|
بسم الله الرحمن الرحيم
تقول البريطانية تانيا هوسو :" كنتُ أقضي في قيادة سيارتي في أمريكا مايقارب
الساعتين يومياً أقوم خلالها بإيصال الأطفال إلى المدرسة وإعادتهم بعدها ، فقد
كانت سعادة لي ألا يتكرر ذلك في الرياض ! ، ففي الليالي المظلمة لن يصيب المرأة
السعودية القلق من مهاجمة أحد وهي في طريقها إلى السيارة ، والأهم من ذلك كله
الأخذ في الحسبان اهتمام الإسلام بحماية المرأة ، فهل يخاطر أي أحد بإلقاء
المرأة لوحدها في الشارع ؟ ، فالأسطورة الغربية تقول:" إنَّ النساء السعوديات
مضطهدات ، ويخضعن للهيمنة الذكورية " ، وقد دهشتُ أشد الدهشة كيف استمر هذا
المفهوم الغربي غير الدقيق عن المرأة ، لقد آن للسعوديين أن يشرحوا للعالم مدى
احترامهم للمرأة وكيف أن الأسرة لها الأولوية " (المرأة السعودية رؤى عالمية ،
1429هـ ) .
آثرتُ الاستشهاد بهذه التجربة النسائية الغربية المنصفة ، و غير المؤدلجة ! ،
هذه المرأة الغربية عاشت الواقعين مابين قيادة السيارة وعدمها ، فاختارت عدم
قيادتها وكانت سعيدة لذلك ، موضحةً كيفية احترامنا للتكوين الأسري بحجر زاويته
المرأة السعودية ، في حين أننا رأينا بعض أبناء بلدنا يحاول تكريس تلك الأسطورة
الغربية لتي استشهدتْ بها " تانيا هوسو " أعلاه عن صورة المرأة السعودية في
الغرب ، إضافةً إلى حصره لحقوق المرأة في قيادتها للسيارة ! ، ولكن هل القضية
تتمثل في مطالبة لحقوق المرأة فقط ؟! ، أم أنَّها ستار لما هو أكبر من ذلك
بكثير ، وامتداد لثورات سابقة حاولت عبثاً أن تهدد أمننا " كثورة حنين " ؟!
و أذكر في هذا الشأن ماتناقلته وسائل الإعلام من ظهور لبرقيات دبلوماسية
أمريكية سربها موقع ويكيليكس ، تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد
مارست ضغوطاً على الحكومة السعودية للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة ،
ووصفت المملكة العربية السعودية بأنها "أكبر سجن للنساء في العالم " ، ونسبت
عبارة "أكبر سجن" إلى الناشطة السعودية وجيهة الحويدر التي كان الدبلوماسيون
الأميركيون في الرياض على اتصال بها ! ( الجزيرة نت ، 25/6/1432هـ ).
وقد صرحت قناة " العالم " الإيرانية أنَّ يوم ( 17 ) يونيو الموافق 15 / رجب ،
يوافق يوماً مقدساً لديهم ، ووصفته بأنه يوم لتحرير المرأة السعودية من السلطة
الوهابية ! ( 21/ 6/ 1432هـ ) .
أما صحيفة " نيويورك تايمز " فقد نشرتْ في تغطية لها عن القضية : " التغييرات
التي تجتاح العالم العربي تعد لحظة مناسبة للمرأة لأخذ زمام المبادرة ! ولكن
الحكومة السعودية تحركت بسرعة لإخماد حركة الاحتجاج في مهدها عن نساء يطالبن
بحق قيادة حملة مستوحاة من الانتفاضات في مختلف أنحاء العالم العربي تطالب
بالحريات الجديدة ، والحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات هو علامة على
أنَّ الحكومة لا تزال صامدة في وجه الهجمة الغربية على التقاليد السعودية !( 23
/ مايو / 2011م ) .
وقد حجبت إدارة شبكة التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " صفحة حملة " أبي حقوق ..
ما أبي أسوق " ، التي قامت عليها مجموعة من المثقفات السعوديات معلنات رفضهن
لقيادة المرأة للسيارة ، ومطالبات بإنشاء شبكة النقل العام ، وذلك في أول يوم
من تدشين الصفحة ! ( صحيفة سبق الالكترونية ، 26 / مايو / 2011م ) .
أما منظمة " هيومن رايتس ووتش " فقد أدانت القرار ضد قيادة النساء للسيارات في
17 يونيو ، مؤكدة أنه ينتهك التزامات السعودية بموجب القانون الدولي ، ولا سيما
المادة ( 2 ) من اتفاقية إلغاء كافة مظاهر التمييز ضد المرأة (سيداو) ، التي
صادقت المملكة العربية السعودية في عام 2000 م ! ، وأنَّ المادة (15 - 4) من
الاتفاقية تلزم الدول بالمساواة بين الرجل والمرأة في ذات الحقوق فيما يتعلق
بالقانون المتصل بحركة الأشخاص ! (23/ مايو / 2011م )
وقد نشرتْ صحيفة " الإندبنت " خبراً بعنوان : اعتقلت إمرأة سعودية بعد تحديها
لقانون حظر القيادة ، مؤكدة أنَّ النساء السعوديات المطالبات بالقيادة شنوا
حملات ضغط على الحكومة ! (23/ مايو / 2011م )
أما " منظمة العفو الدولية " فقد حثت على الإفراج عن منال الشريف ، وقال مالكوم
سمارت - مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية - :
"تواجه النساء في المملكة العربية السعودية التمييز الشديد بسبب نوعهن
الاجتماعي ! ، والحظر المفروض على قيادتهن السيارة يعد جانباً من القيود
المفروضة على حرية تنقلهن ، ولم يبقَ خيار أمام الناشطات النسائيات سوى اللجوء
إلى تحدي القيود ! ( 24 / مايو / 2011م )
هذا بالإضافة إلى عدد من الوكالات الإخبارية العالمية التي أفردت مساحة واسعة
لتغطية القضية ، كوكالة " فرانس برس" ، " بي بي سي " ، أسوشيتد برس ، " سي إن
إن " ، شبكة "بلومبرغ" الأمريكية ، وغيرها الكثير ، مما يدل على أنَّ هذه
المطالبات بقيادة المرأة للسيارة - في هذا الوقت المصاحب للأحداث السياسية
حولنا في المنطقة - إنما هو محاولة لإشعال الفتنة من الداخل ، ومحاولة عبثية
لإحداث انشقاق في صف الوطن ، وعلى الذين خُدعوا بالمطالبات الخاصة بقيادة
المرأة للسيارة أن يبادروا إلى رفضها في هذا الوقت ، انطلاقاً من المصلحة
الوطنية الكبرى ، لاسيما أنهم تغنوا بالوطنية مراراً ، عبر مقالاتهم ، ومنابرهم
الإعلامية المتعددة ، ووزعوا صكوكاً حصرية لها على من يرغبون ! ، فهذا وقت
إثبات وطنيتهم ، فأين هي ؟!
ولو نظرنا من زاوية أخرى ، فالقضية ليست في قيادة المرأة للسيارة ، بل المشكلة
الرئيسة تتمثل في ( تنقل المرأة) ، وقيادتها حل مطروح لتلك المشكلة ، ولكن ! هل
هذا الحل يعد آمناً للمرأة ، ويحل مشكلات تنقلها فعلاً ؟!
في هذا الشأن أذكر دراسة بريطانية طبقت على عينة من النساء السائقات توصلت إلى
أنّ ( 58 % ) منهن يتوفين قبل الأربعين ، و ( 60% ) منهن يصبن بأمراض نفسية ،
وقالت الدراسة : أنّ قيادة المرأة لا تليق ولا تتناسب معها (سياقة المرأة تقصر
العمر ، صحيفة عكاظ ، 3 / يناير / 2008م ) ، ولو انتقلنا إلى دول الخليج وهي
الأقرب لنا ثقافة ، وتكويناً ، ظهرت لديهم مشكلات كثيرة نتيجة القيادة ، وعلى
رأسها الطلاق ، والتفكك الأسري ، والأبناء غير الشرعيين ، ومن ذلك دراسة أجريت
في الإمارات أكدت على أنَّ نسبة الطلاق ارتفعت بعد قيادة المرأة للسيارة إلى (
60% ) ، وذلك نتيجة لشعور المرأة بعدم حاجتها إلى الرجل ، وهذا نمط خطير لعولمة
الأسرة ( الاستشاري كمال الصبحي ، قيادة المرأة للسيارة في السعودية – دراسة
تحليلية - ) ، وبالنظر إلى نسبة الطلاق لدينا في السعودية فقد ارتفعت من ( 19 %
) عام 1422هـ ، إلى ( 35 %) عام 1428هـ ، هذا والمرأة السعودية لم تقود بعد ؟!
بل وبحسب بعض الإحصاءات ، فالسعودية الدولة الأولى عربياً وعالمياً في تسجيل
أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق ، وذلك بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية (صحيفة
الاقتصادية ، 8/1/ 1432 هـ) ، وقد أكد تقرير الإدارة العامة للمرور أنَّ
المملكة تفقد يومياً (17 ) شخصاً نتيجة للحوادث المرورية، مضيفاً أنّ معظم
الحوادث تقع وقت النهار بنسبة (%62,04) (صحيفة الاقتصادية، 27/4/2010م ) .
و أطرح هنا تساؤلي بعد لغة الأرقام أعلاه : هل من المنطق أن نضيف ضحايا جدد على
الحوادث المرورية لدينا ؟! ، ولماذا تتجاهل الحلول الأكثر أماناً وسلامة للمرأة
كالنقل العام ؟! إضافة إلى فوائده الاقتصادية التي أثبتتها عدد من الدراسات
كدراسة النقل العام في أمريكا ( صحيفة الرياض ، 4/6/1430 هـ ) ، والدراسة
السويسرية التي أشار لها مدير دائرة النقل في أبو ظبي (الهاملي 24 /8/2008م ) ،
ومن تلك الفوائد : " تقليل الازدحام المروري ، وتقليل أعداد الحوادث المرورية ،
و خدمة ذوي الدخل المحدود ، وتقليل التلوث البيئي، وزيادة الانتاجية في العمل "
.
وختاماً : من التفاؤل في قضية قيادة المرأة للسيارة أنها لفتت انتباه الرأي
العام إلى بدائل أكثر أماناً ، وسلامة للمرأة تنطلق من دراسات علمية وتجارب
واقعية أثبتت نجاحها ، وكشفت للمخدوعين بها أنَّ هناك خيوطاً خفية لمن يحركها
ويقف وراءها ، وسقطت شعاراتها الرنانة المتدثرة بحقوق المرأة ، والمتحدية
للنظام الصريح من خلال تصرفات حمقاء !
* كاتبة وأكاديمية سعودية
26/6/1432 هـ