|
إن كثيراً من المسلمين اليوم يسيرون خبط عشواء ، تارة إلى يمين وتارة إلى شمال ،
ويضيع بسبب ذلك كثير من الجهد والوقت والمال ، ومن أسباب ذلك أنهم في عماء شديد
عن فقه الأولويات في حياتهم ، والأمثلة على هذا كثيرة ، فنحن مثلاً نجد من
الرجال والنساء من يحرص على أخذ دورات في الإعجاز العلمي ، ولكنهم لا يجيدون
قراءة القرآن بالطريقة الصحيحة ، أو يجهلون أحكام ستر العورة !! .
ومن النساء من تُعنى بدراسة أحكام العدة ، وهي لم تتزوج أصلا !! والأَوْلى أن
تهتم بفقه الزواج قبل فقه الطلاق والعدد . ومنهن من تحرص على التنفل بالصلاة
والصيام والقيام ، ولكنها مقصرة جداً في حق زوجها وأولادها وبيتها ، فهي منشغلة
بالنوافل عن أداء واجباتها ، وهل تُقبل النوافل إذا لم تُؤد الفرائض ؟! .
ومن المسلمين من يهتم بالقضايا الصغيرة والمسائل الفرعية ، ويهمل القضايا
الكبيرة والأصـول ، وتراه يبحث عن المسائل الاجتهادية وينشئ من خلالها عداوات
بين المسلمين ، والأولى بنا كمسلمين وخاصة في هذا الزمن أن نسعى لتوحيد الجهود
ولَمَِّ الشَّمل ، وأن لا نسمح بشق الصف وتمزيق الأمة . يقول الشيخ علي
الطنطاوي ـ يرحمه الله - : (( إن الاجتماع على العمل بالقول المرجوح أقل ضرراً
من شق الصف ، وإيقاع الخلف بين المسلمين للعمل بالقول الراجح في المسائل
الفرعية التي لا تُحل حراماً ولا تعطل واجباً ، وليست من أصول الدين )) . ويقول
الخليفة عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه - : (( ما أحب أن أصحاب رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ لم يختلفوا ، لأنه لو كان قولاً واحدا كان الناس في ضيق ،
وإنهم أئمة يقتدى بهم ، ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة )) .
فلا ينبغي إذن أن نجعل القضايا الاجتهادية والخلافية بين المذاهب معول هدمٍ في
صرح الأمة ، وأداة تمزيق لشملها ، بل الأولى والأحرى بنا أن نبحث عما يقرب بين
المذاهب ، ويجمع شمل الأمة ، وكفانا هذا التمزق وهذه العداوات .
أيها الإخوة ، إن بعض الدعاة ـ وللأسف ـ يجهلون فقه الأولويات هذا في دعوة
الناس ، يقول الداعية الأستاذ عباس السيسي : (( فهذا شاب يدخل المسجد وفي رقبته
سلسلة ذهبية ، ما كاد ينتهي من صلاته حتى يتسابق إليه من ينهاه وينذره ويكاد
يخرجه من المسجد ، ولو فقه هؤلاء الشباب وعرفوا رسالتهم لعلموا أن هذا الشاب قد
جاءهم من المسارح والملاهي منيباً إلى الله تعالى ، فكان الأولى بهم أن يفرحوا
به ويستقبلوه أحسن استقبال ، إنه عضو جديد ، ورصيد جديد ، لو كانوا يعلمون !!
)) .
أيها الإخوة ، إن الذي يدخل في الإسلام ، لابد قبل أن نعلمه الصلاة ، أن نعلمه
الوضوء ، ففقه الأولويات فقه مهم جداً ، وحري بنا أن لا نغفل عنه في حياتنا ، و
الحمد لله رب العالمين .
بقلم : لبنى شرف ـ الأردن .