|
جاء في كتاب " الرسائل الحسان في نصائح
الإخوان " للشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله ( ص 39 ) نقلاً عن
نشرة قم بنشرها مركز الدعوة والإرشاد بجدة " ما يلي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
لقد اعتاد كثير من الناس في مثل هذا الشهر شهر ربيع الأول من كل سنة إقامة
الحفلات الرائعة لذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك ليلة الثانية
عشر منه قائلين : إنه عبارة عن إظهار الشكر لله عز وجل على وجود خاتم النبيين
وأفضل المرسلين ، بإظهار السرور بمثل اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم
، وبما يكون فيه من الصدقات والأذكار ، فنقول : لا شك أنه سيد الخلق ،
وأعظمهم ، وأفضل من طلعت عليه الشمس ، ولكن لماذا لم يقم بهذا الشكر أحد من
الصحابة والتابعين ، ولا الأئمة المجتهدين ، ولا أهل القرون الثلاثة الذين
شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية ؟ مع أنهم أعظم محبة له منا ،
وهم على الخير أحرص ، وعلى اتباعه اشد ، بل كمال محبته وتعظيمه في متابعته
وطاعته ، واتباع أمره ، واجتناب نهيه ، وإحياء سنته ظاهراً وباطناً ، ونشر ما
بعث به
، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار والذين ابعوهم بإحسان ، لا في إقامة الحفلات المبتدعة
التي هي من سنن النصارى ، فإنه إذا جاء الشتاء في اثناء ( كانون الأول )
لأربع وعشرين خلت منه بزعمهم أنه ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام اضاءوا في
ذلك الأنوار ، ووضعوا الطعام ، وصار يوم سرور وفرح عندهم ، وليس في الإسلام
اصل لهذا ، بل الإسلام ينهى عن مشابهتهم ، ويأمر بمخالفتهم ، وقد قيل إن أول
من احتفل بالمولد النبوي ( كوكبري أبو سعيد بن أبي الحسن علي بن بكتكين
التركماني صاحب إربل ) أحدث ذلك في أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع
، فإنه يقيم ذلك الاحتفال ليلة التاسعة على ما أختاره المحدثون من ولادته صلى
الله عليه وسلم تلك الليلة ، وفارق ليلة الثانية عشر على ما قاله الجمهور ،
فهل كان الرتكماني ومن تبعه أعلم وأهدى سبيلاً من خيار هذه الأمة وفضلائها من
الصحابة ومن بعدهم ، في حين أنه لو قيل إن يوم البعثة أولى بهذا الشكر من يوم
الولادة لكان أحرى ، لأن النعمة والرحمة والخير والبركة إنما حصلت برسالته
بنص قوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء : 107 ) ،
ومعلوم أن كل بدعة يتعبد بها أصحابها أو تجعل من شعائر الدين فهي محرمة
ممنوعة ، لأن الله عز وجل أكمل الدين ، وأجمعت الأمة على أن أهل الصدر الأول
أكمل الناس إيماناً وإسلاماً ، فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه
صلى الله عليه وسلم فهم مخالفون لهديه ، مخطئون في ذلك ، إذ ليس من تعظيمه أن
تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل ، وحسن النية وصحة القصد لا
يبيحان الابتداع في الدين ، فإن جلّ ما أحدثه من كان قبلنا من التغيير في
دينهم عن حسن نية وقصد ، وما زالوا يزيدون وينقصون بقصد التعظيم وحسن النية ،
حتى صارت أديانهم خلاف ما جاءتهم به رسلهم والله أعلم .