|
الحمد لله القائلِ في كتابه الكريم :
(( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض
فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن
عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله و
الله عنده حسن الثواب ))
كانت
تمشي في السوق مِشيةً مثيرةً متكسّرة ، مزهوّةً بقوامها و عباءتِها الجميلةِ
المُخَصَّرَةِ الجذّابةِ جداً ، والتي أبرزت معالِمَ جِسْمِها ، وأضفتْ على
قَوامِها نُعومةً ورِقّة .. ولا فُستان سهرة !! ، فمرّت بأختٍ لها من النساء
، فتحسّرت تلك الأخرى و هي ترى ما تلبّست به أختُها من معالمِ الفتنةِ و
الإغراءِ و جذْبِ الأنظار ، فخافت عليها من عقاب الله ، نعم .. خافت عليها من
عقابِ الله ، و أشفقت عليها من سَخَطِه ، فلم تستطع إلاّ أن تُبادِرَها
قائلةً لها : ( يا أختي .. يا أختي
تستّري ستر اللهُ عليَّ و عليك في الدنيا و الآخرة )
، فسبحان من أوقع كلامَها في سويداءِ قلبِ تلك المرأة ، فطأطأت رأسَها و قالت
: ( إلى هذه الدرجة !!؟؟ )
، قالت : ( إي و الله .. ألا ترين
نظراتِ الرجال ؟ ) ، فتلفّتت حولها
فما هو إلاّ كما قالت ، ثم التفتت إليها و قالت :
( أتدرين أنكِ أوّلُ واحدة تقول لي مثلَ هذا
الكلام ؟.. لا أمِّي ، ولا أبي ، ولا أَحَدَ من أهلي ، ولا حتى صديقاتي
قدّموا إليَّ هذه الملاحظة !! ) ،
(ربما استحوْا مِنْكِ ؟)
، (لا بالعكس .. هم ينتقدون بعض
الفساتين إللّي ألبسْها ، وبعضَ الألوان إللّي اختارها ، لكن العباءة .. ولا
مرّة .. ، حتّى اللِّي ما يَلْبَسون نوعيّة هاذي العباءة ولا مرّة قالوا شيْ
!! )
، ( تتوقعين إنّ هاذي العباءة حرام
؟؟) ،
( يا أختي أنا متأكّدة إنها حرام ..
لأن هاذي العباءة صُمِّمَت أصلاً لتُعطي إللي تلبسها نعومة وجمال وإثارة ،
وهاذي الأمور.. يجب على المرأة أن تسترها .. ولاّ تُظهِرْها وتمشي بها بين
الرجال ؟؟) ،
( لكن ..أنا ما أقصد إظهارها للرجال)
، ( أنا عارفة ياأختي ..لكن الأثم
أحياناً يكون على القصد السّيّء ، وأحيناً يكون على العمل نفسِه ولو لم يكن
القصد سيّء ) ،
( سبحان الله ..صحيح هذا الكلام ؟؟!!)
، ( نعم ، شوفي يا أختي .. ، هاذي
العباءة واللهِ ما فيها خير ، وما تجيب إلاّ الشرّ.. ، وأحلفْ لِك إنّ
الرِّجال ، يحترمون المرأة اللي تلبس عباية الرأس العاديّة ، أكثرْ من اللي
تلبس العباءة المخصّرة أوالمغربية أو مثلَها من أنواع العِبيّ ، حتّى الفسّاق
أهلُ المعاكسات ما يَجْرَئون على إزعاجها ، ثم لاتنسين ياأختي .. إنّ هناك رب
، وحساب ، وجنّة ونار.. الله يجعلني وياكِ من أهل الجنة ، ويِبْعِدْني وإياكِ
عن أهل النار ) ،
( والله كلامِك صحيح ..الله يجزيكِ خير..
الله يجزيكِ خير ..استغفر الله العظيم وأتوب إليه ، استغفر الله العظيم وأتوب
إليه )
(
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق
يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من
الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين)[
83 ، 84 المائدة ]
أختي الكريمة .. مشهدُ النّصيحةِ
هذا .. بوِدِّي لو يتكرّر ، بوِدّي لو تنصحُ كلُّ مسلمةٍ أختَها ، بوِدّي لو
تنصحين أنتِ كلَّ مسلمةٍ.. سواءً كنتِ امرأةً متزوجة ، أو كنتِ طالبةً في
المدرسةِ ، أو في الكلية ، تنصحين من ترين أنها تستدعي النُّصحَ من
أَخَواتِكِ المؤمنات ، فالمؤمنون والمؤمنات ، كما قال الله تعالى ، أولياء
يتعاونون على البر والتقوى ( و
المؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاةَ ويُطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن
الله عزيزٌ حكيم )
أختي العفيفة .. حتّى متى
نُسْرِفُ على أنفسنا ؟ ، استمعي إلى ما قالته أمُّ سلمة رضي الله عنها .. ،
قالت (استيقظَ النبيُّ صلى الله عليه
وسلم من الليل وهو يقول: لا إلهَ إلا اللّه!! ، ماذا أُنْزِلَ الليلةَ منَ
الفتن؟ ، ماذا أُنزِلَ من الخزائن ؟ من يوقظُ صواحبَ الحُجُرات؟
[ يقصِد زوجاتِه (صلى الله عليه وسلم)]
كم من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ
القيامة) ، ولاحظي لفظة ( كم من )
في قوله : (كم من كاسيةٍ في الدنيا
عاريةٌ يوم القيامة ) فهذه
اللَّفْظة تعني الكَثْرة ، يعني : أن النساءَ العارياتِ يوم القيامة كثيراتٌ
جدّاً ( نسأل الله السِّتْرَ والسلامة ) ، إذن فالمسألة ليست زِيّاً تلبسينه
وانتهى الأمر .. ، لا ، ليس بهذه البساطة !! ، هناك مراقبةٌ لكل فِعْل ،
وتسجيلٌ لكل حركة ، ومحاسبة ، وعقاب ، وثواب ، ولذلك .. انظري كيف كان إيمانُ
الصحابيات وشدّةُ تأثِّرِهِنَّ بالأحاديث ،
يقول الزُّهري :
وكانت هند بنتُ الحارث(رضي الله عنها) ، وهي التي روت الحديث عن أم سلمة ،
كانت لها أزرارٌ في كُمَّيْها بين أصابعها ، والمعنى ، أنها كانت تخشى أن
يبدو من جَسَدِها شيء بِسَببِ سَعةِ كُمَّيْها ، فكانت تُزرِّرُ ذلك لئلا
يبدوَ منه شيءٌ ، خوفاً من أن تدخلَ في قولِه (صلى الله عليه وسلم)
(كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة)
، .
قال
الحافظ بنُ حجر في شرحه للحديث : أنه (صلى الله عليه وسلم) حذّر النساء من
لِباس الرقيقِ من الثيابِ الواصفةِ لأجسامهن ، لئلا يَعْرَيْنَ في الآخرة ،
واخْتلَفَ العلماءُ في المُرادِ بقوله: «كاسية وعارية» ، وإن كانت المحصِّلةُ
وخيمةً على أيِّ حال ، اختلفوا على أوجه ،
أحَدُها :
كاسيةٌ في الدنيا بالثياب لوجود الغِنَى ، عاريةٌ في الآخرة من الثَّواب ،
لعدم العمل على طاعة الله وتركِ مساخطه في الدنيا ،
ثانيها :
كاسيةٌ بالثياب نعم .. لكنها ثيابٌ شفافةٌ أو رقيقةٌ أوضيِّقة تُبدي
مفاتِنَها ، فتُعاقَبُ في الآخرة بالعُري جزاءً على ذلك ،
ثالثها :
كاسيةٌ جسدَها ، لكنها تشُدُّ خمارَها من ورائها ، فيبدو صدرُها ، فتصير
عاريةً ، فتُعاقب في الآخرة ، الحاصل أنّ اللفظة.. وإن وَرَدَتْ في أزواج
النبي (صلى الله عليه وسلم) ، لكن العبرة بعموم اللفظ ،
قال العلماء :
فأراد (صلى الله عليه وسلم) تحذيرَ أزواجِه من ذلك كلِّه، وكذا تحذيرَ غيرِهن
مّمن بَلَغه ذلك ، ولذلك تقول أم سلمة (رضي الله عنها)
« لَمَّا نَزَلَتْ { يُدَنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الأنْصَارِ كَأَنَّ
عَلَى رُؤوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأكْسِيَةِ».
وهو ما حَمَل عائشةَ(رضي الله عنه) لأن تُثنيَ على نساء الأنصارِ بذلك وتقولُ
فيما ورد : (( إن نساءَ قريشٍ
لَفُضَلاء ، ولكني واللهِ ما رأيتُ أفضلَ من نساء الأنصارِ أشدَّ تصديقاً
بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، يعني لمّا نَزَلت آياتُ الأمرِ بالحجاب ،
بادرْن إلى الالتزامِ بالحجابِ كلُّهُنّ بلا استثناء مباشرةً دون تردد ، تقول
: ما منهن امرأة .. ما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها
[ وهو الكساءُ من الصوف ]
يعني استترْن بتلك الأكسية ، فأصبحن يصلين الصبح معتجِرات
[ أي بتلك الأكسية ]
كأن على رؤوسهن الغِربان» .
أختي
الكريمة .. أنا وأنتِ نتّفق أنّ اللهُ
تعالى هو الأعلمُ بعبادِه كما جاء في الآية:
( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض )
، فهو سبحانه يعلم ، أنّ المرأةَ هي أضرُّ فتنةٍ على الرجال ، كما قال (صلى
الله عليه وسلم) : ( ما تركت بعدي
فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء ) ،
ولذلك صحّ أنه (صلى الله عليه وسلم) قال :
( المرأةُ عورة إذا خرجت
[ يعني من بيتها ]
استشرفها الشيطان ) [أي زينها في نظر
الرجال ليفتنهم بها ] ولذلك قال الأمام بن المبارك :
( المرأة عورة ، وأقربُ ما تكونُ إلى الله في
قَعْرِ بيتها ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.)
، واللهُ تعالى يعلم أيضاً ، أنّ من طبيعةِ الفسّاقِ والمنافقين أذيّةَ
النساء المفرِّطاتِ بالحجاب ، لأنّ الاستهانةَ بالحجاب ، أو بهيئةِ الحجاب ،
يدعو السِّفلةَ والفُسَّاقَ المتسكّعين في الأسواق والطرقات ، إلى التّعرُّضِ
و الأذى و النظر بشهوة ، وهذا من الفساد !! و الله لا يحبُّ الفساد ، فقال
تعالى مُرْشداً وآمراً : ( يا أيها
النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن
يعرفن فلا يؤذين [يعني من قِبَلِ الفُسّاق]
وكان الله غفوراً رحيما ) ، فكانت تلك
الاستجابةُ العظيمةُ من نساءِ الصّحابة كما وصفت أمُّ المؤمنين السيدة عائشة
رضي الله عنها .
أختي
العفيفة .. ونحن نسير نحو حالٍ أرشد ،
ومستوىً إيمانيٍّ أفضل ، سنقفُ أنا وأنتِ اليوم إن شاء الله تعالى وقَفَاتٍ
مهمّة ، ونحاول أن نتأمّلَ عند كلِّ وَقْفَة ، ونوضِّحَ بعضَ المفاهيمَ
والثّوابتَ المهمّة ، ثم نُقرِّرُ سويّاً [إن شاء الله] أهمّيّةَ العنايةِ
بها ، وهكذا نصنعُ عند كلِّ وقفة .. حتى نَصِلَ إلى بَرِّ الأمانِ.
الوقفةُ الأولى :
(عِلَّةُ الحياة)
طالما قرأنا قوله تعالى : ( وما خلقت
الجن والإنس إلاّ ليعبدون ) لكننا لم
نتأمّل بشكلٍ جاد في مدى مطابقة واقعنا لهذه الآية العظيمة ، ربما لو سألتُكِ
: ما العِلَّةُ من إيجادكِ في هذه الحياة ؟ لبادرْتِ قائلةً بكل بساطة:
لعبادة الله تعالى .. ، أليس كذلك ؟ ، أقول بلى هو كذلك .. ، لكنْ هذه
الإجابةُ السطحيّة ليست مقصودةً في هذا المقام ، فلسنا في مدرسةٍ ولا في
قاعةِ امتحان.. ، إذن ما المقصود من السؤال ؟ ، المقصود من السؤال هو استشعار
أبعادِ الإجابةِ الآنفة .. ، لعبادة الله تعالى ، استشعار مقتضياتِها ،
استشعار معناها الحقيقي ، استشعار الجانب العملي الواسع لمفهومِ العبادة .. ،
هل يا تُرَى يَقْتَصِرُ مفهومُ العبادةِ في أذهاننا على الصلاةِ و الزكاةِ
والصومِ والحج ، أم إنّ للعبادةِ مفهوماً أوسع ؟؟ ، ومَن أفصحُ وأصدقُ من
القرآن ليُجِيبَ على هذا التّساؤل .. يقول الله تعالى :
( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )
، لاحظي الجمع بين الصلاة والحياة ، صلاتي..ثم قال .. ومحياي ، فكلاهما للهِ
رب العالمين ، فلئِن تَبَادَرَ إلى الذّهن عند ذِكْرِ العبادة.. "الصلاة" ..
فلا تحْجِزِي دونها الحياةَ بأكْمَلِها .. فإنها أيضاً للهِ رب العالمين ،
الصلاةُ لله ، والحياةُ لله ، بل حتّى المماتُ لله!! ، والحياة ..
أختي الكريمة .. تشمل كلَّ نشاطٍ
تقومين به في حياتِكِ ، حتى إماطةُ الأذى عن الطريق ، الذي بعتبِرُهُ مُعظَمُ
الناس مُجرَّدَ سلوكٍ حضاريّ.. هو أيضاً لله ، أي أنّه عبادة كما صح في
الحديث ، بل حتى المشاعرُ وخوالجُ القلب كلُّها عبادات يجب أن تُصْرف لله
لاشريك له ، فالحبُّ والبغض ، والموالاة والمعاداة ، والخوف والرجاء ،
والرغبةُ والرهبة ، والخضوعُ والتوكل .. كل هذه المشاعرِ القلبية عباداتٌ
عظيمة ، وليس الصلاة والصوم فقط ، ويجب أن تكون كلُّها خالصةً لله ، ولا
تتصوَّري أنّ هناك تعقيداً أو صعوبةً في هذا المفهوم أو في ممارسته ،
أبداً..أبداً ..الأمر فقط يحتاجْ إلى حضور قلب ونيّة ، فمُمارسةْ هذا
المفهومِ الشّامل إذاً ، هي العبادةُ بعينها ، بل إنّ العبدَ
[وأقصدْ بالعبد ، الرّجُل والمرأة على حدٍّ
سَواء] العبد ، لا يكونُ عبداً حُرّاً
من كلِّ قيْد ، …حُرّاً من كلِّ قيْد ،
من كلِّ قيد أقول ..
، حتى يُجَرِّدَ هذه المشاعرَ القلبيةَ للهِ وحدَه لا شريكَ له ، فلا يجمع
بين المتضادّات في قلبه ولا في سلوكه ، فيزعُمُ إخلاصَ المحبةِ للهِ مثلاً ..
يقول : (أنا أحبُّ الله وحده لاشريك له ، وأنا مُخلِص في حُبِّي لربّي
[وإخلاصُ المحبّةِ أعظمُ عبادة] ثم بعدَ كُلِّ هذا التعبير الجازم والتأكيد
على محبّةِ الله.. يُجاهِرُ بمعصيته ..!! ، كيف؟ ، ويباهي بها .. ، ويُصِرُّ
عليها..كيف؟ ، أين إخلاصُ المحبَّةِ للهِ إذن ، أين ؟؟ ، لأن المتعارفَ عليه
.. أنّ مِن مقتضياتِ المحبّةِ الكاملةِ الخالصة .. طاعةَ المحبوب ، إذا
أحببتِ بإخلاص .. ما الذي تحرصين عليه ..؟ إرضاءُ من تُحِبِّين أم إسخاطُه ؟؟
، طاعتُه أم معصيتُه ؟؟ ، ثم بِناءً على محبّتِكِ لله .. من وماذا تحبين ؟ ،
فإذا كان الجواب : لأنّي أُحِبُّ الله ، فإنّي أحبُّ ما يحبّه الله !! ، ..
نقول هذا الكلام جميل ..!! لكن إذا كان في قلبِكِ مكانٌ للفسقةِ ، والعُصاةِ
المجاهرين بالمعاصي ، فتحبّين المطربة الفلانية ، وتُعجَبين بالمطرب أو
الممثّل الفلاني ، فينبغي مراجعةُ كلامِكِ السابق ، فالتناقض ، والازدواجيّة
بين ضِدّين أمْرٌ مرفوض ، فإنّ المُحِبَّ الصّادق ، لا يَخلِطُ في محبّتِه
بين حبيبِهِ ومن يُسخِطُ حبيبَه ، فالعبرة إذن ليست في محبّةِ اللهِ عزّ وجلّ
.. ، فكلٌّ يدّعي محبّةَ الله ، ولكنّ العبرةَ في محبَّةِ ما يُحِبُّ اللهُ
جلّ وعلا من الأعمال ، والهيئات[ أي الأشكال] ، والأقوال ، ... ولذلك امتحن
الله الناسَ رجالاً ونساءً بهذه العبادةِ العُظمى قائلاً :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم
الله) ، فالاتباع ، والخضوعُ لأمر
اللهِ ورسولِه ، هو برهانُ المحبّة ، وقال تعالى :
( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها
وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في
سبيله فتربّصوا حتى يأتيَ الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين )
، وواللهِ يا أختي .. إنّ السعادةَ الحقيقة ، لا السعادةَ الوهميةَ الآنيَّةَ
الخادعة..لا .. ، هذه يشترك فيها معظمُ الناس ، العصاة ، الفجرة ، بل حتّى
الكُفّار ، يضحكون مِلءَ أفواههم اليوم ، ويحسَبون أنّهم سُعداء .. ثم
يقطِّعُهُم البكاءُ من الغد !! ، لا ..لا.. ، أنا أتكلّم عن شيءٍ آخر ، أنا
أتكلّم عن السعادة الحقيقية ، سعادةِ الإيمان ، السعادة التي تجدينها عندما
تنفرِدِين بنفسِك ، ما معكِ أحدٌ إلاّ الله .. ، فَتَشْعُرينَ بسعادةِ
مناجاتِه والأُنسِ به تبارك في عُلاه ، ولا تجدين ما يُنَغِّصُ عليكِ هذا
الأُنسَ والانشراح من أنواعِ المعاصي ، ويتحقّقُ اتّصالٌ مُباشر بينَ قلبِكِ
وبين من تُحبِّين بكُلِّ صدقٍ وإخلاص ، اتّصالٌ مباشرٌ بين قلبِكِ وبين الله
، هذه هي السّعادةُ التي أعنيها ، السعادة الممتدّة عبر هذه الحياةِ القصيرة
إلى ما بَعْدَ هذه الحياة ، السعادة الأزليّة التي لا تنتهي ، لا تنتهي ، فهي
معكِ حيثُما كُنتِ ، وحيثُما تقلّبَ بِكِ الزّمان ، في السّرّاءِ والضّرّاء ،
في الغِنى والفقر ، في الصِحّة والمرَض ، إنّه السّرور الذي تجدينه في الحياة
، وأثناءَ الاحتضارِ عند توديعِ الحياة ، وبعد الموتِ وأنتِ لِوَحدِكِ في
القبر ، وعند النشور في يومِ العرْضِ الأكبر ، يومِ الحساب ، كما قال اللهُ
تعالى مُبشّراً : ( فأمّا من أوتي
كتابه بيمينِه فسوف يُحاسَب حساباً يسيراً وينقلِبُ إلى أهلِهِ مسروراً)
هذا السرور وهذه السعادة .. ، لا تتحقق إلاّ بتجريدِ العبوديّةِ كلِّها لله
تعالى كما ذكَرْتُ آنِفاً ، فالحياةُ الطّيّبة ، التي هي حياةُ الطُّمأنينة ،
وراحةِ البال ، وراحةِ الضمير ، لا يُمكِن أن تتحقق إلاّ بتجريد المشاعرِ
والأفعالِ لله تعالى ، كما قال تعالى :
( من عمل صالحاً ممن ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن
فلنحيينّه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )
، نعم .. حياةً طيبةً في الدنيا ، و حياةً أطيبَ منها في الآخرة ،
والآن أعود وأسأل ..
هل تصوّرتِ هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على السؤالِ المتقدِّم
، لمّا سألتُكِ فقُلْتُ: ما العِلَّةُ من إيجادِك ؟ فقلتِ : عبادةَ الله ، هل
تصوّرتِ هذا المفهومَ الواسعَ للعبادة لمّا أجبْتِ على السؤال ؟ ، فإن كانت
الإجابة ( لا..لم أتصوّر هذا المفهومَ الواسع ) فيلْزَمُكِ استدراكُ الخلل ،
واستكمالُ مفهوم العبادة بشكلٍ شاملٍ وعمليّ ، ومحسوس ، راجعي أختي ..راجعي ،
راجعي مدى مطابقةِ سلوكيّاتِك لما يحتويهِ قلبُكِ من مشاعرِ العبادة ، عسى
اللهُ أن يُعِينَكِ ويأخُذَ بيدِكِ ، .. وأمّا إن كانت الإجابة ( نعم .. كنت
أتصور هذا المفهوم ) ..فالحمد لله إذن ، ولْنَنْطلِقْ في طريقنا نحو التطبيق
العملي .. وهو السلوك ..
الوقفة الثانية :
( السلوك )
السلوك أختي الكريمة .. هو مصداق ما في القلب مِن أعمال ، ولأنّ أعمالَ القلب
أصلُ مَيْدانِها.. أصلُ مكانِها القلب ، فهي إذن خفيّة مستترة ، القلب .. لا
أحَدَ يستطيعُ أن يَشْهَدَ بما فيه من صِدْق ، وإخلاص ، ومحبّةٍ لله ، وخضوع
، ورهبة ، وخشية ، وتعظيم ، وغيرِها من الأعمالِ القلبية ، فالسبيلُ الوحيد
إذن لمعرفةِ قيامِ أعمالِ القلب هذه وحقيقتِها ما هي؟ .
هي
عَمَلُ الأركان ، عملُ الجوارح ، فالقلبُ إذا أخلص العبادةَ لله ، فاض ذلك
الإخلاصُ على أركان الجسدِ كلِّه ، فيتحرك الجسد بما يُمليهِ عليه قلبُ
المخلصِ المحبِ الله ، فالسلوك إذن .. ، ماذا تقولين ، ماذا تفعلين ، ماذا
تلبسين ، كيف تتعاملين مع نصوصِ القرآن وأوامرِ النّبيّ (صلى الله عليه وسلم)
وإرشاداتِه ، .. هذا السلوك ، هو انعكاسٌ حيٌّ ظاهرٌ محسوس لما استتر في
القلب من إيمان ، ومشاعر ، وتعظيم وإجلال لله تبارك وتعالى ، والآن .. هل
يُمكن أن تتصوَّري وجودَ صدْقٍ وإخلاص وحبٍّ لله ، ورهبةٍ وخشيةٍ منه ،
وتعظيمٍ له ، في قلْبِ من إذا غادرت البلادَ ، وهي على مَتْنِ الطائرةِ بعْدُ
، لم تَمَسَّ قدمُها الأرضَ التي هي مُسافِرةٌ إليها ، كان من سلوكِها أنْ
خلعت العباءةَ والحجاب ، ثم طوتْهُما ، كأن لم تكن بينها وبينَهما مودّة ،
وحشرتْهما في شنطتها ، كَمَنْ يُخْفي عَيْباً !! ، ثم خرجت أمام أعينِ الناس
مُسْفرةً عن كلِّ زينة !! ، أسألُكِ بكُلِّ أمانةٍ أُختي الكريمة ، هل يُمكن
أن تتصوَّرِي صدْقاً وإخلاصاً للهِ في قلْبِ من تسلُكُ هذا السلوك ؟؟ ، هل
يُمكن أن تتصوَّري تعظيماً للهِ وإجلالاً لأمره ونهيه في قلبِها؟؟ ، هل يُمكن
أن تتصوَّري حُبّاً لما يُحِبُّه الله في قلبها ؟؟ ، هل يُمكن أن تتصوَّري
ذلك ..
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ ربما *** غَطَّى
على عينيكِ فِكْرٌ أحمر
ولَرُبمَّا خدَعَتْكِ عَلمانيّةٌ *** ولَرُبمَّا أغراكِ ذِئبٌ أغــبر
أُختاه يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** وخنادقُ الباغينَ حولَكِ تُحفر
أو هكذا والحربُ تَضْرِبُ دَفَّها *** يُلقَى بيانُكِ بالسفور ويُنشَرُ
أو هكذا والملحدون تجمّعوا مِن *** حولِنا والطّامعون تجمهروا
أنسيتِ فاطمةَ التي لِحِجابها *** خَضَعَتْ فرنسا والعُصاةُ توتّروا
أنسيتِها .. أنسيتِ كيف تحدّثت *** عنها الوسائلُ كيف عَزَّ المَخْبَرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني قُدْوةً *** تدعو إلى إسلامِها وتُبشِّرُ
قد كنتِ أوْلَى أن تكوني للتُّقى *** رمْزاً يَجِلُّ به العَفافُ ويفْخرُ
أوّاهُ يا بِنتَ الجزيرةِ هكذا *** تتمرّدين لبِئسَ هذا المنظرُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تماسُكٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تدهْورُ
إنّ التِزامَكِ بالحجابِ تقدُّمٌ *** والسّعيُ في نزْعِ الحجابِ تأخُّرُ
ماذا نقولُ لكعبةِ الله التي *** بالثَّوْبِ طُولَ زمانها تتستّر
فَنَزْعُ الحِجاب ، والتّفريطُ في الالتزامْ بهيئةِ الحجابِ الرّبّانيّةِ
الشّرْعيّة ، هذا السلوكُ المَشين ، سلمكِ اللهُ منه ، سلوكٌ عمليّ .. ولا
يُمكن أن ينعَزِلَ السلوكُ عمّا يُكِنُّه القلب ، إذِ القلب .. هو الذي
يُفرِزُ السلوك ، هذه هي الحقيقةُ الناصعة مهما كابرَ المُكابِر ، وهو مصداقُ
قوله (صلى الله عليه وسلم) : ( ألا
إنّ في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه
ألا وهي القلب ) ، وأذكِّرُ هنا..
أننا قد اتّفقنا أنا وأنتِ من قبْلُ على مفهومِ العبادةِ الواسع والشّامل ،
وأنّكِ تَعينه وتفهمينه جيّداً ، القضية أختي ليست صلاة وصوم فقط ، لا .. ،
القضية أكبر وأبعدُ من ذلك ، إنّ العبادة تسليمٌ واستسلام ، تسليمٌ
بربوبيَّةِ الله.. أنّه هو الخالق ، الرّزّاق ، مالكُ كلِّ شيء ، له وحدَه
حقُّ الأمرِ و النهي كما جاء في الآية
( ألا له الخلق والأمر) ، هذا أوّلاً
، ومن ثَمّ .. ، استسلامٌ لأمره
(سمِعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )
وهذا ثانياً ، فالإستسلام ، الذي يعني السّمع والطّاعة ، هو نتيجةٌ حتْميّةٌ
لإيماننا الكامل بربوبيّته ، ولذلك .. تريْنَ اللهَ عزّ وجلّ يُقسِم بذاتِه
العظيمةِ جلّ وعلا .. ، يقسِمُ بذاتِه المقدّسة على هذا الأمر ، ولا يقسِمُ
اللهُ بذاته إلاّ على أمرٍ عظيمٍ جدّاً ، وهذا الأمرُ العظيم هو صِدْقُ
استسلامي واستسلامِكِ لأحكامِه وأوامرِه عزّ وجلّ ، قال تعالى :
( فلا وربِكَ [
ما الذي يُقسِمُ به اللهُ هُنا ؟ يُقْسِمُ بذاتِه سبحانه ]
فلا وربِكَ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً
مما قضيت ويسلّموا تسليما) ، وتأمّلي
أيّتها الفاضلة(أسْعَدَكِ اللهُ بطاعتِه) تأمّلِي في قوله تعالى :
( ويسلموا تسليما )
فلم يقل : ( ويسلّموا ) فقط ، لا.. ، بل أتى بالمفعولِ المطلق الذي هو
المصدرُ هنا ( تسليما ) والذي يفيد التّوكيدَ الجازم على فَرَضِيّةِ التسليم
لأحكام الله جلّ وعلا ، باطِناً وظاهِرا ، فقال مؤكِّداً وجازماً :
( ويسلّموا تسليما )
، وإنّ من التسليم للهِ تعالى ، أن تشعُرَ المسلمة بالحياءِ من اللهِ خالقِها
، تشعُر بالحياء باطِناً وظاهِرا ، فالحياءُ في أصلِهِ شعورٌ قلبيّ ، لكنْ
يظهرُ أثرُه على السّلوك بشكلٍ واضح ، الحياء .. يظهرُ أثرُه على السّلوك
بشكلٍ واضح ، وهو عبادةٌ عظيمةٌ جدّاً جدّاً ، بيّن ذلك رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) بقولِه : ( الحياءُ
والإيمانُ قُرِنا جميعاً فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخر )
، سبحان الله !! ..إذا رُفِعَ الإيمان رُفِعَ الحياء ، وإذا رُفِعَ الحياء
رُفِعَ الإيمان ، .. والآن
.. هل من الحياء أن تخرُجَ المرأةُ المسلمةُ الموحِّدة في حفْلاتِ الزّواج ،
أو أيَّةِ مناسَبَة ، بأزياء تكشِفُ مفاتِنَها أمام النساء ..؟؟ ، هل من
الحياء أن تخرُجَ بفستان قصير فوق الركبة ، وآخر مشقوقِ الجنبين يُظهِرُ
فخِذَيْها ، وآخر يكشِفُ صدرَها .. نِصْفَه أو أكثرَ من ذلك ، أو يكشِفُ كلَّ
ظهرِها ، أو تخرج بفستانٍ ضيّق يُحجِّمُ مفاتِنَها ، أو غيرِها من الأزياءِ
التي لا تليقُ بالمرأةِ العفيفة ، هل من الحياء .. الذي هو دليل الإيمان ..
أن تخرُجَ المرأةُ بمِثلِ هذه الأزياء ..؟؟ ، أَوَ هكذا تسوقُنا الأهواءُ
والشّهواتُ سَوْقَ النِّعاج..! ، نركُضُ وراء الموُضة بلا شعور !! ، نركضْ
وراءَها رَكْضَ العُميان !! ، نركض وراء الموُضة بلا اعتبار لدين ولا أخلاق
ولا حياء!! ، أين تميّزُ المسلمة
عن غيرِها من نساءِ الكُفْرِ والإباحيّة ؟
، أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، أمّ سلمة التي ينبغي أن تكونَ قُدْوةً لكِ
ولكلِّ مسلمة ، لمّا سمِعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول :
( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظرِ الله إليه يوم
القيامة ) ،
جاءت إليه تسألُهُ باهتمامٍ شديد ( فكيف
يصنعُ النساءُ بذيولهنّ [ أي بطرفِ الفستان أو الثّوب ] ، قال :
(يرخين شِبْراً )
، فقالت : ( إذن تنكشفُ أقدامهنّ !!) ، قال :
( يُرخين ذراعاً ولا يزدن )
، الله أكبر .. انظري .. ، انظري .. ، ما الذي أقلق أمَّ سلمة (رضي الله
عنها) ؟؟ ، انكشافُ القدمين !! ، ..كيف تنكشفُ القدمان .. هذا هو الذي أقلقها
؟!! ، ..هل لكِ أن تتصوّري حياءً مثْلَ هذا الحياء أختي المسلمة ؟؟ ، ولمّا
نعود إلى أصلِ الحكم الفقهي ، أقول : نعم .. ، نعم .. هناك من تحتجّ ببعضِ
أقوالِ العلماء مِن أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ أمام المرأة من السُّرّةِ إلى
الرّكبة ، وهو قولٌ مَبْنِيٌّ على أن الأصل ، اشتراكُ المرأةِ مع الرّجلِ في
الأحكام إلاّ ما خُصّت به المرأة ، فلمّا لم يأتِ بيانٌ خاصٌّ بالمرأةِ في
حدودِ عورتِها بالنّسبةِ للمرأة ، قاس أصحابُ هذا القولِ على الحكمِ بالنسبة
للرجال ، فقالوا : عورةُ المرأةِ أمام المرأة من السّرّةِ إلى الركبة أيضاً ،
وقيّد بعضُهم جوازَ النّظرِ بأمْنِ الفتنة ، يعني إذا لم يكن هناك فتنة ،
فيجوزُ لها أن تنظرَ سِوى ما بينَ السّرّةِ والرّكبة ، واستدرك بعضُ العلماء
على هذا القول بالتّفريق بين (حكمِ النّظر وحكمِ اللّباس) ، فقالوا : هناك
أحكامٌ للنّظرِ وأحكامٌ لِلّباس ، فجوازُ نظرِ المرأةِ إلى صدرِ المرأةِ
مثلاً ، لا يستلزِمُ جوازَ تكشُّفِها وارتداءِها ملابسَ الفاسقات ، فإنّ
التّشبُّهَ بالفاسقاتِ بِلُبْسِ ملابِسِهِنّ الخليعةِ الفاضحةِ ، حرامٌ
قطْعاً ، وإنّما أجزْنا النّظرَ لما تقتضيه حاجةُ المرأةِ من كشْفِ الثّديِ
للرَّضاعِ حالَ اجتماعِها بالنساءِ وما شابه ذلك ، وعلى أيِّ حال ..أختي
الكريمة ، فهناك قولٌ فقهيٌّ قويّ يذهبُ إلى أنّ حدودَ عورةِ المرأةِ
بالنّسبةِ للمرأةِ ، هي كما هي بالنّسبةِ للمحارم ، أي مواضعُ الزّينةِ مِن
جسدِ المرأة ، وهي كالتالي :
الشعر ، الذي هو موضعُ التّاج ، والنحر ، الذي هو موضعُ القِلادة ،
واليدان والذراعان حتى العَضُدَيْن ، موضعُ الخاتَم و الأَسورةِ والدُّملُج ،
والقدمان حتّى أسفلَ السّاقين ، موضِعُ الخَلْخال ، أمّا ما وراءَ هذه
الحدودِ ، فحرامٌ
كشفُهُ على الإطلاقِ ، سِوى للزّوج ، واستدلّوا على ذلك بالآيةِ الكريمة
(وقل للمؤمناتِ يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن ، ، ولا يبدين زينتهنّ [ أي زينتَهُنّ
ذاتَها ويأتي تَبَعاً مواضعُ زينتِهِنّ ]
إلاّ لبعولتِهِنّ أو آبائهِنّ أو آباءِ بعولتهِنّ
، ، إلى قولِه : أو نسائهن )
، فجَمَعَ في حدود ما يجوزُ أن تُبدِيَه المرأةُ من أجزاءِ جسدِها ، جَمَعَ
بين المحارمِ والنساءِ ، فحُكْمُهُما واحد ، .. ولذلك نرى نهْياً من الرّسولِ
(صلى الله عليه وسلم) للرّجالِ أن يسمحْنَ لزوجاتِهِنّ أن يدخُلْنَ الحمّامَ
الخاصّ بالنِّساء [ والمقصود : هو ذلك الحمّامُ الجماعي الخاصّ ، إمّا
للرجالِ أو للنساء ، والذي يُخَصَّصُ في بعضِ البلاد من أجل غَسْلِ الجسد ،
أشْبَهَ بالحمام التُّرْكي ، ويُخْشَى أن يكونَ فيه كشْفٌ للعورات ] ، قال
(صلى الله عليه وسلم) : ( من كان يؤمن
بالله واليومِ الآخِر فلا يُدخِلُ حليلتَه الحمّام )
، رواه النَّسائي والتِّرْمذيّ وحسّنه ، وفي حديثِ أبي أيوبٍ (رضي الله عنه)
بلفظ : (من كان يؤمن بالله واليومِ
الآخِر من نسائكُم فلا يَدخُلِ الحمّام )
، وعن أبي المُلَيْحِ الهُذَلِيّ ، أنّ نساءً من أهلِ حِمْص ، أو من أهلِ
الشّام ، دخلْنَ على عائشةَ (رضي الله عنها) ، فقالت :
( أنتُنّ اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكُنّ
الحمّامات ؟! ، سمِعتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( ما مِنِ
امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجِها إلاّ هَتَكَتِ السِّتْرَ بينها وبين
ربِّها ) رواه التِّرمذيُّ وهو صحيح ،
فتلك الآية ، وتلك الآثار تدُلُّ على أنّ الحياءَ لباسٌ للمسلمةِ لا تنزِعُهُ
عنها ، سواءً أمام الرجال ، أو أمام النِّساء ، فالأزياءُ الخليعة التي
يلبَسُها بعضُ النساء ، أو كثيرٌ من النساء في الحفَلات ، ويتباهيْن بها
وبخلاعَتِها وتعريتِها لأجسادهن ، تناقِضُ الحياء ، ولا تليق أبداً بالمرأةِ
المؤمنة ، ..
ظاهرةٌ أخرى تتعلقُ بالسلوكِ النّابعِ من مقدار إيمانِ المسلمةِ بحديثِ
الرّسولِ(صلى الله عليه وسلم) ، إنّها ظاهرةُ السّفرِ بدونِ محرم ، فما هو
مقدارُ إيمانُكِ أختي المسلمة بحديثِ النّبيِ(صلى الله عليه وسلم) الذي يقولُ
فيه : ( لا تُسافرُ المرأةُ إلاّ مع
ذي محرم ) رواه أحمد والبيهقي بسندٍ
صحيح ، ولا تغترِّي أختي العفيفةُ ببعضِ الآراءِ الغريبةِ المُتساهلة ،
الآراءِ التي لا تستندُ إلى دليل ، كالرّأيِ الذي يُجيزُ للمرأة السفرَ مع
مجموعةٍ مأمونةٍ من النّساء ، فالحكمُ الشّرعي لا يؤخذُ من الآراءِ
العقلانيّة التي تَأَثَّرَ أصحابُها بضغطِ الواقع وكثرةِ الأهواء فحرِصَوا
على أن يُنشِئوا فِقْهاً يُناسبُ أمزجةَ النّاسِ ولو خالَفَ الدّليل ،
فالحكمُ الشرعيّ لا يُؤخَذُ من تلك الآراء ، أُختي في الله ..إنّ الأمرَ دين
، والدِّين .. هو أعظمُ وأغلى شيءٍ يملِكُهُ الإنسان ، فلا يُؤخذُ مِن أصحابِ
المناهجِ التي ترى أنّ التّيسيرَ ، في قولِه(صلى الله عليه وسلم) :
( يسِّروا ولا تُعسِّروا )
هو في اتّباعِ الأقوالِ الضّعيفةِ والآراءِ الشّاذّة ، هؤلاءِ لن يرفعوا عنكِ
الإثمَ باتّباعِكِ لأقوالِهِم ، وإنّما يَعتصِمُ المسلمُ بالكتابِ والسنّةِ
في مثلِ هذه الأمور ولو خالَفَ رغبةَ النّفس ، ومِن ثَمّ يطلُبُ البراءةَ
لدينِه ، ولقد أعْفَىَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً من الجهادِ في
سبيل الله من أجلِ أن يُسافرَ مع زوجتِه إلى الحج ، ولو كان سفرُ المرأةِ
لوحدِها مع النساءِ مُباحاً لرخّص لها النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) في ذلك
، فعن ابن عباس: « أَنَّه سَمِعَ
النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ:
لاَ يَخْلُونَّ رَجَلٌ بِامْرَأةِ إلاَّ وَمَعَها ذو مَحْرَمٍ وَلاَ
تُسَافِرُ الْمَرْأةُ إِلاَّ مع ذِي مَحْرَمِ»
، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وإِنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ
كَذَا وكذا ، قَالَ:
« فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».
متفقٌ على صحّته ، فإذا كان الرّجلُ يُعفَى من الجهاد من أجْلِ السّفرِ مع
زوجته ، فكيف تُبيحُ المُسلِمةُ لِنَفْسِها السّفر بلا محرم بلا سبب أو لأدنى
سبب ؟ ، وإذا كان الشّارعُ قد نهى المسلمةَ عن سفرِ الطّاعةِ ، كالحج مثلاً ،
بدونِ محرم .. فكيف بغيرِهِ من الأسفار العادية للنُّزهة أو للزيارة ..؟ ،
جاءَ عند الداّرَقطني من حديث بنِ عبّاس أنه(صلى الله عليه وسلم) قال:
«لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا
زَوْجٌ» صححه أبو عوانة .
الحاصل
أختي الكريمة ، أن السلوك مهما
كان.. هو مِصداقُ ما في القلب مِن أعمال ، ولا يُمكن لأحدٍ أن يفرِّقَ بين
السلوك وبين ما يُكِنُّه القلب ، ولذلك جمع النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بين
الأمرين في ميزانِ الله تعالى فقال (صلى الله عليه وسلم) :
( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن
ينظر إلى قلوبِكم وأعمالِكم) رواه
أحمد ومسلم وبن ماجة ، (ينظرُ إلى
قلوبكم وأعمالكم).. إذن لا انفصال بين
عمل القلب وعمل الجارحةِ في ميزانِ الله تبارك وتعالى .
ألا
تتّفقين معي إذن أختي الكريمة ، في أنّ السّلوكَ .. هو مصداقُ ما في القلب
مِن أعمال؟؟ ، وأنّ كُلَّ عمَلٍ صغيرٍ وكبيرٍ تقومين به ، وكُلَّ مَظْهرٍ
تَخرُجين به ، بِحَسَبِ قُرْبِه أو بُعْدِهِ مِن دينِ الله .. إنّما هو
انعكاسٌ (حيٌّ ، ظاهرٌ ، محسوس) لما استتر في قَلْبِكِ من إيمان ومشاعرَ
حُبٍّ وتعظيمٍ وإجلالٍ لله تبارك وتعالى ؟؟ ، إذا قُلْتِ كلاّ لا أتّفِقُ
معَك !! ، قُلْتُ استعيني باللهِ ، واسأليهِ الهدايةَ والرّشاد ، وراجعي
كتابَ الله ، راجعيه ..فإنّه مليءٌ بالأدِلّةِ ، مليءٌ بالأدِلّةِ على هذه
الحقيقة ، أمّا إنْ كانت إجابَتُكِ : بلى أتّفِقُ معكَ ..[ وهو ما أتوقّعُه
إن شاءَ الله] قُلْتُ : الحمدُ للهِ .. عسى اللهُ أن يُثَبِّتَ قلبي وقلبَكِ
على الحقَّ ، فإنّ الثّباتَ على الحقِّ والاستقامةَ عليهِ نعمةٌ عظيمة ،
والثّباتُ على الحقّ ، يقودُنا للوقفةِ الثّالثةِ التي تُعْنَى بِرعايةِ
الحقّ وحِفْظِه ، ووِقايَةِ القلب مِن أسبابِ الزّيغِ والانحراف .. ،
الوقفةُ الثالثة:
(قُطّاعُ الطّريق ..!!)
ربما
سمِعتِ ، أو قَرَأتِ يوماً ما تحذيرَ البعضِ للمرأةِ المسلمة بأنّها مستهدَفة
.. ، فهل أنتِ فِعلاً مُستَهدفة ؟ ، وما معنى مُستهدفة ؟ ، وما الدّليلُ على
هذا الاستهداف ؟ ، أم أنّ موضوعَ الاستهداف ، كما يقول بعضُ كُتّابِ الصُّحف
وبعضُ المثقّفين ، موضوعاً وهمِيّاً لا حقيقةَ له ؟؟ ، ويُلحِقونَه بما
يُسمُّونه نظريّةَ المُؤامَرة !! ، .. فدعينا نتناولُ هذه التّساؤلات :
هل
أنتِ فِعْلاً مُسْتهدَفة .. وما الدّليل على ذلك؟
والجواب :
بدونِ فلسفةٍ طويلة ، ولا كلامٍ عَقْلانيٍّ فارغ ، هناكَ اسْتِهْدافٌ عام ،
وهناكَ اسْتِهْدافٌ خاص ، أمّا الدّليل على الاستِهداف العام ، فهو ما نطَقَ
به القُرآنُ الكريم وحذّر منه في أكثرَ مِن آية ، قال تعالى :
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ }. إنـما يدعو
حزبه ، يعنـي شيعتَه ، ومن تابعَهُ إلـى طاعته والقَبولِ منه ، والكفرِ
بـالله ، لِـيَكُونُوا منْ أصحَابِ السَّعِيرِ ، وقال تعالى :
{يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ
عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ
وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
، فنحن جميعاً مُستهدفون مِن قِبَلِ الشّيطانِ وأعوانِه ، بل إنّ القرآنَ
بَيّنَ هذا الاستهدافَ الشّيطاني على لسانِ عدوِّنا اللّدودِ ذاتِه لمّا قال
: {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي
لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن
شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }
، وهناك آياتٌ أُخرى كثيرةٌ مُشابهة لا يتّسِعُ المَقامُ لذِكرِها ، .. ثم
إنّ للشيطان أعواناً ، ولذلك حذّر النّبيُّ(صلى الله عليه وسلم) في أكثرَ مِن
حديث ، مِن أن يكونَ المسلمُ عوناً للشيطانِ على أخيه ، فيقول أحياناً(صلى
الله عليه وسلم) : ((لاَ يَنْبَغِي
أَنْ تَكُونُوا أعوانَ الشيطان)) ،
ويقولُ أحياناً أُخرى: ((لا تكونوا
عوناً للشيطان على أخيكم)) ، فإن كان
المُستَهْدِفُ في هذه الآياتِ هو الشّيطان .. فإنّ له[كما تقدّم] أعواناً مِن
الإنسِ هيّأهُم ، ثُمّ استخدمهُم لإعانتِه في تحقيقِ هدفِه ، سواءً علِموا
بذلك أم لم يعلموا ، والحقيقةُ أنّهم لا يعلمون .. إذْ أنّ ضلالَهم قد
اسْتفْحل فيهِم حتّى أعماهُم عن الحقّ فاجتنَبُوه واتّخذوا الباطل سبيلاً لهم
، بل إنّهم أصبحوا دُعاةً للباطل ، فكانوا بذلك أعواناً للشّيطان بالضّرورة ،
وهؤلاء هم أهلُ الأهواءِ والشهوات من الإنس ، قال تعالى :
(( إنّ الذين يحِبّون أن تشِيعَ الفاحِشةُ في
الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا
تعلمون )) ، وقال تعالى :
(( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً
عَظِيماً )) ، تلك المحبّة ، وهذه
الإرادةُ هما أصْلُ الاستهداف !! ، إنّهم يُحِبُّون أن تشيعَ الفاحشةُ في
أهْلِ الخير ، وإنّهم يُريدونَ أهلَ الخيرِ والطّاعةِ أن يميلوا عن طريقِ
الهُدى ميلاً عظيما ، إنّهم واللهِ .. يُرِيدُونَكِ أنتِ أن تَميلي مَيْلاً
عظيما!! ، وإنّهم كما ذكر (صلى الله عليه وسلم) مِن جِلدتِنا ، ويتكلّمون
بألسِنَتِنا ، وقد يُصَلُّون معنا ، لكنهم كما قال(عليه الصّلاةُ والسلام) :
((دُعاةٌ على أبوابِ جهنّم ، من أجابهُم
إليها قذفوه فيها !!)) ، هذا حَوْلَ
الاستهدافِ العام ، أمّا الاستهداف الخاصُّ بكِ ، حفِظَكِ اللهُ من الشيطانِ
وأعوانِه ، فدليلُهُ قولُهُ(صلى الله عليه وسلم) :
((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت
اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَان )) رواه
التّرمذيّ وبنُ ماجة وبنُ حِبّان ، وهو حديثٌ صحيح ، قال العلماءُ في
شرْحِهِم لقولِه ((استشرفها))
، أي : أي زيّنها في نَظَرِ الرِّجال ، وقيل أي نَظَر إليها ليُغْوِيَها
ويُغْوِيَ بها ، فأنتِ أيّتُها الأختُ الكريمةُ مُستَهْدفةٌ مِن قِبَلِ
إبليسَ وأعوانِه ، وإبليس يحاولُ أن يُفْسِدَ دينَكِ ، ويُفسِدَ دينَ
الرِّجالِ بكِ بِحُكْمِ الميْلِ الذي فُطِرَ عليهِ الرِّجالُ نحوَكِ ، ذلك
الميْلُ الذي قال اللهُ تعالى فيه :
(( زُيِّنَ للنّاسِ حُبُّ الشَّهواتِ مِنَ النّساء .. الآية ))
، فجاءت النِّساءُ في المُقدِّمة ، وذلك الميْلُ الذي حذّر مِنه النّبيُّ
(صلى الله عليه وسلم) في صورتِهِ المُحرّمةِ قائلاً :
«ما تركتُ في الناسِ بعدي فتنةً أضرَّ على
الرجالِ من النساء» رواه البخاري
ومسلم ، ومن هنا نُفسِّرُ استِخدامَ الشّرقِ والغرْبِ للنِّساءِ ، بل وكثيرٍ
من المسلمينَ مع الأسف ، استخدامَهُم للنساء [للغرضِ المادّي] ، في
الدِّعاياتِ لتسويقِ مختَلَفِ السِّلَع والمُنتجاتِ الصِّناعيّة ، سواءً كان
لها علاقةٌ بالمرأةِ أم لم يكُنْ لها عَلاقةٌ البتّة ، واستِخدامَهِم
للنّساءِ كذلك في أماكنِ الاستِقبال في المُستشفياتِ والفنادِقِ ، وفي
المطاعِم ، وفي المرافقِ السّياحيّة ، ومُظِيفات في الطّائرات ، وما شابه هذه
الأماكِن والأعمال ، يَقْصِدُون من وراءِ هذا التّوظيفِ جذْبَ الرِّجال
استِغْلالاً لذلك الميْلِ الفِطْريّ ، وكذلك نُفسِّرُ استِخدامَهُم لِصُوَرِ
النّساءِ لتسويقِ المجلاّت ، مع التّأكيد على اختيارِ الفاتِنةِ مِنهُنَّ على
صَفْحَةِ الغِلاف ، إلى آخِرِهِ مِن هذه الأغراضِ ، .. فالشيطانُ يستَفِزُّ
أعوانَهُ مِن الإنس لاستغلالِ هذا الميْل في تحقيقِ أغراضِهِم المادّية
التّجاريّة ، وبالتّالي يَفسُدُ المجتمعُ دينيّاً وأخلاقيّاً ، فأنتِ بلا
أدنى شكّ مُستهدفة فخذي الحذَر !! ،
نعم ..
، لقد أردتُ أُختي العفيفة
.. أن أستدِلَّ بكتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيِّه (صلى الله عليه وسلم) على حقيقةِ
هذا الاستهداف ، أوّلاً
، لأنّني أعلَمُ أنّهُما في نظري
ونظَرِكِ .. أعزُّ وأوثَقُ ما يُستَدَلُّ به ،
وثانياً
، حتّى لا أدَعَ مَجالاً لأهْلِ القِيَمِ والمَبادئ المادِّيّةِ ، المعارضين
لحقيقةِ هذا الاستهداف ، كي يتفلسفوا ، ويُنَمِّقوا كلاماً عقْلانيّاً لا
أصْلَ له مِن شرْعٍ ولا خُلُق ، نعم .. قد يكون أحدُهُم دكتوراً جامِعِيّاً ،
أو كاتِباً مشهوراً تتنازَعُ عليه الصُّحُف ، وقد يكون الآخرُ مُحَلِّلاً
اجتماعيّاً له في كُلِّ صحيفةٍ بَصْمة ، ولكنّ مبادِئَهُم وقِيَمَهُم ، وإنْ
كانت جميلةَ الإخراج ، وقريبةً مِن المَنطقِ المادّيِّ المُجرّد ، إلاّ أنّها
غريبةٌ على مبادئِ دين الإسلام ، وبعيدةٌ عن مقاصِدِ الشّريعةِ ، وإن كانوا
يتمسّحون بالدِّين في ثنايا كلامهِم ، بل إنّ قيمَهُم في كثيرٍ مِن الأحيان –
ولا أُبالِغُ إذا قلت – قيَمٌ مُنحرِفة ،
هؤلاء
.. هم الذين يُدمنون الدّعوةَ إلى خروجِ المرأةِ للعمل خارجَ بيتِها أجيرةً
عند الغير ، وليس لأعمالٍ مُعيّنةٍ خاصّةٍ بها .. لا ، بل حتّى للأعمال الّتي
لا تتناسبُ مع تكوينِ المرأةِ الجسَدِيّ ، والنّفسيّ ، والدّينيّ ، بدعوى
المساواةِ بالرَّجل وعدَمِ تعطيلِ نِصْفِ المُجتمع ،
هؤلاء
.. هم الّذين ينتَهِجون أساليب الغرْب في المُطالبةِ بِحقوقِ المرأةِ
المَهضومةِ هُناك ، المرأةِ الغربيّةِ المُستَهْلَكة ، الكادِحةِ كدْحَ
البهائم ، المرأةِ الغربيّةِ المُستَغلّة .. التي لا وليَّ لها ولا ناصر ،
إنّهم ينتهِجون أساليبَهُم ، فيطالبون أن يُتاحَ للمرأةِ المسلمةِ الكريمةِ
العزيزة هُنا ، ما أُتيحَ للمرأةِ الغربيّة هناك من حُرّيّةٍ بهيميّةٍ عمياء
، بلا تقديرٍ ولا أدْنى اعتبار لما تترتّبُ عليه تلك المُطالباتُ من مفاسدَ
شّرعيّةٍ قرّرها عُلماءُ أُصولِ الشّريعة ، لكنّهم
[ لمعرِفتِهِم بِفِطْرةِ الناسِ الدّينيّة
هنا في هذا المجتمعِ الكريم ]
يتمسّحون بالدّين في ثنايا كلامِهم ، كي يكونَ كلامُهُم أدْعى للقَبُول ،
كترديدِهم لعبارةِ " وَفْقاً لتعاليم
دينِنا الحنيف وشريعتِنا السّمحةِ " ،
ذرّاً للرّمادِ على عيون المغفّلين ، فهم يردّدون هذه العبارة ..ثمّ يُطالبون
بما يُناقِضُها..!! ، كمطالبتِهم بالسّماحِ للمسلمةِ بالسّفرِ بِمُفْردِها ،
أو المُطالبة بإقْحامِها في الرّياضة ، أو في السّياسة ، أو إلحاحِهِم
المستميت في مطالبتهِم بقيادَتِها للسيّارة ، أو ما شابه ذلك مِن المُطالباتِ
والآراءِ المُنحرِفة ، هؤلاء
.. هم الّذين يحتقرون دورَ المرأةِ
العظيمِ في رِعايةِ بيتِها وتَهْيِئتِه ليكونَ سَكَناً سعيداً لها ولزوْجِها
، أو لأهلِ بيتِها أيّاً كانوا ، هم الذين يهزئون برَبّةِ البيتِ الّتي سخّرت
وقْتَها كاملاً للقيام بتلكَ المَهَمّةِ الفِطْرِيّةِ النّبيلة ، مَهَمّةِ
تَرْبِيةِ الأطفال ، وإنشاءِ الأجيالِ الصّالحة ، مَهَمّةِ رَبَّةِ البيتِ ،
التي استيقظ الغربُ وتنبّه إلى أهميّتِها بعد فواتِ الأوان ، وأصبح ينادي
العقلاءُ في أمريكا وأوروبا إلى عودةِ المرأةِ إلى هذه المَهَمَّةِ العظيمة
إنقاذاً للمُجتمع ، هؤلاء
..هم الذين يُقَلِّلونَ مِن شأنِ هذه المَهَمَّة ، بل ويعتَبِرون منْ قامت
بها رقْماً زائداً في قائمةِ بَطالةِ النّساء ، فالمرأةُ العامِلةُ في
نظَرِهِم ، هي الّتي دخلت سوقَ العمل فحسْب ، هي فقط المرأةُ الأجيرة .. تلك
التي تتقاضى راتِباً في مِهنةٍ ما ، وأقول أجيرة ، ليس تحقيراً لمفهوم
المِهنة بالنّسْبةِ للمرأة ، أبداً لا أقصِدُ هذا .. ، وإنّما أُحاوِل أنْ
أُعِيدَ المُصطَلَحاتِ الّتي ألِفْنا استِخْدامَها إلى أُصولِها الصّحيحة ،
لأنّ أجير ، أو أجيرة ، هو[ غالِباً ] المُصطَلَحُ المُستَخْدَمُ في الشّرْع
للأعمال المتبوعةِ بالأجْر ، وليس مُصطلَح [ عامل ] ، قال تعالى :
(قالت إحداهُما يا أبتِ استأجِرْه إنّ خير من
استأجرْت القوِيُّ الأمين )( قال إنّي أُريد أن أُنكِحَك إحدى ابنتيّ هاتين
على أن تأجُرَني ثماني حجج ) ، حتّى
كتبُ الفِقه تُطلِقُ على هذا النّشاطِ من نشاطاتِ الحياةِ لفْظَ الإجارة ،
تجدين في أبوابِ الفِقه ، بابْ الإجارة ، أو كتاب الإجارات ، أمّا لفظُ العمل
فقد جاء في القرآن بمعنى الطّاعاتِ ، أو السّيئات عُموماً ، كما قدّمنا أوّلَ
الكلام ، في قولِهِ تعالى: (( فاستجاب
لهم ربهم أنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى بعضُكم من بعض
)) ،
(( اعملوا آل داود شكرا ))
، (( فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره
ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره )) ،
فلفْظُ العملِ لأعمالِ الإجارةِ ، هو في الحقيقةِ مُعرّبٌ من اللّفظِ
الغرْبيّ ، لأنّ مُصطلح القُوى العامِلةِ المُنتِجةِ في مُفهومِ الغرْب ، لا
يدخُلُ فيه إلاّ الأفرادُ الّذين يتقاضون عن أعمالِهِم أجوراً مادّيّةً ،
وبالتّالي فإنّ المرأةَ الأجيرةَ ، التي تتقاضى أجْراً مادّياُ ، المرأة
الأجيرة في مفهومِ هؤلاءِ الّذين تربَّوا على أفكارِ وقِيَمِ الغرْب ، هي
المرأةُ المُنتِجةُ عِندَهُم نظيرَ مُقابلٍ مادّي ، هي المرأةُ التي تنفَعُ
وطَنَها فحسْب ، أمّا الأمّ العاملةُ في مجالاتٍ عظيمةٍ بدون انتظارِ أجْرٍ
مادّي ، كتلك المُنْهَمِكةِ في تربيةِ أولادِها ورِعايةِ بيتِها .. فإنّها لا
تُعْتَبَرُ امرأةً عاملةً مُنتِجةً نافِعةً للوطن !! ، بل هي في نظَرِهم ..
عُنصُراً مُعطّلاً!! ، ..
سبحان الله !! ، أيُّ مَسْخٍ
فِكْريٍّ يمارِسُهُ هؤلاء !! ، أيُّ إفسادٍ للعقولِ وللأخلاقِ وللقِيَمِ
يقترِفونه ، لقد بات كثيرٌ من النّساء من جرّاءِ هذا الطّرْحِ المتكَرِّر
والمُجْحِف ، لا يَريْنَ شيئاً يُحقِّقُ كيانَهُنّ ووُجودَهُنَّ سِوى الوظيفة
، أو بِعبارةٍ أخرى أجيرة ، حتّى لو كان مستواهُنَّ المعيشِيُّ بِدُونِ
الوظيفةِ مُسْتَوىً طيّباً ، لقد تكوّنت لدى المجتمِعِ نظْرةٌ مادّيّةٌ
مُخيفةٌ ، فإذا تخرّجتِ الفتاةُ ولم تتوظّف أجيرةً لدى الغير ، فيا
للمُصيبة.. ، ويا لَخسارةِ التّعَب ، وأصْبَحَتْ وظيفةُ الفتاةِ شُغْلاً
شاغِلاً ، ففي سبيلِ وظيفةِ البِنت .. يهونُ كلُّ شيء ، كلُّ شيء .. ،
فمِنْ أجْلِ الوظيفةِ
رُدَّ كثيرٌ مِن الشَبابِ المُتَقدِّمِ للزَّواج إذا تعارض الزّواج مع
وظيفتِها ، ومِن أجْلِ الوظيفةِ
زادت نِسْبةُ الطّلاق ، ومِن أجْلِ
الوظيفةِ ، ومُباشَرَةِ العملِ
فيها ولو كانت بعيدةَ المسافةِ ، مِئاتِ الأميالِ خارجَ المدينة ، أُزْهِقَتْ
كثيرٌ مِن أرواحِ النِّساءِ في حوادثِ السّياراتِ ،
ومِن أجْلِ الوظيفةِ
ضاعَ كثيرٌ من البيوت ، وانحرَفَ كثيرٌ مِن الأولادِ تحت إشرافِ الخادِمات ،
هذا هو نتاجُ النّفْخِ في هذا الموضوع الّذي ينفُخُ فيه هؤلاءِ المادِّيون ،
..
أختي
الكريمة .. ، لا تفهمي خطَأً بأنّي ضِدَّ عملِ المرأةِ أجيرةً في مجالاتِ
العملِ اللاّئقةِ بها كامرأةٍ مسلمة ، لا .. أبداً ، بل إنّ عمَل المرأةِ
خارِجَ بيتِها في بعضِ الحالاتِ يُعتَبَرُ مُهِمّاً وضروريّاً إذا لم تجِدْ
من يعولُها ، أو كانت هي بِذاتِها تعولُ والدَيْها أو بيْتَها ، لا سِيِّما
وأوضاعُ الأمّةِ الإسلاميِّةِ اليوم لا تَمنَحُ المرأةَ ما يجِبُ على
الأمَّةِ أن تمنَحهُ لها في ظِلِّ الحكم الإسلاميّ المُتكامل مِن توفيرِ
المعيشةِ الكريمة لها ، وسَتْرِها ، والمحافظةِ عليها مِن التّبذُّلِ خارجَ
بيتِها إن لم يكن لها وليٌّ مقتدِر ، فالمقصود أن ننظرَ إلى الموضوعِ
بتعَقُّل ، وبِنظرةٍ إسلاميّةٍ شرعيّةٍ متجرّدة ، لا بنظْرةٍ مادّيةٍ لا روحَ
فيها ولا مِزْعَةً مِن دين ، فأنا لا أقصِدُ بهذا الكلامِ إلْغاءَ توظيفِ
النّساء .. أبداً ، ولكنْ أقصِدُ كما قُلْت ، أنّه ينبغي أن ننظُرَ إلى هذا
الموضوع بنظرةٍ مُتَّزِنَةٍ ، نُقدِّمُ فيها المصالحَ الشّرْعِيّةَ في
المَقامِ الأوّل ، على المصالِحِ المادِّيّةِ ، الغرْبيّةِ القِيَم ، والتي
سيطرت على عقولِ هؤلاء القوم ، وهؤلاء أيضاً ..هم الذين يُحاولون التّأثيرَ
على المسلمةِ العفيفة ، بإبرازِ نماذِجَ شاذّةٍ لشخصيّاتٍ نِسائيّةٍ مسلمةٍ
في العموم ، لكنّ نظْرتَهُنَّ للحياة ، نظْرةٌ عَلْمانيّةٌ لا تُقِيمُ للدّين
ولا للشّرعِ وزْناً عند تحديدِ معالمِ المَنْهَجِ السّلوكيّ والأخْلاقيّ
للمرأةِ ، كالمُمَثِّلات ، والمُغنِّيات ، والمُذيعات ، أو مَنْ تقلّدْنَ
أيّةَ مناصِبَ تستلْزِمُ مُخالطةَ الرِّجال ، و قتْلَ الحَياءِ في المرأةِ
المؤمنة ، مناصبْ .. تستلْزِمُ هدْمَ الحجابِ الّذي أمَرَ القُرآنُ بإقامتِه
بين الرَّجُلِ والمرأة (( وإذا
سألتموهُنّ متاعاً فسألوهُنّ من وراءِ حجاب .. ذلكم أطهرُ لقلوبِكم
وقلوبِهِنّ )) ، هؤلاء أختي .. هم
الّذين ما يَفْتئَون يزْعُمون أنّ المرأةَ في هذه البلادِ مظلومة ، مُهانة ،
فما هو وجهُ الظُّلْمِ في نظَرِهِم يا تُرى ؟؟ ، هل هي العاداتُ الّتي لا
تَمُتُّ للإسلامِ بِصِلة ، العاداتُ التي تحتقِرُ المرأة ، وتعتبِرُها أمراً
مَعِيباً يخجلُ الإنسانُ حتّى مِن ذِكْرِه ، كما هو الحاصِلُ في عاداتِ بعْضِ
النّاس ؟؟ ، لا ..!! ، طيب هل هي العاداتُ التي تحرِمُها مِن الميراث ،
ويردِّدُ أصحابُها المقولةَ المشهورة " الحلالْ ما يروحْ لِلنِّسيب " كما هو
المعمولُ بهِ إلى الآن في بعضِ المناطق ظُلْماً وعُدوانا؟؟ ، لا ..!! ، ليس
هذا وجهَ الظُّلْمِ عندَهُم .. ولا أمثالَ هذا ، فإنّهم يعلمون أنّ الإسلامَ
هو أوّلُ المعارضين لهذه العاداتِ الجاهليّة ،
إذن .. فما هو وجهُ الظُّلمِ عندَهُم ، وما
هي أمثِلَتُه؟؟ ،
إنّ وجْهَ الظُّلْمِ عندَهُم
، هو في مَنْعِ المرأةِ مِن
السّفرِ لوحْدِها بلا محرَم ، فهل
يقصِدون أنّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ظلَمَ المرأةَ أم ماذا ..؟!! ،
لأنّه هو الآمرُ بهذا !! ، فقد صحّ عند الإمامِ أحمدَ وغيرِه قولُهُ (صلى
الله عليه وسلم) : ((لا تسافر المرأة
إلا مع زوجها أو ذي محرم منها)) ، وفي
لفْظٍ آخَر ، ((لا يَحِلُّ لامرأة
تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً إلا مع ذي رحم))
، .. وجْهُ الظُّلْمِ عندَهُم أيضاً
، هو في منْعِها مِن دخولِ عالمِ
الفنّ ، كالتمثيل ، والغِناء ، والموسيقى
، كما صوّر لنا الإعلامُ تلك المغنّيةَ ، التي حاول أخوها أن يمنعها من
الغناء .. ، صوّرَها الإعلام بصورةِ المرأةِ الجريئة التي تتحدّى الجميع ،
الجميع .. حتّى أقاربَها!! ، وتكسِرُ جميعَ الحواجزِ في سبيلِ الفنّ ، فهل
رضِيَ اللهُ عن الرّجلِ الذي دخَلَ عالَمَ الفنِّ المُعاصِر فضْلاً عن أن
يرضى عن المرأةِ المسلمةِ أن تخوضَ في هذا العالمِ العفِن !!؟ ،
وجْهُ الظُّلْمِ عندَهُم
، هو في منْعِها مِن قيادةِ
السّيارة ، حتّى في ظِلِّ
انهيارِ النِّظامِ الأخلاقي الذي يعيشُهُ كثيرٌ مِن شبابِ الشّوارعِ اليوم ،
أولئك الذين لا يأمَنُ الإنسانُ من شرِّهِم على أهلِهِ وهو معهم في السّيارة
، فكيف والمرأةُ تقودُها لوحْدِها أو معها بناتُها الشّابّات (نسألُ اللهَ أن
يحفظَنا جميعاً) ، إنّ العاقلَ ، الذي ينظُرُ إلى واقعِ الشّبابِ اليوم ،
بنَظْرةٍ عقلانيّةٍ مادّية ، دعْكِ مِن الدّينيّة ، ليأنَفُ مِن هذا
التّوجُّهِ خوفاً على عِرْضِه ، فكيف إذا جمَعَ إلى ذلك نظْرةً دينيّةً واعية
، وليست قيادةُ السيّارةِ عندَهُم مقصودةً بذاتِها بِقدْرِ ما هي نقطةُ
البدايةِ التي لو تحقّقت ، لطالبوا بعدَها بما هو أكبرُ وأعظم ، .. هذه
المطالبٌ وأمثالُها ، هي الحقوقُ التي ينادون بها للمرأة .. ،
وإنّني أتعجّبُ أيتُها الأُخت
، أتعجّب مِن هؤلاءِ الذين يُطْلَقُ عليهِم مُثقّفين ، أتعجّبُ مِن
إصْرارِهِم على هذا النّوعِ المحدودِ ، والمعروف ، والمُتكرِّر من المطالِب ،
ومحاولاتِهِم المُستميتَةِ ، والمُتَكَرِّرةِ بِصورةٍ مُمِلّة ، ولسنواتٍ
عديدة ، لِجَعْلِ تلك المطالب واقِعاً مَرْئِيّاً ، .. أتعجّبُ مِن إصرارِهم
على تلك المطالبِ المُحَدَّدة ، وإغفالِهِم التّام ، وإهمالِهِم الواضح ،
للمطالِبِ الحقيقيّةِ الشّرعيّةِ والمُلِحّةِ للمرأة .. ،
إنّهم لم ينادوا
بحقِّها ، إنّهم لم ينادوا
بحقِّكِ أنتِ أختي العفيفة ، في
توفيرِ بيئةٍ أكْثَرَ أمْناً لكِ مِن اعتداءاتِ قُطعانِ الفَسَقةِ ، مِن
سِفْلَةِ الشّباب المُتسكّعين في الأسواقِ ، وعند مدارسِ البنات ، وفي
الطُّرُقِ العّامّة ، وفي المُنتزهات ، وخاصّةً في المُناسباتِ العاّمة ،
واحتفالاتِ الأعياد ، تلك الاعتداءاتُ التي هي آخذةٌ في الازديادِ بشكْلٍ
مخيفٍ في الآونةِ الأخيرة ، إنّهم لم ينادوا بحقِّكِ في توفيرِ البيئة الآمنة
لصَوْنِكِ وحِمايتِكِ مِن تلك القُطعانِ الهائجة ،
لأنّ
تلك الاعتداءاتِ ليست مشكلِةً كبيرةً عِندَهُم ، ولكنّ المشكلة هي في منعِ
المرأةِ مِن القيادة ، هذه هي المشكلة .. هذا هو الهَمُّ الأكبر !! ،
إنّهم لم ينادوا
بحقِّكِ في إيجادِ مُنتَزَهاتٍ خاصّةٍ للنِّساء فيها الألعاب والتّسالي
للأطفال ، تستطيع المسلمةُ فيها أن تخلعَ حجابَها بلا خوْفٍ مِن نظَرِ
الرِّجالِ ، وتُعْطَى بذلك الحُريّةَ الكاملةَ في التّنزُّه وتفريحِ أطفالِها
، إنّهم لم ينادوا
بحقِّكِ في ذلك .. بل
إنّهم يُعارِضون هذا النّوعَ مِن المُنتَزَهاتِ ، ويُؤكِّدون على أهمِيّةِ
الإبقاءِ على المُنتَزَهَاتِ مُختَلَطَة !! ،
إنّهم لم ينادوا
بحقِّكِ في إيجادِ مكتبات عامّةٍ خاصّة بالنّساء والأطفال ، كي تصحَبَ الأمُّ
أطفالَها الصّغارَ معها إلى تلك المكتبات ، فتستفيد ويستفيدون ، مع التّأكيد
على المادةِ النّافعةِ في تلك المكتبات ، والحِرْص على تكثيفِ التّرغيب في
زيارتِها من خلال الصّحُفِ ووسائلِ الإعلامِ الأخرى ، كي تكتسِبَ المرأةُ
العِلْمَ النّافع ، والثقافةَ الإسلاميّةَ الرّفيعة ، وتتربّى على حُبِّ
القراءةِ والاهتمامِ بالعلم ، وكذا يتربّى أطفالُها أيضاً ،
لم ينادوا
بحقِّكِ في ذلك ، لأنّ
ذلك غيرُ مهمّ .. الذي يهُمّ عندَهُم هو السّماحُ للمرأةِ بالسّفَرِ
لِوَحْدِها ، هذا هو شُغْلُهُم الشّاغل ، لتتمرّدَ على دينِها وأوامرِ
نبيِّها ، إنّهم لم ينادوا
بإيجاد حلّ جذري لموضوع العنوسة الذي يتزايد عاماً وراء عام ، والذي هو ناتجٌ
عن أسبابٍ عديدة ، منها المغالاةُ في المهور ، وجشعُ كثيرٍ من الآباء ،
إنّهم لم ينادوا
بحقِّ المرأةِ في معامَلَةٍ حسنةٍ مِن زوجِها ، أو من أبيها ، معامَلةٍ
خاليةٍ مِن الظُّلْمِ [كالاستيلاءِ على راتبِ الزّوجةِ ، أو الإبنة مثلاً]
وغيرِ ذلك مِن أنواعِ الظُّلم ، لم
ينادوا بِمَنْعِ ذلك الظُّلْمِ ،
ولم ينادوا
بِمَنْعِ الإهاناتِ المُتَنَوِّعةِ التي يتلقّاها كثيرٌ من النّساءِ من
أزواجِهِنّ ، كما يجري ذلك في كثيرٍ كثيرٍ مِن البيوت ،
إنّهم لم ينادوا
بحقِّها في رَفْعِ ذلك الظُّلْم ،
لأنّ هناك في نظَرِهِم ما هو
أهمُّ مِن هذه الأمور ، سخّروا له أقلامَهُم ، واسْتَجْمَعوا له فلسفتَهُم ..
، ما هو يا تُرى ؟؟
، إنّه إعادةُ النّظر في حُكْمِ غِطاءِ الوَجه للمرأة ، ودندنة طويلة .. ،
وأُطروحات مُتَكَلَّفة .. ، ونقاشات متنوِّعة .. ، وجهود .. ، واستحضار
لخِلافات فقهية .. ، ومُحصِّلةُ هذا كُلِّه ما هو ؟؟ ، ماذا يريدون في
النِّهاية ؟؟ ، يريدون أن ترفَعَ المرأةُ الغطاءَ عن وجهِها ، ..يريدون
سفورَ النّساءِ بوجوهِهِنّ في هذا البلدِ الكريم ، آخرِ مَعْقَلٍ للحجابِ
الكامل !! ، هذا هو الهدفُ الذي
يلهثون في سبيلِ الوصولِ إليه ، ويبذُلون في سبيلِ تحقيقِهِ هذه الجهودَ
المُضنِية ، ولن تنشرَِحَ صدورُهُم حتى ترفعَ المرأةُ المسلمةُ الغطاءَ عن
وجهِها ، ..حتّى المصالحُ العامّة ، والمهمّة ، التي تنفعُ المرأةَ ، لم
يلتفِتوا إليها لشِدَّةِ تركيزِهم على هذا الموضوع ،
إنّهم لم ينادوا
بِجِدّيةِ بحقِّ المرأةِ العاملة ، وبالذّات المُعلِّمة ، في إيجادِ فُرَصِ
عملٍ قريبةٍ مِن مدينتِها ، لا في مُدُنٍ أُخرى بعيدة ، حتّى لا تتغرّب
وتتعرّضَ للضّرر ، إنّهم لم ينادوا
بحقِّها في هذا المَطْلبِ المُلِحّ ، .. لا ..
لأنّهم
يصرُخُون هناك ، في وادٍ آخرَ بعيدٍ ، إنّهم مشغولون في طَرْحِ موضوعِ دخولِ
المرأةِ عالمَ الرِّياضة ، ..هذا هو المهم!! ، هذا هو حقُّ المرأةِ الضّائعُ
في نظَرِهِم !! ، إنّهم لم ينادوا
بحقِّ المرأةِ العامِلةِ خارجَ بيتِها بإجازةِ أُمومةٍ مُناسِبةٍ ، براتِبٍ
رمْزيّ ، أو بدونِ راتِب ، إجازة .. ليسَ لِمُدّةٍ شهرين أو أربعة ، وإنّما
كما نصّ القرآنُ في قولِهِ تعالى : (
وفِصالُهُ في عامين ) على مُدّةِ
العامين لِفصالِ الطِّفْلِ الرّضيع ، كي تتفرّغَ المُسلمةُ لأهمِّ عملٍ رفعَ
الإسلامُ بهِ شأنَ المرأة ، وجعَلَ الجنّةَ لأجْلهِ عندَ قدَمَيْها ، لتربيةِ
طِفلِها والعنايةِ به حقَّ العناية ،
لم يُناقِشوا
هذا الموضوع ، لم يناقشوا
حقّها في زمنِ تقاعدٍ مُبكِّرٍ يُناسِبُ طبيعتَها الأُنثويّة ، لحاجَتِها
للالتفاتِ لأولادِها [بنين وبنات] ومتابعتِهِم على أقلِّ حال في سِنِّ
المُراهقة ، لم يُطالِبوا
بالتّفريقِ بينَها وبين الرّجلِ في المُدّة ، لم يطالبوا بذلك لأنّه موضوعٌ
هامشيّ .. ، إنّهم
مشغولون في طرْحِ الموضوعِ الأهم ، موضوع ضرورةِ البِطاقةِ للمرأة ، وكأنّه
موضوع حياة أو موت ، إنّهم
مشغولون في حثّ المرأة على العمل كمذيعة في التلفزيون ، تخرج بوجهِها على
ملايين الرّجال ، ثم يمدحون الحالاتِ النّادرةَ مِن النّساءِ ، الحالاتِ التي
بِحمدِ الله ، تُعَدُّ بأصابِعِ اليدِ الواحدة ، مِمّن دخلْنَ مجالَ التّقديم
التلفزيوني ، ويُجْرُون معهنّ المقابلات ، وكأنّ ما هم فيهِ إنجازٌ فريد ،
وشجاعة ، واختراق لحواجزِ العادات والتقاليد ..!! ، ..
سبحان الله .. ،
آللهُ أمَرَ بهذا ؟؟
، كان الأجدرُ بهم
أن يناقِشوا حقَّها في ألاّ تعيشَ التّناقُض بين الإسلام والواقِعِ الإعلامي
المؤلم ، لكنّهم .. ، حفِظَكِ اللهُ مِن شرِّهِم ، على العكْسِ مِن ذلك ،
يستغِلُّون
بعضَ التّصريحاتِ الرّسميّةِ العامّة ، كتلك التي عقّبت على اتفاقيّاتِ الأمم
المُتّحِدة للقضاء على جميعِ أشكالِ التّمييز ضِدّ المرأة ، ليجُسُّوا
النّبْضَ لموضوعِ ضرورةِ استِحداثِ "فِقْهٍ مُعاصِر وجديد لقضايا المرأة"
ينسجِمُ مع مُعطَياتِ العصْرِ الحديث ، والعولمة ، وتغَيُّرِ الزّمان ، .. هذا
ما يحومونَ حولَه بلا مللٍ ولا كلل
، إنّ أقلَّ النّاسِ ذكاءً يُمكِنُهُ أن يلْحظَ فيهِم ذلك النّفَسَ
العَلْماني الذي لا يرى للشّرْعِ مُطلقَ الحقِّ في اتّخاذِ القرار في شئونِ
المرأة ، سبحان الله .. ما أهونَ
الشّرعَ في نفوسِهِم ، وما أشدَّ
حِرْصِهِم على تزْهيدِ النّاسِ في الشّرْع ،
وما أجْرؤهُم
على الخوْضِ في مسائلِهِ وأحكامِهِ التي لا تُعجِبُهُم ، وادِّعائهِم زوراً
وبُهتاناً أنّها ليست من الشّرْعِ وإنّما هي عاداتٌ وتقاليد يُمْكِنُ
الاستغناءُ عنها بكُلِّ سهولةٍ ، (حفِظَ اللهُ المسلمين من شرورِهِم) .
ذكرت
إحدى التّائبات في رسالةٍ لها (وقد تصرّفْتُ بالرّسالةِ قليلاً لطولِها) قالت
:
أختي الكريمةُ .. يا رعاكِ الله ،
إنّ قُطّاعَ الطّريقِ مِن شياطينِ الإنسِ
والجِنِّ كثيرون ،
كلٌّ منهم
مُتَربِّصٌ بك ، يُحاوِلُ أن ينتزِعَ قِطعةً مِن إيمانِكِ ،
كلٌّ منهم
يُحاوِلُ أن يُضْعِفَ الصِّلةَ بينكِ وبينَ ربِّك ،
كلٌّ منهم
يُحاوِلُ إن يُخرجَكِ مِن بيتِكِ ،
كلٌّ منهم
يحاولُ أن يَنزِعَ حِجابَكِ ، أو على الأقلّ .. أنْ يُفْقِدَهُ وظيفَتَهُ
التي شُرِعَ مِن أجلِها ، يُحاوِلُ أن يجعلَ حِجابَكِ زِيَّ إغراءٍ وفِتنة ،
يُحاوِلُ أن يجعلَ حِجابَكِ نِقْمَةً عليكِ ووبالاً يومَ القيامة ، بدَلَ أن
يكونَ رِفْعةً لكِ عندَ اللهِ وقُرْبةً إليه ،
كلٌّ منهم
يقومُ بهذه المُحاولاتِ ، بِشتّى الطُّرُقِ المغرية ، وبكُلِّ مَكْرٍ ودَهاء
، كلٌّ منهم
يُحاوِلُ أن يقْطعَ عليكِ الطّريقَ ، طريقَ الهِداية ، طريقَ الفوْز ، طريقَ
النّجاة ، .. فهناكَ مَن ذَكَرْتُ آنِفاً ، وهناك التليفزيون ، مغسَلَةُ
الأدمِغةِ والأخلاق ، ببرامِجه ، ومُسلْسلاتِه ، وأفْلامِه ، .. فيه نفْعٌ
ضئيلٌ يسير ، ومُعظَمُهُ شرٌّ مُستطير ، والبدائلُ مُمْكِنة ، ولكنّها ضعيفة
، وغيرُ مُقنِعة ، ولذلك فإنّها تستدْعي صبْرَكِ ، وتستدْعي عامِلاً مُهِمّاً
آخر .. بل هو الأهمّ ، تستدعي حُبَّكِ لِرَبِّكِ ، وقُرْبَكِ مِنه ، وتقديمَ
محابِّهِ ومرْضاتِهِ على أهوائكِ وشهواتِك ، ..إنّ
قُطّاعَ الطّريقِ كثيرون ،
فهُناكَ الرّفيقاتُ غيرُ الصّالِحات ، الرّفيقاتُ .. اللاّتي لا يزِدْنَكِ
مِن اللهِ إلاّ بُعْداً ، الرّفيقاتُ اللاّتي يفْتَحْنَ لكِ أبوابَ المَعصِية
ويُغْرِينَكِ بالدُّخُولِ فيها ، ويُزَيِّنَّ لكِ ما يُسْخِطُ اللهَ عليكِ
مِنَ الأزياء ، وأنماطِ السّلوك ، ويُنْسِينَكَ الحسابَ والعِقاب ،
فاحْذريهِنّ أشدَّ الحذر ، أشدَّ الحذرِ أقول .. واستبْدليهِنّ بالرّفيقاتِ
الصّالحات الصّادِقات ، حفِظَني اللهُ وإيّاكِ مِن سوءِ العاقِبة
(( ويوم يعضّ الظالمُ على يديه ، يقول
يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا * لقد
أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطانَ للإنسانِ خذولا ))
إنّ قُطّاعَ الطّريقِ كثيرون أختي
العفيفة ، فهناك البيئةُ حولَك ،
البيئةُ .. من الأهْلِ والمعارف ، وصعوبةِ الهدايةِ الرّاشِدةِ في أكنافِهم
أحياناً ، دون التّعرُّضِ للسُّخريةِ والغمْزِ والّلمْز ، فاصبري على ما
أصابَكِ مِن ذلك ، ..وهناك البيئةُ حولَكِ من اللّقاءاتِ غيرِ الهادِفة ،
التي تَكْثُرُ فيها الغِيبة ، ويكثُرُ فيها الحديثُ عن الدُّنيا ، وبُيوتاتِ
الأزياءِ والموضات ، والقيلُ والقال ، ولا يُذكَرُ اللهُ فيها إلاّ قليلا ،
البيئةُ المليئةُ بأنواعِ الحَفَلاتِ ، والسّهَراتِ ، والسّفْرات ،
ومُسْتَلْزماتِها مِنَ الزِّينة ، والفْخْرِ والخُيلاء ، وغِشيانِ الأسواقِ
بصورةٍ مُستَمِرّة ، والاهتمامِ الشّديدِ بالدُّنيا وزينتِها وزُخْرُفِها ،
وصرْفِ الأموالِ الكثيرةِ الكثيرةِ في هذه السّبيل ، البيئةُ التي تغرِقُكِ
في الغفلةِ ونسيانِ الآخرةِ ، ونُدْرةِ التّفكير في الموْت القريب ،
والتّفكيرِ في القبرِ ونعيمِه وعذابِه ، ونُدْرةِ التفكيرِ في الحسابِ
والعقاب ، والنّارِ والعذاب ، والجنّةِ والثّواب ، البيئةُ .. التي لا تزيدُ
قلبَكِ إلاّ قسْوةً فوقَ قسْوة ، هذه البيئة .. تقطعُ عليكِ الطّريقَ إلى
الله ، وتُنسيكِ الغايةَ مِن وجودِكِ في هذه الحياة والتي تحدّثنا عنها في
الوقفةِ الأولى ، .. هذه البيئةُ أختي العفيفة .. هذّبيها ، واعتدِلِي في
التّعامُلِ معها ، ولا تجعليها تَطْغى على حياتِكِ على حِسابِ الآخرة ، لا
تجعليها تَطْغى على حُبِّكِ لله .. ، لا تجعليها تَطْغى على حُبِّكِ لله ..
وأخيراً أختي العفيفة
.. احذري مِن قُطّاعِ الطّريق ، احذري منهم على دينِك ، وعلى عقلِكِ ، وعلى
أخلاقِكِ ، وعلى مبادئكِ العقَديّة ، واحذري مِن أن تكوني مُشارِكةً ، أو
موافِقةً لهم في أيِّ مُنكرٍ قوليٍّ أو عمليّ ، وقدّمي رِضا اللهِ على رِضا
النّاس ، واحرِصي أن تجعلي من حُبِّكِ للهِ ، وحُبِّكِ لما يُحِبُّهُ ويرضاه
، دافِعاً ، ووسيلةً لتغييرِ هذا الواقعِ لِيتَوَافَقَ مع هذه المحبّة ،
فتسْعدِي حينئذٍ ، ويَسْعَدَ مُجْتَمَعُكِ سعادةً حقيقيّةً في الدّنيا
والآخِرة ، إنّهم ، يا رعاكِ الله ، يريدون أن يجعلوا مِنكِ مِعْوَلَ هدْم ،
فكوني يَدَ بِناء ، وأبشري بعد ذلك بالفلاح ..
هذه
الوَقَفاتُ الثّلاثُ التي وقفنا عليها ، مهمّةٌ في حياتِك وحياةِ كُلِّ مسلمة
، .. قفي عندها مرّةً .. ومرّتين .. وثلاثَ مَرّات ، وتأمّلي طويلاً في
واقِعِ حياتِكِ مِن خِلالِها ، فإنّ العُمُرَ يمضي بسُرْعة .. فلا تدَعِيهِ
يمضي وأنتِ مِنه في غفْلة ، والموتُ يأتي بغْتة ، فاستعِدّي له مِن هذه
اللحظة.. ، أسأل اللهَ تعالى أن يهدِيَنا جميعاً سبُلَ السّلام ، وأن
يُخرجَنا مِن الظُّلُماتِ إلى النّور ، وأن يقِيَنا شرَّ كِلِّ ذي شرٍّ ، وأن
يُثبِّتَنا وإيّاكِ على الهدى حتّى نلقاه ، إنّه سميعٌ قريبٌ مُجيب … ، باركَ
اللهُ فيكِ ، والسّلامُ عليكِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه …
استمعي للموضوع من موقع طريق الإسلام