|
من الأقوال الدارجة و الشائعة على ألسنة المسلمين أن " الإسلام صالح لكل زمان و
مكان " ، و لكن أحد الأساتذة و الدعاة الأفاضل عدّل هذه المقولة و قال أن "
الإسلام مصلح في كل زمان و مكان " ، فلما تأملت في مقولته وجدت أنها أصح و أدق
من الأولى ، ذلك أن عبارة " الإسلام صالح .. " مطاطة ، و ربما يقوم البعض بناءً
على فهمه لها بالتساهل في بعض القضايا باسم الدين أو بِلَيّ بعض النصوص حتى
تنسجم مع روح العصر كما يقولون ، فيفسد أكثر مما يصلح !! .
و لكن عبارة " الإسلام مصلح .. " توحي بوضوح أن طبيعة هذا الدين واضحة لا تحتمل
التلبيس ، صلبة لا تقبل التمييع ، و أن هناك ثوابت و ركائز لا تتغير و لا ينبغي
المساس بها ، و أن هناك ميزان دقيق تنضبط به العقول و المدارك ، و توزن به
الاتجاهات و الحركات و التصورات ، فما قبله هذا الميزان كان صحيحاً ، و ما رفضه
كان خاطئاً يجب الإقلاع عنه . هكذا تنضبط الأمور ، و إلا فستشيع الفوضى .
كما و أن عبارة " الإسلام صالح .. " تعني أن الصلاح مقتصر على المنهج ، و لكنها
لا تعني بالضرورة أن يتعدى هذا الصلاح للحركة الحياتية لإصلاح ما فيها من أنظمة
معوجة و سلوكيات خارجة عن حد الفطرة و منهج الله ، و كذلك العبارة لا تنفي وجود
مناهج أخرى صالحة للبشر و حركة الحياة على الأرض ، و هذا يتنافى مع كون الإسلام
الدين الخاتم ! .
بينما قولنا أن " الإسلام مصلح .. " فهذا يعني بالضرورة أنه الدين الذي يقوم
على تصحيح الاعوجاج الحاصل من الدينونة لغير شرع الله ، و إنقاذ البشر من قصور
مناهجهم و أخطائها ، ليرفع الحياة الإنسانية إلى الأفق الكريم الذي أراده الله
للإنسان ، فالإسلام ليس مجرد كلمات و شعارات ، و لا مجرد شعائر تعبدية و صلوات
، و الإيمان ليس مجرد مشاعر و تصورات ، و هذا يجب أن يعيه كل من ينتسب لهذا
الدين ، (( فالعقيدة الإسلامية عقيدة دافعة مُحْيِية موقظة رافعة مستعلية ؛
تدفع إلى الحركة لتحقيق مدلولها العملي فور استقرارها في القلب و العقل ... ))
، فما أن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المسلم إلا و يتحرك و يعمل من أجل هذا
الدين ، و لا يقف عند حد صلاح ذاته ، فالصلاح يقتضي الإصلاح ، و هذا ما فعله
المسلمون الأوائل ، فصنع الله بهم أدواراً عميقة الآثار في الوجود الإنساني و
في التاريخ الإنساني .
قال تعالى : ﴿ و مِمَّنْ خَلَقْنآ أُمَّةٌ يَهْدونَ بِالحَقِّ و بِهِ
يَعْدِلونَ ﴾..{ الأعراف : 181 } ، يقول سيد قطب : (( إن صفة هذه الأمة – التي
لا ينقطع وجودها من الأرض أيّاً كان عددها – أنهم " يهدون بالحق " .. فهم دعاة
إلى الحق ، لا يسكتون عن الدعوة به ، و إليه ، و لا يتقوقعون على أنفسهم ، و لا
ينزوون بالحق الذي يعرفونه ، و لكنهم يهدون به غيرهم ، فلهم قيادة فيمن حولهم
من الضالين .. و لهم عمل إيجابي لا يقتصر على معرفة الحق ، إنما يتجاوزه إلى
الهداية به ، و الدعوة إليه و القيادة باسمه )) .
و قال تعالى : ﴿ و ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرىٰ بِظُلْمٍ و أَهْلُها
مُصْلِحونَ ﴾..{ هود :117 } . يقول سيد قطب : (( و هذه الإشارة تكشف عن سنة من
سنن الله في الأمم ، فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله ، في
صورة من صوره ، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية ، لا يأخذها الله بالعذاب و
التدمير . فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون ، و يفسد فيها المفسدون ، فلا
ينهض من يدفع الظلم و الفساد ، أو يكون فيها من يستنكر ، و لكنه لا يبلغ أن
يؤثر في الواقع الفاسد ، فإن سنة الله تحق عليها ، إما بهلاك الاستئصال ، و إما
بهلاك الانحلال .. و الاختلال ! .
فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده ، و تطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها
بالدينونة لغيره ، هم صمام الأمان للأمم و الشعوب .. و هذا يبرز قيمة كفاح
المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده ، الواقفين للظلم و الفساد بكل صوره .. إنهم
لا يؤدون واجبهم لربهم و لدينهم فحسب ، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم و غضب
الله ، و استحقاق النكال و الضياع )) .
اللهم إنا نعوذ بك من أن يحل بنا غضبك ، أو أن ينزل بنا سخطك ، و اجعلنا هداة
مهتدين ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .
لبنى شرف – الأردن .