|
لا بد و أن يكون أحدكم قد تعامل مع شخص أو أكثر من النمط الفوضوي و غير المنظم ،
و ربما أصابه الضجر من هذه اللامبالاة التي يتصف بها هذا الصنف من الناس . فأنت
إن طلبت من أحدهم شيئاً يبقى يبحث عنه أين وضعه ، أو أين كتبه إن كان رقم هاتف
مثلاً ، فأوراقه دائماً مبعثرة ، و أموره و أوقاته غير منظمة ، و الفوضى تملأ
حياته ، و في أحيان كثيرة لا يكترث بالاعتذار منك إن تاخر عليك بالطلب الذي
طلبته منه ، أو إن لم يجده اصلاً !! و أنت تبقى تنتظر ، و قد تتعطل مشاغلك و
تتأخر إن كانت تعتمد على هذا الشيء أو هذه المعلومة التي طلبتها منه .
مثل هذا الصنف من الناس لا يحسب حساباً للوقت ، و لا يكترث لضياعه ، فأقل شيء
يمكن أن يعيب الفوضى أنها مضيعة للوقت .
ضع كل شيء من الأشياء موضعهُ *** تجده فيه إذا ما
جئت تطلبهُ
و أما النساء اللواتي يتصفن بالفوضى فبيوتهن أشبه
بساحات المعارك ، فالجوارير مفتوحة و أبواب الخزائن مشرعة و الملابس ملقاة على
الأرض و ألعاب الأطفال متناثرة هنا و هناك .. !! و الغريب أن هناك من تقول بأن
الفوضى دليل العبقرية !!! .
شيء مؤسف حقاً أن يفكر مسلم بهذه الطريقة ، فأية عبقرية هذه التي تأتي بها
الفوضى ! فالكون كله مبني على النظام و الدقة المتناهية ، و كل شيء فيه
مُصَرَّف و مُدبَّر بحكمة ، و ليس من شيء يتم هكذا جزافاً أو عبثاً أو ارتجالاً
أو مصادفة أو اعتباطاً ، حاش لله القائل في كتابه العزيز : ﴿ إِنّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنٰهُ بِقَدَرٍ ﴾..{ القمر : 49 } .. (( قدر يحدد حقيقته ، و يحدد
صفته ، و يحدد مقداره ، و يحدد زمانه ، و يحدد مكانه ، و يحدد ارتباطه بسائر ما
حوله من أشياء ، و تأثيره في كيان هذا الوجود )) .
و شعائر الإسلام كلها ، من صلاة و صيام و حج و زكاة .. كلها لها أوقات مخصوصة و
شروط محددة ، فلا مجال للفوضى . و لكن يبدو أن الفوضى في العقول و في الفهوم و
في القلوب ، و هذه ضررها أكبر من الفوضى في الأشياء و المحسوسات ، و كما قال
الأديب مصطفى صادق الرافعي : (( من الخطأ الكبير أن تنظم الحياة من حولك و تترك
الفوضى في قلبك )) ! .
إن الانضباط في الانفعالات و الأحاسيس ، و الانسجام في الأفكار ، و وضوح الرؤية
و الهدف ، يجعل الشخصية أكثر اتزاناً . و الترتيب و النظام في الهندام و في
المكان و في الأعمال ، و في كل شيء في الحياة ، يشيع في النفس ارتياحاً ، و
يجعل الأمور تسير بانسيابية أكثر . و أما الفوضى فلن تأتي إلا بالفوضى .
لبنى شرف – الأردن .