ظننت أنّي سأشكو لها دائي ، ومخاوفي وأوجاعي ، وسأضعها بين يديها لعلّها تبحثُ في
علّتي ، فتعثر لي على دواء ، فقد تلمّست ميل القلب للقلم ، وعشقه للأوراق
والمحابر ، وانكبابه عليها كاتباً بين قصّة ومقالٍ وخاطرة ..فشعرتُ بضآلة ما
أكتبه أمام ما تقوله ، وبتصاغر ما كنت أعظمه من أفكاري ، أمام هدير شلال من
الوعظ الرقيق الذي تأتي به فيلامسُ كلّ قلب .
طبيبة للروح هي ، تغسلُ كلماتها جراح الروح فتبرأ ، لديها منبرها الهادئ ،
وأسلوبها الداعي القويّ ، وحجّتها الصائبة ، ينطقها اللسان فيخترقُ قلوباً ،
ويزيّن مجلسها الإيمان فتخرج النساء منه بين باكية ومتأثّرة ، ومعاتبة لنفسها ،
ناقمة عليها لمعصية أو ذنب ، عازمة أن تقلع عنه فلا تعود ، وكلّ ذلك فضلٌ من
الله عليها ومنّة .
أتتني هذه المرّة تشكو بتواضعٍ عجز البيان ، وإحجام اللغة في التعبير ،
وفاجأتني وهي تقول : هنيئاً لكم يا معشر الأدباء سيل مدادكم ، هنيئاً لكم
أوراقكم ، محابركم ، سموّ فكركم .
قضيتُ حياتي في الدعوة ، فلم أوفّق إلى على عذب لغة تتقاطرُ شهداً كما تفعلون ،
وعمدتُ إلى بساطتي الفطرية المطلقة ، فما استطعت تسلّق سلّم البيان الذي إليه
تصعدون .!
واهتزّ الوجدانُ لمقولها ، ودمعت العينُ حزناً ، وقلتُ لها : لا يغرّنك البيانُ
وسحره ، فإنه سلاح ذو حدّين وكم قتّل البيان أناساً ، وكم أودى بهم إلى ضلال ،
سحروا بأقلامهم عقول الناس واستلبوا قلوبهم ، فأوردوهم إلى جهنم وهم يظنون أنهم
أتباع الحق وسادة الفكر والفهم .
ثم انظري إلى الأدب وتاريخه ، والأدباء وإبداعاتهم ، وأروع ما وصلوا إليه حتى
يومنا هذا ..
ستجدينهم بكل مواهبهم وإبداعاتهم وقدراتهم مساكين جداً ..
أجل .. إنهم حقاً مساكين أمام آية كريمة تبكي القلوب من رغبة أو رهبة ، فتخرّ
ساجدة خشية لله .
أو حديث شريف لنبي أعطاه الله مجامع الكلم وروعة البيان فكانت كلماته مشاعل نور
للأمة تقتدي بها إلى يوم الدين .
من قال أنكِ لستِ أديبة ؟ وأنت ترسمين معالم الحياة المشرقة عبر آية ، أو حديث
أو موعظة حسنة !
ومن قال أنكِ لستِ أديبة في التأثير ، وهاهي القلوب بفضل الله تستجيب !
ومن قال بأنكِ لست أديبة ، وأنتِ ترسمين في الأمة معالم حضارة وهدى ونور ..!
ابتسمت وقالت :
مادامت توحدت أهدافنا فلتكن توأمة في الفكر والتوجه ، وليكن بيننا الأديب
الداعية ، والداعية الأديب .
ولنسأل الله الإخلاص والقبول .