|
|
ليلةٌ قُربَ حكيم
! |
|
نور الجندلي |
وكأنَّ الأرضَ قد طُويت لي يا أمّي .. فصرتُ أقطعُ منها أميالاً بلمح البصر ..
كنسرٍ حرّ !
وكأنّ كنوز سليمان قد أظهرت نفسها أخيراً ، وكشفت عنها النّقاب فبات بين يديّ
الياقوتُ واللؤلؤ والمرجان !
وكأنّي مسافرةٌ إلى كونٍ غير مرئيّ ، أحلّق فيه كمخلوقٍ خفيّ !
أفتحُ أقفال المغاور البعيدة ، فتنطرح كنوزها بين يديّ .. وأختارُ منها قلماً
فضّياً ، ووردةً من نرجسٍ بريّ ..... ثمَّ أعودُ إليكِ !
آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة .. لعذرتِ اندهاشي ، وفرحتي ، ودموعي ..
لو تعلمين ماذا رأيتُ لفهمتِ سرّ البريقِ في عينيّ ..
انظريّ الآن إليّ وحدّقي ..... ستسعدين ..!
ألا ترين تحوّلي ، وتغيّر حالي ؟ لم تري شيئاً .. تعالي واقتربي .. سأخبركِ عنه
كلّ شيء !
ناداني بصمتٍ غامضٍ ... فهو حكيم .
يجيد لغة الكلام الصّامت ، والنداء الغامضِ من بعيد ..
ونظرتُ في عينيه فرأيتُ لغزاً ، حلماً لم أفهمه ، وما استفهمت ! بل سعيتُ لأبحث
عن معناه بكدّي ، فأجبته صمتاً في صمت .
كان نوراً يتلألأ قربي ، نظراته تحوي كلّ لغات العالم ، ولغاتٌ أخرى لم أعهدها
من قبل !
كلماته جاءت أخيراً مثل الغيث .. نديّة ، محمّلة بخصب الحياة وروحها .. وكم
انتعشت !
حركاته كانت قليلة ، فكأنها نداءات لأسبر باطنه بدهاء ، وبين الحركة والحركة
خيّم سكونٌ عميق.
آه ....... ما أبهى السكون برفقة حكيم !
نظر إليّ فعرف اسمي دون أن أنطق ! حاورني بأغلى ما يملك ، وكم حاولت أن أتسلّق
آفاقه ..
فقيرةٌ أنا يا أمّي وهو قويّ ..
طامعةٌ أنا به ، بكلّ مالديه ، وهو عظيم جداً .. سخيٌّ سخيّ .
جلس جواري فلم يملّ ، ساهرني ليلة .. ما أروعها ! وكم حاولتُ إبقائي متيقّظة ،
كي لا يفوتني من معانيه شيء !
قُبيلَ الفجر .. أرخيتُ رأسي على كتفيه ..
ومع الصفحة الأخيرة منه غفوت ..
أحلمُ بمملكتي الأسطوريّة ، أحلم بقصر شيّده لي على سطح القمر .. وعرشي اللؤلؤي
!
ولمّا صحوت .. كان قد غادرني ورحل !
لكنه لم يغادر عينيّ ..
دثّرني بغطاء حكمته ، وأفاض عليّ من نور علمه ، ودفق رعايته ..
آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة ؟!
لقد كنت قرب كتابي ... كنتُ قُربَ حكيم !
|
|
|
|
|