقيدته
وإيمانه يميط الأذى عن الطريق حتى لا يتأذى الناس ، ويكنس أمام منزله و متجره
ويحرق فيه البخور ذا الرائحة الطيبة والمنعشة ، أما عندما يغيب الإسلام عن حياة
المسلمين سنرى أكوام القمامة مكدسة في أرقى الأحياء وعليها الذباب الذي ينقل
الأمراض ، كما هو حاصل اليوم في بلادنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أمر آخر ، وهو الدخول بالأحذية إلى داخل البيوت ، فهذا ليس من النظافة في شيء ،
بل ولا حتى من الطهارة ، فبيوتنا اليوم ليست مفروشة بالرمال والحصى ، فكيف تدخل
إلى بيتك وإلى غرفة نومك بحذائك الذي دست به على الأذى والقاذورات ، بل ربما
والنجاسات وأنت لا تدري ؟! ألا يمشي أولادك حفاة في البيت ، ويزحفون ، ويلتقطون
الأشياء من على الأرض ويضعونها في أفواههم ؟ ألا تصلي أنت وأهل بيتك على الأرض
؟ فلماذا إذن لا تتحرى النظافة والطهارة في بيتك ؟ .
أيها الإخوة ، من قال بأن عامل النظافة في بلادنا لابد أن يكون بهذه الصورة
المزرية ؟ ثيابه متسخة ، ويلتقط الأوساخ من الطريق بيديه دون قفازات ؟ أليس من
الأفضل أن يلبس ملابس نظيفة ، وأن يضع كمامة ، ويلبس القفازات الخاصة بهذا
العمل ؟ أليس هذا أليق به كإنسان أولا ، ولحمايته من الأمراض ثانيا ؟ .
أيها المسلمون ، ديننا هو دين النظافة ، ويحثنا على النظافة ، فالاغتسال
والوضوء وخصال الفطرة كلها تشير إلى أهمية الاعتناء بالنظافة ، ونبينا عليه
السلام كان مثالا راقيا يحتذى في النظافة ، فقد كان يحب الطيب ، ويكره الريح
الخبيثة ، وقد روي عن أمنا عائشة – رضي الله عنها – أنها صنعت لرسول الله عليه
السلام جبة من صوف ، فلبسها ، فلما عرق وجد ريح الصوف ، فخلعها ، وكان يعجبه
الريح الطيبة ، وكان يعرف بريح الطيب إذا أقبل .
بعد هذا نقول ، حتى نصبح كالشامة بين الناس والأمم ، فلابد من أن نسمو ونرتقي
بنظافتنا المادية والمعنوية ، وأعني بالمعنوية نظافة العقل من الخرافات
والآوهام والأفكار السقيمة والشبهات ، ونظافة القلب من الشهوات والضغائن
والأحقاد ، ونظافة اللسان من الفحش والسب والبذاء ، قال عليه السلام :" ليس
المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" ، ولابد من أن نربي أولادنا
على النظافة منذ نعومة أظفارهم ، فمن شب على شيء شاب عليه .
بقلم : لبنى شرف /الأردن