|
أتساءل أحياناً ، هل الإنشاد بصورته الموجودة الآن ، حاجة ملحة تحتاجها الأمة ،
ولا يمكن الاستغناء عنها ؟ أليس هنالك شيئاً من المبالغة في الأمر ؟ فالنشيد
وسيلة من الوسائل الدعوية التي يمكن من خلالها غرس بعض الأخلاق والقيم ،
واستثارة الهمم للقيام بالطاعات والقربات ، وإلهاب الحماسة للنهوض بالأمة
لتتبوأ مكانتها التي تليق بها ، والتي تنازلت عنها !! ، ولكن هذا لا يعني أن
نعطي الأمر أكثر مما يستحق من الوقت والجهد من مسابقات وغيرها ، لدرجة أن يُصاب
أحدهم بنزيف في أحباله الصوتية !! ، ولا يعني أيضاً أن يكون التركيز الأكبر على
شخص المنشد ، بل على مضمون النشيد والرسالة الدعوية التي ستصل إلى المستمع من
خلاله ، والمسابقات التي تجري في هذا الحقل ينبغي أن يكون هَمُّ المنشد فيها
المنافسة في الخير من خلال الارتقاء بمستوى النشيد ، شرط أن يكون منضبطاً
بضوابط الشرع ، وبغض النظر إن حصل المنشد على لقب أو مركز في هذه المسابقة أو
لم يحصل ، فالأصل في النشيد أن يكون باباً من أبواب العمل الصالح ، وشرط قبول
العمل الصالح إخلاص النية لله عز وجل ، فلا داعي للتركيز إعلامياً على هذه
الألقــاب ، ثم لا بنبغي الإكثار من سماع الأناشيد ، فالأصل أن يُكثر المسلم من
سماع القرآن والمواعظ .
كذلك ما يتعلق بالرياضة بأنواعها المختلفة التي انتشرت في هذا العصر ، وهذه
المباريات وهذه الدوريات ...، فالقوة الجسدية مطلوبة ، وكذلك اللياقة البدنية ،
فبها يستطيع المرء أن يقضي حاجاته وحاجات أسرته ، وأن يُعين الآخرين في قضاء
حاجاتهم ، وأن يُغيث الملهوف ، فهذه الأمور مطلوبة شرعاً ، وينال فاعلها الأجر
والثواب ، كما ويستطيع بها كذلك أن يدافع عن نفسه إن اعتدى عليه أحد أو على
غيره ، فالرياضة لأجل هذه الغايات مطلوبة ، أما أن يزيد الأمر عن حده ، بأن
يُشغل الشباب عن قضايا أمتهم بهذه المباريات ، فتضيع الأوقات ، وتعطل الواجبات
، وتسد الطرق ، ويعطل الناس عن مصالحهم ، وتحدث المشاجرات والخصومات والأضرار
لأجل مباراة كرة قدم أو غيرها ، فهذا أمر مرفوض ولا يقول به عاقل !! ، فلا بأس
أن يلعب الشباب كرة قدم أو كرة سلة لوقت يسير من باب زيادة اللياقة والترفيه
المباح ، ولكن اللعب انقلب جدّاً ، وأصبحت له قوانين وأنظمة صارمة ، من يتعداها
قد يعاقب بالطرد ، لذلك ترى اللاعبين يلتزمون بهذه القوانين خوفاً من العقوبات
المفروضة !! ، ويا ليتهم يلتزمون بقوانين الجد كما يلتزمون بقوانين اللعب !! ،
يا ليتهم مثلاً يلتزمون بقوانين السَّيْر ، ويا ليتهم يلتزمون بالآداب العامة
في الطرقات ، ويا ليتهم يلتزمون بمواعيد عملهم وأنظمته ، ويا ليتهم يلتزمون
بمواعيدهم ، ويا ليتهم قبل هذا كله يلتزمون بالقوانين الإلهية في شؤون حياتهم
كلها ، فإنهم إن فعلوا ذلك ، سعدوا في الدنيا والآخرة !! .
تساؤل آخر ، وهو : هل الذرية غاية في حد ذاتها ؟ هل الآباء يعيشون من أجل
أولادهم ، أم أن الأولاد وسيلة من الوسائل التي يمكن للآباء من خلالها الوصول
للغاية التي خلقوا لأجلها ؟ ، فكثير من الآباء مثلاً يرغبون بأن يكون لهم أولاد
ذكور ليخلدوا اسمهم بعد موتهم ، أو ليعينوهم في كبرهـم ، أو لأسباب أخرى مشابهة
، وأنا أقول أن هذا كله في علم الغيب ، وأن الأمور تجري بالمقادير ، فالإمام
ابن تيمية مثلاً والإمام النووي ، وغيرهم من العلماء الأجلاء ، هل أولادهم من
خلد اسمهم ، أم أن علمهم النافع الذي ابتغوا به وجه الله هو الذي جعل الأمة
تذكرهم وحتى قيام الساعة ؟! ، ثم إن هذين العالمين لم يتزوجا أصلاً !! وغيرهم
ممن تزوج وكان له الولد ، ولكن أين ذكره وأين عمله الصالح الذي ابتغى به وجه
ربه ؟ مات ومات اسمه معه !! .ثم إن تعليق الآمال على الأولاد ونفعهم في الكبر ـ
إن عاشوا ـ ليس من الحكمة ، لأن هذا الأمر أيضاً في علم الغيب ، فكم من الأولاد
هاجروا بعدما كبروا وتركوا والديهم ، وكم من الآباء انتفعوا بأولاد الآخرين
أكثر من انتفاعهم بأولادهم ؟! ، ثم إن من يتقي ربه يُسخر له من يعينه في كبره ،
ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فأين قوة اليقين وحق التوكل على الله يا أيها الآباء
؟!! ، ولأن يدعوا الآباء بأن يمتعهم الله بالعافية حتى الممات خير لهم . ثم
إننا نرى ان من رزقت البنات تبقى تنجب أملاً في أن تنجب الذكر ، والعكس كذلك ،
وينسون أن هؤلاء الأولاد لابد أن يعطوا حقهم من التربية والرعاية والوقت !! ومن
لديها ولد ذكر ترغب بأن تنجب له أخاً ، ومن عندها بنت ترغب بأن يكون لها أخت ،
ثم لا يكون إلا ما قدر الله ، وأنا أتساءل : لماذا يفكر الآباء بهذه الطريقة
الضيقة ، ولماذا يحصرون الأمر في أولادهم الذين من صلبهم فقط ؟! فأولاد إخوانهم
وأخواتهم هم أولادهم أيضاً ، وكذلك أولاد الجيران الصالحين ، وأولاد إخوانهم في
الله ، وكذلك أزواج بناتهم ، و زوجات أولادهم ، فالدائرة تسع كل هؤلاء ، والأصل
في المجتمع المسلم أن يُبنى على التواد والتراحم والتعاضد .
ومن التساؤلات كذلك ، ما يتعلق بالمراكز التطوعية والعمل التطوعي والمراكز
الخاصة ، فمن الملاحظ أن المراكز الخاصة ـ الاستثمارية ـ تهتم بقضايا التنظيم
والمهارات الإدارية ، وتُعنى بأمور النظافة والأناقة والمظهر العام للمركز ،
ولكننا في المقابل نرى أن بعض المراكز التطوعية تقوم على أساس الفوضى
والعشوائية وتداخل الأدوار ، وتفتقر إلى التنظيم والمهارات الإدارية في عملها ،
كما وأن بعضها أيضاً يعاني من التقصير في جانبي النظافة والأناقة ، فالاهتمام
بالمظهر العام للمركز ليس من الإسراف في شيء ، بل إنه عنوان لرسالتها ، والله
جميل يحب الجمال ، ولقد كان عليه وآله الصلاة والسلام يختار رسله إلى رؤساء
القبائل الأخرى من ذوي الهيئة الحسنة ، فإن لم تُعن المراكز التطوعية بهذه
القضايا ، فلن تلفت نظر الكثيرين إلى رسالتها ، ويا حبذا لو يكون للمراكز ـ
بشكل عام ـ نصيب وافر من أسمائها وألقابها اللامعة والبراقة !!! .
اللهم إنا نعوذ بك أن نتزين للناس بشيء يشيننا عندك ، أو أن نعمل عملاً صالحاً
نبتغي به غير رضاك ... اللهم آمين ، والحمد لله رب العالمين .
بقلم لبنى شرف ـ الأردن .