صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







دليل الحيران
لأجوبة الشبهات الثمان
المتعلقة بإخلاص الدعاء للواحد الديان

ماجد بن سليمان الرسي

 
مقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد،
فإن الله خلق الجن والإنس ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ ، والعبادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك ؛ هي من العبادة لله .
وضد العبادة الشرك في عبادة الله ، بأن يجعل الإنسان لله شريكا يعبده كما يعبد الله ، ويخافه كما يخاف الله ، ويتقـرب إليه بشيء من العبادات كما يتقرب لله ، من دعاء وصلاة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك .
والدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة ، إلا أنه من أكثر العبادات التي شرّك الناس فيها بين الله وبين خلقه ، فإنك تجد - مع الأسف الشديد - كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام قد وقعوا في دعاء غير الله والاستغاثة بهم ، سواءً كانوا من الأنبـياء أو الصالحين ، كمن يقول يا نبـي الله ، أو يا عبد القادر الجيلاني ، أو يا بدوي ، أشكو إليك ذنوبـي ، أو نقص رزقي ، أو تسلط العدو علي ، أو أشكو إليك فلانا الذي ظلمني ، أو يقول أنا نـزيلك ، أنا ضيفك ، أنا جارك ، أو أنت تجير من يستجير ، أو أنت خير معاذ يستعاذ به ، أو ارزقني الولد ، أو قول القائل إذا عثر : يا جاه محمد ، يا ست نفيسة ، أو يا سيدي الشيخ فلان ، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تعلق وتوجه ودعاء لغير الله ، وبعضهم يكتب على أوراق ويعلقها عند القبور ، أو يكتب محضرا أنه استجار بفلان ، ثم يذهب إلى أحد المقبورين بذلك المحضر ليغيثه!
والذين يفعلون هذا عند القبور لديهم حجج يبررون بها ما يفعلونه ، ويزعمون أن تلك الحجج حجج شرعية ، ولكنها عند التمحيص العلمي لا تعدوا عن كونها شبها لا وزن لها ، إما أحاديث ضعيفة ، أو أحاديث موضوعة ، أو حكايات ومنامات ، أو أقيسة عقلية ، أو فهم قاصر للنصوص الشرعية ، ونحو ذلك .
ولو كان هؤلاء الداعون لأصحاب القبور عقلاء لحكموا الكتاب والسنة وتركوا ما عداها مما يصادمها ، لأن الكتاب والسنة لا يبطلهما شيء ، ولا ينقض دلالتهما شيء ، لأنهما من عند الله ، وكل ما خالفهما من الاقتراحات العقلية وغيرها فهو باطل لا محالة .
وفي هذه الوريقات ؛ ذكرت أهم الشبه التي يتعلق بها الداعون لأصحاب القبور وهي ثمانية ، وقد سبق أن أفردت شبهتين منها بالذكر في كتابين مستقلين ، لعظم البلاء بهما ، ولطول الإجابة عن كل منهما ، فأجبت عن كل شبهة في كتاب مستقل ، وفي هذا الكتاب نقلت الشبهتين والجواب عنهما برمتهما ، ليكون الكلام على جميع الشبه في مجموع واحد .
ثم ختمت البحث بملحقين ؛ الأول ذكرت فيه ضوابط علمية يحتاجها المسلم لمعرفة الشبه ، وسبل الوقاية منها .
والثاني فهرست ذكرت فيه جملة من ردود أهل العلم على من سوقوا بعض الشبه على المسلمين ، ليصرفوهم عن دعاء غير الله إلى دعاء غيره من أصحاب القبور وغيرهم ، وأغلب تلك الردود ألفت في القرون الثاني عشر وما بعده.
والله أسأل أن يوفق المسلمين جميعا لإخلاص العمل لله وحده ، وأن يجنبهم طرق الشرك والغواية ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


وكتبه ، ماجد بن سليمان الرسي
Readquran1000@hotmail.com
هاتف : 00966505906761
المملكة العربية السعودية
www.saaid.net/book
 



تأصيلات علمية بين يدي البحث
الدعاء عبادة


الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة .
وقد جاءت الأدلة في بيان عِظم شأن الدعاء فمنها :
حديث سلمان الفارسي عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حيـي كريم يستحيـي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين .[1]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء .[2]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .[3]
وقد جاء تصريح النبـي صلى الله عليه وسلم في أن الدعاء عبادة في قوله : الدعاء هو العبادة ، وقرأ }وقال ربكم ادعوني استجب لكم( إلى قوله )داخرين{ .[4]
وحصْر العبادة في الدعاء - وإن كان حصْراً ادعائيا - فإنه يدل على عظـم الدعاء وشرف مكانته ، وأنه لب العبادة وخالصها ، وركنها الأعظم ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة .[5]
كما سمى الله الدعاء عبادة في قوله }قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البـينات من ربـي{ ، وقال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، فعبر الله عن الدعاء بالعبـادة في الآيتين ، فدل ذلك على عِظم شأنه .
وقد سمى الله الدعاء ديناً كما في قوله تعالى }وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{.
فجعل الله سبحانه الدين بدلا من الدعاء ، وعرفه بالألف واللام التي تفيد  العهد ، فدل ذلك على أن الدعاء دينا ، وما كان دينا فهو عبادة .
وقد أمر الله بدعائه ، وكل ما أمر الله بفعله فهو عبادة واجبة أو مستحبة ، قال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، وقال تعالى ]ادعوا ربكم تضرعا وخفية[ .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء كما في قوله : فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى ، وأما السجود فأكثروا من الدعاء ، فقمـِِنٌ[6] أن يستجاب لكم .[7]
قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله[8] :
وكل ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة عند جميع العلماء ، فمن قال إن دعاء العبد ربه ليس بعبادة له فهو ضال ، بل كافر .[9]
فصل في الأمر بدعاء الله وحده والنهي عن دعاء غيره
القرآن والسنة يأمران بإفراد الله بالدعاء ، وينهيان عن دعاء غيره ، ومن ذلك قوله تعالى }ادعوا ربكم تضرعا وخفية{[10] ، وقوله تعالى }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض{[11] ، وقوله تعالى }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{[12] ، وقوله تعالى }واسألوا الله من فضله{[13].
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
وأما إفراد الله بالدعاء فجاء ذكره في نحو ثلاثمائة موضع منوعاً ، تارة على صيغة الأمر به ، كقوله }أدعوني استجب لكم{[14] ، }وادعوه مخلصين له الدين{ [15].
وتارة يذكره الله بصيغة النهي كقوله }فلا تدعوا مع الله أحداً{ [16].
وتارة يقرنه بالوعيد كقوله }فلا تدع مع الله إلـٰهاً آخر فتكون من المعذبين{[17].
وتارة بتقرير أنه هو المستحق للألوهية والتعبد كقوله }ولا تدع مع الله إلـٰهاً آخر لا إلـٰه إلا هو{[18].
وتارة في الخطاب بمعنى الإنكار على الداعي كقوله }ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك{[19].
وتارة بمعنى الإخبار والاستخبار }قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات{[20].
وتارة بالأمر الذي هو بصيغة النهي والإنكار }قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض{[21].
وتارة أن الدعاء هو العبادة ، وأن صرفَه لغير الله شرك }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة{ إلى قوله }وكانوا بعبادتهم كافرين{[22] ، }وأعتزلكم وما تدعون من دون الله{ إلى قوله }فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله{[23].
وفي الحديث : (الدعاء هو العبادة)[24] ، صححه الترمذي وغيره ، وقد أتى فيه بضمير الفصل ، والخبر المعرَّف باللام ليدل على الحصر ، وأن العبادة ليست غير الدعاء ، وأنه مُعظم كل عبادة[25] ، ونهى ألا يشرك معه أحد فيه ، حتى قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم }قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً{ [26] ، وأخبر أنه لا يَغفر أن يشرك به .[27] انتهى .
ومن أدلة وجوب إفراد الله بالدعاء ؛ حديث ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .[28]
فلو جاز سؤال غير الله لقال : واسألني واستعن بـي ، بل أتى صلى الله عليه وسلم بمقام الإرشاد والإبلاغ والنصح لابن عمه بتجريد إخلاص السؤال والاستعانة على الله تعالى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ .[29]
وقال رسول الله : إذا تمنى أحدكم فليستكثر ، فإنما يسأل ربه عز وجل .[30]
وقال تعالى ]يسأله من في السماوات والأرض[ ،  قال ابن سعدي رحمه الله: أي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو واسع الجود والكرم فكل الخلق مفتقرون إليه يسألونه جميع حوائجهم ومجالهم ومقالهم ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وهو تعالى (كل يوم هو في شأن) يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع آخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين ولا طول مسألة السائلين فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين ، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه .
 



{نص الشبهة الأولى ؛ شبهة الواسطة والشفاعة في الدعاء}

قال بعضهم : نحن مذنبون عصاة ، وبعيدون عن جناب الله ، فليس من اللائق بنا أن ندعوا الله مباشرة ، لأننا إن دعوناه مباشرة عدنا بخُفَّي حُنَين ، لكوننا مذنبون عصاة ، وإنما ندعوه بواسطة أناسا صالحين ، أقرب إلى الله منا ، يستجيب لهم إذا دعوه ، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا لنا لديه ، فنطلب حاجاتـنا من الله عن طريقهم ، ونقدم بـين دعائنا ذِكرهم ، ثم هم يرفعون الدعاء إلى الله ، عسى أن ينظر الله إلينا إكراما لهم ، ويجيب دعائنا مراعاة لخاطرهم ، فإذا احتجنا الولد أو سعة الرزق أو غير ذلك توجهنا لأولئك الصالحون بالدعاء ، ومن ثم هم يرفعون الدعاء إلى الله ، فلماذا تمنعون هذا النوع من الدعاء ، مع أن البشر يستعملونه فيما بـينهم ، كملوك الدنيا الذين يطلب الناس حاجاتهم منهم عن طريق الوسطاء من الحجاب والوزراء والمقربـين ، فلماذا لا نستعمله مع الله؟
والجواب عن هذه الشبهة من عشرين وجها :
الوجه الأول : أن دعاء غير الله شرك أكبر مهما كانت ذريعته ، توسط أو غيره ، والشرك محرم في جميع الشرائع ، وناقض لدين الإسلام بالكلية ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم )ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين(.
وهذه المسألة مجمع عليها عند علماء الإسلام قاطبة ، بما فيهم علماء المذاهب الأربعة وغيرهم ، فقد أجمعوا على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وإجماع المسلمين حجة شرعية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة .[31]
وفيما يلي ذكر طرف من أقوالهم رحمهم الله.
أما كلام الحنفية ؛ فقال الشيخ محمد عابد السندي الحنفي في كتابه « طوالع الأنوار شرح تـنوير الأبصار مع الدر المختار »:
ولا يقول : يا صاحب القبر ، يا فلان ، إقض حاجتي ، أو سلها من الله ، أو كن لي شفيعا عند الله ، بل يقول : يا من لا يشرك في حكمه أحدا ؛ اقض لي حاجتي هذه .
وبهذا قال من أئمة الحنفية المتأخرين الإمام أحمد السرهندي ، والإمام أحمد الرومي ، والشيخ سجان بخش الهندي ، ومحمد بن علي التهانوي ، ومحمد إسماعيل الدهلوي ، والشيخ أبو الحسن الندوي ، وشدد في ذلك .[32]
وللشيخ الدكتور شمس الدين الأفغاني رسالة عظيمة جمع فيها أقوال علماء الأحناف في إبطال عقائد القبورية ، وأسماها «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» ، تقع في ثلاث مجلدات ، نال فيها رسالة الدكتوراة العالمية .
وأما كلام المالكية ؛ فقال أبو بكر الطرطوشي في كـتاب « الحوادث والبدع » لما ذكر حديث الشجرة المسماة بذات أنواط : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البُـرء والشفاء لمرضاهم من قِـبَلِها ؛ وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها .[33]
وأما كلام الشافعية ؛ فقال ابن حجر الشافعي في « شرح الأربعين النووية » : من دعا غير الله فهو كافر .[34]
وقال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي رحمه الله :
وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعُباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات ، الذين قالوا )إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى( ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة ، كما هو المعهوم في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه خاصته .
والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله ، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى .
وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله .[35]
وأما كلام الحنابلة ؛  فقال الشيـخ تقي الدين رحمه الله لما ذكر حديث الخوارج :
فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام ؛ من مَرق[36] منه مع عبادته العظيمة ، فيُعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ، وذلك بأمور ، منها الغلو الذي ذمه الله تعالى ، كالغلو في بعض المشائخ ، كالشيخ عدي ، بل الغلو في علي بن أبي طالب ، بل الغلو في المسيح ، ونحوه .
فكل من غلا في نبي أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعاً من الإلـٰهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، بأن يـقول : (يا سيدي فلان أغثني ، أو أجرني ، أو أنت حسبي ، أو أنا في حسْبك) ؛ فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله أرسل الرسل ليُعبد وحده ، لا يُـجعل معه إلـٰه آخر ، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى ، مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصـالحين أو غيرهم ؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يدعونهم ، يقولون ]هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ ، فبعث الله الرسل تنهى أن يُدعى أحد من دون الله ، لا دعاء عبادة ، ولا دعاء استغاثة .[37] انتهى .
وقال أيضا : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[38]
وقال أيضا رحمه الله :
والمرتد من أشرك بالله تعالى ، أو كان مبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، أو ترك إنكار منكر بقلبه ، أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك ، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة .[39]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[40]
ونقله عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[41] من علماء الحنابلة في كتابه «تيسير العزيز الحميد» ثم قال :
نقله عنه غير واحد مقررين له ، منهم ابن مفلح في « الفروع »[42] ، وصاحب «الإنصاف»[43] ، وصاحب «الغاية»[44] ، وصاحب «الإقناع »[45] ، وشارحه[46] ، وغيرهم ، ونقله صاحب « القواطع »[47] في كتابه عن صاحب «الفروع» .
قلت[48]: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين ، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر ، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع أن دعاء الله عبادة له ، فيكون صرفه لغير الله شركا .
الوجه الثاني : أن اتخاذ الصالحين واسطة بـين العبد وبـين ربه هو فعل مشركي مكة الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء ، قال الله تعالى عنهم ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ ، أي : والذين اتخذوا من دون الله أولياء يدعونهم ما كانت حجتهم إلا دعوى أنها تقربهم إلى الله ، هكذا فسرها قتادة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عنه رحمهما الله في تفسير الآية الكريمة .
وقال تعالى )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله([49] ، قال ابن كثير رحمه الله: ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ولا يكون هذا أبدا ، ولهذا قال تعالى )قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض(. انتهى .
الوجه الثالث : أن الله لو كان يرضى بأن يتخذ الناس وسائط بـينهم وبـينه لاستفاض الأمر بذلك في الكتاب والسنة ، لأن إجابة الدعاء شأنها مهم ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين الوسائل الشرعية لإجابة الدعاء ، سواء المتعلقة بالأزمنة الفاضلة أو الأمكنة الفاضلة أو الأحوال الفاضلة ، ولم يرد عنه في شيء منها اتخاذ الصالحين واسطة ، ومن المعلوم أن كتاب الله فيه تبـيان لكل شيء ، والنبي صلى الله عليه وسلم علم أمته كل شيء ، حتى آداب قضاء الحاجة ، ثم تعلم الصحابة منه دين الله ، كما قال أبو ذر رضي الله عنه : (لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكَرنا منه علما)[50] ، ثم حُفظ هديه وهدي صحابته في العبادة – الذي هو خير الهدي - في كتب الحديث والأثر ، ولم يرد في شيء منها الحث على اتخاذ الصالحين واسطة في الدعاء ، بل الذي نجده هو خلاف ذلك تماما ، فالكتاب والسنة ينهيان عن دعاء غير الله بتاتا تحت أي ذريعة كانت ، وجاء فيهما وصف من فعل ذلك بالكفر عياذا بالله .
الوجه الرابع : لو كان اتخاذ الوسائط بين الله وبين خلقه جائزا لفعله الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم أحرص الناس على الخير ، ولفعله التابعون وأتباعهم ، أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية في قوله : (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم)[51] ، ولكن الذي نجده هو خلاف ذلك تماما ، فالصحابة رضوان الله عليهم والتابعون قد حلت بهم مصائب ، ودهمتهم نوائب ، وأصابهم القحط مرات ، ولم يرد عنهم أنهم اتخذوا وسائط يتقربون بها لتشفع لهم عند الله بكشف شيء من تلك الكروب ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من كبار الصحابة ، وما لم يكن في القرون الثلاثة دينا فلا يكون بعد تلك القرون دينا .
الوجه الخامس : ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط بين العبد وبين ربه في الدعاء ؛ إجماع العلماء على أن من جعل بـينه وبـين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا ، قال ابن تيمية رحمه الله : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[52]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[53]
وقد تقرر أن إجماع العلماء حجة شرعية ، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة . [54]
الوجه السادس : ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط أن فاعلي ذلك ينسونها إذا اشتد الكرب ، وهذا دليل فطري على سقوط تلك الواسطة وبطلانها ، إذ لو كانت نافعة حقا لاستمروا في دعائها ، قال تعالى )فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون( ، }قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بغتة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون{.
الوجه السابع : ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط أن طلب التشفع والتوسط في اللغة وفي الشرع يكون بأن يطلب شخص من غيره أن ينضم إليه ليتوسط له عند ثالث لقضاء حاجة ما ، أما الذين يفعله عباد القبور فخلاف ذلك تماما ، فإنهم يطلبون حاجاتهم من الواسطة نفسها ، فهذا يطلب الولد ، وذاك يطلب المدد ، وذاك يطلب الشفاء ، وذاك يطلب النصر على الأعداء ، فهم جعلوا الواسطة بمنـزلة من يملك قضاء الحاجة نفسه ، وهذا في غاية البطلان الشرعي والعقلي ، ولو أنهم عرفوا معنى التشفع لذهب الأول إلى الثاني وطلب منه أن يدعو الله أن ييسر له قضاء حاجته ، لا أن يدعوه نفسه أن يقضي حاجته .
الوجه الثامن : ومن أدلة بطلان اتخاذ الوسائط في الدعاء أنه ليس في صلاح الموتى ما يوجب اتخاذهم واسطة أصلا ، فصلاح الإنسان واستقامته وقربه من الله عائد نفعه على نفسه وليس على الناس ، فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة فمقتضاه أن يثيبه الله تعالى ويعطيه أكثر مما يعطيك ، وليس مقتضاه أنك إذا دعوته أن الله يقضي حاجتك بواسطة دعائك إياه أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله مباشرة.[55]
كذلك ، فلو أن صلاح المرء في حياته أو بعد وفاته يعود نفعه على الآخرين بمجرد اتخاذه واسطة ؛ لبـين ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم ، لأنه بلغ الدين ونصح الأمة .
الوجه التاسع :
أن قياس الله على ملوك الدنيا – كما جاء في الشبهة - باطل من جهة العلم ، فإن الملوك إنما احتاجوا إلى الوسطاء لأنهم لا يعلمون حاجات الناس إلا عن طريقهم ، ولهذا اتخذوهم وسائط ، أما الله فإنه يعلم كل شيء بدون واسطة تطلعه على ذلك ، فهو سبحانه يعلم السر وأخفى ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف لغاتهم على تـنوع حاجاتهم ، لا يشغله سمع عن سمع ، ولا يغلط من كثرة المسائل ، ولا يمل من إلحاح الداعين ، قال تعالى ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبـين[.
الوجه العاشر :
أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة التدبير ، فإن ملوك الدنيا لا يستطيعون تدبـير أمور رعيتهم وقضاء حوائجهم إلا بأعوان يعينونهم ، ولهذا اتخذوهم وسائط ،  أما الله سبحانه فإنه قيوم السماوات والأرض ، له الأمر كله ، وبيده مقاليد كل شيء ، قوي متين جبار ، ليس بحاجة إلى معين ، ولا إلى نصير ، قال تعالى ]وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل[56] وكبره تكبـيرا[ .
الوجه الحادي عشر : أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الغنى ، فإن ملوك الدنيا قد يقبل الواحد منهم شفاعة الوسطاء اضطرارا ، مع عدم إرادته لذلك وتثاقله له ، إما لحاجته إليهم ، أي الوسطاء ، أو تطيـيبا لخاطرهم ، أو خوفا منهم أن تـنقص طاعتهم له ، أو أن يغدروا به ، أو مكافأة لهم على صنيع صنعوه ، فلهذا اتخذوهم وسائط ، فيكون بذلك كارها أو مستثقلا أو مستحيـي لقبول شفاعتهم ، وربما لا يقبل شفاعتهم إلا بعد عناء وعسر ، لأنهم بشر ، والبشر صفتهم البخل والشح والتمنع والتكره ، وإن أعطى أعطى بحدود ، خشية نفاد ما عنده ، أما الله تعالى فغنيٌ كريم ، عنده خزائن السماوات والأرض ، لا يُكرثه شيء ، يريد نفع عباده بلا مقابل ، ورحمتهم بلا إكراه ، قال تعالى ]قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض[.
وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى ، أنه قال : يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَتقص المخيط[57] إذا أدخل البحر .[58]
وفي الحديث : إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة وليُـعظِّم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه .[59]
الوجه الثاني عشر : أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الملك ، فإن ملوك الدنيا لهم شركاء في ملكهم من وزراء وحاشية ونحوهم ، ولا يستطيعون تسيير الأمور بدون رضاهم ، فلهذا جعلوهم وسائط بينهم وبين رعيتهم ، أما الله فلا شريك له في ملكه ، بل هو يملك الشافع وغيره ، قال تعالى ]ولم يكن له شريك في الملك[ ، فالذي يجعل بـينه وبـين الله واسطة قد شبه الله بخلقه من هذا الوجه ، وهذا باطل .
الوجه الثالث عشر : أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل من جهة الرحمة ، وبيان ذلك أن الملوك بحاجة إلى من يلينهم ويعطفهم على رعاياهم عن طريق الوسطاء والمقربـين ، فلهذا اتخذوهم وسائط ، أما الله تعالى فليس بحاجة إلى ذلك ، فهو الرحمن الرحيم ، أرحم من الوالدة بولدها ، وهو الذي خلق الرحمة وجعلها في قلوب عباده ، فصار هذا يحسن إلى هذا ، وهذا يحسن إلى هذا ، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم ، وتسعة وتسعون ليوم القيامة .[60]
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله مناصحا أحد من قرروا دعاء غير الله :
إذا دعوت نبياً أو غيره ، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك ، أو يقدِر على سؤالك ، وأرحم بك من ربك ؛ فهذا جهل وكفر وضلال ، ولا حُجة لك على ذلك لا نقلاً ولا عقلاً ، ولا يحتج أحد بما هو بعينه حجةٌ عليه ، اللهم إلا من ابتُلي بسوء الفهم وفساد التصور .
وإن كنت تعلم أن اللهَ أعلم وأقدر وأرحم ، فلِماذا عدَلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ، وهو سبحانه القائل }أدعوني أستجيب لكم{ ، والقائل }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{ ؟[61]
فالحاصل أن قياس الله على ملوك الدنيا باطل ، بل هو كفر بالله العظيم ، لأن تشبـيه الله تعالى بخلقه يلزم منه رد خبر القرآن ، قال تعالى ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ ، قال نُعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمـهما الله : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها .[62]
وأخرج اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » عن إسحاق بن راهويه قال : من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم ، لأن وصف صفاته[63] إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول صلى الله عليه وسلم .[64]
وبناء على ما تقدم فإن دعاء غير الله يستلزم سوء الظن بالله ، وتنقص الداعي به في صفة العلم والرحمة والتدبير والغنى والملك ، وسوء الظن بالله من كبائر الذنوب ، ومما توعد الله عليه بالعقاب الشديد ، قال تعالى }الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا{ .
قال ابن القيم رحمه الله :
أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به ، فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كمالِه المقدس ، وظن به ما يناقض أسمائه وصفاته ، ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم ، كما قال تعالى }عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا{ ، وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته }وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين{ .
وقال تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لقومه }ماذا تعبدون * ءإفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين{ ، أي فما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ، وماذا ظننتم به حتى عبدتم معه غيره ؟ وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك لعبودية غيره ، فلو ظننتم به ما هو أهلُـه من أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه غني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه ، وأنه قائم بالقسط على خلقه ، وأنه المنفرد بتدبير خلقه ، لا يَشرََكُـه فيه غيره ، والعالِـم بتفاصيل الأمور ، فلا يخفى عليه خافية من خلقه ، والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين ، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه ، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم ، وإلى من يعينهم على قضاء حوائجهم ، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة ، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورةً ، لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم .
فأما القادر على كل شيء ، الغني بذاته عن كل شيء ، العالم بكل شيء ، الرحمن الرحيم ، الذي وسعت رحمته كل شيء ؛ فإدخال وسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلاهيته وتوحيده ، وظنٌّ به ظن السوء ، وهذا يستحيل أن يشرَعُـه لعباده ، ويمتنع في العقول والفِطر جوازه ، وقُـبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبيح .
يوضح هذا أن العابد مُعظِّم لمعبوده ، متأله خاضع ذليل له ، والرب تعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والإجلال والتأله ، والخضوع والذل ، وهذا خالص حقه .
فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره ممن لا يقدر على خلق أضعف حيوان وأصغره ، وإن سلبه الذباب شيئا مما عليه لم يقدر على استنقاذه منه ، قال تعالى }ما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون{ ، فما قدَرَ من هذا شأنه وعظمته حق قدرِه من أشرك معه في عبادته من ليس له شيء من ذلك البتة ، بل هو أعجز شيء وأضعفه ، فما قدَرَ القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل .[65]
وبناء على ما تقدم ؛ فإن دعاء غير الله يدل على قصور عند الداعي في فهم ما دلت عليه أسماء الله تعالى الحسنى : العليم ، الرحيم ، الرحمـٰن ، الغني ، الملك ، الغفور ، وغيرها من الأسماء والصفات .
الوجه الرابع عشر : يقال لمن قال إن عنده معاصي تحول بينه وبين إجابة دعاءه : إن الله سبحانه وتعالى الله أخبر بأنه يستجيب للعبد ولو كان عنده معاصي ، بل حتى لو كان كافرا ، لأن هذا من مقتضيات رحمته ، ورحمته تشمل المطيع والعاصي ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونها حجاب .[66]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا فجوره على نفسه .[67]
فإجابة الدعاء ليست محصورة بدعاء الرجل الصالح ، فإنه وإن كان دعاؤه أقرب للإستجابة من دعاء العاصي ، ولكن لا ينحصر فيه ، وإلا لما استجاب الله لدعاء أحد ، لأن كل ابن آدم خطاء كما أخبر بذلك النبـي صلى الله عليه وسلم بقوله : كل بني آدم خطاءون ، وخير الخطائين التوابون .[68]
الوجه الخامس عشر : ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه في الدعاء أن اتخاذ الواسطة يلغي العلاقة المباشرة بـين العبد وربه ، ويقطع الصلة بـينهما ، لكون فاعل ذلك قد وكَّّّل غيره ليقوم عنه بعبادة الدعاء ، فجعل بـينه وبـين الله حاجزا ، وهذا خلاف ما قصدته الشريعة الإسلامية من تقوية العلاقة بـين العبد وربه .
الوجه السادس عشر : ومن وجوه بطلان اتخاذ الواسطة أن فاعل ذلك قد حرم نفسه من خير كثير ، ألا وهو فرح الله بإقباله إليه ، وانطراحه بـين يديه ، واستعاض عن هذا بالانطراح بين يدي ميت ، ليس له من الأمر شيء ، ولا يقربه من ربه بشيء ، ومن المعلوم أن الله أشد فرحا من عبده بإقباله إليه ولو بلغت ذنوب عبده عنان السماء ، قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبـي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بـي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .[69]
الوجه السابع عشر: وفضلا عن كون دعاء غير الله شرك في العبادة ؛ فإن أولئك الوسائط لا تقوم بدعاء الله كما يظنه من يدعوهم ، لأنهم إما جمادات وإما موتى ، وكلاهما لا يعلم شيئا عن الحي ، ولا يستجيب له ، ولا يخدمه بشيء ، لا دعاء ولا غيره ، قال تعالى )وما أنت بمسمع من في القبور( ، وقال تعالى )إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ، فسمى الله دعاءهم شركا .
بل إن الميت يعتبر مضرب مثل عند الناس في عدم الاستجابة ، فواعجبا من حي سميع بصير يسأل ميتا حاجاته!
ولهذا قيل:

لقد أسمعت لو ناديت حيا   ولكن لا حياة لمن تنادي

الوجه الثامن عشر: ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد شفعاء ووسطاء بينه وبين الله تصريح القرآن بأن أولئك الشفعاء لن يشفعون لهم يوم القيامة ، بل ستتقطع بينهم الوصائل والعلائق ويتبرؤون منهم ، )ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون([70].
الوجه التاسع عشر: ومن وجوه بطلان اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه في الدعاء أن أولئك المدعوين من الأنبـياء والصالحين هم أنفسهم محتاجون لدعاء الأحياء واستغفارهم لهم ، لأن الميت قد انقطع عمله ، كما قال عليه الصلاة والسلام : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .[71]
فهذا محمد صلى الله عليه وسلم - أفضل البشر وأقربهم عند الله منـزلة - طلب منا أن نصلي عليه ، حيا وميتا ، والصلاة عليه هي الدعاء له بالرحمة ، قال صلى الله عليه وسلم : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تـنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[72]
وكذلك علمنا النبـي صلى الله عليه وسلم بأن ندعو له ولكل عبد صالح في السماء والأرض ، كما في دعاء التشهد في التحيات : السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين … الحديث.
ومن ذلك أيضا أن النبـي صلى الله عليه وسلم علم أمته أن يدعوا للميت بالرحمة والمغفرة في عموم الأحوال ، وفي صلاة الجنازة ، وبعد الدفن خصوصا ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتـنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبـيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحيـيته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده .[73]
وعن عثمان رضي الله عنه : كان النبـي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبـيت ، فإنه الآن يسأل .[74]
فإذا تقرر أن الميت بحاجة للحي ؛ فلا يصح إذن أن نطلب من الموتى شيئا من المصالح الدينية أو الدنيوية . 
الوجه العشرون والأخير: أن الاعتماد على مبدأ القياس لتسويغ اتخاذ واسطة بين العبد وبين ربه خطأ من خمسة وجوه:
الأول: أن عقول البشر قاصرة ، أما الشرع فإنه من حكيم خبـير يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، وما مثل العقل والوحي إلا كمثل العينين والنور ، فإذا كان عند الإنسان عينان ولكنه في مكان مظلم فانه لا يستفيد من عينيه شيئا ، بل هو كالأعمى تماما ، وكذلك العقل لا يستطيع أن يحكُم بنفسه إلا بنور الشريعة .
الثاني : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أنه لو كان بمقدور الإنسان أن يهتدي إلى الحق اعتمادا على العقل لاهتدى إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن عقله أكمل العقول ، ومع هذا فلم يهتد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي كما قال تعالى }وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان{ ، وقال تعالى }ووجدك ضالا فهدى{ ، وقال تعالى }قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربـي{ ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تجرد من حولِه وقوته الحسية والعقلية وردَّ نعمة الهداية إلى الوحي ؛ فكيف تحصل الهداية لمن هو دون النبـي صلى الله عليه وسلم بمجرد الاعتماد على العقل ، أو التشبه بالكفار الذين نص القرآن على أنهم ليس لديهم عقول ؟!
الثالث : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن مبدأ القياس لا يلجأ إليه العلماء دائما ، بل عند الضرورةً ، وذلك عند عدم وجود النص الشرعي المبـيِّن لحكم مسألة ما ، فعندئذ يلجأ العلماء إلى القياس ، أما مع وجود النص فلا ، وإلا فما فائدة النصوص الشرعية إذا كان القياس العقلي مقدما عليها ؟
وهنا النصوص الشرعية واضحة في النهي عن اتخاذ الوسائط ، بل إن إفراد الله بالعبادة هو أصل الدين وأساس الملة .
الرابع : إن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن كل قياس يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نصهما أو ظاهرهما ، أو يخالف إجماع ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ؛ فهو قياس فاسد الاعتبار لا يعول عليه عند جميع علماء المسلمين وفي جميع المذاهب الفقهية ، وقياس الله على ملوك الدنيا من الأقيسة الفاسدة قطعا ، لأن الله أبطله صراحة في القرآن في قوله )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( ، وقال )فلا تضربوا لله الأمثال( .
وقد شبَّّـه بعض العارفين حال من يعترض على الشرع بالشبه العقلية بحال من أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : (إن الوحي الذي تلقيناه منك ، والسنة التي تدلنا عليها ؛ فيها ما توافق عليه عقولنا وفيها ما لا توافق ، فسنأخذ منك ما وافق عقولنا ونترك الباقي) ، فهل هذا مؤمن ؟ قطعا لا .
وهذا إبليس - أعاذنا الله منه - عارض أمر الله له بالسجود لآدم لما اتبع رأيه الفاسد ، وقدم العقل على الأمر الشرعي ، فقال }لم أكن لأسجد لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين{ ، فهلك وأهلك عياذا بالله .
الخامس : أن معارضة نصوص الكتاب والسنة بالأدلة العقلية والأقيسة الذهنية باطل من جهة أن اتباع العقل والأعراض عن النقل هو أساس الضلال والكفر ، أما اتباع الوحيين فهو أساس الهدى والرشاد الذي دل عليه الكتاب والسنة .
قال ابن القيم رحمـه الله : وأصل كل فتـنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، والهوى على العقل .[75]
فالحاصل أن تقديم العقل على النقل[76] من أسباب الهلاك ، والواجب أنه إذا صح النقل شهد العقل وسلَّم وأذعن ، فإن الشرع قائم بنفسه ، سواء علمناه بعقولنا أم لم نعلمه ، كما أن الشرع مستغنٍ في نفسه عن علمنا وعقلنا ، أما نحن فمحتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا .
فمن كان له عقل كامل فليتبع الشرع ، ولهذا وصف الله المعرضين عن شرعه وحكموا عقولهم أنهم لا يعقلون ولا يتفكرون ولا يتعظون ، وكل هذه مرتبطة بالعقل .
فالواجب هو التسليم والاستسلام لله ، واتباع أوامره ، وعدم الاعتراض عليها بشيء من الأقيسة العقلية ، قال تعالى }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بـينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما{ ، وقال تعالى }وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبـينا{ ، وقال تعالى }وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون{ ، ففي هذه الآية نـزه الله نفسه عما اختارته عقول البشر ، وسماه شركا ، ووجه ذلك أن الذي يجعل عقله عمدة فيما يختار ؛ فهذا قد جعل له مرجعا آخر غير الشريعة ، وهو عقله ، الذي جعله شريكا لله فيما يأمر وينهى ، فالواجب الحذر .
قال ابن تيمية رحمـه الله تعالى : فعلى العبد أن يسلم للشريعة المحمدية الكاملة البـيضاء الواضحة ، ويسلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإذا رأى من العبادات والتقشفات وغيرها التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع ؛ عَـَلِِِم أن ضررها راجح على نفعها ، ومفسدتها راجحة على مصلحتها ، إذ الشارع حكيم لا يهمل المصالح .[77]
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن حجة غالب من يدعون أصحاب القبور أو غيرها من المعبودات ؛ أنها تقربهم وتشفع لهم عند الله ، والحق أن تلك المعبودات لن تقربهم وتشفع لهم ، بل ستتبرأ منهم يوم القيامة ، قال تعالى )ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بعبادتهم كافرين([78] ، قال ابن كثير رحمه الله: أي ما شفعت فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، وكفروا بهم ، وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم .
وقال تعالى )ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون([79].
خلاصة
وخلاصة القول أن اتخاذ العبد واسطة بينه وبين ربه ، يزعم أنها تقربه إليه ، وتشفع له عنده ؛ أمر باطل ، وهو من أنواع الشرك بالله العظيم ، ومستلزم لسوء الظن به ، والمشروع أن يدعو العبد ربه مباشرة ، كما قال تعالى )وقال ربكم ادعوني استجب لكم( ، وهكذا باقي العبادات ، يتقرب بها العبد إلى ربه مباشرة ، قال ابن تيمية رحمه الله في الرد على من اتخذ واسطة بينه وبين الله :
وهذا جهل بدين الحنفاء ، فإن الحنفاء ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة والدعاء والاستعانة ، بل يناجون ربهم ويدعونه ويعبدونه بلا واسطة ، وكل مصل يعبد ربه منه إليه بلا واسطة .[80]
وقد جاء التصريح القرآني بأن دعاء غير الله باطل ، وفي هذا كفاية وشفاء لمن أراد الحق وآمن بالقرآن ، وذلك في قولـه تعالى في سورة الحج ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل[[81]، وقوله تعالى في سورة لقمان ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل[[82].
أما دعاء الله فإنه حق ، كما قال تعالى )له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال(.
 



الشبهة الثانية: الشبهة المتعلقة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في الآخرة

تأصيل في مسألة الشفاعة
الشفاعة حق ثابت ، بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، والشفاعة في اللغة هي انضمام الفرد مع الفرد ليكون زوجا أي شفعا ، وفي الشرع يأتي تطبيق مصطلح الشفاعة على عدة أمور ، كشفاعة الرجل لأخيه عند ثالث أن يسامحه عن خطأ ارتكبه أو لتأجيل سداد دين حل عليه ونحو ذلك ، أو السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، وتسمى في زماننا بالوساطة .
والشفاعة يوم القيامة صورتها أن يشفع بعض من يأذن الله لهم بالشفاعة لأصناف من المؤمنين في رفعة الدرجات وتكفير السيئات ، وهذا النوع من الشفاعة هو الذي نعنى به في هذا البحث .
وسر الشفاعة إظهار فضل الشفعاء يوم القيامة .
والشفعاء عدة ، فالأنبياء يشفعون ، والمؤمنون يشفعون ، والملائكة يشفعون ، والقرآن يشفع لقراءه ، والصوم يشفع ، وهناك غيرهم من الشفعاء .
وأعظم الشفعاء يوم القيامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن له يوم القيامة خمس شفاعات ، أربع منها خاصة به ، وواحدة يشترك فيها مع سائر الشفعاء ، والشفاعات الخمس كالتالي:
الأولى: شفاعته لبدء الحساب ، وهي أول الشفاعات ، حيث أن الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، يطول بهم الموقف يوم القيامة ، فيذهبون إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله لبدء الحساب ، ليرى كل سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار ، فيعتذر عنها الأنبياء من لدن نوح إلى عيسى عليهم السلام ، ويحيلهم عيسى على محمد صلى الله عليهم وسلم ، فيذهبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول (أنا لها) ، فيسجد تحت العرش ما شاء الله أن يسجد ، ثم يقال له : (يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، وسل تعط ، واشفع تشفع) ، فيشفع لأهل الموقف عند الله في بدء الحساب فيقبل الله شفاعته ، فيبدأ الحساب وفصل القضاء بين العباد كلهم .
والنبي صلى الله عليه وسلم مختص بهذه الشفاعة ، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .[83]
ولعظم شأن هذه الشفاعة ؛ سماها أهل العلم بالشفاعة العظمى .[84]
الشفاعة الثانية هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعصاة المؤمنين من أهل الكبائر ممن استحقوا دخول النار ألا يدخلوها ، وهي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها ، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة.[85]
وفي رواية لمسلم: لكل نبي دعوة مستجابة ، فتَعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة ، إن شاء الله ، من مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا .[86]
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .[87]
الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في دخول الجنة ، فإن المؤمنين إذا أتوا الجنة وجدوا أبوابها مغلقة ، فعندئذ يطرق النبي صلى الله عليه وسلم باب الجنة ، فيقول خازن الجنة[88] : من أنت ؟
فيقول : محمد .
فيقول : بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك .[89]
الشفاعة الرابعة : شفاعته صلى الله عليه وسلم لتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب ، لأنه كان يدافع عنه ويرد عنه أذى المشركين ، فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك ؟ فوالله كان يحوطك[90] ويغضب لك .
قال : هو في ضحضاح[91] من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار .[92]
الشفاعة الخامسة شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ممن دخلوا النار أن يخرجوا منها بعدما عذبوا فيها بقدر ذنوبهم ، ودليلها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الطويل ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يستأذن ربه في الشفاعة للمؤمنين من أهل الكبائر الذين في النار في الخروج منها ودخول الجنة ، فيقبل الله شفاعته ، ويحد له حدا ، أي يُقدِّر له قدرا من الناس يُخرجهم من النار ويدخلهم الجنة ، ثم يعود عليه الصلاة والسلام إلى ربه فيقع ساجدا ، فيدعه الله ما شاء الله أن يدعه ثم يقول له : (ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط) ، قال : فأرفع رأسي ، فأثني على ربي بثناءٍ وتحميدٍ يعلمنيه ، قال : (ثم أشفع فيحُد لي حدا) ، فيخرجهم فيدخلهم الجنة ، ثم يعود الثالثة والرابعة فيفعل مثل ما فعل في الثانية ، وهكذا أربع شفاعات من الرسول صلى الله عليه وسلم لعصاة المؤمنين في الخروج من النار ودخول الجنة ، ثم قال : (حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن)[93] ، أي وجب عليه الخلود في النار أبد الآباد لأنه مات كافرا ، قال تعالى ]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا[.
وهذه الشفاعة الخامسة مشتركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الشفعاء ، فقد ثبت أن الأنبياء والمؤمنين والملائكة يشفعون لمن في النار بالخروج منها ، فيقبل الله شفاعتهم فيُخرجون من شاء الله خروجهم .
هذه هي الشفاعات الخمس التي ستحصل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، الأربع الأولى خاصة به ، والأخيرة مشتركة مع غيره ، وبعد شفاعة الشفعاء يخرج الله أناسا من النار ويدخـلهم الجنة بلا شفاعة من أحد ، ثم تنطبق النار على من فيها وتؤصد على من فيها من الكفار ، ويبقون فيها أبد الآباد .

نص الشبهة والجواب عنها

قال بعضهم أنه يتوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء ليكون ممن تناله شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، لاسيما الشفاعة الثانية ، وهي شفاعته لأهل الكبائر من المؤمنين ممن استحقوا النار ألا يدخلوها ، والشفاعة الخامسة ، وهي شفاعته لمن دخلها أن يخرج منها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع للناس يوم القيامة كما تقدم في الأحاديث.
والجواب على هذه الشبهة من عشرة وجوه :  

الأول : أن كون النبي صلى الله عليه وسلم شفيع الناس في الآخرة لا يعني جواز دعاءه للحصول على تلك الشفاعة ، فإن الدعاء عبادة ، وجميع أنواع العبادة لا يصح صرفها إلا لله عز وجل ، ومن صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك ، مهما كانت ذريعته ، قال تعالى }قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا{ .
بل إن كون النبي صلى الله عليه وسلم شفيع الناس في الآخرة يقتضي سلوك الطرق الشرعية للدخول في شفاعته ، وسيأتي بيانها إن شاء الله.
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الشفاعة أصلا حتى يجوز طلبها منه ، وإنما المالك لها هو الله فحسب ، فاطلبها من الله ولا تطلبها من غيره ، قال تعالى }ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة{ ، وقال تعالى }أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * بل لله الشفاعة جميعا{ ، ففي الآية الأولى نفى الله ملكية المدعوين للشفاعة ، أيا كان أولئك المدعوون ، وفي الآية الثانية أكد الرب سبحانه اختصاصه بملكية الشفاعة بثلاثة مؤكدات ؛ الأول : بل ، والثاني : لام الاستحقاق ، والثالث قوله : جميعا .
وقد دلت السنة أيضا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئا يوم القيامة ، لا الشفاعة ولا غيرها ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : لما أنـزلت هذه الآية ]وأنذر عشيرتك الأقربـين[ ؛ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا ، فعمَّ وخص[94] ، فقال : يا بَني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني مرة بن كعب ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد شمس ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد مناف ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا .[95]
وفي لفظ : يا عباس بن عبد المطلب ، لا أغني عنك من الله شيئا .
يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أغني عنك من الله شيئا .
يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سليني من مالي ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئا .[96]
قال ابن تيمية رحمه الله : فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال ، ولا يـُتصَور أن يكون نبي فمن دونه مالِكاً لها ، بل هذا ممتنع ، كما يمتنع أن يكون خالقاً ورباً ، وهذا كما قال )قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير( ، فنفى الملك مطلقا ، ثم قال )ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له{ ، فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه ، ولم يـُثبت أن مخلوقاً يملك الشفاعة ، بل هو سبحانه له الملك وله الحمد ، لا شريك له في الملك ، قال تعالى )تبارك الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا( .[97]
الوجه الثالث[98] : أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الشفعاء لا يشفعون لمن شاءوا يوم القيامة ، بل فيمن تحققت فيه شروط الشفاعة ، فمن تحققت فيه شروط الشفاعة قَبِل الله شفاعته فيه ، وهذه التي تسمى بالشفاعة المثبتة ، أي التي أثبت الله حصولها يوم القيامة ، ومن لم تنطبق عليه شروط الشفاعة فلن ينالها ، وهذه التي تسمى بالشفاعة المنفية ، أي المنتفي حصولها يوم القيامة ، وشروط الشفاعة المثبتة اثنان وهما :
1 – إذن الله للشافع ، ودليل هذا الشرط قوله تعالى )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه([99] ، وقال )ما من شفيع إلا من بعد إذنه([100] ، وقال )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا([101] ، وقال )ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له([102] ، وقال )وكم من ملك في السماوات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى([103].
هكذا ، خمسة أدلة صريحة في القرآن على شرط إذن الرحمن للشافع أن يشفع .
قال ابن كثير رحمه الله : وهذا من عظمته وجلاله وكبرياءه عز وجل ، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه في الشفاعة . انتهى .[104]
كما دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع حتى يأذن الله له بذلك ، ومن تلك الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتقدم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن في الشفاعة للمؤمنين من أهل الكبائر الذين في النار في الخروج منها ودخول الجنة ، فيقبل الله شفاعته ، ويحد له حدا من الناس ، أي يُقدِّر له قدرا من الناس، يُخرجهم من النار ويدخلهم الجنة ، ثم يعود عليه الصلاة والسلام إلى ربه ، مرة بعد مرة ، أربع مرات .[105]
والشاهد من الحديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الشفاعة ، فيبدأ أولا بالسجود بين يدي الله عز وجل ، والثناء عليه ، ثم إذا أُذن له في الشفاعة ؛ حُدّ له حدا يُدخلهم الجنة ، فليست الشفاعة مطلقة في حقه صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الشفاعة ، إذ لو كان يملكها كما تُمتلك سائر الأعطيات لشَفع مباشرة وبدون حد ، وأخرج أولئك المؤمنين من النار بدون إذن الرحمن .[106]
2 – الشرط الثاني من شروط الشفاعة لتكون مقبولة عند الله : رِضا الله عن المشفوع له ، ودليل هذا الشرط قوله تعالى ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[[107] ، وقوله تعالى ]يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا[[108].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة المدثر عند تفسير قوله تعالى )فما تنفعهم شفاعة الشافعين(: الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا ، فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالدا فيها . انتهى .
وقد جمع الله الشرطين الأول والثاني في قوله تعالى ]وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى[.
فصل في بيان الوسائل الشرعية للحصول على الشفاعة
ورضا الله عن العبد لا يكون إلا بتحقيق التوحيد الذي هو إخلاص العبادات له سبحانه ، من صلاة ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك ، فمن حقق التوحيد دخل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما سأله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟
فقال :  أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة ؛ من قال «لا إله إلا الله» خالصا من قلبه ، أو نفسه.[109]
وفي حديث أبـي هريرة المتقدم : وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة ، إن شاء الله ، من مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا .[110]
وعن أبـي ذر رضي الله عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : وأعطيت الشفاعة ، وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله شيئا .[111]
فهذه الأحاديث ونحوها تفيد اشتراط إخلاص العبادات كلها لله ، من دعاء وغيره لمن أراد أن يكون ممن سُعِد بشفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وبهذا يكون تحقيق التوحيد ، أما من وقع في الشرك كدعاء المخلوقين وطلب الشفاعة منهم أو الذبح لهم والنذر ونحو ذلك فإنه لن يشفع له أحد ولو فعل ما فعل ، وحتى لو شفع له أحد فإن شفاعته لن تقبل ، ولو كان الشافع له هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن الشرك من موانع قبول الشفاعة ، والدليل على ذلك أن إبراهيم عليه السلام سيشفع لأبـيه آزر يوم القيامة ولكن لن يقبل الله شفاعته لأنه من المشركين ، مع أن إبراهيم من أولي العزم من الرسل وخليل الرحمن ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة[112] وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟
فيقول أبوه : اليوم لا أعصيك .
 فيقول إبراهيم[113] : إنك وعدتني أن لا تخزيَني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبـي الأبعد[114] ؟
فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين .
ثم يقال : يا إبراهيم ، ما تحت رجليك ؟
فينظر فإذا هو بذِبحٍ[115] متلطخ[116] ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار .[117]
وهذه هي التي تسمى بالشفاعة المنفية ، وهي التي عناها الله في قوله ]فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ .
قال ابن القيم رحمه الله:
والذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، وهذا عين الشرك ، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله ، وأخبر أن الشفاعة كلها له ، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن له أن يشفع فيه ، ورضي قوله وعمله ، وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء ، فإنه سبحانه يأذن لمن شاء في الشفاعة لهم حيث لم يتخذوهم شفعاء من دونه ، فيكون أسعد الناس بشفاعة من يأذن الله له صاحب التوحيد الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله ، ربه ومولاه .
والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحّده ، والتي نفاها الله هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين المتخذين من دون الله شفعاء ، فيُـعامَلون بنقيض قصدهم من شفعائهم ، ويفوز بها الموحدون .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما سأله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ِلما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال « لا إله إلا الله » خالصا من قلبه - أو نفسه - .[118]
كيف جعل أعظم الأسباب التي تُنال بها شفاعته تجريد التوحيد ، عكس ما عند المشركين ؛ أن الشفاعة تُنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء ، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله ، فقلَب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب ، وأخبر أن سبب الشفاعة هو تجريد التوحيد ، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع .
ومِن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذ وليا أو شفيعا أنه يشفع له ، وينفعه عند الله ، كما يكون خواص الملوك والولاة ، تنفع شفاعتهم من والاهم ، ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ولا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله ، كما قال تعالى في الفصل الأول ]من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه[ ، وفي الفصل الثاني ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[ ، وبقي فصل ثالث وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول .
فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها :
لا شفاعة إلا بإذنه ،
ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله ،
ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله .[119]
قال ابن تيمية رحمه الله: سبب الشفاعة ؛ توحيد الله ، وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له ، فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة ، كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة ، فإن الشفاعة مبدؤها من الله ، وعلى الله تمامها ، فلا يشفع أحد إلا بإذنه ، وهو الذي يأذن للشافع ، وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له .
وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده ، وأحق الناس برحمته هم أهل التوحيد والإخلاص له ، فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص «لا إله إلا الله» علما وعقيدة وعملا ، وبراءة وموالاة ومعاداة ؛ كان أحق بالرحمة .
والمذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار ؛ من كان منهم من أهل «لا إله إلا الله» فإن النار تصيبه بذنوبه ، ويميته الله في النار إماتة ، فتحرقه النار إلا موضع السجود ، ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة ، ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة .
فبين أن مدار الأمر كله على تحقيق كلمة الإخلاص ، وهي «لا إله إلا الله» لا على الشرك بالتعلق بالموتى وعبادتهم ، كما ظنه الجاهليون .[120]
فإذا تقرر لنا أن الشفاعة كلها لله ، ولا تكون إلا من بعد إذن الله ، وأن النبـي صلى الله عليه وسلم وغيره من الشفعاء لا يشفعون حتى يأذن الله بذلك ، وأن الله لا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي عنهم وهم أهل التوحيد الخالص ؛ فعندئذ لا تطلب الشفاعة إلا من الله وحده لا شريك له ، فقل : اللهم لا تحرمني شفاعة نبـيك يوم القيامة ، أو اللهم شفِّع نبـيك فيَّ ، أو اللهم شفِّع فيَّ عبادك الصالحين وغيرهم من الشفعاء ، ونحو ذلك من الدعوات الطيبة ، التي ليس فيها تعلق بالمخلوقين .
وأما طلب الشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم أو غيره فإنه دعاء له ، والدعاء عبادة ، لا يجوز صرفه لغير الله ، ومن دعا غير الله فقد أشرك ، والمشرك لن يشفع له أحد ، ولن ينفعه أحد ، ولو فعل ما فعل ، لأن الشرك من موانع قبول الشفاعة ، ومن موانع دخول الجنة .
فصل
ومن الأسباب الشرعية للحصول على شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الأعمال الصالحة ، لاسيما التي ورد في فضلها نوال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، ومنها سؤال الله عز وجل أن يرزق نبـيه صلى الله عليه وسلم الوسيلة بعد سماع الأذان ، والوسيلة درجة عالية في الجنة ، كان النبـي صلى الله عليه وسلم يدعو الله دائما أن يبلغه إياها ، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منـزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[121]
ومن الأعمال الصالحة التي تُنال بها شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم سُكنى المدينة والموت بها ، فعن أبـي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرَّة[122] فاستشاره في الجلاء[123] من المدينة ، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله ، وأخبره أن لا صبر له على جَهد[124] المدينة ولأوائها[125] فقال له : ويحك ، لا آمرك بذلك ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ، إذا كان مسلما .[126]
والوسائل الشرعية للحصول على شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم كثيرة ، وهي تدور على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والاستقامة على دينه ، وامتثال أمره واجتناب نهيه ، أما الاعتماد على وسائل غير شرعية فهذه من موانع الشفاعة .
الوجه الرابع: أن دعاء غير الله شرك أكبر مهما كانت ذريعته ، لنيل الشفاعة أو غيره ، والشرك محرم في جميع الشرائع ، وناقض لدين الإسلام بالكلية ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم )ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين(.
وهذه المسألة مجمع عليها عند علماء الإسلام قاطبة ، بما فيهم علماء المذاهب الأربعة وغيرهم – فقد أجمعوا على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وإجماع المسلمين حجة شرعية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة .[127]
وقد تقدم ذكر بعض النقولات عن بعض علماء المذاهب الأربعة وغيرهم في تقرير هذه المسألة في جواب الشبهة السابقة بما يغني عن إعادته هنا.
الوجه الخامس : يقال لمن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره : ليس هناك دليل واحد من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة أو من إجماع الأمة على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين ، ولم يرد عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه طلب من النبـي صلى الله عليه وسلم أو غيره أن يشفع له يوم القيامة ، ولو حصل ذلك لنُقل إلينا قطعا ، لأن هذا من الأمور التي تتوافر الهمم على نقلها ، بل الذي نجده أن الأمر على خلاف ذلك ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الله عز وجل أن يرزقهم شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم ، وكان أحدهم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الله لهم أن يجعله ممن تدركه شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، ولم يرد عنهم البتة أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة شيئا من المنافع الأخروية ، لا الشفاعة ولا غيرها ، لعلمهم أنه لا يملك يوم القيامة شيئا ، كما ثبت ذلك في حديث أبـي هريرة رضي الله عنه لما أنـزلت ]وأنذر عشيرتك الأقربـين[ ، ولفهمهم الكامل والصحيح لمعنى قوله تعالى )مالك يوم الدين(.
وغاية ما كان يفعله أحدهم أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يدعو له بأن يكون من أهل شفاعته ، فعن أبـي موسى رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ بن جبل رضي الله عنهما : أتاني آت من ربـي عز وجل ، قال : فخيرني أن يُدخل شطر أمتي الجنة وبـين شفاعتي لهم ، فاخترت شفاعتي لهم ، وعلِمت أنها أوسع لهم .
فخيرني بأن يدخل ثلث أمتي الجنة وبـين الشفاعة لهم ، فاخترت لهم شفاعتي ، وعلمت أنها أوسع لهم .
فقالا : يا رسول الله ، أدع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك .
قال : فدعا لهما .
ثم لما علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعائه لمعاذ وأبي موسى جعلوا يأتونه ويقولون : يا رسول الله : (أدع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك) ، فيدعو لهم .
فلما أضب[128] عليه القوم وكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله .[129]
فالحاصل أن الصحابة رضوان الله عليهم - الذين هم أعلم الأمة بأمر الدين ، وأحرص الناس على الخير - ما كانوا يطلبون الشفاعة من أحد مباشرة ، لا النبـي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ، بل يطلبون من الله أن تدركهم شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم ، ويطلبون من النبـي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بأن تدركهم شفاعته .
الوجه السادس : يقال أيضا لمن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الذين يشفعون يوم القيامة للمؤمنين في دخول الجنة والنجاة من النار كثير وليس النبـي صلى الله عليه وسلم وحده ، فالملائكة يشفعون ، وكذلك الأنبـياء السابقين ، والشهداء ، والمؤمنون الذين دخلوا الجنة ، والأطفال[130] يشفعون ، والقرآن يشفع[131] ، والصوم يشفع[132] ، فلماذا لا تدعوهم أيضا وتطلب الشفاعة منهم ؟
فإن قال أنا أطلبها منهم فقد صرح بعبادته للصالحين ، مع أنه ينكر هذا ، وإن قال إنهم لا يستحقون أن تطلب منهم الشفاعة ؛ بطل بذلك طلبه للشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم ، لأنه فرَّق بـين متماثلين بدون ضابط ، وهما طلب الشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم وبـين طلبها من الصالحين وغيرهم ، مع إقراره بأنهم كلهم يشفعون يوم القيامة .
الوجه السابع : يقال للذين يطلبون الشفاعة من الأموات – سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره - : إن الأموات قد انقطعوا عن الحياة الدنيا تماما ، وما عادت تنطبق عليهم قوانين الحياة الدنيا البتة ، من سمع وبصر وكلام وحركة وتصرف وغير ذلك ، فلا يشعرون بمن حولهم ، ولا يسمعون نداء من ناداهم ، فكيف يصح دعاؤهم وطلب الشفاعة منهم ؟
قال تعالى }إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبـير{ ، فسمى الله دعاءهم وطلب الحاجات منهم شركا ، وقال تعالى أيضا }وما أنت بمسمع من في القبور{ ، فهل بعد هذا الخطاب القرآني من خطاب؟
الوجه الثامن : ومن وجوه بطلان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منا أن نصلي عليه وندعو له ، حيا وميتا ، فمن كان هذا حاله فكيف يصح أن تطلب منه الحاجات وهو في قبره ؟!
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تـنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[133]
وكذلك علمنا النبـي صلى الله عليه وسلم بأن ندعو له ولكل عبد صالح في السماء والأرض ، كما في دعاء التشهد في التحيات : السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين … الحديث.
الوجه التاسع : ومن أدلة بطلان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن جميع من كانوا يُعبدون من دون الله سيخذلون من كانوا يعبدونهم يوم القيامة ويتبرؤون منهم ، سواء الراضون منهم بعبادتهم أم الغير راضين ، فهذا عيسى عليه السلام سيتبرأ من النصارى الذين كانوا يعبدونه كما قال تعالى }وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلـٰهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق{ . . . إلى قوله } ما قلت لهم إلا ما أمرتـني به أن اعبدوا الله ربـي وربكم{ .
وقال تعالى }واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا([134].
وقال تعالى }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين{ .
وقال تعالى ]إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار ومالكم من ناصرين[ .
وقال تعالى )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضلتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا( [135].
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يحشر الكفار يوم القيامة وما كانوا يعبدون من دونه ، أي يجمعهم جميعاً فيقول للمعبودين : ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ، فزينتم لهم أن يعبدوكم من دوني ، أم هم ضلوا السبيل ؟
أي كفروا وأشركوا بعبادتهم إياكم من دوني من تلقاء أنفسهم من غير أن تأمروهم بذلك ولا أن تزينوه لهم ، وأن المعبودين يقولون : سبحانك ، أي تنـزيهاً لك عن الشركاء وكل ما لا يليق بجلالك وعظمتك .
]ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء[ ، أي ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحداً سواك ، لا نحن ولا هم ، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ، بل فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ، ونحن براء منهم ومن عبادتهم .
ثم قال ]ولكن متعتهم وآباءهم[ ، أي طال عليهم العمر حتى نسوا الذكرى ، أي نسوا ما أنـزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك .
]وكانوا قوماً بوراً[ ، قال ابن عباس : أي هلكى .
وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري : أي لا خير فيهم . انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
اعتماد العبد على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته هو ولابد ، عكس ما أمَّـله منه ، فلابد أن يُخذل من الجهة التي قَـدّر أن يُـنصر منها ، ويُـذم من حيث قَـدّر أن يُحمد ، وهذا أيضا كما أنه ثابت بالقرآن والسنة فهو معلوم بالاستقراء والتجارب ، قال تعالى )واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ، وقال تعالى )واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون([136] ، أي يغضَبون لهم ويُحارِبون كما يغضب الجند ويحارِب عن أصحابه[137] ، وهم لا يستطيعون نصرهم ، بل هم كلٌّ[138] عليهم ، وقال تعالى )وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب([139] ، أي : غير تخسير ، وقال تعالى )فلا تدع مع الله إلـٰها آخر فتكون من المعذبين([140] ، وقال تعالى )لا تجعل مع الله إلـٰها آخر فتقعد مذموما مخذولا([141] ، فإن المشرك يرجو بشركِه النصر تارة ، والحمد والثناء تارة ، فأخبـر سبحانه أن مقصوده ينعكس عليه ، ويحصل له الخذلان والذم ، فصلاح القلب وسعادته وفلاحه في عبادة الله سبحانه والاستعانة به ، وهلاكه وشقاؤه وضرره العاجل والآجل في عبادة المخلوق والاستعانة به .[142]
قلت: وصدق الله القائل )ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق(.
الوجه العاشر: "أن أهل السنة مجمعون أن للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الشفاعة يشفع بها ، ولم يذكروا منها طلبها منه في قبره ، بل كلها يوم القيامة .
فينبغي تأمل هذا ، ومن خالف إجماع أهل السنة فليس منهم ."[143]
خلاصة
وخلاصة القول في مسألة الشفاعة ثمانية أمور :
الأول : أن المالك للشفاعة هو الله تعالى وحده لا شريك له ، فالواجب طلبها منه وحده ، كقول : اللهم اجعلني ممن تدركهم شفاعة الشفعاء يوم القيامة ، سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره .
الثاني : أن دعوى أن النبـي صلى الله عليه وسلم يملك الشفاعة باطل ، لأنه تشريك بين الله وبين خلقه فيما هو من خصائص الله وحده .
الثالث : أن طلب الشفاعة من غير الله – سواء كان نبيا أو وليا أو صالحا أو غير ذلك - شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وهو كطلب الرزق والنصر والعافية وغير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل .
الرابع : أن الشفاعة نوعين : شفاعة مثبتة وشفاعة منفية ، فأما الشفاعة المثبتة فهي التي أثبت الله تحققها ، وتكون لأهل الإيمان بعد استيفاء شروطها ، وهي إذن الرحمن ورضاه ، وأما الشفاعة المنفية فهي التي نفى الله حصولها ، وهي الشفاعة لأهل الشرك ، فهذه نفى الله وقوعها .
الخامس : أن سر هذه الشفاعة صرف القلوب إلى الله وحده من قِبل الشافع ومن قبل المشفوع له ، فانظر إلى الشفعاء لـمّا قَبِل الله شفاعتهم بسبب توحيدهم ، وانظر إلى المشفوع له لما اخلص عباداته كلها لله فقبل الله شفاعة الشفعاء فيه .
السادس : أن الحكمة من الشفاعة يوم القيامة إظهار فضل الله على المشفوع له ، وأيضا إظهار فضل الشافع لما وحَد الله بالعبادات ، وإلا فإن الله قادر على أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يخرج من شاء منها بدون شفاعة.
السابع : ينبغي لمن أراد أن تدركه الشفاعة - أي شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره من الشفعاء - أن يطلبها من مالكها وهو الله وحده لا شريك له ، ثم يقبل على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر من الأعمال الصالحة ، ويتجنب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعتمد على مجرد الدعاء أو الأمنية ، فالشفاعة وغيرها من المنافع الأخروية لا تدرك إلا بالعمل الصالح الدؤوب ، كما قال تعالى ]ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا[ .
وعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته بوضوءه وحاجته ، فقال لي : سل.
فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة .
قال: أو غير ذلك ؟
قلت: هو ذاك.
قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود .[144]
الثامن: أن التوجه بالدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقين شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وقد جاء التصريح القرآني بأن دعاء غير الله باطل ، وفي هذا كفاية وشفاء لمن أراد الحق ، وذلك في قولـه تعالى في سورة الحج ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل[[145]، وقوله تعالى في سورة لقمان ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل[[146].
أما دعاء الله فقد وصفه الله بأنه حق كما في قوله تعالى )له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال(.

تنبيه

وممن أجاز طلب الشفاعة الأخروية من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره شاعر هالك ، يقال له محمد البوصيري ، وقد ألف في هذا قصيدة أسماها بـ « البردة » ، التجأ فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والتاذ به فيها من كربات يوم القيامة ، وطلب منه الشفاعة في الآخرة ، وادعى بأن الدنيا والآخرة ملك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر فيها طوام عديدة ، وأقوال كفرية تقشعر لسماعها جلود الموحدين ، وكثيرا ما يرددها أهل الموالد النبوية  ، يظنونها تقربهم إلى الله ، وهي لا تزيدهم إلا بعدا ، بل هي  الكفر بعينه ، فينبغي الحذر من أسباب الهلاك ، والله أعلم ، وصلى الله على نبيه محمد ، وآله وصحبه وسلم .
 



{الشبهة الثالثة : شبهة التوسل}

يقول بعض من يدعوا الصالحين من أصحاب القبور وغيرهم:
نحن نقصد بدعاء أصحاب القبور التوسل بهم لإجابة الدعاء لكونهم صالحين ، مع اعتقادنا بأن الله هو الفاعل والمؤثر في الكون والمدبر له ، وربما احتجوا بقوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة([147].
الجواب:
هذا الاحتجاج باطل من ثلاثة وجوه:
الأول : أن دعاء الصالحين ليس بوسيلة شرعية أصلا لحصول المقصود ، بل هو الشرك بعينه ، ولا يغني دعائهم عن الداعي شيئا ، بل إن دعائهم يطوح بالداعي خارج دائرة الإسلام ، ولذا جاءت الشريعة بالنهي عنه ، فإنه من المعلوم أن الدعاء عبادة ، وكل ما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لغير الله شرك مناقض لدين الإسلام .
الثاني: أن الآية الكريمة لا تدل على أن دعاء الصالحين وسيلة لإجابة الدعاء ، وإنما فيها الحث على اتخاذ الوسائل للتقرب إلى الله ، والوسائل إذا أطلقت فالمقصود منها الوسائل التي جاء ذكرها في الشريعة ، وليس في الآية  ذكر أو حتى إيماء لمسألة التقرب للمخلوقين بدعاء ولا بغيره ، وهذه أقوال المفسرين في تفسير الوسيلة:
قال الإمام ابن جرير رحمه الله:
يعني جل ثناؤه بذلك : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعد من الثواب وأوعد من العقاب اتقوا الله ، يقول أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك ، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم ، )وابتغوا إليه الوسيلة( ؛ يقول واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه . انتهى .
ثم روى بسنده عن عطاء والسدي ومجاهد وقتادة والحسن وعبد الله بن كثير وابن زيد تفسيرهم لها بالتقرب إلى الله بالعمل الصالح ، فعد تفسير الوسيلة بالقربة إلى الله محل إجماع بين المفسرين .
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها )وابتغوا إليه الوسيلة( ، قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي القربة .
وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد .
وقال قتادة : أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه .
وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .[148]
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله :
اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، بإخلاصٍ في ذلك لله تعالى ، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضا الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .
وأصل الوسيلة الطريق التي تقرب إلى الشيء وتوصل إليه ، وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ، لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدا ، كقوله تعالى )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( ، وقوله )قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول( ، إلى غير ذلك من الآيات .
ثم قال:
التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء ، من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدّعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية ؛ الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه ؛ أنه تخبط في الجهل والعمى ، وضلال مبين ، وتلاعب بكتاب الله تعالى ، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار ، كما صرح به تعالى في قوله عنهم )ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( ، وقوله )ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون(.
فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ، )ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به( الآية .
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضا في قوله تعالى )أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب( الآية.[149]
وبناء على ما تقدم فإن تسمية دعاء غير الله توسلا أو توسطا أو تشفعا أو غير ذلك من التسميات خطأ ، لأن التوسل في القرآن هو التقرب إلى الله بما شرعه من الطاعات والقربات.
الثالث: أن اعتقاد أن الله هو الفاعل والمؤثر والمدبر للكون لا يغني شيئا إذا كان العبد يتوجه لغير الله بدعاء أو غيره ، فإن المشركين كانوا ولا زالوا يقرون بأن الله هو الفاعل والمدبر للكون ، وهو المعروف بتوحيد الربوبية ، وهم مع هذا يدعون غيره ، فحكم الله عليهم بالكفر ، لأن الإقرار بربوبية الله على خلقه إذا لم يكن مقترنا بإفراده بجميع العبادات – من دعاء وغيره - فإن صاحبه يكون مشركا حتى يفرد الله بربوبيته وبعباداته كلها.
وبناء على ما تقدم ؛ فإن تسمية دعاء غير الله توسلا لا يغير شيئا في حقيقة الفعل ، لأن العبرة بالحقائق لا بالمسميات ، وقد حكم الله على المشركين بأنهم مشركين ، مع أنهم كانوا يتقربون لمعبوداتهم بأنواع القربات ويسمون فعلهم تشفعا وتوسلا ، فقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يبالِ بالأسماء التي سموا بها آلهتهم أو سَمّوا بها فعلهم عندها ، وهم إنما سَمّوها بذلك ليـُُحسنوا شركهم ، فالأمر كما قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام }إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان{ ، وكما قال هود لقومه }قد وقع عليكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان{.
فصل في ذكر بعض التقريرات العلمية لمسألة أن العبرة بالحقائق لا المسميات
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
إن المشركين الأولين كانوا يقصدون من لفظ الإلـٰهية ما يقصده أهل زماننا بلفظ «السيد» ، فـ «السيد» عند أكثر المشركين في هذه الأزمان هو الذي يُدعى ويُستغاث به في الشدائد ويُرجى للنوازل ، ويُحلف باسمه ، ويُنحر له على وجه التعظيم والقربة ، وبعضهم يطلق على ذلك اسم «الولي» ، كما هو اصطلاح أهل مصر ، وبعضهم يسمي هذا المعنى «السر» ، فيقول : فلان فيه «سر» ، ومن أهل «السر» ، وهذا مشهور معروف ، والاصطلاحات تُحدَث ، واللغات تختلف ، والفقهاء أطلقوا الأحكام المترتبة على المعاني والمقاصد وإن اختلفت الأسماء وتغيرت اللغات .[150]
وقال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله:
والنذر بالمال على الميت ونحوه ، والنحر على القبر ، والتوسل به ، وطلب الحاجات منه ، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية ، وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما ، وفَـعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا ، والأسماء لا أثر لها ، ولا تُـغير المعاني ، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية ، فإن مَن شرب الخمر وسماها ماءً ما شرب إلا خمرا ، وعِقابُه عقاب شارب الخمر ، ولعله يزيد عقابه ، للتدليس والكذب في التسمية .
وقد ثبت في الأحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر ، يسمونها بغير اسمها ، وصدق صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد أَتى طوائف من الفسقة يشربون الخمر ويسمونها نبيذا .
وأول من سمى ما فيه غضب الله وعصيانه بالأسماء المحبوبة عند السامعين : إبليس لعنه الله ، فإنه قال لأبي البشر آدم عليه السلام )يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى( ، فسمى الشجرة التي نهى الله تعالى آدم عن قُربانها شجرة الخلد ، جذبا لطبعه إليها ، وهزا لنشاطه إلى قربانها ، وتدليسا عليه بالاسم الذي اخترعه لها .[151]
وقال الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمـه الله : ومن المفاسد البالغة إلى حدٍّ يرقى بصاحبه إلى وراء حائط الإسلام ، ويلقيه على أم رأسه من أعلى مكان من الدين ؛ أن كثيرا منهم يأتي بأحسن ما يملكه من الأنعام ، وأجود ما يحوزه من المواشي ، فينحره عند ذلك القبـر متقربا به إليه ، راجيا ما يُضمر حصوله له منه ، فيُهِل به لغير الله ، ويتعبد به لوثن من الأوثان ، إذ أنه لا فرق بـين النحائر لأحجار منصوبة يسمونها وثنا ، وبـين قبـر لميت يسمونه قبـرا ، ومجرد الاختلاف في التسمية لا يغني من الحق شيئا ، ولا يؤثر تحليلا ولا تحريما ، فإن مَن أطلق على الخمر غير اسمها وشربها كان حكمه حكم من شربها وهو يسميها باسمها ، بلا خلاف بـين المسلمين أجمعين .[152]
وقال أيضا :
الشرك هو أن يُفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه ، سواءً أُُطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ، أو أُطلق عليه اسما آخر ، فلا اعتبار بالاسم فقط ، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل ، لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم .[153]
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله[154] كلاما بديعا في جواب هذه الشبهة :
التسمية لا حكم لها ، ولا تتغير حقيقة الشيء بتغير الاسم ، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه يأتي ناس من أمتي يسمون الخمر بغير اسمها ، وكذا من سمى الزنا نكاحاً ، فالتسمية لا تزيل الاسم ولا الحكم ، ومن عامل معاملة ربوية فهو مرابي وإن لم يسمه ربا ، فكذا من ارتكب شيئاً من الأمور الشركية فهو مشرك وإن سمى ذلك توسلاً وتشفعاً ونحوه .
والشيطان لما علِم أن النفوس تنفر من تسمية ما يفعله المشركون تألها ؛ أخرجه في قالب آخر تقبله النفوس .
فمن جعل نوعاً من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك وإن كان لا يظنه شركاً ولا تألهاً ، وسماه بأي اسم شاء ، فالمشرك مشرك ، شاء أم أبى ، كما أن المرابي مرابٍ ، شاء أم أبى .
يوضح ذلك أن من أطاع مخلوقاً في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذه رباً وإلـٰهاً من دون الله وإن لم يقر بذلك ، فقد روى الترمذي أن عدي بن حاتم قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد تنصر في الجاهلية ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية }اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله{ الآية ، قال : قلت يا رسول الله : إنهم لم يكونوا يعبدونهم .
قال : أجل ، ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه ، فتلك عبادتهم لهم .[155]
ولفظ الترمذي: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه .
ولفظ الطبراني: قلت : إنا لسنا نعبدهم .
فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟
قلت : بلى .
قال : فتلك عبادتهم .
فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية لم يُسمُّوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً ولا آلهة ، ولا كانوا يظنون أن فعلهم هذا معهم عبادة لهم ، ولهذا قال عدي : (إنهم لم يعبدوهم) ، وحُكم الشيء تابع لحقيقته لا لاسمه ولا لاعتقاد فاعله ، فهؤلاء كانوا يعتقدون أن طاعتهم لهم في ذلك ليست بعبادة لهم ، فلم يكن ذلك عذراً لهم ولا مزيلاً لاسم فعلهم ولا لحقيقته وحكمه ، فكذلك ما يفعله عباد القبور في سؤالهم من المقبورين قضاء الحاجات وتفريج الكربات ، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح عبادة منهم للمقبورين ، وإن كانوا لا يسمونه ولا يظنونه عبادةً .
ويوضح ذلك أيضاً ما روى الترمذي وصححه عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُـنين ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرةً يعكفون عندها وينوطون بها[156] أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها السنن ، قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى }اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون{ ، لتتبعن سَنن[157] من كان قبلكم .
فهؤلاء لقرب عهدهم بالكفر ما كانوا يظنون أن الذي طلبوه يعتبر من التألُّه لغير الله ، لأنهم يقولون «لا إله إلا الله» ويعرفون معناها ، وخفي عليهم أن ذلك الذي طلبوه مِما تنفيه «لا إله إلا الله» ، فلم يكن ظنهم مغيراً لحقيقة هذا الأمر وحكمه .[158]
وخلاصة القول أن من صرف لغير الله شيئاً من أنواع العبادة المتقدم تعريفها ، كالحب والتعظيم والخوف والرجاء والدعاء والتوكل والذبح والنذر وغير ذلك ؛ فقد عبد ذلك الغير ، واتخذه إلـٰهاً ، وأشركه مع الله في خالص حقه ، وإن فرَّ من تسمية فعله ذلك تألهاً وعبادة وشركاء ، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغيير أسمائها ، فلو سُمي الزنا والربا والخمر بغير أسمائها لم يخرجها تغيير الاسم عن كونها زنا وربا وخمراً ونحو ذلك ، فمن المعلوم أن الشرك إنما حُرِّم لقبحه في نفسه ، وكونه متضمناً مسبة الرب وتنقصه وتشبيهه بالمخلوقين ، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير أسمائها ، كتسميته توسلاً وتشفعاً وتعظيماً للصالحين وتوقيراً لهم ونحو ذلك ، فالمشرك مشرك شاء أم أبى ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طائفة من أمته يستحلون الربا باسم البيع ، ويستحلون الخمر باسم آخر غير اسمها ، وذمّهم على ذلك ، فلو كان الحكم دائراً مع الاسم لا مع العلة لم يستحق الذم ، وهذا من أعظم مكائد الشيطان لبني آدم قديماً وحديثاً ، أخرج لهم الشرك في قالَب تعظيم الصالحين وتوقيرهم ، وغيَّـر اسمه بتسميته إياه توسلاً وتشفعاً ونحو ذلك ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
وعلى هذا فدعاء غير الله ليس بوسيلة شرعية لإجابة الدعاء ، بل اسمه في الشريعة شرك أكبر ، ومن أراد الوسيلة الشرعية لإجابة دعاءه فعليه بأسباب إجابة الدعاء الواردة في الكتاب والسنة ، وهذه لها موضع آخر ، وبهذا تم الجواب عن شبهة تسمية دعاء غير الله توسلا ، وبيان بطلان ذلك ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
 



{الشبهة الرابعة : دعوى أن عباد القبور ليسوا كفارا ، لكونهم يشهدون أن لا إله إلا الله}

يقول بعض من يدعو الأنبـياء والصالحين : إن المشركين الذين بعث إليهم النبـي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشهدون أن «لا إله إلا الله» ، وكانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينكرون البعث ، ويكذبون بالقرآن ، ويقولون إنه سحر وكهانة ، فهذا سبب كفرهم وقتال النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، أما الذين يدعون أصحاب القبور ويتوجهون لهم فيشهدون أن «لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله» ، ويصلون ويصومون ويزكون ويحجون ، فلم تكفرونهم ؟
والجواب أن هذا الكلام باطل من ثلاثة وجوه:  
أولا : أن مجرد التلفظ بـ «لا إله إلا الله» بدون تحقيق شروطها لا يغني شيئا ، ومن شروط «لا إله إلا الله» ترك عبادة من سواه ، أيا كانت تلك العبادة ، دعاء أو ذبح أو نذر أو غير ذلك .
والمشركون الذين بعث فيهم النبـي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون ما تقتضيه «لا إله إلا الله» ، من إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه ؛ ولذا أبوا أن يقولوها إباء شديدا ، فصار عباد القبور وإياهم في الحكم سواء ، كلهم كفار ، لأنهم كلهم يعبدون غير الله ، وما اختلفوا إلا بمجرد النطق ، أما الفعل فمتوافقون ، سواء من قال «لا إله إلا الله» ومن أبى ذلك ، وهذا مناط تكفيرهم .
وقد جاء التأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث على وجوب القيام بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ، بترك عبادة ما يعبد من دون الله ، سواء دعاء أصحاب القبور أو غير ذلك من العبادات ، فعن أبي مالك عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قال « لا إلـٰه إلا الله » ، وكفـر بما يعبد من دون الله ؛ حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله عزَّ وجل .[159]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معلقا:
وهذا من أعظم ما يبين معنى «لا إله إلا الله» ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ؛ بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه ، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها ، ويا له من بيان ما أوضحه ، وحجة ما أقطعها للمنازع .[160]
وهذا مما يبين معنى «لا إله إلا الله» ، فإن تحقيق الشهادتين لا يتأتى إلا بنفي وإثبات ، أي نفي جميع ما يعبد من دون الله ، وإثبات عبادة الله وحده لا شريك له ؛ ولذا كان النبـي صلى الله عليه وسلم يبـين للناس دائما معنى الإسلام بذكر الأمرين : عبادة الله واجتـناب الشرك ، فكان إذا سأله أحد عن الإسلام بين له أن الإسلام أن يُعبد الله ولا يُشرك به شيئا ، كما في حديث جبريل عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل فقال : ما الإيمان ؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث .
قال : ما الإسلام ؟
قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان .[161]
وعن أبي أيوب أن رجلا قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم .[162]
وعن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت : يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار .
قال : لقد سألتـني عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت .[163]
وعن أبي أيوب الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئا ، ويقيم الصلاة ، (ويصوم رمضان)[164] ، ويؤتي الزكاة ، ويجتـنب الكبائر ، كان له الجنة ... الحديث.[165]
ونقل الشيخ إسحاق[166] عن جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله قوله :
والكفر نوعان : مطلق ومقيد ، فالمطلق هو الكفر بجميع ما جاء به الرسول ، والمقيد أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول ، حتى إن بعض العلماء كفّر من أنكر فرعاً مجمعاً عليه ، كتوريث الجد أو الأخت ، وإن صلى وصام ، فكيف بمن يدعو الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها ؟
وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة ، بل  كفَّروا ببعض الألفاظ التي تجري على ألسن بعض الجهال ، وإن صلى وصام من جرت على لسانه .[167]
وقال الشيخ سليمان بن سحمان[168] رحمه الله :
إن كفار العرب يعلمون أنهم إذا قالوا «لا إله إلا الله» فقد نفوا جميع المعبودات من دون الله ، وأثبتوا العبادة لله وحده لا شريك له دون سواه ، فأبوا عن النطق بـ «لا إله إلا الله» ، وعتوا عتواً كبيراً ، وأبى الظالمون إلا كفوراً ، فجحدوا «لا إله إلا الله» لفظاً ومعنى ، ولذلك لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قولوا لا إله إلا الله) ، قالوا }أجعل الآلهة إلهاً واحدا إن هذا لشيء عجاب{ ، وقال تعالى حاكياً عنهم }إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون{.
وهذا بخلاف من يقولونها وهم مع ذلك يعبدون مع الله غيره ممن يشركونه في عبادته ، بالدعاء والخوف والحب والرجاء والتوكل والاستغاثة والاستعانة والذبح والنذور والالتجاء وطلب الشفاعة منهم ، إلى غير ذلك من أنواع العبادة ، فمن صرف لغير الله شيئاً من أنواع العبادة فقد عبد ذلك الغير ، واتخذه إلهاً ، وأشركه مع الله في خالص حقه ، سواء اعتقد التأثير والتدبير والإيجاد والإعدام والنفع والضرر ممن يدعوه أو يرجوه ، أو لم يعتقد ، وإن فرّ من تسمية فعله ذلك تألُّهاً وعبادة وشركاً .[169]
الوجه الثاني: أن مانعي الزكاة في عهد أبي بكر رضي الله عنه كانوا يقولون «لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله» ، ومع هذا أجمع الصحابة على قتالهم ، لأن جحود وجوب الزكاة ، التي هي الركن الثالث ، من المكفرات وإن كان الجاحد يقول «لا إله إلا الله» ، فكيف لو رأى الصحابة من يجحد ما تقتضيه كلمة «لا إله إلا الله» ، التي هي الركن الأول ، من وجوب إفراد الله بجميع العبادات ، الدعاء وغيره ، بأن صَرفها لغير الله؟
وكذلك السبئية في عهد علي بن أبـي طالب رضي الله عنه الذين حرَّقهم في النار ، كانوا يدّعون الإسلام ، ويقولون «لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله» ، ولكنهم اعتقدوا في علي رضي الله عنه كما يعتقد كثير من الناس الآن في البدوي وشمسان وتاج وأمثاله ، فزعموا أنه يستحق أن يُعبد ويدعى مع الله ، فحرَّقهم علي رضي الله عنه بعد أن أجمع الصحابة على كفرهم وردتهم عن الإسلام ، ولم يمنعه من قتلهم كونهم يقولون «لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله» ، وقيامهم بشرائع الإسلام الأخرى طالما أنهم جحدوا ما تقتضيه كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» من وجوب إفراد الله بجميع العبادات من دعاء وغيره .
الوجه الثالث: أن إنكار مشركي مكة للبعث ، وإنكار نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من المسائل التي أنكروها ، ومن ثَم قتال النبي صلى الله عليه وسلم لهم ؛ لم تكن بمفردها أسباب الحكم عليهم بالكفر ، كما ظنه صاحب الشبهة ، بل كانت من جملة المكفرات التي وقعوا فيها ، ومن أعظم ما أنكروه ووقفوا ضده وحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم وجحدوا نبوته من أجله مسألة أن الله سبحانه هو وحده المستحق للعبادة دون من سواه ، فهذا أشهر مكفر وقعوا فيه هم ومن قبلهم من الأمم ، كما حكى الله عنهم في قوله )أجعل الآلهة إلها واحدا(.
وهذا الأمر الذي جحدوه هو نفسه الأمر الذي جحده عباد القبور في زماننا ممن ينتسبون لدين الإسلام ، وهم مع ذلك يتوجهون لأصحاب القبور بألوان من العبادات ، من دعاء وذبح ونذر وغيره ، وينكرون على من أنكر عليهم ذلك ، وأمرهم بالتوجه لله وحده .

خلاصة

وخلاصة القول خمسة أمور:
1. أن ضابط الإسلام ليس مجرد قول «لا إله إلا الله» فحسب ، بل الضابط هو قولها والعمل بمقتضاها والاستمرار عليها وعدم الإتيان بما يناقضها ، فإن أتى بما يناقضها عالما ذاكرا قاصدا كَفَرَ عياذا بالله ، وصار كمن أحدث بعدما توضأ ، لأنه نقض شرط صحة «لا إله إلا الله» ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط .
2. على المؤمن ألا يغتر بعمله من صلاة وصيام وحج إن كان قد صرف شيئا من العبادات لغير الله ، فإن صرف عبادة واحدة لغير الله ولو لمرة واحدة كاف لحبوط جميع الأعمال الأخرى التي أداها خالصة لوجه الله ، لأن إخلاص العمل لله تعالى شرط لقبول العمل ، ثم إن الله أغنى الأغنياء عن الشرك ، ولا يرضاه من صاحبه ، ولو عمل من الصالحات ما عمل ، قال تعالى ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[.
وعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه .[170]
وفي رواية : فأنا منه بريء ، وهو[171] للذي أشرك .[172]
وعن أبـي سعد الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى منادٍ : من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك .[173]
3.    على المؤمن أن يخاف من الوقوع في الشرك ، والدعاء بالثبات على التوحيد ، كما كان يفعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، الذي كان يدعو ربه ويقول )واجنبني وبني أن نعبد الأصنام[.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده ويقول : يا مقلب القلوب ؛ ثبت قلبـي على دينك .[174]
4.    أن العلم بتحريم الشرك أمر معلوم من الدين بالضرورة ، وهو أشد ضرورة من العلم بتحريم الزنا والسرقة وشرب الخمر والربا ونحو ذلك .
5.    من ظن أن مجرد قول «لا إله إلا الله» لا يضر معه الشرك في العبادة ، كدعاء غير الله ؛ فهذا من أجهل الناس بمعنى «لا إله إلا الله» ، فقد قالها المنافقون كعبد الله بن سلول ، ومع ذلك فإنه في الدرك الأسفل من النار ، لأنه قالها بلسانه ولم يعتقدها بقلبه ولم يعمل بمقتضاها ، فمجرد القول باللسان لا ينفع ، لأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان .
وهكذا الذي يدعو البدوي أو الحسين أو ابن علوان أو العيدروس أو ابن عباس رضي الله عنه أو عبد القادر الجيلاني أو علي بن أبـي طالب أو النبـي محمدا صلى الله عليه وسلم أو غيرهم ، ويطلب منهم المدد ويستغيث بهم وينذر لهم ؛ فهذا لا ينفعه قول «لا إله إلا الله» ولو قالها ألف مرة ، إلا أن يتوب من هذا ، ويجعل دعاءه لله وحده ؛ فعندئذ يتوب الله على من تاب ، لأن التوحيد يجب ما قبله .
انتهى الجواب عن شبهة من قال إن الذين يدعون أصحاب القبور يقولون «لا إله إلا الله» فلماذا تكفرونهم.
 



{الشبهة الخامسة : دعوى أن الشرك محصور بعبادة الأصنام}

قال بعضهم : إن الشرك هو عبادة الأصنام فحسب ، أما دعاء الأنبـياء والصالحين فليس بشرك!
والجواب : أن هذا القول باطل من خمسة وجوه :
الأول : أن الشرك في اللغة هو جعل الشيء شراكة بين اثنين ، فعلى هذا فمن دعا الله تارة وغيره تارة ؛ فقد جعله شريكا مع الله ، شاء أم أبى .
قال الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله راد على هذه الشبهة :
الشرك هو أن يُفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه ، سواءً أُُطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ، أو أطلق عليه اسما آخر ، فلا اعتبار بالاسم فقط ، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل ، لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم .[175]
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
هذا ترس قد أعده الجهال الضلال لرد كلام الله ، إذا قال لهم أحد : قال الله كذا ؛ قالوا : نـزلت في اليهود ، نـزلت في النصارى ، نـزلت في فلان .
وجواب هذه الشبهة الفاسدة أن يقال : معلوم أن القرآن نـزل بأسباب ، فإن كان لا يُستدل به إلا في تلك الأسباب بطل استدلاله ، وهذا خروج من الدين ، وما زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نـزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها .[176]
الثاني : أن الله صرح في القرآن بأن دعاء غير الله شرك وكفر وضلال ، أيا كان ذلك المدعو ، والواجب على من قرأ ذلك أن يؤمن به ويصدقه وإلا كان كافرا بالقرآن عياذا بالله ، قال تعالى }إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبـير{ .
وقال تعالى }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة{.
وقال تعالى }وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{.
وقال تعالى }قل إنما أدعو ربـي ولا أشرك به أحدا{ ، وقال تعالى }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ءإله مع الله تعالى الله عما يشركون{.
وقد سمى الله من دعا غيره كافرا كما في قوله تعالى }ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون{.
وقال تعالى }حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين{.
فدلت هذه الآيات وغيرها على أن دعاء غير الله شرك ، أيا كان ذلك المدعو ، صنما أو ميتا أو غير ذلك .
الثالث : يقال لمن خصص الشرك بعبادة الأصنام : لو أن رجلا دعا الله وحده وأنـزل به حاجته وسأله تضرعا وخفية ؛ فهل هذا موحد أم مشرك ؟
فسيقول حتما : بل هو موحد .
فعندئذ قل له : لو أن هذا الرجل دعا نبـيا أو رجلا صالحا وأنـزل به حاجته فهل هذا موحد أم مشرك ؟ فسيقول حتما : مشرك .
فعندئذ قل له : هذا هو المطلوب .
الوجه الرابع: يقال لمن زعم أن الشرك مخصوص بعبادة الأصنام وأن الالتجاء للصالحين ليس بشرك : كيف كانت عبادة الأصنام في الجاهلية ؟
فسيقول : بدعائها والذبح لها .
فقل له : هذا هو فعلكم مع الأنبـياء والصالحين ، أم أن دعاء الأصنام والذبح لها شرك ، ودعاء الصالحين والأنبـياء والذبح لهم ليس بشرك ؟!
الوجه الخامس والأخير: يقال لمن خصص الشرك بعبادة الأصنام : إن الكفار الذين بُعث فيهم النبـي صلى الله عليه وسلم ما كانوا كلهم يعبدون الأصنام ، بل كان منهم من يعبد الأنبـياء ، ومنهم من كان يعبد الصالحين ، ومنهم من كان يعبد الملائكة ، ومنهم من كان يعبد الجن والشمس والقمر والنجوم والأشجار والأحجار ، فكَفَّـَرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ودعاهم إلى الإسلام ، فدل هذا على أن الشرك ليس محصورا بعبادة الأصنام فحسب ، بل الشرك هو عبادة غير الله ، أيا كان ذلك المعبود .
والدليل على أن من المشركين من كان يعبد الملائكة قوله تعالى }ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهـٰؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مشركون{ ، أي نحن لم نأمرهم بعبادتـنا ، بل الجن – أي الشياطين - هي التي أمرتهم بذلك فعبدونا .
والدليل على أن من الكفار من كان يعبد الجن قوله تعالى }وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا{.
والدليل على أن من المشركين من كان يعبد الشمس والقمر قوله تعالى }ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون{.
والدليل على أن من المشركين من كان يعبد النجوم قوله تعالى }وأنه هو رب الشعرى{ ، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :
وهو النجم المعروف بالشِّعرى العبور المسماة بالمرزم ، وخصها الله بالذكر وإن كان هو رب كل شيء لأن هذا النجم مما عُبد في الجاهلية ، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون مربوب مدبر مخلوق ، فكيف يتخذ مع الله آلهة ؟.[177]
والدليل على أن من المشركين من كان يعبد الأحجار والأشجار قوله تعالى }أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى{ ، واللاَّتُّ - بتشديد التاء - رجل كان يلت السويق[178] للحجاج ، فلما مات عكفوا على قبـره وغلو فيه حتى عبدوه وسموه اللات ، ذكره ابن جرير في تفسير الآية .
وقيل إن اللاتَ بتخفيف التاء بيت كان بـ «نخلة» ، وكانت تعبده قريش ، ذكره ابن جرير أيضا ورجحه رحمه الله .[179]
أما العزى فقيل شجيرات ، وقيل حجرا أبيض ، وقيل بيتا ، وقد كان صنم قريش ومضر وكنانة ، وكان في «بطن نخلة» من ديار ثقيف ، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه خالد بن الوليد يوم فتح مكة فهدمه .[180]
وأما مناة فصنم بـ «المشلل» من ناحية «قديد» ، كان الأوس والخزرج يعظمونه في الجاهلية .[181]
قال البيضاوي رحمه الله: ومناة صخرة كانت لهذيل وخزاعة أو لثقيف ، وهي فِعلة من مَـناهُ إذا قطعه ، فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين ، ومنه «مِنى».[182]
والدليل على أن من الكفار من كان يعبد الأنبـياء قوله تعالى عن النصارى }لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم{.
والدليل على أن من الكفار من كان يعبد الصالحين قوله تعالى }قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا{[183].
وقد اختلفت أقاويل أهل التفسير في المقصودين بقوله )قل ادعوا الذين زعمتم( ، فنقل ابن جرير أن من المفسرين من قال أنهم الملائكة والمسيح وعزيرا كابن عباس رضي الله عنه ، وزاد في رواية : الشمس والقمر .
ومنهم من قال إنهم الجن ، كابن مسعود رضي الله عنه وقتادة .
ومنهم من خصهم بالملائكة كابن زيد .[184]
وسواء هذا أو ذاك ، فمن قواعد التفسير أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب ، فكل ما عُبد من دون الله فهو داخل في الآية ، سواء كان جمادا أو ملَكا أو بشرا ، نبيا كان أو غير نبي .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الكلام على قوله تعالى )قل ادعوا الذين زعمتم من دونه( ، الآيتين ، لما ذكر أن من مفسري السلف من قال إنهم الملائكة ، ومنهم من قال إنهم من الإنس ، ومنهم من قال إنهم الجن ؛ قال :
الآية هنا قصد بها التعميم لكل ما يُدعى من دون الله ، فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية كما تتناول من دعا الملائكة والجن ، ومعلوم أن هؤلاء يكونون وسائط فيما يُقَدره الله بأفعالهم[185] ، ومع هذا فقد نهى عن دعائهم ، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله ، لا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع ، أو من حال إلى حال ، كتغيير صفته أو قدْره ، ولهذا قال )ولا تحويلا( ، فذكر نكرة[186] تعم أنواع التحويل .[187]
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين[188] رحمه الله معقبا على كلام ابن تيمية:
وهذا ظاهر ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والذين هم سبب النـزول[189] غائبون ، وغائبهم أقرب من غائب الإنس كعُـزير ومريم .[190]
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن[191] رحمه الله معلقا على قوله تعالى ]والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون[:
وليست هذه الآية في الأصنام كما يزعمه من لم يتدبر ، لأن (الذين) لا يخبَّـر به إلا عن العقلاء ، ولأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يِحلها الموت ، فإنها لم تحِلّها الحياة حتى يحِلّها الموت ، ولأنها لا تُبعث يوم القيامة بعث الإنسان ليجزى بما كسبت يداه ، ولا يُعقل منها شعور بهذا البعث حتى ينفيها الله عنها ، وقد قال تعالى ]وما يشعرون أيان يبعثون[ ، فهذه الآية فيمن يموت ويبعث كما لا يخفى على من تدبرها .
وتأمل قوله تعالى ]وما يشعرون أيان يبعثون[ ، وهذا إنما يُستعمل فيمن يعقل ، كما لا يخفى على من له معرفة باللغة العربية ، فالحمد لله على ظهور الحجة وبيان المحجة .[192]
 



{الشبهة السادسة : شبهة التجربة}

قال بعضهم : إن دعاء الصالحين سبب لإجابة الدعاء ، لكون التجربة قد أثبتت ذلك ، فإن بعض الناس قد أجيب دعاؤه لما دعا الصالحين!
والجواب على هذه الشبهة من ستة وجوه :
الوجه الأول: أن الكتاب والسنة لـم يتركا خيرا إلا ودلا عليه ، ولا شرا إلا ونهيا عنه ، وقد خلق الله الأسباب الطيبة وأمر بتعاطيها ، وخلق الأسباب المضرة ونهى عن تعاطيها ، فالأدوية مثلا ؛ جعلها الله أسبابا للعلاج من الأمراض ، كما قال تعالى في العسل }يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس{ ، كما جعل الله القرآن والعلم سببا للهداية ، قال تعالى }ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين{ ، وهكذا غيرها من الأسباب الواردة في الكتاب والسنة .
أما دعاء الصالحين فلم يرد في الكتاب والسنة أنه سبب لإجابة الدعاء ونيل المقاصد ، ولو كان سببا لورد الأمر به لزاما ، بل نص على كونه سببا باطلا ، وموجبا للدخول في الشرك ، والخلود في نار جهنم عياذا بالله ، قال تعالى )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ([193].
وقال صلى الله عليه وسلم : منْ مات َوهو يدعُو من دون الله نداً دخلَ النار .[194]
فعلى هذا فكل من دعا غير الله ، أو استغاث بغير الله ، أو نذر له ، أو ذبح له ، أو صرف له شيئا من العبادة ؛ فقد اتخذه ندا لله ، سواء كان نبياً أو ولياً أو ملَكاً أو جنياً أو صنماً أو غير ذلك من المخلوقات.
الوجه الثاني: أن الله قد نص في كتابه على أنه لا يستجيب الدعاء إلا الله وحده ، فعلى هذا فلا يجوز أن يعتقد أحد أنه جرب دعاء غير الله فأجاب دعاءه ، لأن هذا يستلزم عدم التصديق بالقرآن ، قال تعالى ]أمّـن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء[ ، وقال أيضا ]وقال ربكم ادعوني استجب لكم[ .
ثم إنه قد جاء النص القرآني على أن الموتى لا يستجيبون للأحياء بشيء ، ومن لم يصدق بخبر القرآن فهو كافر ، فأي تجربة تنقض تقرير القرآن ، قال تعالى ]والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال[ ، وقال تعالى ]وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور[ ، وقال تعالى ]إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم[ ، وقال تعالى متحديا لهم ]إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين[.
وبناء على هذا فالذي أجاب دعاء من دعا المخلوقين هو الله وحده وإن كان الداعي يظن أن الذي استجاب دعاءه هو ذلك المدعو من دون الله .
فإن قيل : فما الحكمة في استجابة الله لذلك الدعاء مع أنه ليس هو المدعو؟
فالجواب: أن إجابة الله لدعاء ذاك الداعي كانت لحكمة بالغة ، وهي أن يزداد ذلك الداعي فتـنة وضلالا بذاك المدعو ، جزاء له على إعراضه ابتداءً ، كأن يطلب إنسان من صاحب قبـر أن يرزقه الولد ، فيرزقه الله الولد ، فيظن ذلك المشرك أن صاحب القبـر هو الذي آتاه الولد ، أو كان سببا في ذلك ، فيزداد إيمانا به ، ويقول إنه جرب دعاءه فأجابه ، وهذا من مكر الله به ، عقوبة له على إعراضه عن ربه في أول الأمر ، قال تعالى }فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم{ .
فالواجب الحذر من مكر الله ، فإن الله يمكر بمن يستحق ذلك ، قال تعالى }ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون{.
الوجه الثالث: أن الدعاء عبادة ، والعبادات لا تثبت بالتجربة أصلا ، بل بالدليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن أثبت صورة دعاء بتجربة لم ترد في الشريعة فدعاؤه بدعي وليس بشرعي ، وعمله مردود عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا[195] ما ليس منه فهو رد .[196]
وفي رواية : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .[197]
قال العلامة الشوكاني رحمـه الله :
السنة لا تثبت بمجرد التجربة ، ولا يَخرج الفاعل للشيء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا ، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول صلى الله عليه وسلم ، فقد يجيب الله الدعاء من غير التوسل بسبب وهو أرحم الراحمين ، وقد تكون الاستجابة استدراجا .[198]
وقال الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله :
العبادات لا تؤخذ من التجارب ، سيما ما كان منها في أمر غيبي ، فلا يجوز الميل إلى تصحيحه بالتجربة ، كيف وقد تمسك به بعضهم في جواز الاستغاثة بالموتى عند الشدائد ، وهو شرك خالص ، والله المستعان . انتهى .[199]
فالحاصل أن الدعاء وغيره من العبادات لا تثبت بالأقيسة والعقول والأذواق ، بل بالنص الصريح من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فما وافقهما وجب الأخذ به ، وما خالفهما وجب نبذه والبراءة منه .
الوجه الرابع: أن بعض الناس قد يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل له المقصود ، فدل هذا على بطلان الاحتجاج بالتجربة على جواز دعاء غير الله ، ومن ذلك أن هناك من يدعو الكواكب ويستجيب الله دعاءهم ، وبعض الناس يدعون الأوثان والكنائس والتماثيل التي في الكنائس ويحصل لهم غرضهم ، وهذا من استدراج الله لهم ليزدادوا إثما على إثمهم جزاء لهم على إعراضهم ابتداء .
قال ابن تيمية رحمـه الله : ومن هذا الباب من قد يدعو دعاء يعتدي فيه ، إما بطلب ما لا يصلُح ، أو بالدعاء الذي فيه معصية الله ، شرك أو غيره ، فإذا حصل بعض غرضه ظن أن ذلك دليل على أن عمله صالح ، بمنـزلة من أُملي له وأُمد بالمال والبنين ، يظن أن ذلك مسارعة له في الخيرات ، قال تعالى }أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون{ ، وقال تعالى }فلما نسوا ما ذُكِّروا به ف‍تحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم ملبسون{ ، وقال تعالى }ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين{ ، والإملاء إطالة العمر وما في ضمنه من رزق ونصر ، وقال تعالى }فذرني ومن يكذب ب‍هذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين{ .[200]
وكذلك جميع المحرمات من شرب الخمر والفواحش والظلم قد يحصل باستعمالها بعض المنافع ، ومع هذا فهي غير جائزة في الشريعة ، فكذلك دعاء غير الله ، قد يستجاب لفاعله مع أنه شرك أكبر لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ، فهذا أصل يجب اعتباره ، وهو أن ترتب بعض المصالح على فعل ما لا يدل على جوازه شرعا .
قال ابن تيمية رحمه الله:
ليس كل ما كان سبباً كونياً يجوز تعاطيه ، فإنّ قتل المسافر قد يكون سبباً لأخذ ماله وكلاهما محرم ، والدخول في دين النصارى قد يكون سبباً لما يعطُونه وهو محرم ، وشهادة الزور قد تكون سبباً لما يؤخذ من المشهود له وهو حرام ، والكثير من الفواحش والظلم قد يكون سبباً لنيل مطالب وهو محرم ، والسحر والكهانة سبب في بعض المطالب وهو محرم ، وكذلك الشرك - مثل دعوة الكواكب والشياطين وعباده البشر - قد يكون سبباً لبعض المطالب وهو محرم ، فإن الله تعالى حرَّم من الأسباب ما كانت مفسدته راجحة على مصلحته ، وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحياناً ، وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقاً وأمراً ، فإنهم مطالَبون بالأدلة الشرعية على أن الله شرع لخلقه أن يسألوا ميتاً أو غائباً ، أو يستغيثوا به ، سواء كان ذلك عند قبره أو لم يكن عند قبره ، وهم لا يقدرون على ذلك .
بل نقول : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين ، فإن أحداً منهم ما كان يقول إذا نـزلت به تـِرة[201] أو عرضت له حاجة لميت : يا سيدي فلان أنا في حسبك ، أو اقض حاجتي ، كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين ، ولا أحداً من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، ولا بغيره من الأنبياء ، لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها ، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال ، ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون ، ومع هذا لم يستغث أحد منهم بني ولا غيره من المخلوقين ، بل ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلاً ، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ، ولا الصلاة عندها . [202]
الوجه الخامس: يقال لمن احتج بالتجربة على جواز دعاء غير الله: إن الوهم النفسي قد يؤثر في مثل هذه الحالات ، كأن يظن الإنسان أن دواء علته في دواء ما ، فإذا تناوله انفرجت أسارير نفسه واطمئنت ، بينما هذا الذي تناوله ليس بدواء أصلا ، بل هو شيء عادي كان يتوهمه دواء .
فكذلك دعاء غير الله ، يفعله بعض الناس لأجل الشفاء مثلا من مرض قد ألم به بسبب تأثير شيطاني عليه ، فإذا دعا ميتا – مثلا - انكشف عنه التأثير الشيطاني فيرتاح ، فيظن أن ذاك الميت قد استجاب دعاءه ، بينما هو لم يكن مريض أصلا ، وإنما الشيطان يوهمه بذلك .
وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه رأى في عنق امرأة من أهله سَيرا فيه تمائم ، فمده مدا شديدا حتى قطع السير ، وقال : إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك .
ثم قال : إن التولة[203] والتمائم[204] والرقى[205] لشرك .
فقالت امرأة : إن أحدنا ليشتكي رأسها فيسترقي ، فإذا استرقت ظن أن ذلك قد نفعها .
فقال عبد الله : إن الشيطان يأتي أحدكم فيخُش[206] في رأسها ، فإذا استرقت خنس[207] ، فإذا لم تسترق نخس[208] ، فلو أن إحداكن تدعو بماء فتنضحه في رأسها ووجهها ثم تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم تقرأ )قل هو الله أحد( ، و )قل أعوذ برب الفلق( ، و )قل أعوذ برب الناس( ؛ نفعها ذلك إن شاء الله .[209]
قال الشيخ محمد عارف خوقير المكي[210] رحمه الله :
وهنا نكتة طبية ؛ وهي أن الوهم أكبر عامل في الإنسان ، وهو عند ظنه بنفسه ، فمتى تخيل المريض أن شفاءه يكون في الشيء الفلاني ؛ انصرفت نفسه إليه وانفتحت مسامه لتلقيه بأدنى مناسبة ، وانبعث دمه في جسمه لذلك ، وربما كان الوهم قاضيا على الصحيح كما هو مشاهد في أيام الوباء .[211]
وتأمل أيها القارئ الكريم هذه القصة العجيبة التي ذكرها ابن تيمية رحمه الله ، حيث قال :
كان بالبلد جماعة كثيرون ، يظنون بالعبيديين أنهم أولياء الله صالحون ، فلما ذكرت لهم أن هؤلاء كانوا منافقين زنادقة ، وخيار من فيهم الرافضة ؛ جعلوا يتعجبون ويقولون : نحن نذهب بالفَرس التي بها «مَـغل»[212] إلى قبورهم فتشفى عند قبورهم .
فقلت لهم : هذا من أعظم الأدلة على كفرهم ، وطلبتُ طائفة من سُيَّاس[213] الخيل ، فقلت : أنتم بالشام ومصر إذا أصاب الخيل «المغل» أين تذهبون بها ؟
فقالوا : في الشام يُذهب بها إلى قبور اليهود والنصارى ، وإذا كنا في أرض الشمال يُذهب بها إلى القبور التي ببلاد الإسماعيلية[214] ، وأما في مصر فيذهب بها إلى دَيرٍ[215] هناك للنصارى ، ونذهب بها إلى قبور هؤلاء الأشراف ، وهم يظنون أن العبيديين شرفاء ، لِما أظهروا أنهم من أهل البيت .
فقلت : هل يذهبون بها إلى قبور صالحي المسلمين ، مثل قبر الليث بن سعد والشافعي وابن القاسم وغير هؤلاء ؟
فقالوا : لا .
فقلت لأولئك : اسمعوا ، إنما يذهبون بها إلى قبور الكفار والمنافقين ، وبينت لهم سبب ذلك ، قلت : (لأن هؤلاء يعذبون في قبورهم ، والبهائم يسمعون أصواتهم ، كما ثبت في ذلك الحديث الصحيح ، فإذا سمِعت ذلك فزِعت ، فبسبب الرعب الذي حصل لها ؛ تنحل بطونها فـتُروِّث ، فإن الفزع يقتضي الإسهال) ، فيَعجبون من ذلك ، وهذا المعنى كثيرا ما كنت أذكره للناس ، ولا أعلم أن أحدا قاله ، ثم وجدته قد ذكره بعض العلماء .[216]
الوجه السادس: ومن أعظم مكائد الشياطين لمن احتج بالتجربة على جواز دعاء غير الله أن الداعي إذا طلب من صاحب القبـر أن يخبره عن مكان ضالته ؛ أجابه شيطان عن مكانها ، فيظن الداعي أن ذلك المقبور هو الذي أجابه ، فيؤمن بصحة دعاء ذلك المقبور ، ومن المعلوم أن الشياطين قد أعطاها الله قدرة عظيمة على التـنقل بسرعة والبحث في الأرض ، فإذا أخبرت الداعي بطلبه ظن أن صاحب القبـر هو الذي كلمه ورد عليه ، وأن له معرفة بمكان الضالة ، وأن دعاءه صحيح ، فيستمر على ذلك ويزداد تعلقه به ، ويجيئه كلما احتاج إلى شيء ، وهكذا ، لأن صاحب الحاجة أعمى ، لا يهمه إلا قضاء حاجته .
قال ابن تيمية رحمـه الله تعالى : وأعرف من يستغيث برجال أحياء ، فيتصورون له ويدفعون عنه ما كان يحذر ، ويحصل له ما كان يطلب ، والأحياء الذين استغاث بهم لا يشعرون بشيء من ذلك ، وإنما هي شياطين تمثلت على صورِهم لتضل ذلك الداعي المشرك ، كما كانت الإنس تستعيذ بالجن ، فكانت رؤساء الجن تعيذهم من سفهائهم لفرحهم باستعاذة الإنس ، قال تعالى ]وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا[.
والذين يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويدعونها تــتـنـزل عليهم أرواح من الجن ، وتقضي لهم كثيرا من حوائجهم ، ويسمونها روحانية ذلك الكوكب ، وهو شيطان .
ومن الشياطين من يطير بصاحبه من الإنس في الهواء وينقله إلى بـيت المقدس ، ومن جبل الصالحين إلى مكان بعيد ، ويرقى به في الهواء ويضعه على رأس السنان[217]، ويدخل به النار فيمنعه حرها .
فالسعادة والنجاة في الاعتصام بالكتاب والسنة ، واتباع ما شُرع كما شُرع ، والدعاء من أجلِّ العبادات ، فينبغي للإنسان أن يلزم الأدعية المشروعة ، فإن هذا هو الصراط المستقيم ، والله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين .[218]
وقال أيضا : وأعرف من ذلك وقائع كثيرة ، في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم ، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ورفعنا عنهم ، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصوَّر بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ ، فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين ، وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان .[219]
وقال أيضا رحمه الله في معرض كلامه عن تلبيس الشياطين على بني آدم :
فإن الشياطين قد تخاطبهم وتعينهم على أشياء وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن ، فإن الجن هم الذين يعينونهم ويرضون بشركهم ، قال تعالى ]ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون[ . والملائكة لا تعينهم على الشرك لا في المحيا ولا في الممات ، ولا يرضون بذلك ، ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم : أنا إبراهيم ، أنا المسيح ، أنا محمد ، أنا الخضر ، أنا أبو بكر ، أنا عمر ، أنا عثمان ، أنا علي ، أنا الشيخ فلان .
وقد يقول بعضهم عن بعض : هذا هو النبي فلان ، أو هذا هو الخضر ، ويكون أولئك كلهم جنا يشهد بعضهم لبعض ، والجن كالإنس فمنهم الكافر ومنهم الفاسق ومنهم العاصي ، وفيهم العابد الجاهل ، ومنهم من يحب شيخا فيتزيا في صورته ، ويقول (أنا فلان) ويكون ذلك في برية ومكان قفر ، فيُطعم ذلك الشخص طعاما ويسقيه شرابا أو يدله على الطريق أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة ، فيظن ذلك الرجل أن نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك ، وقد يقول هذا سر الشيخ وهذه رقيقته وهذه حقيقته ، أو هذا ملك جاء على صورته ، وإنما يكون ذلك جنيا ، فإن الملائكة لا تعين على الشرك والإفك والإثم والعدوان .[220]
وقال رحمه الله أيضا: ولا ريب أن الأوثان يحصل عندها من الشياطين وخطابهم وتصرفهم ما هو من أسباب ضلال بني آدم ، وجعْـل القبور أوثانا هو أول الشرك ، ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطاب يسمعه وشخص يراه وتصرف عجيب ما يظن أنه من الميت ، وقد يكون من الجن والشياطين ، مثل أن يرى القبـر قد انشق وخرج منه الميت وكلمه وعانقه ، وهذا يُرى عند قبور الأنبياء وغيرهم وإنما هو شيطان ، فإن الشيطان يتصور بصور الإنس ويدعي أحدهم أنه النبي فلان أو الشيخ فلان ، ويكون كاذبا في ذلك .[221]
قلت: وقد ثبت أن الشياطين تحل في الأصنام التي تعبد من دون الله وتخاطب من يعبدونها من الإنس لتغويهم ، فقد روى هشام الكلبي في كتاب «الأصنام» قال :
حدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كانت العُـزى شيطانة تأتى ثلاث سمرات[222] ببطن نخلة ، فلما افتتح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد فقال : ائت بطن نخلة ، فإنك ستجد ثلاث سمرات ، فاعضُد[223] الأولى .
فأتاها فعضدها ، فلما جاء إليه عليه الصلاة والسلام قال : هل رأيت شـيئا ؟
قال : لا .
قال[224] : فاعضد الثانية .
فأتاها فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل رأيت شيئا ؟
قال : لا .
قال : فاعضد الثالثة .
فأتاها ، فإذا هو بحبشية نافِشة شعرها ، واضعة يديها على عاتقها ، تصرِف[225] بأنيابها ، وخلفها دبية السلمي ، وكان سادنها[226] ، فلما نظر إلى خالد قال :
عزي[227] شُدي شدة لا تُـكذبي على خالد ألقِي الخمار وشمري
فإنك إلا تَقتلي اليوم خالدا  تبُوئي بذلٍّ عاجلا وتنَـصّري[228]
فقال خالد :
يا عزى كفرانك لا سبحانك    إني رأيت الله قد أهانك
ثم ضـربها ففلق رأسها فإذا هي حُـمَمة[229] ، ثم عضد الشجـرة وقـتل دبية السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبـره فقال : تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب ، أما إنها لن تعبد بعد اليوم .[230]
وأخرج الأزرقي في «أخبار مكة»[231] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كان العزى ثلاث شجرات سمرات بنخلة ، وكان في كل واحدة شيطان يعبد .
وأخرج الأزرقي أيضا في «أخبار مكة»[232] عن محمد بن السائب الكلبي قال :
كانت اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطانة ، تكلمهم وتَـراءا للسدنة ، وذلك من صنيع إبليس وأمره .
وأخرج الأزرقي في «أخبار مكة»[233] من طريق الواقدي عن أشياخه أن الأصنام لما كسرت يوم فتح مكة ، وكان منها صنما إساف ونائلة ؛ خرجت من إحداها امرأة سوداء شمطاء ، تخمش وجهها ، عريانة ، ناشرة الشعر ، تدعو بالويل ، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال :
تلك نائلة ، قد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا .
وروى عبد الله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه[234] عن أبي بن كعب في تفسير قوله تعالى ]إن يدعون من دونه إلا إناثا[ قال : مع كل صنم جنية .
فصل هام
بين ابن تيمية رحمه الله لمن أراد أن يمتحن أولئك الشياطين الذين يخاطبونه ليعلم هل هي شياطين أم لا ، قال  رحمه الله :
والمؤمن العظيم يعلم أنه شيطان ويتبين ذلك بأمور : (أحدها) أن يقرأ آية الكرسي بصدق ، فإذا قرأها تغيب ذلك الشخص أو ساخ في الأرض أو احتجب ، ولو كان رجلا صالحا أو ملَكا أو جنيا مؤمنا لم تضره آية الكرسي وإنما تضر الشياطين ، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة لما قال له الجني : اقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك ، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقك وهو كذوب .[235]
ومنها أن يستعيذ بالله من الشياطين ، ومنها أن يستعيذ بالعِـوذ الشرعية ، فإن الشياطين كانت تعرض للأنبياء في حياتهم وتريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم ، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن عفريتا من الجن جعل يفتك[236] علي البارحة ليقطع علي الصلاة ، وإن الله أمكنني منه فذعته[237] ، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون - أو  كلكم - ، ثم ذكرت قول أخي سليمان ]رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي[ ، فرده الله تعالى خاسئا .[238]
فإذا كانت الشياطين تأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة ، ومن الجهاد باليد ؛ فكيف من هو دون الأنبياء ؟
فالنبي صلى الله عليه وسلم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال ، ومن أعظمها الصلاة والجهاد ، وأكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد ، فمن كان متبعا للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء .
وأما من ابتدع دينا لم يشرَعوه فترك ما أمروا به من عبادة الله وحده لا شريك له ، واتباع نبيه فيما شرعه لأمته ، وابتدع الغلو في الأنبياء والصالحين والشرك بهم ؛ فإن هذا تتلاعب به الشياطين ، قال تعالى ]إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون[ ، وقال تعالى ]إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين{.
ومنها أن يدعو الرائي بذلك ربه تبارك وتعالى ليبين له الحال .[239]
ومنها أن يقول لذلك الشخص : ءأنت فلان ؟ ويقسم عليه بالأقسام المعظمة ويقرأ عليه قوارع[240] القرآن ، إلى غير ذلك من الأسباب التي تضر الشياطين .[241] انتهى كلامه .
 



{الشبهة السابعة : شبهة تقليد العلماء}

قال بعض الناس : إن بعض العلماء لا ينكرون على من يدعون غير الله ، بل ربما حثوا على ذلك ودعوا إليه ، أليس هذا مسوغا لجواز دعاء غير الله؟!
والجواب أن هذا ليس بمسوغ إطلاقا ، وبيان ذلك من خمسة وجوه[242]:
الوجه الأول : أن الله افترض علينا طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لغيرهما طاعة مستقلة إلا فيما وافق الشرع ، قال تعالى }اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم ولا تــتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون{ ، وقال تعالى ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً [، فهذا دليل قاطع على أنه يجب رد ما تنازع فيه الناس من أمور الدين - أصوله وفروعه - إلى الله ورسوله ، لا إلى غير الله ورسوله ، فمن أحال على غيرهما فقد ضاد الله في أمره .
وتأمل قوله تعالى ]إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ ، فهذا شرط ينتفي المشروط بانتفائه ، أي أن من حكَّم غير الله ورسوله في موارد النـزاع ؛ كان خارجاً عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر .
وقد اتفق السلف والخلف على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته .
ثم قال تعالى ]ذلك خير وأحسن تأويلاً[ ، أي هذا الرد الذي أمرتكم به إلى الله والرسول خيرٌ لكم في معاشكم ومعادكم ، وهو سعادتكم في الدارين ، وخير لكم وأحسن عاقبةً ، وسبب السعادة عاجلاً وآجلاً .
وهذه قاعدة عظيمة مهمة يحتاج إليها كل أحد ، وطالب العلم إليها أحوج ، فإنه في غالب الأحوال يرى الطالب أو العالم علماء بلده يفتون الناس بأمور مخالفة للشريعة ، إما جهلا بالأدلة ، أو تقليدا لمن قبلهم ، أو غير ذلك من الأسباب ، أو يرى نصوص أهل مذهبه قد خالفت نصوص غيرهم من أهل المذاهب ، أو يرى ، فلا ينبغي له إذن أن يهجم على كتب المذاهب ، ويأخذ بعزائمها ورخصها ، بل الواجب عليه أن يعرض نصوص مذهبه ونصوص غيرهم من أهل المذاهب على ما جاء عن الله ورسوله ، فما وافقها قبِله ، وما خالفها رده على قائله كائناً ما كان ، فيجعل ما جاء عن الله ورسوله هو المعيار ، ويدور معه حيث دار ، وكثير من الناس أو أكثرهم نكَّس هذا الحكم على رأسه ، وجعل الحكم للكتب التي صنفها المتأخرون ، ]فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون[.
وقد جاء عن أئمة المذاهب وغيرهم ما يدل على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة ، وتحريم تقديم أقوال أهل العلم عليهما كائنا من كانوا ، وهذه طائفة من أقوالهم ، وقد نقلت عامتها مع تخاريجها من مقدمة كتاب «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم »[243] للشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله .
أبو حنيفة النعمان رحمه الله
قال رحمه الله : إذا صح الحديث فهو مذهبي .[244]
وقال : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .[245]
وفي رواية  : حرام على من لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي .
وزاد في رواية  : فإننا بشر  ، نقول القول اليوم ، ونرجع عنه غداً .
وفي رواية أخرى  : ويحك يا يعقوب[246] ، لا تكتب كل ما تسمع مني ، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً ، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد .
وقال : إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فاتركوا قولي .[247]
مالك بن أنس رحمه الله
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
إنما أنا بشر ، أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .[248]
وقال : ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم .[249]
محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله
قال رحمه الله: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزُب[250] عنه ، فمهما قلت من قول ، أو أصلت من أصل ، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت ؛ فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وهو قولي .[251]
وقال : أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لم يحل له أن يدعها لقول أحد .[252]
وقال : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوا ما قلت .[253]
وفي رواية : فاتبعوها ، ولا تلتفتوا إلى قول أحد .[254]
وقال : إذا صح الحديث فهو مذهبي .[255]
وقال : كل مسألة تكلمت فيها ، صح الخبر فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت ؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي .[256]
وقال : اشهدوا أني إذا صح عندي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم آخذ به فإن عقلي قد ذهب . [257]
وقال : كلما قلت ، وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح ؛ فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، ولا تقلدوني .[258]
وقال : كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي ، وإن لم تسمعوه مني .[259]
وقال أيضا : إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ، وقلت قولا ؛ فأنا راجع عن قولي ، قائل بذلك .[260]
 أحمد بن حنبل رحمه الله
قال رحمه الله: لا تقلدوني ، ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا .[261]
وفي رواية  : لا تقلد في دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ، ثم التابعين بعدُ ؛ الرجل فيه مخير .
وقال مرةً : الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ، ثم هو مِن بعد التابعين مخير .[262]
وقال : رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي سفيان كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار .[263]
وقال : من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهو على شفا هلكة .[264]
الوجه الثاني : ومن وجوه رد مقولة إن دعاء غير الله منتشر في بلادنا ولا ينكره علماؤنا أن العالم ليس بمعصوم ، فربما زلت قدمه ، فأفتى بجواز ذلك ، بسبب شبهة أو بحكم العادة أو غيرها من الأسباب ، وقد روى البـيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تقطع أعناق الرجال ، فاتهموها على أنفسكم.[265]
ومن المعلوم أن المخُوف في زلة العالم تقليده فيها ، إذ لولا ذلك لم يُخف من زلة العالم على غيره ، فإذا عرُف أنها زلة فليس له أن يُتبع فيها باتفاق العلماء ، فإنه اتباع للخطأ على عمد .
وقال عمر رضي الله عنه : يُفسد الزمان ثلاثة : أئمة مضلون ، وجدال منافق بالقرآن والقرآن حق ، وزلة عالم .[266]
فإذا ثبت أن العالم يزل ويخطئ ؛ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين الله بقول لا يُعرف وجهه ، فكيف إذا عارض بقوله أو فعله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله ؟
الوجه الثالث : إنه من المستقر المعلوم أن  أعلم الناس بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه هم أصحابه رضي الله عنهم ، فهم أعلم الناس بسنته ، وأطوعهم لأمره ، وهم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ورضي عمن اتبعهم بإحسان ، ومعلوم أن عندهم من قبور الصحابة الذين ماتوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ما لا يحصى ، ومع هذا لم يتوجهوا لها بالدعاء ، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وسنة خلفائه الراشدين ، فليأت بأثر واحد عنهم يقرر ذلك ، فإن لم يجد فعليه بلزوم ما ساروا عليه ، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا ، قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبـيه صلى الله عليه وسلم ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم .[267]
الوجه الرابع: أن كتب أهل العلم مشحونة بالنهي عن دعاء أصحاب القبور ، فلا يقول (إن العلماء لم ينكروه) ؛ إلا من قَصُر في العلم باعُه ، وقلَّ نظره واطلاعه .
ولو قُدِّر جدلا أن بعض العلماء أقروا دعاء غير الله ولم ينكروه ؛ لم يكن قولهم ولا فعلهم حجة ، بل لله الحجة البالغة ، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما وافق هديه فهو مقبول ، وما خالفه فهو مردود ، كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عــن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .
وقد أجمع العلماء على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وقد يسر الله إعداد بحث في تقرير ذلك ، فليراجعه من أراد الإطلاع .[268]
الوجه الخامس : أن هناك من ينتسب إلى العلم ولكنه من علماء السوء ، من الذين يجوزون الشرك بالله ، إما لفساد اعتقادهم ، أو لتعصبهم لما عليه أهل بلدهم وحسدهم لأهل التوحيد ، فهؤلاء لا يوصفون بالعلماء أصلا وإن وصفهم عامة الناس بذلك ، فإن العامة ليس عندهم ميزان لتمييز الحق من الباطل ، وبعض علماء السوء يخدع الناس ، فينسب نفسه لأهل البيت ويلبس عمامة العلم ويحسن الكلام في الأمور الدينية فيصفه الناس بالعالم ويقلدونه حيثما سار ، ولا يعرضون كلامه على الكتاب والسنة ، بل يطوعون الكتاب والسنة لتتفق مع كلامه عياذا بالله ، فأمثال هؤلاء يجب الحذر منهم ، وفي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين .[269]
فالواجب الحذر ، فإن العلماء الربانيين إذا قلوا في البلاد اتخذ الناس رؤوسا جهالاً ، فيفتون بغير علم فيَضلون ويُضلون ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ،  ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فافتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا .[270]
فصل
وعلماء السوء يعتبرون من أهم روافد الفكر القبوري ، وكم عانى الإسلام من علماء السوء على مر العصور والدهور ، وعلماء السوء لهم أضرار كبيرة ، منها إباحة ما حرم الله ، وحث الناس على الوقوع في الشرك والبدع ، والطعن في علماء الحق الذين يبينون باطلهم للناس ويكشفون عوارهم لتنفير الناس منهم .
ومن علماء السوء المنتشرون في العصر الحاضر من يسمى بعلي الجفري اليمني ود. أحمد الكبيسي ، وكذا محمد علوي المالكي ، فهؤلاء يجوزون الشرك المتمثل بدعاء غير الله ، عياذا بالله.[271]
أما علماء الشيعة فحدث ولا حرج ، فلا يخلو أصل من أصول الدين إلا وخالفوا أهل السنة فيه ، وهم يعيشون خارج دائرة أهل الإسلام ، فليس الخوف منهم كالخوف من بني جلدتنا ، الذين يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ، ويؤمنون بعامة المسائل الإيمانية ، إلا مسألة توحيد العبادة ، فإنهم لا يوافقون عليها ، وإن كانوا يقولون لا إله إلا الله ، فإن الواقع أنهم يؤلهون غير الله من أصحاب القبور وغيرهم ، ويشرِّكون في بعض عباداتهم بين الله وبين خلقه ، كالدعاء والذبح والنذر وغيرها ، تحت ستار تعظيم الصالحين أو غيره ، وهذا ناقض لدين الإسلام ، موجب للخلود في النار ، ولو لبس صاحبه ألف عمامة ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
 



{الشبهة الثامنة : شبهة الأحاديث الضعيفة والموضوعة}

تمسك بعض الناس بأحاديث عن النبـي صلى الله عليه وسلم تُـفيد جواز دعاء غير الله ، وأشهرها سبعة ، فيما يلي ذكرها ، مع الجواب عنها وبيان ضعفها وبطلان الاحتجاج بها:
1.    حديث : لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به .
والجواب عن هذا الحديث من وجهين :
الأول : أن هذا الحديث ليس له إسناد ، ولم يرد في أي من كتب الحديث المعتبرة ، وإنما يتوارد على ألسنة المعتقدين في أهل القبور جيلا بعد جيل ، وقرنا بعد قرن ، وإنما هو حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن هذا الحديث وما جاء في معناه يخالف أصول الدين ، فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله أمر المسلم إذا أصابته مصيبة أن يتضرع إلى الله وحده كما قال تعالى ]أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله بل هم قوم يعدلون[ ، بينما الحديث المتقدم يفيد التوجه للحجارة ، وهو دعوة صريحة لعبادة الأوثان ، والرجوع إلى ما كانت عليه العرب في الجاهلية .
قال ابن تيمية رحمـه الله معلقا على هذا الحديث:
وإنما هذا من قول عباد الأصنام الذين يُـحسنون ظنهم بالحجارة ، وقال تعالى لهم ]إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون[ … فهؤلاء المشركون كانوا قد أحسنوا ظنهم بالحجارة فكان عاقبتهم أنهم في النار خالدون ، وإنما يُحسن العبد ظنه بربه كما ثبت في الصحيح عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله :
(أنا عند ظن عبدي بـي ، وأنا معه إذا ذكرني[272] ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)[273]. انتهى[274]
وقال تلميذه ابن القيم رحمـه الله في معرض ذكره لجملة من الأحاديث الموضوعة:
وحديث : (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه) ، وهو من وضع المشركين ، عباد الأوثان .[275]
وقال ابن حجر العسقلاني : لا أصل له .[276]
وقال الشيخ الألباني رحمـه الله : موضوع .[277]
وأورده الشيخ مرعي الكرمي في كتابه «الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة»[278] ، والفُتّني في كتابه «تذكرة الموضوعات»[279].
2. ومن الأحاديث الواردة في هذا الباب حديث : (إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور).
وهذا الحديث كسابقه ، مناقض لدين الإسلام الذي يدعو إلى دعاء الله وحده في السراء والضراء ، قال ابن تيمية رحمـه الله : فهذا الحديث كذب مفترى على النبـي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه ، لم يروه أحد من العلماء بذلك ، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة.[280]
وقال ابن القيم رحمـه الله : ومنها[281] أحاديث مكذوبة مختلقة ، وضعها أشباه عباد الأصنام من الـمُقابرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تـناقض دينه وما جاء به ، كحديث : (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) ، وحديث (لو حسَّن أحدكم ظنه بحجر لنفعه) ، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام ، وضعها المشركون ، وراجت على أشباههم من الجهال الضلال ، والله بعث رسوله بقتل من حسَّن ظنه بالأحجار ، وجنّب أمته الفتـنة بالقبور بكل طريق .[282]
قلت : وقد أورده الشيخ مرعي الكرمي في كتابه «الفوائد الموضوعة من الأحاديث الموضوعة»[283]، وكذا الأزهري في كتابه «تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين»[284].
3. ومن الآثار الضعيفة الواردة في هذا الباب الأثر الذي أورده ابن السني في كتابه «أذكار اليوم والليلة» فقال :

حدثنا محمد بن خالد بن محمد البردعي قال : حدثنا حاجب بن سليمان قال : حدثنا محمد بن مصعب قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش قال :
كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فخدرت رجله ، فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك .
فقال : يا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال : فقام ، فكأنما نَـشَط[285] من عِقال[286] .[287]
وقد أجاب عن هذا الحديث الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمـه الله مبينا ضعفه فقال :
ضعيف ، أخرجه ابن السني (166) بإسناد ضعيف فيه علتان :
الأولى : الهيثم هذا مجهول كما في « الكفاية » للخطيب البغدادي (ص 88) .
الثانية : أنه من رواية أبـي إسحاق عنه ، وهو السبـيعي ، وهو مدلس وقد عنعنه ، ثم إنه كان قد اختلط ، وهذا من تخاليطه ، فإنه اضطرب في سنده ، فتارة رواه عن الهيثم هذا ، وتارة عن أبـي شعبة ، وفي نسخة : (أبـي سعيد) ، رواه ابن السني (164) .
وتارة قال : عن عبد الرحمن بن سعد قال : (كنت عند ابن عمر فذكره) ، أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (964) وابن السني (168) .
وعبد الرحمن بن سعد هذا وثقه النسائي ، فالعلة من أبـي إسحاق من اختلاطه وتدليسه ، وقد عنعنه في كل الروايات عنه ، وقد سبق له مثال غريب من تدليسه ، تبـين فيه أنه أسقط واسطتين ، فانظر التعليق (رقم 126).[288] انتهى.
وهناك علة ثالثة وهي ضعف محمد بن مصعب ، فقد قال البخاري : كان يحيى بن معين سيئ الرأي فيه .[289]
وقال ابن حبان : كان ممن ساء حفظه ، حتى كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد .[290]
ولتمام الفائدة ؛ فإني نقلت هنا روايات هذا الأثر الأخرى ، وكلها قد رواها ابن السني وهي ضعيفة ، لتفرد أبي إسحاق السبيعي بها ، وهو ضعيف الرواية كما تقدم :
حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي وعمر بن الجنيد بن عيسى قالا : حدثنا محمود بن خداش قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن أبي سعيد قال :
كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فجلس ، فقال له رجل : أذكر أحب الناس إليك .
فقال : (يا محمداه) ، فقام فمشى .[291]
أخبرني أحمد بن الحسن الصوفي قال : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال :
كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقلت : يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك ؟
قال : اجتمع عصبها من هاهنا .
قلت : ادع أحب الناس إليك .
فقال : (يا محمد) ، فانبسطت .[292]
4. ومن الآثار الضعيفة أيضا أثر ابن عباس رضي الله عنهما الذي أخرجه ابن السني فقال :

حدثنا جعفر بن عيسى أبو أحمد قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن روح قال : حدثنا سلام بن سليمان قال : حدثنا غياث بن إبراهيم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
خدَرت رِجل رَجل عند ابن عباس ، فقال له ابن عباس : اذكر أحب الناس إليك .
فقال : (محمد صلى الله عليه وسلم) ، فذهب خدره .[293]
هذا حديث موضوع ، في سنده غياث بن إبراهيم ، متروك الحديث .
قال أحمد بن حنبل : متروك الحديث .
وقال ابن عدي : وغياث هذا بيِّـن الأمر في الضعف ، وأحاديثه كلها شبه الموضوع .[294]
وقد حكم عليه العلامة الألباني رحمـه الله تعالى بالوضع .[295]
ومن جهة أخرى ، فإنه علاوة على ضعف الحديث ؛ فليس فيه حجة على طلب الحاجات من الأموات والغائبين ، لأن القائل لم يقل : (أدعُ أحب الناس إليك) ، والمقول له لم يقل : (يا محمد أزل خدر رجلي) .[296]
5. ومن الأحاديث التي يتمسك بها بعض من قال بجواز دعاء غير الله حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، الذي رواه أبو يعلى في «مسنده» فقال :

حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، حدثنا معروف بن حسان ، عن سعيد عن قتادة عن ابن بريدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا انفلتــت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : (يا عباد الله احبسوا[297] ، يا عباد الله احبسوا) ، فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه .[298]
ورواه ابن السني من طريق أبي يعلى به .[299]
ورواه الطبراني في « المعجم الكبير » فقال : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني عن سعيد ، والباقي سواء .[300]
هذا حديث ضعيف من وجوه :
الأول : ضعف معروف بن حسان ، فقد قال أبو حاتم إنه مجهول .[301]
وقال ابن عدي إنه منكر الحديث[302] ، وضعفه الهيثمي في «مجمع الزوائد»[303].
الثاني : الانقطاع بـين أبـي بريدة وابن مسعود ، وبه أعله الحافظ ابن حجر ، كما نقله ابن علان عنه في «شرح الأذكار» (5/150) .[304]
تنبيه : في نسخة ابن السني : (ابن بريدة عن أبيه) ، وليست في المطبوع من مسند أبي يعلى ولا معجم الطبراني ، فلعلها خطأ من الناسخ .[305]
الثالث : سعيد بن عروبة كثير التدليس واختلط ، قاله ابن حجر في «التقريب».
وقد رو هذا الحديث ابن أبي شيبة في «المصنف» فقال :
حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
هذا إسناد معضل[306] ، ومحمد بن إسحاق مدلس مشهور [307].
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله : لم يصحح أو يحسن هذا الحديث أحد ممن له معرفة أو مشاركة في علم الحديث ، بل إما مُضعِّف ، أو ناقل تضعيف غيره .[308]
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين[309] رحمه الله :
وعلى تقدير صحته ؛ فليس فيه حجة لهذا المبطل على جواز دعاء الأموات والغائبين ، لأنه قال فيه : (فإن لله حاضراً سيحبسه) ، المعنى : أن لله عباداً لا نعلمهم – وما يعلم جنود ربك إلا هو – قد وكَلهم الله سبحانه بهذا الأمر ، وهذا يدل على أن هؤلاء الذين أُمر بمناداتهم حاضرون أحياء ، جعل الله لهم قدرة على ذلك ، فمناديهم ينادي من يسمع ويقدر على ذلك ، لقوله : (فإن لله حاضراً سيحبسه) ، وهذا كما ينادي الإنسان أصحابه الذين معه في السفر أن يردوا عليه دابته إذا انفلتت .
وكل عاقل يتيقن أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بمناداة من لا يسمع ولا يُعين من ناداه ، ومن استدل بذلك على جواز الاستغاثة بالأموات والغائبين فهو ضال .[310]
وقال الشيخ حمد بن ناصر آل معمر[311] رحمه الله :
إن صح الحديث فلا دليل فيه على دعاء الميت والغائب ، فإن الحديث ورد في أذكار السفر ، ومعناه أن الإنسان إذا انفلتت دابته وعجز عنها ؛ فقد جعل الله عباداً من عباده الصالحين من صالحي الجن أو من الملائكة أو ممن لا يُعلم من جُنده سواه ]وما يعلم جنود ربك إلا هو[.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عباداً قد وكَلهم بهذا الأمر ، فإذا انفلتت الدابة ، ونادى صاحبها بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؛ حبسوا عليه دابته ، فإن هؤلاء عباد لله أحياء ، وقد جعل الله لهم قدرة على ذلك كما جعل للأنس ، فهو ينادي من يسمع ويعِين بنفسه ، كما ينادي أصحابه الذين معه من الإنس ، فأين هذا من الاستغاثة بأهل القبور؟
بل هذا من جنس ما يجوز طلبه من الأحياء ، فإن الإنسان يجوز له أن يسأل المخلوق من الأحياء ما يقدر عليه ، كما قال تعالى ]فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه[ ، وكما في قوله تعالى ]وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر [ ، وكما يستغيث الناس يوم القيامة بآدم ونوح ، ثم بإبراهيم ، ثم بموسى ، ثم بعيسى ، حتى يأتوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ، بل هذا من جنس استغاثته برفقته من الإنس ، فإذا انفلتت دابته ، ونادى أحد رفقته : (يا فلان ردَّ الدابة) ؛ لم يكن في هذا بأس .
فهذا الذي ورد في الحديث من جنس هذا ، بل قد يكون قربة إذا قصد به امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم .[312]
فأين هذا من استغاثة العبادة ، بأن ينادي ميتاً أو غائباً في قطر شاسع ، سواء كان نبياً أو عبداً صالحاً ؟[313]
6. ومن الأحاديث الواردة في هذا الباب حديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه الذي رواه الطبراني فقال :

حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، ثنا عبد الرحمن بن شريك[314] ، حدثني أبي ، عن عبد الله بن عيسى ، عن زيد بن علي ، عن عتبة بن غزوان ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا أضل أحدكم شيئا ، أو أراد أحدكم عونا ، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل : (يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني) ، فإن لله عبادا لا نراهم .[315]
هذا حديث ضعيف ، في سنده عبد الرحمن بن شريك وأبوه ، وكلاهما ضعيفان .
قال أبو حاتم في عبد الرحمن : واهي الحديث .[316]
وقال الدارقطني في شريك : واهي الحديث فيما يتفرد به .[317]
وضعّف يحيى بن معين حديثه جدا ، قاله علي بن المديني .[318]
وقال الحافظ ابن حجر : صدوق ، يخطئ كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة .[319]
وفي السند انقطاع بين زيد بن علي وعتبة بن غزوان ، فعتبة بن غزوان توفي سنة عشرين على أوسع الأقوال ، وأما زيد بن علي - وهو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب - فولد سنة ثمانين .[320]
وقال الشيخ فوزان السابق رحمه الله في كتابه «البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج نـزار»:
فإن ما يُـفيده هذا الحديث – على تقدير ثبوته – هو نداء حي حاضر لحاضر ، إما من الملائكة المُوكلين أو من مُسلمي الجن ، أو من غيرهم ممن سخرهم الله لذلك ، وهذا النداء لِمن هم قادرون عليه ، لا نداء على شيء لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فأين هذا من دعاء الأموات والغائبين وسؤالهم ما لا يجيب المضطر فيه إلا رب العالمين ؟![321]
قلت : أضف إلى هذا أن الملائكة لا تعمل بأمر الناس ، وإنما تعمل بحسب أمر الله لها ، كما قال تعالى ]لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون[ ، فالملائكة تــتلقى الأعمال من الله فحسب .
وقد جاء في الكتاب والسنة ذكر كثير من وظائف الملائكة ، ولم يأت فيهما ذكر إعانة الملائكة للإنسان إذا طلب منهم ذلك ، ومن وظائفهم قبض الأرواح عند الموت ، وكتابة رزق العبد ، وأجله ، وعمله ، وشقي هو أو سعيد ، ويكون هذا إذا تم للإنسان في بطن أمه أربعة أشهر ، وغير ذلك من الوظائف التي ليس المقام مقام استقصائها.
وكذلك الجن ؛ فطلب العون منهم ممنوع شرعا ، سواء كان فيما يقدرون عليه أو فيما لا يقدر عليه إلا الله ، فإن كان الطلب فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، أو ممن يُعتقد غيابهم وعدم حضورهم ؛ فمعلوم أن هذا شرك .
وإن كان الطلب فيما يقدرون عليه كالإرشاد إلى الطريق ونحو ذلك ، فهذا الطلب وسيلة إلى الشرك وليس بشرك ، وفعله حرام لثلاثة أسباب :

الأول : أن وجود الجن حوله ليس بأكيد ، فيكون من التعلق بالظنيات ، والتعلق بالظنيات سبـيل إلى الوسوسة.
ثانيا : أن الجن لا يُدرى عن صالحهم وطالحهم ، فكم من رجل صالح قد أفسده جن طالح ، ظهر له في بداية الأمر بلباس الصلاح فأورده المهالك ، كارتكاب السحر ونحوه .
ثالثا : لو كانت الجن أو الملائكة تعين الإنسان كلما طَـلب منهم ذلك لجاء بـيان ذلك في الكتاب أو السنة ، لاسيما مع قيام المقتضي لذلك ، فلماذا لم يطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم العون في غزواته ؟[322] ولماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل العيون في الصحراء ؟
فلو كانت الاستعانة بالجن جائزة لاستعان بهم ، لاسيما وهم أقدر من الإنس على السياحة في الأرض وقطع المسافات الشاسعة في وقت يسير بدون أن يراهم أحد .
ولماذا لم يستعن بهم لما أضاعت عائشة عقدها وانحبس القوم ؟
وهكذا حوادث كثيرة مرت على النبـي صلى الله عليه وسلم وصحابته وعلى الخلفاء الراشدين لم يحصل فيها أنهم استعانوا بالجن ولا مرة واحدة مع وجود الحاجة الماسة إلى ذلك ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الرحيم الشفيق على أمته ، فدل ذلك على أن الاستعانة بالجن ليست مشروعة بل ممنوعة .
فالحاصل أن من أراد طلب المعونة في شيء مما هو في نطاق القدرة البشرية فعليه أن يطلب ممن حوله من البشر الأحياء القادرين الحاضرين ، مستصحبا التوكل على الله ، وسؤاله أن ييسر له أمره ، هكذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولم يعلمنا سوى ذلك ، والله اعلم .
7. ومن الآثار التي يتمسك بها بعض من أجاز طلب الحاجات من الموتى حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي رواه البزار فقال :
حدثنا موسى بن إسحاق ، ثنا منجاب بن الحارث ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن أسامة بن زيد ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة[323] بأرض فلاة فليناد : أعينوا ، عباد الله .[324]
ورواه البيهقي في «الشعب» بسنديه عن روح وجعفر بن عون ، أنا أسامة بن زيد عن ابن عباس موقوفا ، فذكره بنحوه .[325]
ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» فقال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن أسامة ، بنحوه .[326]
والجواب أن في الحديث علتان ؛ الأولى أسامة بن زيد الليثي ، فقد قال الإمام أحمد لابنه عبد الله : إن تدبرت حديثه فستعرف النكرة فيها .[327]
وقال أيضا : كان يحيى بن سعيد ترك حديثه بآخره[328] .[329]
الثاني: أن هذا الحديث الصواب فيه أنه موقوف على ابن عباس ولا يصح رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا يقال لعل ابن عباس تلقاها من مَسلمة أهل الكتاب ، قال العلامة الألباني رحمه الله:
وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل ، فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين ؛ فالأول منهما لم يُجرح بشيء ، بخلاف الآخر ، فقد قال فيه النسائي : ليس بالقوي .
وقال غيره : كانت فيه غفلة .
ولذلك قال فيه الحافظ : (صحيح الكتاب ، صدوق يهم).
وقال في جعفر : صدوق .
ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة ، والأرجح أنه موقوف ، وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها في حكم المرفوع ، لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مَسلمة أهل الكتاب . والله أعلم .[330]
ومما يؤكد هذه العلة متابعة أبي خالد الأحمر لجعفر بن عون عن أسامة بن زيد التي رواها ابن أبي شيبة ، ومتابعة عبد الله بن فروخ أيضا لهما عن أسامة عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس موقوفا من قوله ، رواه البيهقي في «الشعب»[331].
فهذه المتابعات تُقوي القول بأن الأثر موقوف عن ابن عباس .
فالظاهر أن الاختلاف فيه بين الرفع والوقف إنما هو من اضطراب أسامة بن زيد أيضا ، وهو وإن روى له مسلم إلا أن أكثر رواياته عنه مستشهد بها ، وهو مقرون في الإسناد .[332]
ولو قدرنا جدلا صحة الأثر عن ابن عباس فقوله ليس بحجة حتى يثبت مرفوعا ، أو يقوله جمع من الصحابة ، والواقع أنه تفرد ، وقد قدمنا أنه لا يصح عنه ، فأي حجة في هذا الأثر على جواز دعاء الموتى والغائبين ، فضلا عن كون الطلب في الحديث إنما هو من الملائكة الموكلين بحصر الدواب وحبسها ونحو ذلك ، وهم أحياء حاضرون ، يسمعون ويقدرون على دلالة الضال ، وليسوا أمواتا غائبين ، فلا يصح بأي حال الاستدلال بهذا على جواز طلب الحاجات من الأموات ، وأي دلالة في هذا ؟!

خلاصة

كل الأحاديث التي تقرر دعاء غير الله مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم بدون استثناء ، وقد نقل السيوطي في «تدريب الراوي» عن ابن الجوزي قوله :
ما أحسن قول القائل : إذا رأيت الحديث يباين المعقول ، أو يخالف المنقول ، أو يناقض الأصول ؛ فاعلم أنه موضوع .
قال : ومعنى مناقضته للأصول ؛ أن يكون خارجا عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة .[333]
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله :
إن أدلة القرآن الدالة على النهي عن دعاء غير الله متظاهرة ، كقوله تعالى ]وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً[ ، وقوله تعالى }له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيـبون لهم بشيء{ ، وقوله تعالى ]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين [ الآية ، إلى غير ذلك من الآيات البينات .
فمن أعرض عن هذا كله ، وتعامى عنه ، وأعرض عن الأحاديث الصحيحة الدالة على تحقيق التوحيد ، وإبطال الشرك ، وسدِّ ذرائعه ، وتعلق بحديث ضعيف ؛ لم يكن هذا إلا من زيغ في قلبه ، قد تناوله قوله تعالى }فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة{ ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث عائشة : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .[334]
فصل في التحذير من الوقوع في الشبهات
لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الجادة البيضاء ، ليلها كنهارها ، وأكمل لهم الدين ، قال تعالى )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( ، وقال أبو ذر رضي الله عنه : لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكَرنا منه علما.[335]
ولكن قوما ضاقت صدورهم بصفاء هذا الدين ووضوحه ، فلما علموا أنهم لا يقدرون على تحطيمه ومحوه من صدور الناس ؛ راحوا يشوشون عليه ، ويبثون الشكوك حول حقائقه ، ليصير المسلمين في شك وحيرة من دينهم ، ويكون تمسكهم به – إن تمسكوا - تمسكا صوريا ، في العبادات الظاهرة ونحوها ، أما العقيدة التي هي عمل القلب ؛ فيريدون أن يعودوا بالمسلمين إلى عقائد الجاهلية الأولى من اعتقاد جواز عبادة غير الله ، أو عقائد الفلاسفة والصابئة ، كنفي صفات الكمال عن الرب جل وعز ، أو عقيدة النصارى المتمثلة بحلول الله في نبيه عيسى عليه السلام ، وغير ذلك من الاعتقادات الهدامة .
وقد نجح أعداء الإسلام في بث هذه المعتقدات بين صفوف المسلمين ، فتلقفها من تلقفها– بسوء نية أو حسن نية - على أنها جزء من عقائد الإسلام ، وراحوا يبثونها بين عوام المسلمين ، فتلقفها من ضعف دينه وعلمه وعقله ، وردها من أراد الله هدايته ونجاته .
ولما كان هذا البحث منصبا على الجواب عن أهم الشبهات التي يتعلق بها من يدعون غير الله ، رأيت تذييله بذكر بعض الضوابط لفهم حقيقة الشبهات وسبل الوقاية من الوقوع فيها ، لتكون معونة للعاقل وتذكرة للجاهل ، وذلك أن الشبهات لا حصر لها ، ولا يخلو زمان من قائمين على بثها ونشرها بين المسلمين ، ليفسدوا عليهم دينهم ، ولكن إذا تحصن المسلم بمعرفة الضوابط العلمية المعينة على فهم حقيقة الشبهات ووسائل التحصن منها صار في عصمة من الوقوع فيها بإذن الله ، وهذا أوان الشروع في ذكر تلك الضوابط .
·  تعريف الشبهة
قال ابن القيم رحمه الله: والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبُه ؛ قدحت فيه الشك بأول وهلة[336] ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا .
والقلب يتوارده جيشان من الباطل ؛ جيش شهوات الغي وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجَبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه.[337]
·  لكل شبهة جواب
إعلم – رحمك الله تعالى – أن المشركين وأهل البدع لهم شبهات وحجج كثيرة يستدلون بها على صواب باطلهم ودحض الحق[338] ، كما قال تعالى }وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق{ ، ولكن كل شبهة باطلة ، ولكل شبهة جواب ، كما قال تعالى }ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا{.[339]
وقد اعتـنى القرآن بالرد على الشبهات ، ومن ذلك الرد على شبهة اليهود التي أثاروها لما أمر الله بتحويل القبلة من بـيت المقدس إلى الكعبة فقالوا }ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها{ ، فرد الله عليهم ، وبـين أن الحكمة في ذلك هو مخالفة أهل الكتابـين ، وأن الله له المشرق والمغرب ، يأمر الناس بالتوجه إلى ما شاء سبحانه وتعالى ، وسماهم سفهاء لما اعترضوا بهذا الاعتراض .
وفي هذه الرد القرآني لفتة أخرى وهي : إذا كان اعتراض اليهود على الشرع - لما حوِّلت القبلة من بـيت المقدس إلى الكعبة - قد سماه الله سفه ، فبِماذا يوصف من اعترض على أحقية الله وحده بالدعاء والعبادة ؟
·  الشبهات تتجدد ولا حد لها
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشبهات لا حد لها ، فلا يلزم الرد عليها كلها ، لأن الحق إذا تبـين بأدلته اليقينية لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه ، بل ينبغي الإعراض عن سماعها وتلقيها ، لأن بطلانها أمر معلوم من الدين بالضرورة ، ولأن كل ما نافى الحق الواضح فهو باطل ، كما قال تعالى }فماذا بعد الحق إلا الضلال{ ، فعلى هذا فيكون حلُّ الشبه والرد عليها من باب التبرع .[340]
ومما ينبغي أن يُعلم أيضا أن الشبهات لها أهلون ، يثيرونها كلما درَست ، ويحيونها كلما خبت ، ليضلوا عباد الله ، ويصرفونهم عن عبادته وحده لا شريك له ، وعن تعظيمه اللائق به[341] ، وقديما قيل : لكل قوم وارث .
فظهور المناوئين لدعوة الرسل وأتباعهم ، وإثارتهم للشبه تارة ، والأحقاد تارة ، أمر طبـيعي ، كما قال تعالى }وكذلك جعلنا لكل نبـي عدواً شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا{.
·  عند ظهور الشبهات تتجلى حكمة الابتلاء للمؤمنين وظهور الدين
ومن حِـكم ظهور المناوئين لدعوة الرسل وأتباعهم وإثارتهم للشبه ؛ تمحيص المؤمنين واختبار صبرهم ، وإقامة الحجة على الكافرين وإبطال كيدهم ، ثم إنجاز الله وعده للمؤمنين بنصرهم على من عاداهم ، كما قال تعالى }ولقد سبقت كلمتـنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون{.
ومن حِكم ظهور المناوئين لدعوة الرسل وأتباعهم بإثارة شبههم ؛ ظهور الإيمان والدين ، قال ابن تيمية رحمـه الله :
إن من أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين ، وبـيان حقيقة أنباء المرسلين ؛ ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبـين ، وذلك أن الحق إذا جُحِد وعُورض بالشبهات أقام الله تعالى له ما يُحق به الحق ويُبطل به الباطل من الآيات البـينات ، بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة ، وفساد ما عارضه من الحجج الدحِضة .[342]
وقال أيضا : ومن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه ؛ أقام من يعارضه ، فيحق الحق بكلماته ، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .[343]
فالأمر كما قال الأول:
والضد يظهر حسنه الضد  وبضده تتميز الأشياء
·  أقسام من يروجون الشبهات
والذين يروجون الشبهات بـين المسلمين لا يخرجون عن ثلاثة أصناف :
الأول : كونهم لم يفهموا دلالات النصوص الشرعية على مراد الشارع الحكيم ، بل على ما أملته عليهم فهومهم ، ففهموا خلاف المراد ، كما قال الأول :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً    وآفته من الفهمِ السقيم
قال ابن القيم رحمه الله مبينا ضرر سوء فهم المراد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ، ولاسيما إن أضيف إليه سوء القصد ، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع ، فيا محنة الدين وأهله ، والله المستعان .[344]
الصنف الثاني هم من استدلوا على ما تعلقوا به من شبهات باطلة بأحاديث ضعيفة أو باطلة أو منامات وحكايات ، ونحو ذلك من الاستدلالات التي لا تثبت بها الأحكام الشرعية الفرعية فضلاً عن أصول الدين ومبادئه العظام ، والذين يُثبتون العبادات بالحكايات والمنامات والمقايـيس والعقول[345] والأذواق هم اليهود والنصارى ، وعندهم من ذلك الشيء الكثير .
بل إن الذين يقررون الشبهات عموما يحشون كتبهم بالأشعار والحكايات والمنامات ، لأن الأدلة الشرعية لا تعينهم على باطلهم ، بل تنقضه من أسه ، فلهذا يلجئون إلى الحكايات والمنامات والأشعار ، وهذه ليس لها عِماد ولا وتد في دين الله ، بل هي كالسراب يحسبه الظمآن ماءً ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
قال ابن تيمية رحمه الله : وأما أولئك الضلال ، أشباه المشركين النصارى ؛ فعمدتهم إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة ، أو منقولات عمن لا يحتج بقوله ، إما أن يكون كذباً عليه وإما أن يكون غلطاً منه ، إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم ، وإن اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول حرفوا الكلم عن مواضعه ، وتمسكوا بمتشابهه ، وتركوا محكمه ، كما يفعل النصارى .[346]
وقال أيضا : وربما احتجوا بأمثلة جزئية خاصة لإثبات قضايا كلية عامة ، فيحتجون لإثبات جواز مطلق الاستغاثة - فيما يقدر عليه المخلوق وما لا يقدر عليه – بسؤال بعض الناس النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ، ومعلوم أن هذا الذي ثبتت به السنة حق لا ريب فيه ، لكن لا يلزم من ذلك ثبوت جميع الدعاوى العامة ، وإبطال نقيضها ، إذ الدعوى الكلية لا تثبت بمثال جزئي ، لاسيما مع الاختلاف والتباين ، وهذا كمن يريد أن يثبت حِـل جميع الملاهي لكل أحد والتقرب بها إلى الله بكون الجاريتين غنتا عند عائشة رضي الله عنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد ، مع كون وجهه كان مصروفا إلى الحائط لا إليها ، أو يحتج على استماع كل قول بقوله ﴿فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾ ، ولا يدري أن القول هنا هو القرآن ، كما في قوله ﴿أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين﴾ ، وإلا فمُسَلَّم أنه لا يسُوغ استماع كل قول .[347]
الصنف الثالث هم من اتبع المتشابه وترك المحكم ، وهذا سبـيل أهل الباطل الذين يفهمون الآيات المحكمات على ضوء الآيات المتشابهات ، أي التي يشتبه فهم معناها الظاهر على عامة الناس ولا يعلمها إلا علمائهم ، وهذا المنحى خطأ ، والواجب فهم الآيات المشكلة على ضوء الآيات المحكمة لا العكس ، ونصوص الشريعة - بحمد الله - ليس بـينها تـناقض ، بل متفقة ، يفسر بعضها بعضاً ، وقد حذر النبـي عليه الصلاة والسلام من اتباع المتشابه وترك المحكم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ]هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتـنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب[ .
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .[348]
·  أخطر الشبه
الشبه كلها خطيرة ، ولكن أخطرها هو الذي يخرج من ملة الإسلام ، كالشبه التي تقرر دعاء غير الله ، وكذلك الشبه التي تقرر تعطيل الله عن صفاته التي وصف بها نفسه ، أو الشبه التي يراد بها الطعن في مصادر التشريع ، القرآن والسنة ، أو الشبه التي يراد منها تحليل ما حرم الله ، كتحليل الربا مثلا .
·  وجوب الحذر من الشبهات وعدم الاستشراف لها
يجب على المسلم الذي يريد طريق السلامة أن يحذر من الوقوع في الشبهات ولا يتصدر لها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال ؛ أمر الصحابة أن ينئوا عنه ولا يتصدروا له ، فقال : (إذا سمعتم به في أرض فانأوا عنه) ، وحسبك بهم علما ودينا ؛ فكيف بمن دونهم ؟!
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : فربما خرج الإنسان من الإسلام بشبهة تحول بينه وبين ما يجب لله من التوحيد والإخلاص والبراءة من عبادة ما عُـبد معه من الأوثان والأصنام .[349]
·  واجب ولاة الأمر من العلماء والأمراء تجاه من يروجون الشبهات
يجب على العلماء والمتخصصين في العلوم الشرعية أن يردوا على الشبه الدينية حتى لا تروج بين المسلمين ، لأن الشبهة كالمرض ، إذا ترك فإنه يستشري.
كما يجب على ولاة الأمر أن يأخذوا على أيدي من يروجون الشبه ، ويحبسونهم أو ينفونهم ، ولا يتركون المجال مفتوحا لهم لإفساد عقائد المسلمين ، وقد بلي الناس في زماننا بقلة الأخذ على أيدي المتطاولين على الشريعة ببث الشبه ونحوها ، باسم حرية الرأي ، والحوار مع الآخر ، ونحو هذا من الشعارات البراقة ، التي حقيقتها تقليد الغرب في نشر أي معتقد باسم الديموقراطية والحرية ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر وذراعا بذراع .
فقيل : يا رسول الله ، كفارس والروم ؟
فقال : ومن الناس إلا أولئك .[350]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم ، لا يضلونكم ولا يفتنوكم .[351]
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم .[352]
·  علاج الشبه يكون بالرجوع إلى العلماء الربانيين ، المتبعين للكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح
وكما تقدم من كلام أهل العلم ؛ فإن في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى والنور ، والجواب عن جميع الإشكالات التي قد تعرِض للإنسان فيما يتعلق بأمور دينه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الناس على جادة بيضاء نقية ، ليس فيها لبس ولا اختلاف ، فمن عرض عليه إشكال أو طرأ عليه استفسار فما عليه إلا البحث عن جوابه في الكتاب والسنة ، أو في كلام أهل العلم الموثوق بعلمهم وأمانتهم ، سواء في الكتب أو الأشرطة أو بالاتصال بهم شخصيا ، قال تعالى )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون( ، وقال تعالى )وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الله والرسول لعلمه الذين يستنبطونه منهم( ، وأهل الاستنباط هم العلماء .
ولا يخلو زمان من علماء ربانيين يفندون شبه أهل الباطل ويردون عليهم ، كما قال ابن تيمية رحمه الله:
هذه الأمة ولله الحمد لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده ، وهم لما هداهم الله به يتوافقون في قبول الحق ورد الباطل رأيا ورواية ، من غير تشاعر ولا تواطؤ .[353]
وقديما قيل:

من الدين كشف العيب عن كل كاذب   وعن كل بدعي أتى بالمصائب
ولولا رجال مؤمنون لهدمت    معاقل دين الله من كل جانب


·  عناية العلماء في القديم والحديث برد شبه أهل الباطل
وقد عني علماء السنة بالرد على شبه أهل الباطل على مر العصور والدهور ، سواء فيما يتعلق بتوحيد العبادة أو بتوحيد الأسماء والصفات أو غيره من مسائل العقيدة ، لأن هذا من الجهاد في سبيل الله ، ومن الدفاع عن الدين ، ولولا ردودهم لاستعلى الباطل وقوي ، واضمحل الحق وضعف ، وفيما يلي قائمة ببعض كتب أهل السنة في الدفاع عن توحيد العبادة ، ورد الشبه المثارة حوله ، وقد خصصته بالذكر لأنه موضوع هذا الكتاب .[354]
 



فهرست بردود علماء أهل السنة على المخالفين في مسألة توحيد العبادة
 

اسم الكتاب

اسم المؤلف

اسم الناشر

كشف الشبهات

محمد بن عبد الوهاب

 

شرح كتاب كشف الشبهات

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

دار النجاح للنشر والتوزيع

كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس

الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

دار العاصمة للنشر والتوزيع

تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس

عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

مؤسسة الرسالة

منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ

دار الهداية للطبع والنشر – الرياض

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس

الشيخ سليمان بن سحمان

دار العاصمة للنشر والتوزيع

الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادلين المشركين

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

دار ابن الجوزي

الضياء الشارق في الرد على المارق الماذق

الشيخ سليمان بن سحمان

دار العاصمة للنشر والتوزيع

الصواعق المرسلة الشهابية على الشبة الداحضة الشامية

الشيخ سليمان بن سحمان

دار العاصمة للنشر والتوزيع

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان

محمد بشير السهسواني الهندي

مكتبة العلم - جدة

تأييد الملك المنان في نقض ضلالات دحلان

صالح بن محمد الشثري

دار الحبيب

فتح المنان في نقض شبه الحاج دحلان

زيد بن محمد آل سليمان

دار التوحيد للنشر

الرد على شبهات المستعينين بغير الله

أحمد بن إبراهيم بن عيسى

دار العاصمة للنشر والتوزيع

مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام

عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ

 

المورد العذب الزلال في نقض شبه أهل الضلال

عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

دار الهداية للطبع والنشر – الرياض

البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار

فوزان السابق

 

غاية الأماني في الرد على النبهاني

محمود شكري الألوسي

مكتبة الرشد

كشف الشبهتين

الشيخ سليمان بن سحمان

دار العاصمة للنشر والتوزيع

هذه مفاهيمنا – رد على كتاب " مفاهيم يجب أن تصحح " لمحمد بن علوي المالكي

الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

 

دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

دار العاصمة للنشر والتوزيع

كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأفهام

الشيخ سليمان بن سحمان

مكتبة أضواء السلف

الأسنة الحداد في رد شبهات علوي الحداد

الشيخ سليمان بن سحمان

مكتبة أضواء السلف

فـتح المـلك الوهاب في رد شبه المرتاب (شبه في إعراب كلمة التوحيد)

عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ

 

الإبطال والرفض لعدوان من تجرأ على كشف الشبهات بالنقض ، ويليه : ملامح جهمية (وهو رد على حسن بن فرحان المالكي)

عبد الكريم بن صالح الحميد

دار الصفوة

الأحاديث الموضوعة التي تنافي توحيد العبادة 2/1 (تقدم في الأحاديث الضعيفة)

أسامة بن عطايا العتيبي

مكتبة الرشد

الإخنائية أو الرد على الإخنائي

شيخ الإسلام ابن تيمية

دار الخراز

اللمعة في الأجوبة السبعة

شيخ الإسلام ابن تيمية

دار الصميعي للنشر والتوزيع

شفاء الصدور في الرد على الجواب المشكور

سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

مدار الوطن للنشر

حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد

محمد بن سلطان الحنفي

 

المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية

محمد بن سلطان الحنفي

دار العاصمة للنشر والتوزيع

الفرقان بين توحيد أهل السنة وتوحيد  القبوريين

مجدي بن حمدي بن أحمد

 

زيارة القبور الشرعية والبدعية

محيي الدين البركوي الحنفي

دار العاصمة للنشر والتوزيع

المجالس الأربعة من مجالس الأبرار

أحمد الرومي الحنفي

دار العاصمة للنشر والتوزيع

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

شمس الدين السلفي الأفغاني

دار الصميعي للنشر والتوزيع

الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات

العلامة نعمان ابن الشيخ محمود الآلوسي

المكتب الإسلامي

تطير الاعتقاد عن أدران الإلحاد للصنعاني ، ويليه شرح الصدور في تحريم رفع القبور للشوكاني

 

دار المغني للنشر والتوزيع

مسألة في الذبائح على القبور وغيرها

محمد بن إسماعيل الصنعاني

دار ابن حزم

شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور

زين الدين مرعي بن يوسف الكرمي

 

المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد

د. محمد بن عبد الرحمن الخميس

دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع

النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين

الشيخ حمد بن ناصر آل معمر

دار العاصمة للنشر والتوزيع

معارج الألباب في مناهج الحق والصواب 2/1

حسين بن مهدي النعمي

دار المغني للنشر والتوزيع

من بدع القبور

حمد بن عبد الله الحميدي

دار المتعلم للنشر والتوزيع

تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد

الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني

المكتب الاسلامي

الصارم المنكي في الرد على السبكي

محمد بن أحمد بن عبد الهادي

مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع

الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي (تكملة الصارم المنكي)

محمد بن حسين الفقيه

دار الفضيلة

هدم المنارة لمن صحح أحاديث التوسل والزيارة

عمرو عبد المنعم سليم

دار الضياء

رسالة في التبرك والتوسل والقبور

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

مدار الوطن للنشر

الرد على فيصل مراد علي رضا فيما كتبه عن شأن الأموات وأحوالهم ويليه إبطال نسبة كتاب أحكام تمني الموت إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

دار العاصمة للنشر والتوزيع

الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية

حمود بن عبد الله التويجري

مكتبة المعارف للنشر والتوزيع

دمعة على التوحيد (مجموعة بحوث علمية )

 

المنتدى الاسلامي - لندن

أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة

الشيخ أحمد بن يحيى النجمي

مكتبة الغرباء الأثرية

الاستغاثة في الرد على البكري

شيخ الإسلام ابن تيمية

مكتبة دار المنهاج

تنبيه زائر المدينة على الممنوع والمشروع من الزيارة

د. صالح بن غانم السدلان

دار بلنسية

اسم الكتاب

اسم المؤلف

اسم الناشر

مجانبة أهل الـثـبـور المصلين في المشاهد وعند القبور (رد على من أجاز الصلاة في المقابر وعند القبور)

عبد العزيز بن فيصل الراجحي

مكتبة الرشد

زيارة القبور عند المسلمين

سالم بن قطوان العبدان

دار غراس للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان

بدع القبور ، أنواعها وأحكامها

صالح بن مقبل العصيمي

دار الفضيلة

التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة

الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد

دار المغني للنشر والتوزيع

البيان المبدي لشناعة القول المجدي ، ويليه رجم أهل التحقيق والإيمان

الشيخ سليمان بن سحمان

دار أضواء السلف

الـقـبورية (نشأتها – آثارها)

أحمد بن حسن المـعلم

دار ابن الجوزي

البناء على القبور

الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي

دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع


ثبت لبعض مراجع الكتاب

1. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، عبد الله بن أبي شيبة ، الناشر مكتبة دار الباز ، مكة
2. المنتخب من مسند عبد بن حميد ، تحقيق مصطفى العدوي ، الناشر دار بلنسية
3. شعب الإيمان ، أبي بكر البيهقي ، الناشر مكتبة الرشد
4. المدخل إلى السنن الكبرى ، أبي بكر البيهقي ، تحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي ، الناشر أضواء السلف
5. جامع بيان العلم وفضله ، ابن عبد البر ، تحقيق أبي الأشبال الزهيري ، الناشر دار ابن الجوزي
6. أخبار مكة ، محمد بن عبد الله الأزرقي ، تحقيق د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
7. الأصنام ، هشام بن محمد الكلبي ، الناشر المجمع الثقافي - الإمارات
8. العلو ، شمس الدين الذهبي ، الناشر مكتبة أضواء السلف
9. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ، ابن تيمية ، الناشر مكتبة الرشد
10. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ، ابن تيمية ، تحقيق د. ربيع بن هادي
11. الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، مدار الوطن
12. الداء والدواء ، ابن القيم ، تحقيق علي حسن عبد الحميد ، الناشر دار ابن الجوزي
13. إغاثة اللهفان ، ابن القيم ، الناشر دار ابن الجوزي
14. مدارج السالكين ، ابن القيم ، الناشر دار طيبة
15. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والريادة ، ابن القيم ، الناشر دار ابن عفان
16. تجريد التوحيد المفيد ، أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد
17. تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس ، عبد الله أبا بطين ، الناشر مؤسسة الرسالة
18. النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين ، حمد بن ناصر آل معمر ، تحقيق عبد السلام بن برجس ، الناشر دار العاصمة
19. المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد ، د. محمد الخميس ، الناشر
20. شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور ، مرعي بن يوسف الكرمي ، الناشر مكتبة نـزار مصطفى الباز
21. الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ، محمد بن علي الشوكاني ، الناشر دار ابن خزيمة
22. فصل المقال في توسل الجهال ، محمد عارف خوقير الكتبي المكي ، دار المسلم للنشر والتوزيع
23. الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، الناشر دار القاسم
24. السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، د. مهدي رزق الله أحمد ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
25. تحفة الذاكرين ، محمد بن علي الشوكاني ، مكتبة دار التراث - القاهرة
26. عجالة الراغب المتمني في تخريج كتاب «عمل اليوم والليلة» لابن السني ، تحقيق سليم الهلالي ، دار ابن حزم
27. صحيح الكلم الطيب ، ابن تيمية ، تحقيق الألباني ، ط 3 ، الناشر المكتب الإسلامي
28. الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة المعروف بالموضوعات الكبرى ، الملا علي القاري ، الناشر المكتب الإسلامي
29. نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول ، ابن القيم ، الناشر دار العاصمة
30. كتاب المجروحين من المحدثين ، ابن حبان ، الناشر دار الصميعي
31. الكامل في ضعفاء الرجال ، ابن عدي ، الناشر دار الكتب العلمية
32. موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله ، الناشر عالم الكتب
 

 

----------------------------------
[1] رواه الترمذي (3556) ، وصححه الألباني .
[2] رواه الترمذي (2139) ، عن سلمان الفارسي ، وحسنه الألباني ، انظر «الصحيحة» (154) .
[3]  رواه الترمذي (3370) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وحسنه الألباني .
[4] رواه أبو داود (1479) ، والترمذي (2969) ، وغيرهما عن النعمان بن بشير ، وصححه الشيخ الألباني .
[5] رواه النسائي (3016) ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، وصححه الألباني .
[6] أي حريٌّ .
[7] رواه مسلم (479) .
[8] الشيخ عبد الله من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1194 هـ وتوفي سنة 1282 هـ ، ولي القضاء والإفتاء ، وله عدة كتب ، رحمه الله رحمة واسعة .
[9] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 127 .
[10] سورة الأعراف : 55 .
[11] سورة النمل : 62 .
[12] سورة البقرة : 186 .
[13] سورة النساء : 32 .
[14] سورة غافر : 60 .
[15] سورة الأعراف : 29 .
[16] سورة الجن : 18 .
[17] سورة الشعراء : 213 .
[18] سورة القصص : 88 .
[19] سورة يونس : 106 .
[20] سورة الأحقاف : 4 .
[21] سورة سبأ : 22 .
[22] سورة الأحقاف : 5- 6 .
[23] سورة مريم 48 ـ 49 .
[24] تقدم تخريجه .
[25] صدق رحمه الله ، فلا تكاد تخلو عبادة من دعاء ، فالصلاة والحج والأذكار الخاصة والعامة والجهاد كله يشرع فيه دعاء الله عز وجل ، فضلا عن كون الدعاء عبادة مستقلة .
[26] سورة الجن : 20 .
[27] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 131 – 132 ، باختصار وتصرف يسير .
[28] رواه الترمذي (2516) ، وأحمد (1/303) ، وهو في « صحيح الترمذي » للألباني (2516) .
[29] رواه البخاري (1145) ، ومسلم (1772) ، وغيرهما .
[30] رواه عبد بن حميد في « المنتخب » (1494) ، وابن أبي شيبة (29360) ، وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة» (1266) .
[31] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره للحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[32] انظر المراجع المذكور فيها إنكارهم على من دعا غير الله في «المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد» ، جمع د. محمد الخميس ، ص 412 – 418 .
[33] ص 39 ، الناشر دار ابن الجوزي .
[34] نقله الشوكاني عنه في « الدر النضيد » .
[35] « تجريد التوحيد المفيد » ، ص 52 – 53 ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد .
[36] المروق الخروج من شيء من غير مدخله ، والمارقة الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه ، والمروق سرعة الخروج من الشيء . «لسان العرب » .
[37] مختصرا من « الرسالة السنية » ، وتقع كاملة في « مجموع الفتاوى » (3/363-430) ، والمنقول مختصر من الصفحات 383- 400 .
[38] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، الناشر مدار الوطن .
[39] « الفتاوى الكبرى » (4/506) ، (اختيارات شيخ الإسلام) ، باب حكم المرتد .
[40] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[41] الشيخ سليمان من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1200 هـ ، درس على عدة مشائخ ، وعنده إجازة في رواية الكتب الستة ، درّس وولي القضاء ، وتوفي شابا شهيدا بإذن الله سنة 1234 هـ ، له عدة مؤلفات من أشهرها كتابه «تيسير العزيز الحميد» ، والكتاب على مدى ثلاث قرون ينهل منه العلماء وطلبة العلم إلى وقتنا هذا ، وهو عمدة في علم توحيد العبادة ، ومن بعده عيال عليه ، رحمة الله رحمة واسعة .
[42] (6/165) .
[43] (10/327) .
[44] أي « غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى » لمرعي الكرمي (3/355) .
[45] (4/297) .
[46] يعني الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه « كشاف القناع في شرح الإقناع » (6/168) .
[47] أي ابن حجر رحمه الله ، واسم كتابه « الإعلام بقواطع الإسلام » .
[48] لا زال الكلام للشيخ سليمان .
[49] سورة يونس ، الآية 18 .
[50] رواه أحمد (5/153) .
[51] رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
[52] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 .
[53] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[54] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره للحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[55] انظر ما قاله الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي في كتابه « شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور » ، ص 117– 118 ، بتصرف .
وانظر ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله في « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 32 .
[56] الذل هو العجز .
[57] المخيط هو الإبرة .
[58] رواه مسلم (2577) .
[59] رواه البخاري (6339) ، ومسلم (2679) ، واللفظ لمسلم .
[60] رواه مسلم (2753) واللفظ له ، وأحمد (5/439) .
[61] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 31 – 32 ، بتصرف يسير جدا .
[62] أخرجه الذهبي في « العلو » ، برقم (464) ، ص 172 ، الناشر مكتبة أضواء السلف .
[63] في المطبوع : لأنه وصف لصفاته ، ولعله تصحيف .
[64] رقم (937) ، الناشر دار طيبة .
[65] « الداء والدواء » ، ص 211 – 217 ، باختصار .
[66] رواه أحمد (3/153) ، وحسنة الألباني في « صحيح الجامع » (119) ، و « الصحيحة » (767) .
[67] رواه أحمد (2/367) ، وحسنه الألباني في « الصحيحة » (767) .
[68] رواه ابن ماجه (4251) ، والترمذي (2499) ، وغيرهم ، وحسنه الألباني .
[69] رواه البخاري  (7405) ، ومسلم (2675) .
[70] سورة الأنعام ، الآية 94 .
[71] رواه مسلم (1631) عن أبـي هريرة رضي الله عنه .
[72] رواه مسلم (384) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[73] رواه ابن ماجه (1498) ، وأبو داود (3201) ، وصححه الألباني .
ورواه أحمد (2/368) ، والترمذي (1024) بدون زيادة : اللهم لا تحرمنا أجره . . . الحديث .
[74] رواه أبو داود (3221) عن عثمان رضي الله عنه ، وصححه الألباني في «صحيح أبـي داود» (3221) .
[75] « إغاثة اللهفان » (2/167) ، تحقيق الفقي .
[76] النقل هو الدليل الشرعي من الكتاب أو السنة ، وسمي نقلا لأن الصحابة نقلوه وحفظوه للأمة .
[77] « تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري » (1/167) .
[78] سورة الروم ، الآية 13 .
[79] سورة الأنعام ، الآية 94 .
[80] « الاستغاثة في الرد على البكري » ، (2/477-478) باختصار .
[81] الآية 62 .
[82] الآية 30 .
[83] رواه البخاري (335) ومسلم (521) .
[84] انظر حديث الشفاعة في صحيح البخاري (4712 ، 7410 ، 7439  ، 7440 ، 7510) ، وصحيح مسلم (193 ، 195) .
[85] رواه البخاري (6304) ومسلم (198) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، واللفظ للبخاري .
[86] رقم (199) .
[87] رواه الترمذي (2435) ، وأبو داود (4739) ، وأحمد (3/213) ، وصححه الألباني في «المشكاة» (5598- 5599) عن أنس رضي الله عنه .
[88] الخازن هو الحافظ للشيء ، وقد اشتهر عند الناس تسميته بـ «رضوان» ، وهذا لا دليل صحيح عليه ، والصواب تسميته بخازن الجنة كما جاء في الحديث ، أفادني بها الشيخ محمد بن علي آدم الأثيوبي حفظه الله .
[89] رواه مسلم (197) عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
[90] يحوطك أي يصونك ويذب عنك .
[91] الضحضاح في الأصل ما رقق من الماء على وجه الأرض مما لم يبلغ الكعبين ، واستعير هنا للنار . «النهاية» .
[92] رواه البخاري (3883) ومسلم (209) .
[93] رواه البخاري (6565) ومسلم (193) عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
[94] أي أنه عمّ عشيرته بالنداء ، ثم خص بعض بطون قريش ، ثم خص بعض الأشخاص كعمه وعمته وابنته .
[95] رواه مسلم (204) .
[96] رواه البخاري (2753) ومسلم (204) واللفظ له .
[97] « مجموع الفتاوى » (14/406) .
[98] هذا الوجه مهم جدا ، وكاشف أساسي للمسألة .
[99] سورة مريم ، الآية 87 .
[100] سورة يونس ، الآية 3 .
[101] سورة طه ، الآية 109 .
[102] سورة سبأ ، الآية 23 .
[103] سورة النجم ، الآية 26 .
[104] تفسير آية الكرسي من سورة البقرة .
[105] ومن الأدلة كذلك على شرط الإذن حديث أبي سعيد الخدري ، وقد تركت ذكره اختصارا ، وقد رواه أحمد (3/25) ، وصححه محققو « المسند » (17/296) .
[106] وانظر « الاستغاثة في الرد على البكري » ، ص 354 – 355 .
[107] سورة الأنبياء ، الآية 28 .
[108] سورة طه ، الآية 109 .
[109] رواه البخاري (99) وأحمد (2/373) عن أبي هريرة رضي الله عنه
[110] تقدم تخريجه قريبا .
[111] رواه أحمد (5/162) والطيالسي (474) ، وصححه محققو «المسند» .
[112] القترة هي سواد الوجه من شدة الكرب . انظر «فتح الباري» .
[113] أي لربه .
[114] قيل في الأبعد قولان : الأول أنه أبعد إذا لم تقبل شفاعته فيه ، وقيل أبعد أي أن صفته أنه بعيد عن رحمة الله لأنه كان كافرا ومات على ذلك .
[115] الذبح – بكسر الذال – هو ذكر الضباع .
[116] متلطخ أي في نتنه ، وقد نقل ابن حجر عن بعض الشراح أن الحكمة في مسخه ضبعا لتنفر نفس إبراهيم منه ، ولئلا يبقى في النار على صورته ، فيكون فيه غضاضة على إبراهيم ، خليل الرحمن ، وذكروا أن الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوان ، وآزر كان من أحمق البشر ، فقد أصر على الكفر بعدما ظهر له من الآيات على يد ولده ، فأصر على عبادة الأصنام .
[117] رواه البخاري (3350) .
[118] رواه البخاري (99) وأحمد (2/373) .
[119] « مدارج السالكين » (1/696 – 598) ، باختصار .
[120] «مجموع الفتاوى» (14/414 – 415) .
[121] رواه مسلم (384) وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[122] أي ليالي وقعة الحرة التي وقعت زمن يـزيد بن معاوية .
[123] الجلاء من المدينة أي الخروج منها مفارقا لها . «النهاية» .
[124] الجهد بفتح الجيم هو المشقة . «النهاية» .
[125] اللأواء هي الشدة وضيق المعيشة . «النهاية» .
[126] رواه مسلم (1374) وأحمد (3/58) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
[127] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره لهذا الحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[128] يقال : أضـبـوا إذا تكلموا في الأمر متتابعا . «النهاية في غريب الحديث» .
[129] رواه أحمد (4/415) ، وحسنه محققو «المسند» (32/394) .
[130] دليله الحديث الذي رواه مسلم (2635) عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة : إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تُطيب به أنفسنا عن موتانا؟
قال: قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه – أو قال : أبويه – فيأخذ بثوبه – أو قال : بيده – كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا (أي طرفه) ، فلا يتناهى – أو قال : فلا ينتهي – حتى يدخله الله وأباه الجنة .
الدعاميص جمع دعموص ، قيل صغار أهلها ، وقال السيوطي رحمه الله : الدعموص هو الدخّال في الأمور ، ومعناه أنهم سياحون في الجنة  ، دخالون في منازلها ، لا يمنعون من موضع منها .
[131] الزهراوين أي المنيرتين ، واحدتها زهراء .
[132] دليله حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، ... الحديث .
رواه أحمد (2/174) ، وصححه الألباني كما في «صحيح الجامع» (3882) .
[133] رواه مسلم (384) وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[134] سورة مريم : 81 – 82 .
[135] سورة الفرقان : 17 – 19 .
[136] يس : 74 – 75 .
[137] أي في الدنيا كانوا يدافعون عن آلهتهم ويغضبون لها سواء كانت أصناما أو قبورا أو غيرها ، وفي الآخرة تتبرأ منهم .
[138] الكلٌّ هو من كان عبأً على غيره . « المعجم الوسيط » ، والمعنى أنهم في الآخرة سيكونون نقمة عليهم وبلاء إذ لم ينصرونهم كما كانوا يظنون ويحسبون .
[139] هود : 101 .
[140] الشعراء : 213 .
[141] الإسراء : 22 .
[142] « إغاثة اللهفان » ، ص 93 ، باختصار يسير .
[143] « هذه مفاهيمنا » ، ص 149 .
[144] رواه مسلم (489) .
[145] الآية 62 .
[146] الآية 30 .
[147] سورة المائدة ، الآية 35 .
[148] انتهى من تفسير ابن كثير ، باختصار يسير .
[149] باختصار من «أضواء البيان» ، تفسير سورة المائدة ، الآية 35 .
[150] أنظر «الدرر السنية» (1/70 ، 2/41) .
[151] «تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد» .
[152] «شرح الصدور في تحريم رفع القبور» .
[153] «الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد» ، ص 70 ، الناشر دار ابن خزيمة .
[154] تقدم ذكر تعريف موجز به رحمه الله في جزء التأصيلات من أول الكتاب .
[155] رواه الترمذي (3095) ، والبيهقي (10/116) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (17/92) ، وحسنه الألباني كما في «الصحيحة» (3293) .
[156] أي يعلقون عليها .
[157] السَّـنن جمع سُنة وهي الطريقة .
[158] «تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس» ، ص 94 – 96 ، باختصار وتصرف يسير .
[159] رواه مسلم (23) عن أبي مالك عن أبيه ، وأبو مالك هو سعد بن طارق الأشجعي ، ثقة ، وأبوه هو طارق بن أشيم الأشجعي ، صحابي .
[160] « كتاب التوحيد » ، باب تفسير التوحيد وشهادة « أن لا إلـٰه إلا الله » .
[161] رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) ، والنسائي (5007) ، وابن ماجه (64) .
[162] رواه البخاري (1396) ، والنسائي (467) واللفظ له .
[163] رواه الترمذي (2616) ، وصححه الألباني في « صحيح الترمذي » (2616) .
[164] ما بين القوسين ليست في سنن النسائي ، ولكن رواها غيره ممن روى الحديث ، انظر « صحيح الجامع » (6185) .
[165] رواه النسائي (4020) ، وأحمد (4/357) ، وهو في « صحيح النسائي » للشيخ الألباني (3743) .
[166] هو الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، من أئمة الدعوة النجدية في القرن الثاني عشر الهجري ، رحمهم الله تعالى .
[167] « الدرر السنية من الأجوبة النجدية» (1/523 - 524) .
[168] الشيخ سليمان من علماء نجد ، ولد سنة 1268 هـ ، وكان شاعرا خريتا ، له دواوين في الدفاع عن الإسلام ، رد على قريب من خمسين ضالا بشعره ، وله كتب أيضا في الذب عن العقيدة الإسلامية لاسيما عقيدة التوحيد ، أخذ العلم عن جمع من علماء نجد ، وتوفي سنة 1349 هجري ، روي عنه أنه لما خرجت روحه شموا من جسده رائحة مسك طيبة لم يعهدوا مثلها .
انظر ترجمته في «تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان» ، حوادث سنة 1349 هجري ، للشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن رحمه الله .
[169] «الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية» ، ص 313 – 314 ، بتصرف يسير .
[170] رواه مسلم (2985) .
[171] أي العمل .
[172] رواه ابن ماجه (4202) ، وهو في « صحيح ابن ماجه » للألباني (4202) .
[173] رواه الترمذي (3154) ، وابن ماجه (4203) ، وأحمد (4/215) ، وحسنة الألباني ، انظر «صحيح الترمذي» (3154) .
[174] رواه الترمذي (2140) ، وأحمد (3/112) ، وهو في «صحيح الجامع» (7864) .
[175]  « الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد » ، ص 70 ، الناشر دار ابن خزيمة .
[176]  «تاريخ ابن غنام» ، (2/285) ، بتصرف يسير .
[177] «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» ، تفسير سورة النجم .
[178] السَّويق هو طعام يصنع من الحنطة والشعير .
[179] انظر « تفسير الطبري » ، تفسير سورة النجم ، آية 19 .
[180] «السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية» ، ص 571 .
[181] «السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية» ، ص 571 - 572 .
[182] انظر «تفسير البيضاوي» ، تفسير سورة النجم ، آية 19 .
[183] سورة الإسراء ، الآيتين : 56 – 57 .
[184] انظر أقاويلهم في «تفسير الطبري» ، الإسراء : 57 .
[185] أي أن للملائكة وظائف يقومون بها كما أمرهم الله بذلك ، فهم ]يفعلون ما يؤمرون[ ، ومن هذا المنطلق يعتبرون وسائط .
[186] أي ذكر كلمة (تحويلا) نكرة ، لتفيد العموم .
[187] « مجموع الفتاوى » (15/226) .
[188] تقدم التعريف بالشيخ عبد الله في جزء التأصيلات من أول الكتاب .
[189] وهم الملائكة والجن .
[190] «تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس» ، ص 127 – 128 .
[191] هو الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ، ولد عام 1196 هجري ، وتلقى العلم على جمع من علماء نجد ، منهم جده الشيخ محمد ، له عدة مؤلفات ، أشهرها كتاب «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» ، وهو كتاب عمدة في توحيد العبادة ، وللشيخ عبد الرحمن ردود أيضا على بعض خصوم الدعوة مثل داود بن جرجيس ، توفي الشيخ عبد الرحمن عام 1285 هجرية ، بعد أن أبلى بلاء حسنا في نصرة الإسلام ، ودعوة الناس إلى التوحيد الخالص ، ودحض البدع والشركيات في نجد وغيرها.
[192] «كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس» ، ص 24 ، نقلا من «هذه مفاهيمنا» ، للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ، ص 47 .
[193] سورة الحج : 62 .
[194] رواه البخاري (4497) .
[195] المقصود بالأمر هو الدين .
[196] رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها .
[197] رواه مسلم (1718) .
[198] «تحفة الذاكرين» ، ص 140 .
[199] «السلسلة الضعيفة» (2/109) .
[200] «اقتضاء الصراط المستقيم» ، (2/790-791) .
[201] تِـرة أي نقص .
[202] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 330 – 332 .
[203] التولة هي ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره . انظر «النهاية» .
[204] التمائم جمع تميمة ، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطلها الإسلام ، لأن فيها تعلق بغير الله ، واعتقاد أن لها تأثيرا كونيا . انظر «النهاية» .
[205] الرقى تنقسم إلى نوعين ، رقى شرعية بقراءة القرآن ، ورقى شركية ، وهي ما كان بغير اللسان العربي ، وبطلاسم وأمور غريبة لا يعرفها الواقف عليها .
[206] الخش هو الطعن . انظر «لسان العرب» .
[207] أي انقبض وتأخر وضعف تأثيره . انظر «النهاية»
[208] النخس هو الغرز بعود ونحوه ، والمقصود هنا هو غرز الشيطان في عين زوجة ابن مسعود ، ليوهمها أن بها مرضا في عينها . 
[209] «المعجم الكبير» (9/174) ، وانظر «الصحيحة» (2972) .
[210] الشيخ محمد من علماء الحجاز ، دافع عن التوحيد في بلاد الحجاز أيام الدولة العثمانية ، ورد على من أثار بعض الشبهات المتعلقة بالتوسل واستغاثة ، من أحاديث موضوعة وحكايات ومنامات وغيرها ، توفي سنة 1349 هجري ، رحمه الله رحمة واسعة .
[211] « فصل المقال في توسل الجهال » ، ص 119 .
[212] مَغَلت الدابة أي أكلت التراب مع البقل ، فأخذها وجع في بطنها . « المعجم الوسيط » .
[213] هم الذين يقومون عليها ويُرَوِّضونها ، من ساس يسوس سوسا . ينظر « لسان العرب » .
[214] الإسماعيلية فرقة باطنية ضالة ، متفرعة من فرق الشيعة ، يراجع كتاب «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ، الناشر دار الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، وللتوسع انظر كتاب «دراسات منهجية لبعض فرق الرافضة والباطنية» ، د. عبد القادر بن محمد عطا صوفي ، الناشر دار أضواء السلف .
[215] دَير النصارى أصله الواو ، أي دور النصارى ، والجمع أديار ، والدير هو خان النصارى ، وهو الفندق والمتجر والحانوت . «المعجم الوسيط» و «لسان العرب» .
[216] «الاستغاثة في الرد على البكري» ، (2/500 - 503) ، باختصار يسير .
وقد جمع الباحث عبد العزيز بن فيصل الراجحي جملة من المخاريق الشيطانية التي وقف عليها ابن تيمية ، فانظرها غير مأمور في كتابه « مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور» ، ص 285 - 302 .
[217] أي السيف .
[218] « تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري »  ، (1/169 – 170) .
[219] « قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة » ، ص 301 .
[220] « مجموع الفتاوى » (1/157-158) .
[221] « مجموع الفتاوى » (1/168) .
[222] السمرات جمع سمرة ، وهي نوع من الشجر .
[223] أي اقطع ، فالعضد هو القطع .
[224] (قال) ساقطة من مطبوع « الأصنام » ، وقد استدركتها من مصادر أخرى ، أنظر تخريج القصة لاحقا .
[225] تصرِف بأنيابها أي تحدث صوتا بها من احتكاك بعضها ببعض . انظر « المعجم الوسيط » .
[226] أي خادمها والقائم عليها .
[227] هذا نداء للعزى .
[228] التنصر هو معالجة النصر ، أي انصري نفسكِ .
[229] أي رماد .
[230] كتاب «الأصنام» ، ص 56 – 58 .
ورواه النسائي في « الكبـرى » (11483) ، وأبو يـعلى في « مسنده » (902) ، والأزرقي في «أخبار مكة» (1/198) ، باب ما جاء في اللات والعزى .
[231] (1/198) ، باختصار .
[232] (1/199).
[233] (1/194).
[234] (5/135) ، وحسن إسناده محققو «المسند».
[235]  تقدم تخريجه.
[236] فتك عليّ أي يُـغير علي وأنا غافل . انظر «النهاية» .
[237] أي خنقته.
[238]  رواه البخاري (461) (1210) ، ومسلم (541) واللفظ له ، وغيرهما.
[239] أي يدعو الله أن يبين له حقيقة الحال.
[240] أي الآيات التي تهلك الشيطان وتدهاه وتُضعفه ، كآية الكرسي والمعوذات ونحوها . انظر «النهاية» .
[241] «مجموع الفتاوى» (1/168-171).
[242] وللأمانة العلمية وحفظ الجميل لأهله ؛ فقد استفدت في جواب هذه الشبهة كثيرا من كتاب «النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين» للشيخ حمد بن ناصر آل معمر رحمه الله ، وهو تلميذ إمام الدعوة النجدية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
[243] ط 1424 هـ .
[244] «حاشية ابن عابدين » (1/63) ، كما في « صفة الصلاة » .
[245] «حاشية ابن عابدين » على البحر الرائق (6/293) ، كما في « صفة الصلاة » .
[246] هو أبو يوسف .
[247] ذكره الفلاني في «الإيقاظ » (ص 50) ، المطبعة المنيرية .
[248] رواه عنه ابن عبد البر في «الجامع » (1/622) .
[249] عزاه الألباني إلى ابن عبد البر في «الجامع » ولم أجده ، والذي وجدته ما نقله الذهبي عنه في السير وهو مشهور عنه : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم .
وقد رواه ابن عبد البر في جامعه من عدة طرق عن مجاهد (2/118-119) ، ورواه أيضا عن الحكم بن عتيبة (2/118) .
[250]  أي تغيب عنه .
[251] رواه الحاكم بسنده المتصل إلى الشافعي كما في «تاريخ دمشق» . كما في «صفة الصلاة» .
[252] ذكره الفلاني في «الإيقاظ » (ص 68) .
[253] رواه البيهقي في المدخل (1/224)  والفقيه والمتفقه (1/389) .
[254] رواه أبو نعيم في «الحلية » (9/114) .
[255] ذكره الفلاني في «الإيقاظ » (ص 107) .
[256] رواه الهروي في «ذم الكلام وأهله» ، كما في «صفة الصلاة» .
[257] رواه أبو نعيم في «الحلية» (9/113) ، وبنحوه روى البيهقي في « المدخل » (1/225)  ، والفقيه والمتفقه (1/388-389) .
[258] رواه أبو نعيم في «الحلية» (9/113) .
[259] رواه ابن أبي حاتم في « آداب الشافعي » ، ص 93 – 94 ، كما في « صفة الصلاة » .
[260] رواه الهروي في «ذم الكلام وأهله» (2/303) ، رقم (399) ، مكتبة الغرباء .
[261] ذكره الفلاني (ص 113) .
[262] ذكرهما أبو داود في «مسائل الإمام أحمد» (ص 276 – 277) ، طبعة المنار .
[263] رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/242) .
[264] روى ذلك ابن الجوزي عنه في كتابه «مناقب أحمد» ، الباب الثاني والعشرون في ذكر تعظيمه لأهل السنة والنقل ، ص 249 ، الناشر دار هجر للنشر والتوزيع ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي .
كما عقد ابن الجوزي في الكتاب المذكور بابا ذكر فيه أقوالا للإمام أحمد في الحث على التمسك بالسنة والأثر ، فليراجعه من أراد الاستزادة .
[265] خرجه البيهقي في «شعب الإيمان» ، (10311) ، (10313) ، وقد أعله الدراقطني بالوقف ، كما رواه ابن الجوزي عنه في «العلل المتناهية» (ص 139) ، فقال: والموقوف هو الصحيح . (الناشر دار الكتب العلمية)
[266] رواه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (833).
[267] رواه ابن عبد البر في « جامع بيان العلم وفضله » (1810).
[268] وهو منشور في شبكة المعلومات بعنوان : «إجماع علماء المذاهب الأربعة وغيرهم على أن دعاء غير الله شرك أكبر ، مخرج من ملة الإسلام» .
[269] رواه أبو داود (4252) ، والترمذي (2229) ، وأحمد (5/278) ، عن ثوبان رضي الله عنه ، وصححه الألباني كما في «صحيح الترمذي» .
[270] رواه البخاري (100) ومسلم (2673) .
[271] وكلامهم محفوظ مُدون شاهد عليهم ، فالأول كلامه محفوظ في محاضرات خاصة غير معلنة ، ولكن الله فضحه لما نشر بعض الناس كلامه على أسطوانات سمعية ، والثاني قرر ذلك على قناة فضائية جهارا ، في برنامج له في تفسير سورة يوسف!
وأما المالكي الهالك فقد أفصح عن عقيدته الشركية في كتابه «مفاهيم يجب أن تصحح» ، وقد رد عليه الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في كتاب «هذه مفاهيمنا» .
[272] في كلام الشيخ : دعاني . وهو خطأ ، والصواب ما أثبت .
[273] رواه البخاري (7405) ، ومسلم (2675) عن أبـي هريرة رضي الله عنه .
[274] « قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة » ، ص 52 .
[275] « نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول » ، ص 132 .
[276] ذكره الملا علي القاري في « الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» وهو المعروف بـ «الموضوعات الكبرى » ، برقم 376 .
[277] « السلسلة الضعيفة » ، (450) .
[278] رقم 188 .
[279] ص 28 .
[280] « التوسل والوسيلة » ، ص 297 ، تحقيق د. ربـيع المدخلي . وعزاه السخاوي في « كشف الخفاء » ، (1/88) لـ «الأربعين» لابن كمال الباشا ، قال الشيخ علي بن حسن الحلبي : فكان ماذا؟ فإنه ليس من أهل الصناعة . (انظر تعليقه على «إغاثة اللهفان» ، ص 394) .
[281] أي من أسباب الفتـنة بالقبور .
[282] « إغاثة اللهفان » ، (1/394 - 395) ، الناشر ابن الجوزي ، تحقيق علي حسن .
[283] برقم 188 .
[284] ص 128 .
[285] أي انحل وثاقه .
[286] العِـقال هو الحبل الذي يربط به البعير لئلا ينفلت .
[287] رقم 171 من « عجالة الراغب المتمني في تخريج كتاب « عمل اليوم والليلة » لابن السني » ، تحقيق سليم الهلالي .
[288] « صحيح الكلم الطيب » لابن تيمية ، تحقيق الألباني ، ص 135 ، ط 3 ، المكتب الإسلامي .
[289] « التاريخ الكبير » (1/239) ، الناشر دار الكتب العلمية .
[290] « كتاب المجروحين من المحدثين» (2/310) .
[291] رقم 169 من «عجالة الراغب المتمني» .
[292] رقم 173 من «عجالة الراغب المتمني» .
[293] رقم 170 من «أذكار اليوم والليلة».
[294] «الكامل في ضعفاء الرجال» ، (7/113) .
[295] «صحيح الكلم الطيب لابن تيمية» ، تحقيق الألباني ، ص 136 الناشر المكتب الإسلامي .
[296] أنظر «تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس» ، ص 146 ، للشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله .
[297] أي أمسكوا الدابة واحبسوها عن الانفلات .
[298] «مسند أبي يعلى» (5269) ، (9/177) .
[299] رقم 509 من « عجالة المتمني في تخريج كتاب « عمل اليوم والليلة » لابن السني » ، تحقيق سليم الهلالي .
[300] (10/217) .
[301] « الجرح والتعديل » ، (8/323) .
[302] « ميزان الاعتدال في نقد الرجال » .
[303] (10/135) ، باب ما يقول إذا انفلتت دابته .
[304] نقلا من « السلسلة الضعيفة » (655) .
[305] أفاد بهذا الشيخ سليم في حاشيته على « عمل اليوم والليلة » لابن السني .
[306] قاله الشيخ صالح آل الشيخ في « هذه مفاهيمنا » ص 58 .
[307] أنظر « التقريب » .
[308] « هذه مفاهيمنا » ، ص 58 .
[309] تقدم التعريف بالشيخ عبد الله في جزء التأصيلات في أول هذا الكتاب .
[310] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 135 .
[311] الشيخ حمد من فحول علماء نجد ، ولد عام 1160 هجري ، ودرس على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، جلس للتدريس في مدينة العيينة بنجد ، فاستفاد منه جم غفير ، توفي في مكة عام 1225 هجري ، له الكتاب المشار إليه «النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين» ، وهي رد على شخص أقر الغلو في القبور ، وعاند في تسمية دعاء غير الله كفرا ، رحمه الله رحمة واسعة .
[312] وهذا على تقدير صحة الحديث كما ذكر الشيخ في أول كلامه ، وقد تبين أن الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
[313] «النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين» ، ص 79 – 80 .
[314] في المطبوع عبد الرحمن بن سهل ، والتصحيح من المخطوط ، أفاد بهذا الشيخ صالح آل الشيخ ، من كتاب « هذه مفاهيمنا » ، ص 54 .
[315] «المعجم الكبير» (17/117) .
[316] «كتاب الجرح والتعديل » (5/244) .
[317] « موسوعة أقوال الإمام الدارقطني » ، ترجمة رقم 1621
[318] « الكامل في ضعفاء الرجال » ، (5/11) .
[319] « تقريب التهذيب » .
[320] نقلا من « السلسلة الضعيفة » (2/110) .
[321] ص 376 .
[322] أما قتال الملائكة معه في بدر فلم يكن بطلب مباشر من الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، بل كرامة من الله تعالى للمسلمين بدون طلب منهم ، قال تعالى (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ... الآية) ، فقوله (يوحي ربك) فيه تنبيه إلى أن تثبيت الملائكة لم يكن بطلب من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بأمر الله عز وجل المباشر .
[323] أي عرج عن الطريق وضل .
[324] « كشف الأستار » برقم (3128) .
[325] « شعب الإيمان » (6/128) .
[326] (6/92) ، الناشر مكتبة دار الباز .
[327] « كتاب العلل ومعرفة الرجال » (1428) .
[328] أي في آخر أمره .
[329] « كتاب العلل ومعرفة الرجال » (874) .
[330] « السلسلة الضعيفة » (2/112) ، ط 5 ، دار المعارف .
[331] (1/183) ، برقم (167) ، الناشر دار الكتب العلمية .
[332] أفادني بها الشيخ الوليد بن سيف النصر حفظه الله .
[333] « تدريب الراوي » ، الباب الحادي والعشرون ، قسم الموضوع ، (1/277) ، الناشر دار الكتب العلمية ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، ط 2.
[334] قاله الشيخ حمد بن ناصر آل معمر رحمه الله في «النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين» ، ص 75 – 76 ، باختصار وتصرف يسير .
[335] رواه أحمد (5/153) .
[336] أي أن الشبهة تقدح فيه شكا .
[337] « مفتاح دار السعادة » (1/442) .
[338] دحض الحق أي إبطاله . «لسان العرب» .
[339] وانظر ما قاله الإمام فيصل بن تركي رحمه الله كما في « الدرر السنية » (2/288) .
[340] قاله ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية الكريمة من سورة البقرة : 145 .
[341] قاله الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله في مقدمة له لأحد تحقيقاته على أحد كتب أئمة الدعوة .
[342] « الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح » ، (1/85 – 86) بتصرف يسير .
[343] « مجموع الفتاوى » (28/57) .
[344] « الروح » ، ص 179 ، الناشر دار ابن كثير .
[345] ملاحظة : العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح ، يراجع « درء تعارض العقل والنقل » لشيخ الإسلام ابن تيمية .
[346] « الاستغاثة في الرد على البكري » (2/ 582 – 587) باختصار يسير .
[347] « الاستغاثة في الرد على البكري » (2/588 – 589) .
[348] رواه البخاري (4547) ، ومسلم (2665) ، والترمذي (2994) ، وأبو داود (4598) ، وابن ماجه (47) ، وأحمد (6/256) عن عائشة رضي الله عنها .
[349] « منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس » ، ص 13 .
[350] رواه البخاري (7319) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[351] رواه مسلم (7) .
[352] رواه مسلم (1822) .
[353] «مجموع الفتاوى» (9/233) .
[354] وقد يسر الله إعداد قائمة علمية موسعة تحوي مراجع أهل السنة في العقيدة والشريعة والسلوك ، وتتضمن في طيها سلسلة للكتب المعنية بردود أهل السنة على جميع الطوائف والفرق المخالفة في شتى مسائل العقيدة ، وهي منشورة على شبكة المعلومات www.saaid.nصلى الله عليه وسلمt/kutob .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ماجـد الرسي
  • كتب عربية
  • رسائل العقيدة
  • "English"انجليزي
  • "Philippino"الفلبينية
  • كتب بلغات أخرى
  • بريد الكاتب e-mail
  • الصفحة الرئيسية