تعتبر قضية المرأة من قضايا التماس في الصراع الدائر بين الإسلام
والليبرالية ، وإن كان بعض الليبراليين يقول بأن الصراع ليس مع "
الإسلام نفسه " ، بل مع الإسلاميين ، او الاسلامويين الذين شوهوا هذه
العلاقة بين " المرأة " و " الإسلام " ، ومن ثم تبدأ عمليات " التجميل
" لتتوائم النصوص الشرعية مع الرؤية الليبرالية التي تحاول التوفيق
والموائمة بين المبادئ الليبرالية والتي تقوم في أساسها على العقلية
الوضعية المنطقية ، وبين تعاليم الإسلام ، لأنها ترى أنها في نهاية
المطاف سوف تصل إلى ما تريد من تمرير الأفكار الليبرالية ، والمحافظة
على الإسلام كمرجعية ثقافية وفكرية ..
إن المطالع لمجمل الطرح الليبرالي حول مسألة
المرأة ليجد أنه يغفل قضايا ضرورية في تصور مسألة المرأة باعتبارها
نصيفة الرجل ، ومشاكلته في اصل الخلقة ، ومن هذه القضايا :
أولا : عدم إقرار الفوارق الظاهرية بين
المرأة والرجل في الجوانب النفسية والعقلية والعضوية ، فالرجل مخلوق
يختلف عن المرأة وان كانا يتشابهان في الخلقة الاساسية ، وهذه قضايا
يشهد لها التاريخ والواقع ، بل والمعامل المحايدة التي لا تنتمي
للإسلام ، وهذا يقضي على مسألة المساواة بين الرجل والمرأة ،
واعتبارهما يختلفان عن بعضهما ، بل إن من الظلم الكبير المساواة بينهما
في الحقوق والواجبات لاعتبارات الفوارق ..
ثانيا : إغفال جانب " التماس العاطفي "
بين الرجل والمرأة ، ومحاولة التقليل من حالة " الانجذاب " بين الجنسين
، مع أن هذه قضية فطرية مركبة في النفس البشرية لا تستطيع التخلص منها
، ولا اغفالها ، ولذا جاءت نظرة الإسلام للمراة متوازنة في هذا المعنى
بين " الجاهلية " التي وأدت البنت مخافة العار وخشية الإملاق ، وبين
النظرة المتفسخة الحديثة التي تدعو لأن يترك للمرأة الحبل على الغارب
بحجة كونها انسانه لها حرية مطلقة ، وهذا يخالف العقل ، ويخالف تعاليم
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي حرمت الفواحش والعلاقات غير
المشروعة بين الجنسين ، حفاظا على النوع البشري ، لأن الله تعالى خلق
الناس شعوبا وقبائل ، ولا يتأتى هذا إلا بضبط العلاقة بين الرجل
والمرأة وشرعنتها حتى لا تنفلت الأمور وتقع الناس في الرذائل ، وهذا
مقصد شرعي كبير لقصر المرأة على الزوج ، وضبط العلاقات بين الرجل
والمرأة بحدود لا يجوز تعديها ، وان السماح للمرأة بممارسة العلاقات
يؤدي لا محالة إلى ضياع هذه المفاهيم ، وانتشار الرذيلة في الواقع ،
وفي تجربة الأمم خير مثال ، فوجب أخذ العبرة من الأمم وممارستها في
ترسيخ القيم السامية .. ومنها ضبط مسألة العلاقة بين الجنسين !
ثالثا : جعل إفرازات المجتمع الخاطئة
والتي اصبحت تراكمية عبر سياق تاريخي محدد طريقا للمنادات بالطرف
المقابل وهو الانفتاح غير المنضبط كردة فعل ، إو إلصاق هذه التصرفات
بالتربية الدينية، او الوعي الإسلامي ، ولا شك إن الاسلام كما أنه لا
يقر شعارات الجاهلية وطريقتها في التعامل مع المرأة ، فهو لا يقر كذلك
الاعراف وسواليف البادية التي تصنع القيم والاساليب في التعامل مع
المرأة ، وهذا لا يقضي كذلك على الرسوم والحدود التي حددتها الشريعة
للمرأة وألزمت بها ..
رابعا : محاولة الاصطدام مع القضايا
المسلمة في الشريعة ، فالله تعالى فضل الرجل على الأنثى بنص القران "
وليس الذكر كالأنثى " ، وقال : " وللرجال عليهن درجة " ، وقال : (
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من
أموالهم .. ) وهذا أمر متصل بالإرادة الالهية الكونية التي لا دخل
للرجل ولا للمراة في اختيارها ، فــ " الله يخلق ما يشاء ويختار " ،
والمصادمة مع هذه المسلمة يحرج أول ما يحرج المراة نفسها ، والتي تريد
أن تجعل نفسها في غير موضعها ، فالحكمة الالهية ونصوصه الربانية لا
يمكن أن تخالف سننه الكونية والتي جعلت من الرجل القائد للبشرية ،
بينما كانت وظيفة المرأة تكميل لمهمة الرجل ، ولا يعني هذا تفضيل آحاد
الرجال على المرأة ، فقد يوجد في النساء من هي افضل من آحاد الرجال ،
وإنما الأمر متعلق بالجنس .. ولا يعني هذا احتقار المرأة ، ولا التقليل
من شأنها ، فهي جزء في الحياة لا تقوم الحياة بدونها ، ولولا المراة
لما كان الرجل ، ولكن القدرات التي أودعها الله في الجنسين تختلف ، وان
كان في جنس المراة قدرات لا يسدها الرجل ولا كل الرجال ، والعكس كذلك
.. فليفهم هذا المعنى من هذا الباب ، حتى لا ياتي من يقول : سجل دليل
جديد على احتقار المرأة !!
رابعا : لا يوجد في الكون مبدأ استطاع إن
يوائم بين الجنسين وعلاقتهما بشكل يكفل حقوق كل واحد مثل " الإسلام "
الذي قرر خصائص الرجل والمرأة ، وشرع الشرائع لتكون متسقة مع الطبيعية
الخلقية للمرأة والرجل ، من جوانب الروح والجسد والوظائف الطبيعية .
خامسا : لا يجوز أن يقاس رأي الإسلام
بالمرأة من خلال رأي عالم او فقيه او اختيار فقهي حتى يؤصل من خلال
المرجعية الشرعية ( الكتاب والسنة ) ، حتى لا يلبس الإسلام قيما ليست
صحيحة ، او هي محض اجتهاد من عالم قابل للاصابة والخطأ ، وإنما المرجع
في ذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أجمع عليه الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم ، وهذا هو الذي يقال بأنه يمثل " الإسلام " في موقفه
من المرأة في مجمل قضاياها ، وحتى آراء العلماء فهي محل تقدير واحترام
إن كانت تستند على نص وخلاف مقبول ، وهم دائرة في ذلك بين الأجر
والأجرين ..!
سادسا : هناك من متطرفي الليبرالية من
يرى إن النصوص التي جاءت في الفقه الاسلامي هي نصوص " تاريخية " في زمن
محدد قد ولى ، ومثل هذا لا يناقش في بعض التفاصيل والفروع ، بل لا بد
إن يناقش في أًصل المنهج الفكري الذي يتبناه ، فمن العبث إن يناقش مع
الناس في الفروع وهو يخالف في المنطلقات والأصول ، وهؤلاء ليسوا هم
المقصودون في هذه الاشارات التي ذكرتها في السابق !
سابعا : إن إدراك حجم الحضور " الأنثوي "
في نصوص القران والسنة يدل على أن دعوى المجتمع الذكوري الذي يدعيه
البعض عار من الصحة ، فالقران رعى حقوق المرأة والله جعل في القران
سورا كاملة في المرأة وحقوقها وقضاياها ، والسنة النبوية طافحة في
مسائل المرأة ودقائقها وحقوقها وهي لا تخفى إلا على من يعرف النصوص من
خلال بعض النقاد الغير أمناء للإسلام وموقفه من المرأة ..!
ثامنا : يغفل بعض الليبراليين حين الحديث
عن " المراة " بأن كل الحقوق المقررة للرجل هي خطاب للمرأة سواء بسواء
، وكذا العكس ، إلا ما جاء خاصا بالرجل او بالمراة من الاحكام المتعلقة
بجنس دون الآخر ، وحتى العرب تفهم الخطاب الشامل حتى وان كان خطابا
للرجال من باب التغليب ، وكل أية فيها يا ايها الذين آمنوا ، ويا أيها
الناس هي عامة في الرجل والنساء ، ولعدم فهم هذه الحقيقة يرون الخطاب
المتعلق بالمرأة قليل بالنسبة للخطاب المتعلق بالرجل ، وما يؤتى الجاهل
إلا من خلال فهمه .. بل وسطالته !
وفق الله الجميع !