|
كثير من الناس مولع بمعرفة الطريقة المثلى للأكل ، وبمتابعة كل جديد في هذا
الموضوع ، وهذا شيء جيد ومطلوب ، وهو من حق البدن علينا ، ولكن يجب ألا نبالغ
بهذا ، وأن لا نعطي الأمر أكثر مما يستحق ، فيضيع بسبب ذلك كثير من الوقت
والجهد والمال ، فنحن لم نخلق لنأكل ، ولكننا نأكل لنستعين بذلك على أداء
مهمتنا التي خلقنا من أجلها ، فلا يجب أن يطغى اهتمامنا بتغذية الجسد على جانب
اهتمامنا بتغذية الروح والعقل !! .
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته *** فانت بالروح لا
بالجسم إنسان
وقال آخر :
ولا خير في حسن الجسوم وطولها *** إذا لم يزن حسن
الجسوم عقولُ
ثم إن الأمر ليس معقداً إلى تلك الدرجة ، فهنالك
قواعد أساسية وجوهرية لو اتبعناها لساعدتنا في الوصول إلى صحة جيدة ، وفي
التخلص والوقاية من مشاكل عدة ، بإذن الله تعالى .
أولى هذه القواعد أن يتحرى المرء الطعام الحلال الطيب ، يقول تعالى : ﴿ وكلوا
مما رزقكم الله حلالاً طيباً .. ﴾ .. { المائدة : 88 } . ويقول الإمام الغزالي
في الرضيع : ((... فلا يُستعمل في رضاعه وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل
الحلال ، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيـه )) .
ثم لابد أن يتذكر ويستشعر المرء عظيم نعم الله على عباده ، فيشكره ويحمده عليها
. يقول عليه و آله الصلاة و السلام : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكل
فيحمده عليها ، أويشرب الشربة فيحمده عليها " .. [ صحيح ، الألباني ـ الشمائل
المحمدية : 166 ] ، فبالشكر تدوم النعــــــــم : ﴿ وإذ تأذَّنَ ربُّكُم لإن
شكرتُم لأزيدنَّكُم .. ﴾ .. { إبراهيم : 7 } .
قاعدة أخرى مهمة ، وهي أن يتحرى المرء الطعام الطبيعي الخالي من الإضافات
الغذائية ـ كالمواد الحافظة والملونة ...- ، فيبتعد مثلاً عن تناول الطعام
المُعلب ، ومن الأفضل أن يأكل الطعام في موسمه .
ومن القواعد أيضاً أن لا يأكل المرء إلا إذا جاع ، وينبغي ألا يصل إلى درجة
الشبع . سأل رجل القاضي يحيى بن أكثم : (( كم آكل ؟ فقال : فوق الجوع ودون
الشبع )) . وينوي بأكله أن يتقوى على طاعة الله . وأن يلتزم بآداب الأكل ، يقول
الإمام الغزالي في الآداب حالة الأكـــــــل : (( وهو أن يبدأ بسم الله في أوله
، ويحمد الله تعالى في آخره ، ومن ذلك أن يأكل باليُمنى ، ويصغر اللقمة ويُجود
مضغها ، ومن ذلك أن يأكل مما يليه ، وأن لا ينفخ في الطعام الحار )) . ولا
ينبغي أن ننسى غسل اليدين قبل الأكل وبعده .
والشأن في المؤمن أن يتجنب الشره ، فلا يأكل حتى تمتلئ معدته ، يقول
الإمــــــام الغزالي : (( ومقام العدل في الأكل رفع اليد مع بقاء شيء من
الشهوة ، فلا يُحِسُّ المتناول بجوع ولا شبع ، فحينئذ يصح البدن ، وتجتمع الهمة
، ويصفو الفكر ، ومتى زاد في الأكل أورثه كثرة النوم ، وبلادة الذهن ، ويجلب
أمراضاً أُخَر )) .
وقال عقبة الراسبي : (( دخلت على الحسن وهو يتغدى ، فقال : هَلُم ، فقلت : أكلت
حتى لا أستطيع ، فقال : سبحان الله ! أَوَيأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل ؟!
)) . وقال لقمـــان لابنه : (( إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ،
وقعدت الأعضاء عن العبادة )) . وقال عمر ـ رضي الله عنه - : (( أيها الناس ،
إياكم والبطنة من الطعام ، فإنها مكسلة عن الصلاة ، ولن يهلك عبد حتى يؤثر
شهوته على دينه )) . وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب : (( ولو لم يكن في
الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله ، فإذا غفل القلب عن
الذكر ساعة واحدة غلبه الشيطان ، وشهّاه ، وهام به في كل واد ، فإن النفس إذا
شبعت تحركت ، وطافت على أبواب الشهوات ، فإذا جاعت سكنت وذلت )) .
ولقد كان عليه و آله الصلاة و السلام يعصب على بطنه الحجرمن الجوع ، ولا يأكل
مُتَّكِئاً ، ويتنفس في شربه ثلاثاً .
حاولوا أن تطبقوا هذه القواعد ، وأن تمشوا يومياً لمدة نصف ساعة تقريباً ،
وستحصلون على نتائج طيبة بإذن الله تعالى ... و الحمد لله رب العالمين .
بقلم : لبنى شرف ـ الأردن .