سـئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب
والشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمهم الله عن الرؤية فأجابوا :
وأما رؤية الله تعالى يوم القيامة فهي ثابتة عندنا ، وأجمع عليها أهل السنة
والجماعة ، والدليل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى {
وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة }[1].
وقال المفسرون :
المعنى : أنها تنظر إلى الله عز وجل كرامة لهم من الله ، ومن أعظم ما يتنعم به
أهل الجنة يوم القيامة ، كما ورد ذلك في الأحاديث عن رسول لله صلى الله
عليه وسلم .
وقال تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}[2] ، ووجه الدلالة من هذه الآية
الكريمة أن الله أخبر أن الكفار يُحجبون عن الله ، فدل ذلك على أن ذلك خاص بهم
وأن المؤمنين ليسوا كذلك ، بل يرون الله يوم القيامة .
والدليل الذي من القرآن قوله تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }[3].
ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم أن ذلك هو النظر إلى وجه الله .
وأما قوله {لا تدركه الأبصار}[4] ؛ فمن أحسن الأجوبة فيها جواب حبر الأمة
وترجمان القرآن عبد الله بن عباس لما قال : إن محمد رأى ربه .
فقال له السائل : أليس الله يقول {لا تدركه الأبصار} ؟
فقال : {لا تدركه الأبصار} أي : لا تحيط به ، ألست ترى السماء ؟
قال : بلى .
قال : أفـتدركها كلها ؟
قال : لا ، أو كما قال .
وأما قوله تبارك وتعالى لموسى {لن تراني }[5] الآية ، فذكر العلماء أن المراد
لن تراني في الدنيا ، وأيضاً الآية دليل واضح على جوازها وإمكانها ، لأن موسى
عليه السلام أعلم بالله من أن يسأله ما لا يجوز عليه أو يستحيل ، خصوصاً ما
يقتضي الجهل ، ولذلك رد بقوله تعالى {لن تراني} دون (لن أُرى) و (لن أُريك) و
(لن تنظر إلي) ، فبذلك تبين لك أنها دالة على مذهب أهل السنة والجماعة القائلين
بإثبات رؤية الله يوم القيامة ، ورادّة لمذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من
أهل الأهواء والبدع .
وأما السنة فثبت في الصحيحين والسنن والمسانيد من حديث جرير بن عبد الله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما سأله : هل نرى ربنا يوم
القيامة ؟
قال : إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تضامون[6] في رؤيته.
وكذلك ثبت ذلك في أحاديث متعددة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما الإِجماع فقد أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك ، وقد حكى الإِجماع غير
واحد من العلماء .
والخلاف الذي وقع بين الصحابة في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه
إنما ذلك رؤيته في الـدنيا ، فابن عباس وغيره أثبتها ، وعائشة تنفيها[7] ،
والله أعلم .
انتهى كلامه رحمه الله .
[1] القيامة 22 - 23
[2] المطففين : 15
[3] يونس : 26
[4] الأنعام : 103
[5] الأعراف : 143
[6] قال ابن الأثير رحمه الله في معنى تضامون : يروى بالتشديد والتخفيف ،
فالتشديد معناه : لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه ، ومعنى
التخفيف : لا ينالكم ضيم في رؤيته ، فيراه بعضكم دون بعض ، والضيم الظلم .
انتهى مختصرا .
[7] في المطبوع : تنفاها ، ولعله خطأ من النساخ .