| 
  
  جالسني والأمل يحدوه للوصول إلى ما لاكه لساني من عبارات لم تتعود على أكثرها 
	أذنه .
 رأيت مسحة الغضب تعلو جبينه ، وعزوت ذلك لما رآى ، وسمع من تغير الأحوال ، وعوج 
	اللسان .
 حسبت أن كلماتي أعجزته وقد انصرفت بصيرته عما لاحظه من خرق في أحوالنا ، وتبدد 
	اتصالنا بأصولنا .
 خاطبته خطاب المثقف الواعي : أريدك أن تصحبني في رحلة في شوارع القاهرة ، أو 
	بغداد ، أو بيروت ...
 أريك ورق البردى، والمباخر ، والفــازات ، والخيام . وأنواع المقاهي ، 
	والاستراحات .
 نظر إليّ وعيناه تمتلآن بعلامات التعجب ، والاستفهام ، وقد توقف لسانه عن 
	الحركة .
 عندها انتابني شعور بالعُجب . أحسب أنه انبهر بما لدينا من ثقافة ، وعلم .
 قلت : أترى يا صديقي ما أصبحنا فيه من التقدم والحضارة ؟
 عندنا \"التلفاز \" و \" والدش \" و\" الفضائيات \" . صحيح أنها خلومن الثقافة 
	، والعلم ، لكنها تفخر بثلة من الممولين بالكلمات والألحان ، وجعلوا من كل عاطل 
	صاحب فن .
 قاطعني : أفيهم شعراء ؟ قلت: فيهم أهل الفن .
 قال وما الفن لديكم ؟ قلت : الغناء ، والألحان ، ورقص من كل الجهات .
 وقد ارتقينا وتقدمنا على كثير من العالمين في \" فن \" الفيديو كليب\" .
 قال أليس لديكم غير ذلك من الفن ؟
 قلت كــــثـير و.....
 قال لم تذكر الشعر . ألا تهتمون به كما اهتمت العرب ؟
 عندها أخذتني الغيرة ، وقد شممت في كلامه رائحة التعريض بجهلنا . فأحسست أنه 
	يضعف عروبتنا لمجرد اهتمام كثيرين منا بالهابط من الفن عن الأدب الجاد . ولأن 
	الفن عندنا صار معوجاً كاعوجاج اللسان .
 قلت له وقد احمر وجهي ، وعلت نبرة صوتي :
 لقد أصبح شعرك قديماً مع ما نسمع من أشعار العامية لدينا . وقد أغرقتنا ألسنتهم 
	بالحوليات والمعلقات .
 مع نوع آخر ليس له وزن ، متنكر لما عرفتموه من أصول .
 قال : أسمعني : قلت له ليس معي \" الكمبيوتر \" حتى أسمعك . فقد قل لدينا 
	الحفاظ قدر كثرة المرددين ،
 قال وما تعني بالكمبيوتر ؟
 قلت : جهاز صنعه أناس ليسوا ممن يتحدثون لغتنا ، ونحن نعتمد على لغتهم . لكننا 
	ـ بحمد الله ـ نستطيع تشغيله ، يستطيع أن يحكي لنا شعر أهل العربية من جيلك إلى 
	عصرنا الحاضر.
 قال عندكم ما يسهّل الحفظ لديكم ، واستحضار واستظهار شعر كل الشعراء ، ألا 
	تستطيع أن تنشدني شيئاً ؟
 بحثت في ذاكرتي عما سمعته أخيراً من الفضائية المفضلة لدي ، فما استقام لدي غير 
	الحب والغزل . فمددت رجلي ، واستقام ظهري ، وملأت رئتاي ، واستجمعت قواي وقلت : 
	اسمع .
 وأنشدته ، وجاء كله على غرار : زعزوعة يا زعزوعة ما لك حلوة وملطوعة
 وقفت الكلمات عند طرف لساني ، ومنعها الحياء . أدركت أنها نوبة من الخجل اعترت 
	الذوق .
 وضع يده على فمي ، ودعا لي ، فقد ظن أن بي مس من مرض .
 قلت له هذا ليس شعري ، إنه أنموذج مما تسمعه الملايين منا .
 أسمعت شاعرنا البسوم وقد عارض قصيدتك المشهورة بقوله :
 ولقد ذكرتك والحمار مشاكس فوق الرصيف وقد أتى الوابور
 حاول أن يسكتني ، انتفض انتفاضة العصفور بلله القطر ، غارت عيناه ، ارتعشت 
	أوصاله ، وقع ممددا على الأرض . أسرعت إليه ، سحبت بعض أصابعي نحو صدره ، 
	وعندها أدركت أن الهم أول المصائب .
 
 
 ابراهيم عبدالعزيزالمغربي
 الرياض
 
 
 
 |